ط
مواضيع

المرأة المنحرفة في المجتمعات العربيّة / جانية أم مجنيّا عليها ؟

غنية كبير
بقلم – غنيّة كبير –
أحبّ أن ألفت القارئ بصفة عامّة بأن الخاصّة الأولى في ديننا ، هي أنّه دين الفطرة ودين التسامح ودين يشجع على التوبة حتّى و لو كانت في سنّ متأخر ، فقد يكون قبولها ليس بالمتأخّر ، لأن الأمور أحيانا تقاس بخواتيمها و الله غفور رحيم …
ديننا بتعاليمه المتنوّعة في كلّ وجهة من وجهات الحياة هي نداء للطبائع السليمة و الأفكار الصّحيحة ، و توجيهاته المبثوثة في أصوله متنفّس طلق لما تنشده النّفوس من راحة …
الحديث عن المرأة المنحرفة عندنا يحتاج إلى تظافر عدّة علوم لتقديم قراءة واعية لوضع هذه المرأة في مجتمعات لا تتسامح مع المرأة بقدر ما تتسامح مع الرّجل ، و ذلك ما يولّد حقدا دفينا في نفس هذه المخلوقة تفجّره غالبا في أختها المستقيمة ، لأنها تحسدها على ثباتها و قوّتها خصوصا إذا كانت جميلة، فالمرأة قد تتسامح مع أخرى أكثر ثقافة أو أكثر صرامة و ثباتا لكن أبدا لن تتسامح مع الجميلة لأنها تراها أخذت ميزات هامة دون جهد ، فتسعى لأن تقتصّ منها ، في وقت ترى نفسها مظلومة لأنها أخطأت ربما في سنّ مبكرّة لينسحب العار على حياتها و حياة أسرتها .
المرأة الغربيّة في غالب الأحيان لا تعاني من هذا المشكل لأنها تعيش في مجتمع أكثر انفتاحا يهتمّ فيه كلّ واحد بتطوير نفسه وتطوير وطنه ، ولا وقت له ليشغل نفسه بتتبع عورات الآخرين، خصوصا أن الأديان تختلف والعادات أيضا.
عند العرب تظلّ المنحرفة امرأة منبوذة من المجتمع ، لا يسمح لها بالاختلاط مع نساء المجتمع المحافظات وإطاراته المثقفات اللواتي ينظرن إليها نظرة عمودية و باشمئزاز أيضا ، و بالتالي فقد حكم عليها المحيط بالانحدار الأخلاقي إن لم نقل السقوط الحرّ مادام علماء التنمية البشريّة يؤكّدون على أن أوّل خطوة لتغيير نفسك نحو الأحسن هي الاختلاط بأشخاص إيجابيين و بمستوى أفضل …
نظرة المجتمع العربي إلى المرأة المنحرفة تؤكّدها تلك الأمثال المتوارثة باعتبار المثل هو التعبير المباشر عن الفكر الشعبوي ، و مرور سريع على تلك الأمثال يكشف لنا أن الفكر العربي فكر يقتل الرغبة في التوبة عند المرأة .
ففي مصر مثلا تجدهم يقولون ” إن كانت الميّه تروب ، تبقى الفاجرة تُّوب ” ، و أيضا ” بنت الفارة حفّارة ” في إشارة أنّ ابنة المرأة المنحرفة تكتسب عن أمها الطباع نفسها ، و أمثال أخرى يستحي القلم من خطّها .
في لبنان يقولون ” ابن الزّنى ربّيه ” أي أنّ أمه لا تملك ما تقدمه له خصوصا و أنه يأتي إلى الدنيا بمكتسبات سيئة حسبهم ، و أيضا ” أختو بالخمّارة و عامل إمارة ” ، و هنا عار البنت ينسحب إلى كلّ العائلة لتُعامل معاملة دونيّة ، و في نصيحة لاختيار الزوجة يقولون ” اسأل عن الأم قبل ما تلمّ ” ، و أيضا ” الله المجير من النسوان إذا فجرت و الرجال إذا هجمت” ، و أيضا يستهزؤون بها فيقولون ” بدل ما تمشي تهزّي كتفك ، رقعي فردة خفّك ” ، أي أن المرأة الوضيعة امرأة ناقصة لا يحق لها أن تتعالى أو تظهر ، و يميّز اللبنانيون بين البنت الشريفة و المنحرفة فيقولون ” بنت الجيد عانت و استعانت وبنت النذل حطّت راسا و نامت ” ، كما راح المجتمع في بعض المواضع يحث على استغلال المسكينة فيقول المثل ” الفاجرة جاريها و الحرّة عاديها ” …
في سوريا لا تختلف النظرة ، نجد الإنسان السوري يرى بأن ” أتايه عوجا ، إذا جلّستا بتنكسر ” فهم يصفون المرأة غير المستقيمة كونها من ضلع أعوج إذا حاولت إصلاحها تنكسر ، فلا يمكن لها أن تتحسّن .
المثل الفلسطيني أيضا يقول ” حُطّ الذُّوريّة بسبع قصور عن كارها ما تغيّرت ” ، و في الأردن يحذّرون من ذلك النّوع من النساء ” دموع العواهر نواعر” …
و في عمان الشيء نفسه ” راعي الطبع ما يصبر عن طبعه و لو يقص صبعه ” ، في العراق أيضا يأتي المثل ليس بعيدا عما جاء عند باقي العرب ” اكسر بصلة و اشتمّها و البنيّة على ذيل أمها ” .
حتى المثل التونسي يصبّ في الاتجاه نفسه ” ما تغلب الرجال الذكور ، إلا النساء الفجور ، و ما تغلب النسا الفجور إلا غمّة القبور ” …
أليست الثقافة الشّعبية العربيّة عاملا سلبيا يجعل المرأة المنحرفة تتجه باتجاه واحد دون رجعة ؟؟؟
و لا نورد في هذا المقام الأحاديث الضعيفة التي ترسّخ المبدأ ذاته ، طبعا لأنها ضعيفة مستوحاة من من الثقافة السائدة .
و حتى في النصوص العربية التي تدّعي الحداثة ، و بالرغم من أن الدراسات النقدية الحداثية قد تجاوزت كل المفاهيم القديمة ، لكن ذلك أملى على الكاتب تغيير البناء الروائي و ليس المضمون ، فالبطلة المنحرفة في الرواية العربية تظل امرأة منبوذة حتى على مستوى المتخيّل ، و كثيرا ما كانت نهايتها مأساوية …
ألا يبني هذا نفسية معينة عند المخلوقة التي تميل شيئا فشيئا إلى الانتقام من هذا المجتمع الذي يهمّشها ، و الأكيد أنها ستتجه للانتقام من أختها ، فالفاشلة تنتقد الناجحة و غير المستقيمة تتهم المستقيمة ، في محاولة لخدش جدار أخلاقها الذي بنته منذ الطفولة بقوّة الشخصية و المثابرة و الإيمان ، فلا عجب أن تجد صحفية فاشلة تنتقد أعمال أحلام مستغانمي و شخصها ، أو تجد حلّاقة من نوع معين تقصف خديجة بن قنة …
ذلك أن المرء يتجاوب مع معاني الخير و الشر الطارئة عليه ، فبحسب وضعه تكون ردّة فعله …
فإن طابت نفسه تجده يحيا في جوّ من الخير تنحسر دونه موجات الإثم و العصيان و ذلك ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى عن الشيطان ” إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا و على ربهم يتوكلون ، إنما سلطانه على الذين يتولّونه و الذين هم به مشركون ” .
أما إذا خبثت النفس فإن المرء يستجيب لدوافع الجريمة التي تلح عليه ، و تسوقه إلى مصير كئيب ، و ذلك في قوله عزّ وجلّ ” ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزّهم أزّا ، فلا تعجل عليهم إنما نعدّ لهم عدّا ”
صدق الله العظيم .
في الحقيقة إن الثقافة الغربية التي تعمل بمبدأ ” ليس متأخّرا أبدا أن تعمل أفضل ” ، قد تفوّقت على نظيرتها العربية التي تصنع من المرأة المنحرفة امرأة وضيعة و شبح مخيف مليء بالكراهية و الحقد و السلبيّة خصوصا اتجاه أختها الصالحة .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى