ط
أخبار متنوعة

حسناء الشاشة الجزائرية فقيدة إرهاب الطرقات

من مكتب الجزائر / براضية منال

هي أحد الوجوه الفنية في عالم المسرح والسينما الجزائرية، قطفها الموت في ريعان شبابها، لكنها خلدت مسيرة فنية براقة ومتوهجة إلى حد الساعة، وجه أنثوي مازلت ملامحه تغازل ركح المسارح، وأضواء قاعات السينما، استطاعت أن تقطف من كل حقول النجاح زهرة، فجمعت بين حسن الخلقة، وبشاشة المحيا، والصوت الحنون المغرد، والحضور القوي في أعمالها، حتى صنفها العديد أنها حسناء الشاشة الجزائرية بدون منازع في تلك الفترة، يستوقفنا هذا الوجه في أسماء من الذاكرة لهذا العدد، بعد رحيل يشرف على الأربعين سنة، لنبعث الحياة في ذكرياتها، ونشعل فتيل شمعة انطفأت في عز شبابها، لكنها بقيت خالدة خلود أعمالها.

شاءت الأقدار أن تعيش اليتم وهي في السنوات الأولى من حياتها، فلم تستطع أن تحتفظ بصورة محيا وجه أبيها الذي أعدم من طرف المستعمر الفرنسي بعد سنوات من التعذيب في غياهب السجون، وفصل القدر بين موته ومجيئها إلى هذه الدنيا أسبوعا فقط أي 7 و14 ماي من سنة1941، عاشت من بعده محرومة من دفء وحنان صدر أبيها، لتعيش من بعده حرقة الابتعاد عن أمها، بعد ما أعادت الزواج من رجل آخر والانتقال معه، تاركة ياسمينة في حضن جدتها، فاشتد ساعدها بعد كل ما عانته من آلام الفراق وهول اليتم المبكر.
عندما نضجت أنوثتها خرجت إلى عالم الشغل، تزوجت في سن مبكر، لكن القدر أرادها أن تصبح مطلقة وأم “نعيمة”، أرسلها القدر من بعدها لأن تشرب من نبع موهبتها والكشف عن مكنوناتها الخفية، وهو ما لامسها فيها “محمد حلمي” الذي كان بمثابة مفتاح ولوجها إلى عالم التمثيل، فانطلقت معه في أول عمل لامست من خلاله قدرتها على التواجد ضمن أدوار كبيرة فيما بعد، بعد دور في مسرحية “الخميرة والبيروقراطية”، كان هذا العمل بمثابة إسقاط القناع على موهبة متسترة، وحضور وجه أنثوي قوي ينافس الوجوه الذكورية في تلك الفترة، كيف لا، وقد جلست إلى الكثير من رواده على غرار “مصطفى كاتب” و”سيد أحمد أقومي” و”عزالدين مجوبي”، انتقلت فيما بعد من الفن الرابع لتطرق أبواب الفن السابع، في أول عمل سينمائي سنة 1964 في فيلم “المزاح يتحول إلى حقيقة”، وبالفعل تحول حلم ياسمينة إلى حقيقة، لأن العمالقة يولدون من رحم اليأس والألم، وهو مدرستها الأولى، التي صنعت منها هذا الوجه الفني في عالم المسرح والسينما الجزائرية.
فاقت أعمالها في الفن الرابع والسابع عمرها الحقيقي، فقدمت ما لم يقدمه غيرها بعد طول عمر، ليس كمّا، لكن نوعا وحضورا، كانت البداية سنة 1963 وانتهت سنة 1977، سنة وفاتها وهي تجوب الغرب الجزائري في آخر عرض لها في هذا العالم وعالم الدنيا ككل، نحصي لها اليوم العديد من الأدوار في أعمال خالدة جنبا إلى جنب مع رواد هذا الفن، منها “الليل يحاف من الشمس”، لمصطفى بديع رفقة العديد من رواد السينما الجزائرية، “الهجرة”، “الكلاب”، “أبناء نوفمبر”، “حسان طيرو في الجبل” لموسى حداد، أما من أدوارها في المسرح، كان أنجحها “دائرة الطباشير القوقازية” للمؤلف الألماني “بريخت”، ومن إخراج “الحاج اعمر” سنة 1969 وهو الدور الذي جذب إليها الأنظار في كل العالم سواء من المتتبعين أو النقاد، وفتح لها الأبواب على مصراعيها لتلامس شعاع الشهرة.
سنة من بعد مثلت في اثنين من الأعمال الخالدة في عالم المسرح الجزائري وهما “إبليس الأعور” و”البوابون”، رفقة قامة المسرح والسينما “رويشد “، وهو دليل حضورها القوي وعلو كعبها في هذين العالمين من دون وجل ولا خجل.
أتت من بعده أعمالها كالسيل الغزير، وشاركت في العديد من الروائع سواء في المسرح أو السينما، وكأنها أحست بقرب أجلها، ومنها “سكة السلامة”، “الإنسان الطيب في يس تشوان”، “مسرحية المولد”، “زعيط ومعيط ونقاز الحيط”، لمحمد توري، وهو آخر عمل لها، فبعد الجولة التي قادتها إلى الغرب الجزائري، رفقة المع الممثلين في هذه المسرحية على غرار “شريف عياد” و”عزالدين مجوبي “، شاءت الأقدار أن تلتحق بالرفيق الأعلى بعد حادث أليم ماتت على إثره إلى جانب ثلاثة ممثلين معها، انطفأت بذلك شمعة الممثلة الشابة “ياسمينة دوار”، وهي في أوج عطائها.
هي مسيرة لوجه أنثوي، وإن كانت قصيرة، إلا أنها كانت غنية من حيث العطاء، خلدت لهذا الوجه البشوش من خلال أعمال بقيت مرسومة على جبهة الفن الرابع والسابع في الجزائر، وبقي مكانها شاغرا إلى حد اليوم12208735_922799467790528_7401697346835446046_n

زر الذهاب إلى الأعلى