ط
مسابقة القصة القصيرة

رغم انف القدر . مسابقة القصة القصيرة بقلم / هيام حسن العماطورى .سوريا


للمسابقة_ قصة قصيرة بعنوان رغم أنف القدر _ الكاتبة هيام حسن العماطوري _سوريا .

بدات قصتي بذلك البيت البعيد في حدود الزمان والمكان ، دوت صرختي تعلن ولادتي ، طفلة جميلة الملامح نقية البشرة ، و عيون تبحث عن شيء ضائع ،أخذت أجوب أرجاء المنزل فأبدو ساكنة وكل ما حولي يدور ، بدات تكبر تلك النظرات وتدرك الأصوات و تميز الوجوه ، فقد كنت البنت البكر لوالدي ّ ، لقيت من لمسات أمي الحنان المغلف بالشفقة على جسد صغير دون حراك ، خُلقت معه مأساة حقيقية روحاً كبيرة تسكن بدناً ضعيفاً يقهره المرض ، تمر الأيام والروح تكبر والقهر يكبر معي ، فتقاسمني أمي الوجع ، والليالي تطويها ساعات ثقيلة تشتت أحلامي ضائعة وسط ضباب العجز ، لا أملك إلا صوتاً جميلاً وعيون أجمل تلاحق فراشات الطفولة التي غابت أيامها في سرداب العتمة والهم يملأ الروح ، مع كل ليلة تمر أحس بأن جزءاً كبيراً مني يموت ، ونظرات الإشفاق تقتلني وتغرز خناجرها بصدري المتعب ، وأرى نفسي ضعيفة مسلوبة الإرادة ، أكثر البكاء والتذمر كحال منْ حولي ، ينفر مني والدي فشعوري يمزقني اتعبتهم ، فلا يكف الوجع ولا أنا أكف عن الصراخ ، كانت إعاقتي تزيد عن ٨٠ ٪ من قدرة الشفاء ، ولا دواء يذكر لحالتي ، لم ألمح من والدي عطفاً و لا حنان ، فقد نبذني كأني موبوءة ، ولشد ما يؤلمني أن الهوة بينه وبين أمي أخذت تتسع إلى أن وصلا للإنفصال ، أمر لم أسامح نفسي عليه أبداً ولكنه قدري وقدرهما أيضا ً، بعد مدة أصبح لي أخوات يلعبن و يتحركن و يقلبن البيت رأساً على عقب ، والشغب يجعل الفوضى عارمة ، تعنفني أمي وتوجه لي كلمات قاسية ، وتتهمني أنني أعلمهن على التخريب ،فتحز بنفسي وأزداد حزناً وتوتراً وبكاء فأنزوي بوحدتي و جروحي ، وبقيت أعاني مشاعر الظلم ، والتساؤلات تنخر عظمي ، لماذا خلقتني يارب عالة عليهم ؟ لماذا جعلت مني عصا تؤدبهم بها ؟ لماذا حرمتني طفولتي وأنوثتي؟ و كنت تعاسة لي و لمنْ حولي؟ لماذا ؟؟ لماذا ؟ أنحب كل ليلة و الدموع رفيقتي التي لا تمل مني، سئم مني أهلي وضاقوا ذرعاً بألامي وأنا لا حول لي ولا قوة قدري ونصيبي ، كانت تبكيني العصافير و الفراشات ، ولكن بعث الله لي فسحة أمل أفرحت قلبي ، لم أكن أحبو بل أزحف على مؤخرتي فوجدت قلم رصاص ملقياً على الأرض وحيداً منزوياً ، التقطته بشفتي وتمسكت به بأسناني وبدأت أرسم خربشات على الحائط أطفالاً يلعبون بأذرع طويلة وأقدام كبيرة يمرحون ، شعرت بحضن دافئ يضمني ويد أمي الحانية تمسح شعري ، وتقول لي : أنتِ فنانة يا حبيبتي فأحضرت لي أوراق وألوان ، فوجدت سلوتي وأحلامي التي بدأت تكبر مع كل لوحة أرسمها ويثني عليها كل من ْ يراها فأزداد إيماناً بالله وبمقدرتي على الإبداع فلم تعد إعاقتي تعني العجز والضعف وتهز كياني عند سماعها كالخنجر المسموم ، و اليوم أعلم الحكمة عندما حرمني ربي من نعمة الحركة منحني ماهو أجمل ، موهبة رائعة ، يتوازن بلحظة الألم مع الأمل في خط مستقيم ، عملت معرضاً من لوحاتي الرائعة ، وكنت محط أنظار الجميع وذهلوا كيف أرسم بشفتي . وإعاقتي كانت نفسها سر قوتي ، يضع الله سره في أضعف خلقه ، يومها شاءت الأقدار أن ألتقي الحب الذي حرمت منه بسبب اعاقتي ، و لم اعرفه من قبل ، تقرب مني شاب ، أهتم بفني وطلب ودي ، نهيته فأنا لن أستطيع أن أقدم له شيء وعند إصراره تم الزواج أعاد لي حقي بالحياة وبالأنوثة و الأمومة أيضاً ، أصبح لي فارس أحلام جاء مترجلا ًمن دون حصان أبيض يحمل بقلبه الود والورد ، دعاني لحفل الفرح ، فأتخيل أن لي ذراعان جميلتان بأظافر ملونة تعبث بشعره وساقان قويتان و ألبس حذاء سندريلا الزجاجي الجميل ، وأميري يراقصني في حلم وردي فما همني اليوم شيء فقد تزوجت والثمرة طفلة جميلة ، وفي خيالي أصبح لي يدان وقدمان ألبسهما ساعات حلمي ، عملت معارض داخل بلدي وخارجها ونجحت ، ثم حصدت جوائز وأوسمة وشهادات شكر وتقدير ، بإرادة كالصخر الجلمود لا تلين ، أصبحت فراشة تسكنها الألوان ، وبت نجمة في العلياء رغم أنف القدر .

عن قصة حقيقية لفنانة الرسم التشكيلي التونسية نجاة حياة بامري …

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى