ط
الشعر والأدب

المرفأ البعيد..قصة قصيرة بقلم الكاتبة / هدى كريد

 

حين تنظر في مرآتها كلّ يوم تعاين فعل الزّمن وترصد صولاته على أرض المعركة تلامس يداها أخاديد وتضرب مع الكبر مواعيد…كانت المرآة المشظّاة تريها حشدا منها.تضحك في سرّها ..هذه الملعونة تصنع لها اشباها..وهي تكره أن تكون شبيهة بأحد.. تحبّ المرايا حين تجلو صورتها متواطئة مع شفيف البلّور و وضيء إشراقاتها الداخليّة المنعكسة على الوجه الاسمر وتينك العينين المغويتين الماكرتين…فيكون لهما وميض رغم الكدر..لم تكن تعبأ لارث السنّين ..والحقّ أنّ السّهاد هو العدوّ الأكبر..يتألبّ عليهامع القلق الذّي قدّت اعصابها منه…لم تكن علاقتها طيّبة بالنّوم منذ الصّغر..وحين تجبر على الخلود إلى الرّاحة في القيلولة كانت تتسلّى بتفتيت الورق حتّى تنتهي إقامتها الجبريّة. فتمرح كماتشاء وتركض كمن لم يركض يوما لعلّة اقعدته . فشاقه الانطلاق إلى أبعد نقطة …تجري بأقصى قوة ممكنة لساقيها النّحيلتين …كانت صباحاتها مضمّخة دوما بأشواق النّور بعد اللّيل المندحر …
ولكنّها لا تريد أن تكون شاهدة على وقائع الحرب بين النّور والظّلمة..
فارقت المقعد المزركش بماتعشق من آيات القدم …اشترته من محلّ للتحف القديمة ..ساومت البائع مساومة لم تخف لهفتها..وفي الأخير جمعت كلّ ما بجيبها بل كلّ مابقي لها من راتبها.. ودفعت ثمنه …لايهّم …الأكل عادة ..والثوب أنيق ببساطته وكفى..
ألقت آخر نظرة على المرآة تبحث في دروب الاستحالة عن بوّابات الظّفر…وقفت في الشّرفة بين غرفتها تلك المدينة العائمة على الاحلام وبين العالم الخارجي…
نزعت ورقة من تقويم العمر المعلّق على تخوم المجهول..وحفظتها في درج المكتب. ..كان التّماسّ اللّذيذ مع أوراق الزّمن يشعرها بشيء من السّيطرة عليه..
اليوم عقدت عزمها..لن تكون واحدة من سباياه.اليوم يبدأ موسم العشق..كم انتظرت الرّبيع الواعد بالجنون بعد فصل النّزيف ..لن تكون عانسا بعد اليوم

تسير في الدّرب تفترسها العيون الجائعة ..عيون حمراء ذكّرتها بكلب مقيت يسيل لعابه…
لم تعد تذكر كيف تخلّصوا منه…ما يعنيها حقّا كيف السّبيل الى القضاء على كلاب هذا الزّمن الموبوء.. اللّهاث يلاحقها…هذا المترف يوقف السّيارة في أنفة وينتظر.. علّها تفتح الباب …والثّاني شيخ متصاب في عينيه بقايا فجور ….والثالث يافع يجرّب أساليب الغزل …اللّهاث يقوى …تقع عيناها على جريدة في كشك … أخبار القتل والاغتصاب والحروب تملأ العالم…هزّت كتفتيهاوفتحت حقيبتها اليدويّةتبحث عن مرآتها الصّعيرة وسارت في الطّريق مشيحة بوجهها عن اكداس قمامة متناثرة هنا وهناك…

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى