ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : طاقة نور . مسابقة القصة القصيرة بقلم / السيد المرشدي .. مصر

السيد حسين محمد الرشدى ( السيد المرشدى )
جمهورية مصر العربية
تليفون/ واتس : 01009982312
فيسبوك : https://www.facebook.com/profile.php?id=100009375844939
قصة قصيرة
طاقة نور
فى يومٍ قائظ فى آواخر يونيو، الكهرباءُ مقطوعة منذ عدة ساعات. أتفهم هذا الأمر جيدا؛ فإن أكوام القش والبوص فوق أسطح منازلنا الريفية تكاد تشتعل من شدة الحرارة. قالت لى أمى : ربنا يرزقك ببنت الحلال يا ” عيد ” تُريحك وتنجب لك البنين والبنات، قالت ذلك على إثر حديثنا وأبى عن الخلافات المستمرة بين ابن الجيران ” عبود ” وأمه من ناحية، وزوجته وأهلها من ناحية أخرى، بسبب رغبته فى الزواج من ثانية لعدم إنجابهما وقد مر على زواجهم سنوات. ثم أردفت أمى ناصحة لى ” بطل قراية .. كفاية .. عينيك “.
سألتنى ما هذه الصورة الحلوة على المجلة التى بين يديك. أخبرتها أنها لفنانة من الذين نسمع عنهم فى التليفزيون. قالت أمى : بطنها مدور ، وصدرها عالى..!! لم أستطع ردا عليها.
– يا ولية ما تفتحى مخ الولد على حاجات مثل هذه ..!! رد أبى عليها.
– هل الجميلة تلك متزوجة ؟ تبدو أنها حبلى .. كان سؤال أمى وتعليقها على صورة مجلتى عديم الجدوى.
كانت إجابتى مجرد نظرة وسكوت تعنى عدم الفهم، ولشعورى بالخجل من تناول هذه الأمور.
سمعنا هرجاً ومرجاً فى بيت جيراننا، وجرىٌ وضربٌ، تأتينا أصواتُ جلبته واضحة عبر السطوح المتلاصقة، والحيطان المشتركة المبنية من طين الطمى، وفتحات أفلاق النخيل التى تحمل العرشية فوقها. أصخنا آذاننا؛فإذا بى أسمع صوت جارنا عبود” والله لأقتلنك يا بن الكلب” وأم عبود تشجعه وتحفزه : اضرب يا ولد .. لا يفلتن منك هذه المرة. اغلق باب الوسط. وصوت لهاث عبود يصلنا واضحا .. ضرب ليس ككل ضرب ، بل طحن شديد، أصوات أنين واستغاثة ..!!
نظرتُ لأبوىّ .. ربنا يستر.. الواد عبود أصابه جنون. أسرعت خارجا من البيت، خلفى أبى وأمى. بابنا ملاصق لباب عبود .. طرقت الباب ..صحت بأعلى صوت.. افتح يا عبود .. لا يصح ما تفعله .. حرام عليك. يأتينى صوته من الداخل .. لن أفتح حتى أخلص عليه.. يأمرنى بالسكوت .. أسكت يا عيد .. تعبت .. لم نعد نحتمل.
تكاد أمى تصرخ ، وأبى يدفع الباب بكلتا يديه، وليس هناك مارٌ بالشارع فى ذلك الوقت من الظهيرة نستغيث به. صوت أم عبود لا ينقطع عن التشجيع والتحفيز .. إضرب .. أقتل .. يا لقلب المرأة الحانية عندما تكره. صوت الاستغاثة الذى كان واضحا قبل قليل.. يضعف ، يخفت .. يسكت تماما. قُضى الأمر، ولم نعد نسمع صوتا لعبود أو لأمه، ونحن لا نزال نطرق الباب وأبى يدفعه بكلتا يديه. سمعنا مزلاج الباب يُسحب من الداخل. جاء عبود من هناك من عند باب الوسط ليفتح لنا الباب الموصد. العرق يملأ وجهه وصدره، وفى يده خشبة طويلة عريضة، لو تلقى الثور ضربة منها لخار من لحظته، عليها آثار دماء. اندفعت إلى داخل البيت. أم عبود جالسة على الأرض الرملية تضع رأسها بين يديها. أبحث عن الزوجة، لعلى أستطيع إنقاذها فى اللحظات الأخيرة، ليست فى صالة البيت.. ميدان الاقتتال، لا بد أنها فى الحجرة الصغيرة هناك عند باب الوسط ملقاة على الأرض غريقة فى دمائها .. يا لهول المفاجأة، والصدمة، شعرتُ بدوار خفيف، ووضعت يدى على عينى أمسحهما .. أردت الكلام، فلم أستطع.. انعقد لسانى. وجدتها واقفة تسند ظهرها على الحائط.. هى هى بلحمها وشحهمها.. أميَل إلى القصر، مكتنزة قليلا، بيضاء،وجهها شاحب .. ربما من أثر متابعة المعركة، وخوفا على زوجها.. نظرتْ إلىّ مندهشة،وكأنها قرأت ما يدور فى عقلى .. حاولت المرأة أن ترسم على شفتيها ضحكة لكنها لم تستطع.. الإعياءُ باد عليها. قالت بصوت واهن : ماذا دهاك ؟ لست أنا .. إنما القتيل هو ذاك .. ممدد على الأرض.. أتعبَنا وحيرنا .. نظرت إلى جانب الحائط، فوجدته ولا يزال به نفس.. ينازع الحياة فى رمقها الأخير. نظرت إلى عبود الذى جاء يقف خلفى. رفع يده وأهوى بها على رأسه.. ضربة أخرى ساحقة ماحقة .. ارتعشت أطرافه رعشة مخيفة، ثم ما لبث أن سكت عن الحركة والنفَس تماما. كان قطا غير مألوف الشكل والحجم ، تسلط على طيور البلد : دجاجها وبطها وأوزها، فلم يترك لأحد منا شيئا إلا اختطفه، أو أصابه إصابة مميتة إذا ما تنبه أصحاب البيت إلى وجوده، فاستطاعوا مطاردته دون القدرة على النَيْل منه.
سألتُ عبود كيف يتسنى لهذا القاتل الدخول إلى بيتهم، والعرش محكم على الحوائط. أشار إلى فتحة فى الأعلى. طلبتُ منه أن يغلقها، وسألته :لمَ لم يغلقها من قبل ؟ أجابنى بأنها طاقة نور تُدخل الهواء والضوء إلى حجرة الطيور ومنها يتسلل إلى باقى البيت.
انتبهتُ وعبود إلى زوجته، ثم أعاد النظر إلى القط الذى لا زال ينزف دما ملأ أرضية الحجرة الصغيرة، ولم تستطع رمالها أن تتشربه. طلبتُ من زوجته أن تعد كوبا من الليمون لزوجها تهدىء من ثورته على قاتل الطيور الذى أصبح الآن قتيلا أمام أعيننا. كنت أسرق نظرات لانتفاشة صدرها، وتدويرة بطنها؛ فيروقنى ما كانت تحدثنى به أمى منذ ساعة عن بنت الحلال. لا شك أنه خبر سوف يفرح الناس جميعا .. مقتل القط الثور طبعا، لا خبر عثورى على بنت حلال. لكن على كل حال فتَّحت أمى ذهنى على طاقة نور جعلتنى أفكر فى أمر الزواج وحلاوته بعيداً عن منغصات الإنجاب ومصاريف الحمل وتكاليف المعيشة.
لم تستطع الزوجة أن تتحرك من وقفتها، فتح عبود فاها لينهرها،ويأمرها بإجابة طلبى، لكنه توقف فى اللحظة الأخيرة، ثم ما لبثت الزوجة الصغيرة أن وقعت على الأرض هى الأخرى مغشيا عليها.
تحركت مشاعر المرأة العجوز، أمُ عبود تجاة البنيّة الصغيرة، فطلبت من ولدها أن يأخذها لطبيب الوحدة الصحية التى تبعد عنا عدة كيلومترات .. مستشفى المركز بعيد، والأطباء فى قريتنا يغالون فى أسعارهم ووصف أدويتهم خدمة لأصحاب الصيدليات التى بدأت تنتشر فى قرانا مثل دكاكين ومحلات البقالة.
على آخر النهار .. عاودت الذهاب إلى بيت عبود لأطمئن عليه وزوجته فهو أولُ جار. توافد الناس يحيونه على شجاعته وقوته فى مواجهة القط الثور الذى حرمهم من أكل لحوم طيورهم حينا من الدهر. وجدتُ عبود وأمه فى حال فرح لم تبدو عليهما من قبل. هممت أن أسأله عن حال زوجته.. آثرت السكوت، فلا ينبغى ذلك.عبود يشكرنا على زيارته عندما خرجت زوجته من حجرة النوم تستند بدلال واضح على الحائط.قال : شرفتمونى بزيارتكم، فأنا سعيد حقا، خاصة بعدما أخبرنى الطبيب أن زوجتى حامل فى أيامها الأولى. باركنا له ولده القادم، وانطلقتُ أستفهم من أمى؛لتفتح لى طاقةَ النور التى جعلتها تفهم شكل الصورة التى كانت على غلاف مجلتى.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى