ط
الشعر والأدب

خاطرة بعنوان نجلُ العنقاء الأخير بقلم / سراج عباسى ..الجزائر


عتبةً من سِجّل الماضِي القرِيب، يتيمةٌ قد تَدَافع لأجلِها البريئَان بعد طُول نزالٍ شريف، الأشياءُ النادرة قد أُخفيت ليلةَ العزاء، الأمُ تهاتف نفسها تنتظر ردَّ الوفاء بعد طولِ غياب، احتكمنا للخير وسَادَ العدل بينهم والتقينا بمحضِ الصدفة قدرَا، تجدني أُلامِسُ عيني أحسبُني مُشتاقًا لمذاقِ تلك القُبلة، متحسرا على ثانية أمضيتها لها، أتحسّسُ الألم ينتابني كأنني قطعةٍ من كُوب مكسُور، كأنّني سجادة عظيمٍ لا لونَ لها، كأنّني ٱخرُ شمعة أشعلتُها قبلَ نومي، كأنّني كُل شيء حيث صِرتُ لا أدري أني أملكُ كل شيء إلا أنا، تَرَاني أبدُوا محلّقًا فوق سريرِ دُميتي، أتحرّك أداعبُ شعر أمي وأراود الأنا عن نفسي، تشبهني الذكرياتُ المارة بالقرب من موسيقى أوغست روش، تتناقلني أحاسيسُ اللهفة إلى ذاك العناق، عناق يقربي إليّ حين أفتقدني بقربها، تشدّني رغبةُ في أكل شطيرةٍ تشبهُ طعمَ الملاذِ الأخير، رُبما أجدني حيثُ لم أجد أحدًا، غرابة تسكُنهم فلمَ أبدُو مثلهم، نمتُ وأنا لم أذهب لفراشي بعد، غادرتُ وأنا لم أعدّ نفسي للمجيئ حتى، أردتُ أن أنقل الأخرى بجانبي فنقلت يدها وتركت قلبي وكُنت هناكَ حيث هِي، جميلةٌ أشيائي حِين ألمسُها، لكِن لما تصبحُ قبيحةً حين تقول لي: أريد أن أملكها، أتفاجأ وأنا أمضي الليلَ بقُربها وتجدني وحدي لا يُشاركني الفراغ غيرُها، كأّنّ أحلامي عبسَت تأبى الإقبال دُونها، أتأملُ في خاتمٍ ذا لونٍ خشبي كان بجيبها، لم أحتر برُؤيته عندها لكن كيف بربي صار لها، منازلُ الشرّ تبنى ومنازلُ الخير تملأ الأرجاء، تُرى أجارتي تدري بأني أحبُّ جروها، أم لعلي أمقت حذاءَ رفيقتها حين تزورها، مُجردُ التفكير في أن هناك غيري يملك طريقتي سيجعل مني أبدو أبلها، مُجرد كوني أرى نفسي في المرٱة يجعل لمثلي موردًا، لما هو يُحدّق بي ولما يملكُ تلك العين التي أنا من رٱه بها، هربي من مرٱة جدتي لم يكن نحسًا بل لكوني لا أحبُ أن أكون مقلدًا، أخاطب نفسي وليست هي، الإمعيةُ هالة مجزولة قد ألقيت بنهرٍ لعنقاء الدجى، لا أحبُ أن يكون غيري أنا، ولا أحب أن تكون الأنا مثل أيّ أنا، وليمةٌ بقصر تلك الفاتنة سيجعلُ من سهرِ النهار ممتعًا، النومُ يتأخر حينَ تظهر وينام قبلي حين تغادر، تتبدل النسائم من حين لآخر لتداعب ملمسَ عينها، تغازلها النجوم وتغارُ من من حافة الطريق المارّة بها، تتحركُنا المشاعر وأرقبُ لقياها وأخاطبُ الأصمّ وأسمعُ اللبيب وأنام في حضنِ الغائب حتى يعُود، نبلٌ شديد، إخلاصٌ عجيب، لطفٌ عميق، ستائرُ مسدلة تأخذها ريحُ المطر يمنةً ويسرة كأنها شذى تُرمق بها الناعيات كل مساء، كأنّها سرمديّة المنتهى وسماويّة اللقاء، تأبى الرحيل وتُحاول البوح، تجادلني لتخبرني ماذا فعل الحمق به، زيّفهم الإختباء وجعلت منه الحقيقة أدعياء، حكمَ عليهم السمو ومنحهُم العفو حُسن التبرير، عظّم لهم التاريخ سيرَ جرائمهم، وكتبَ لهم غابريال ٱخر قصائده، ناشدهُم بحُب وعانقوهُ بغدر، تلاشت العُذريّة وقُهِر نقاء تلك الرُوح الهائمة، أسطوانةٌ تقضي ٱخر ذُروة لها في مصاف القطار العابث، ترانيم تنقلُ ثرَى القبر الراحل، وحياة تبعثُ في جثة القلمِ المغمور، كأنّني أتدارك عن غيري وغيرهم لا يُبالي بحقهم، هيتَ لنا ما أجمل الغدر بين أيدينا، وما أوفى النقاء عند وُعودنا، وما أنبل الهتك خلف أقنعتنا.

تنتشلنا المٱسي وتأخذ بيدنا المقالب، تعبثُ بنا المواقف وتُنازلنا البدايات، كأنّنا من قهرِ عُهرنا صرنا نبلاءَ قصر نابليون وسادةَ عرش الملك سُعود، تفر مِنا أقنعتنا وتُحبنا الضحكات بين شِفاهنا، تبتسمُ لنا الغوغاء وتغدر بنا سليلة بني الخزرج، همجٌ رعَاع كأنّنا نحسن القتل جهرا، وطُوفانُ سُمّنا ينهُل من واحات بُؤسنا فلا يظمأ، السفنُ تسري خلفَ قضبانِ المحيط، أمواجٌ تخاطبُ الماسك بزمام أمرها: إن الوهن لَمِن أشدِّ السهوِ والعَطب، لا فيضَ للأُفقِ بأرضِ تمر بها قطعانكم متأنيّة، وإن الخُلّص النواعق وحدهُم ذوُو الشأن الأدهى والأمّر، رحلةُ الكونِ الجميل ، تحملُ ممرًا كأنه تذكرة للحياة الأزلية، ينادى له ويتعاقبه جيلٌ بعد جيل، وقفةٌ لمشاهدة ضحايا الخامسة بعد رُبع، نقلة للتأمل في مسار الألف ساعة، تتداخلني بين هؤلاء نسمة حزن، أحاول أن أبعثر تلك الجروح فتشارك كل جارحة نعي ٱخر قابع منالمطالبي أهجو أرضًا أسكنتهم بريعها وأذاقتهم من وحل نذلها وطين شحها، لما يا أنتِ، تقتلين العصمة وتخرِقين ٱخر طوافِ المودة، تشتتين الماضي الجميل وتهتز أواصله بخبث عقلك ومكر هواك، الموت لهم ليس غاية والحياة لك من أغلى المطالب، يتواترُ من حبرٍ إلى ورق عزفُ الموؤُودة بالناي الأزرق، تكتبُ سطورٌ من حرير بساريةٍ لا ظل لها، يُطِّل الشامتُ ليرُى حصدَ العزيمة إذ أهلت، يستشعر نُجوم الوغى تتطايرُ جنبًا إلى جنب تكاد تُضيئ ولم يمسسها من النور شيء، معالمٌ تباد ومعارك تحسم ونهاية تبدأ، واللحنُ يعزف والجرمُ يموت والحكمُ يعلن ، فقط تتبعثرنا الأشياء لنبقى رغم كل الٱحاجي كي لا نكون،تألفُنا الطباعُ النيّرة، تسلكُ بنا القيمُ معاني السُؤددِ والنُبوغ، صباحٌ ذو هواءٍ نقيّ ينتحر كل ثانيةٍ نتأملُ فيها فيما مضى، الماضي يطاردُ الأمنيات، قناصٌ محترف يسعى خلفَ طريدته بتأني، يُزاول رغباتهِ كلّما ملَّ من تكرار الحقيقة معه، يُسامح بعُمق حتى يحدث جرحًا بذات الضمادِ التي حاول إبراء نفسه بها، يعيد لملمة أشكالِ الحُروف الصامتة في فمه، يسلبُ منها ٱخر فرصةٍ بأن تتحرر لأجله، تأنّبهُ لكنّه يتجاهلها بحماقةٍ كأنّه أوعى منها بحالهِ وحالها، يقيّدها ويُحكِمُ وثاقَها ويسجن كل أملٍ يُحاولُ المرور عبرها، يستأنفُ عجرفته كل صحوةٍ من صِباه، يكتنفُ داخلهُ الشعور بأنّه أحقر ممن تبّت أيدِيهم ذات يوم، لكنّ اللامبالاة تنطق بلسانه في كُل كرّة، كأنّ عقدهُ معها لم يُفسخ بعد ٱخر نعقة وحسرة لهُما معًا، إن السحب المتجلية لنا في عز الليل حللٌ تناشد وحينا، ترتدي فساتين النقاء تتباين صانعةً إلهامًا مرموقًا لحرفنا الفاني، قمرٌ خفيٌّ عن كل بصر يسري بين صفحاتِ كل مريدٍ بأن يُرى، ويحنا لا نكثر تأملهُ، فعهدُه صعبُ المنال لمن قد فتَر .. سيسُود العدل وتبنى العزّة وتنتهي الجنائز وتفرح العنقاء .. ويُراودها الشعور بأنها قد أفاقت أخيرًا، تستشعرُ أن نوبتها قد أفلتت من عُنقها، وأنَّ الغيبُوبة قد انقضَت وحملت ٱخر ٱمارات العويلِ المُضمّر خلفَ عينَيها وهي في سُبات، تئّن وتحّن وذنبها أنها قد قالت في وجه عُذريتها: نعم قد لا تسعني في حق نفسي لكنّ العُهر اختارني كي نكُون معًا . #الكاتب_سراج_عباسي

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى