ط
أخبار متنوعة

صائد الأرواح .قصة قصيرة بلقم / إسماعيل آلرجب . العراق

صائد الارواح…

كنا نذهب بعيدا ، نترقّب وقت الغروب، مواقد النار ، يحفرون لها اخاديد منتظمة ، ثم يضعون عواميد الحطب ، هي من سيقان الاشجار اليابسة ، يشعلون فيها النار ، كنا ننظر اليها وهي تضطرم ، ويخوض ضوءها في الظلام ، ليبعث في النفس بهجة الحركة في الاشياء ، حينها وفي عمر الصبا ، كان الامر لايتعدى في عقلنا الصغير ، هذه الحركة الدائبة للرجال ، والنار المشتعلة تحت قدور الطعام الكبيرة ، واجتماع الناس حلقات على آنية كبيرة لتناول الطعام ، كنا لانفرّق بين الوليمة والوضيمة ، في تخفيف الم الجوع ، والاستمتاع بتناول اللحم المطبوخ ، فقط في المناسبات والاعياد .

وكلّما يطرق اسماعنا خبرا ، انّ فلان في القرية المجاورة ، قد انتقل الى رحمة الله ، نتبع خطى الرجال ، فنروح خماصا ، ونعود بطانا .

لم تكن فكرة الموت حينها ترعبنا ، لأنّنا لانعلم ماذا يعني ان يموت الانسان ، كما ان الذين يموتون كانوا فُرادى ، فرد هنا وآخر هناك ، وفي فترات متباعدة.

يتقدم العمر بنا فنكبر ، لكنّ فكرة الموت نفسها تبقى غامضة ، متمردة على أي تعريف ، ولايسع حقيقتها الّا من يموت ، ولم يعد الينا احدا بعد موته ، ليخبرنا بما جرى له. حتّى بلغ عمرنا خدمة العَلَم ، وجبهات القتال ،

علمنا ان الموت يأتي ، مع اصوات المدافع والقذائف ، مع الرصاص المندفع بقوة ، والشظايا المتطايرة ، هو يبتغي ساحات المعارك ، ففيها صيده الثمين ، وبامكانه ان يستتربالدخان ورائحة البارود ، ليقتنص الارواح ، يجمعها ويطير بها مبتهجا ، لانه ادّى واجبه على اكمل وجه ، بينما تبقى الجثث ، تنتظر من يحملها على ظهورالسيارات ، ملفوفة بالعَلَم وهي تُسابق الريح والدموع ، لتصل الى جميع المحافظات.

ايامها كنّا مدفوعين للموت ، نغزوه خارج حدود الوطن ، واليوم هو يغزونا ، في شوارعنا ، في حاراتنا ، في بيوتنا ، نشعر به يقترب واحيانا يتنفس في وجوهنا او نسمع حسيسه في فراشنا ، يتحقق في غيرنا ، فيوارى الثرى ، ونقف نحن الباقون في الطابور ننتظر قدومه .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى