ط
مسابقة القصة القصيرة

صنائع.مسابقة القصة القصيرة بقلم / محمد نبيل جادالله.مصر

محمد أحمد نبيل

الشهرة (محمد نبيل جادالله)

جمهورية مصر العربية

ت/ واتساب: 01111337565

القصة القصيرة

صنائع

اليوم… نفد بعضُ علاج والديْه المُسنّيْن، ولا بد من إحضار غيره فورًا؛ حتى لا تزداد حالتهما المزمنة سوءً. حافظة نقوده خاوية، في ذات الوقت الذي تأخر فيه قريبُه عن إرسال معونته الشهرية. ينزوي في أحد أركان البيت؛ مختليًا بنفسه طلبًا لقدْرٍ من التفكير الهادئ.

ينهض إلى دورة المياه. يتوضأ. يصلي صلاة الحاجة. يرن هاتفه المحمول قبل انتهائه من الصلاة. يسرع من حركاته قليلاً؛ فهاتفه ليس به رصيد للاتصال بأحد، وهذه المكالمة قد تكون مهمة، في ذات الوقت الذي يستحي فيه من الله أن يقطع صلاته. ينقطع رنين الهاتف قبيْل التسليم من الصلاة. بسرعةٍ يتفحص المكالمات الفائتة. يتبيّن أن المكالمة كانت من قريبِه. يجلس على أقرب كرسيّ متحيرًا، يتساءل و قد هبطت عزيمته قليلاً… هل اتصل قريبه لإبلاغه بإرسال الحوالة أم للاعتذار عنها؟!

 

يتحسس جنبات جيوبه؛ يجد خمس جنيهات هي بالكاد ما يكفي مصاريف انتقاله، ذهابًا فقط، إلى أقرب مكتبٍ للبريد لاستلام الحوالة المحتملة. يصل إلى مكتب البريد. لا موضع لقدم، و لا كرسيٍ خالٍ للانتظار. يحصل على رقمٍ لحجز دوره. لا يزال أمامه حوالي مئة رقم. تُعرِّقُهُ حرارةُ دفءِ الأنفاسِ التي تطارد برودة التكييف. ينظر في ساعته… “إنها الآن الواحدة و الربع ظهرًا…  سأذهب للتمشّي في السوق القريب، ثم أعود ريثما تكون وطأة الزحام قد هدأت”… يُحدّثُ نفسه.

 

بعد فترةٍ ماتعةٍ من التسوق بعينيه، تنبهُهُ الساعةُ المعلقة بأحد المحلات بإشارة عقاربها إلى الثانية و خمسٍ و خمسين دقيقة. تسابقُ رِجلاهُ الريحَ ليلحق بمكتب البريد قبل إغلاق أبوابه. يصل بعد الثالثة بدقيقتين. ما زال الباب مفتوحًا، و ما زال المكان مزدحمًا. يلقي نظرةً على الشاشة المعلقة على أحد جدران صالة الانتظار؛ فإذا به قد تخلّفَ عن دوره بتسع أرقام. يسارع نحو ماكينة الأرقام ليحصل على رقمٍ جديد. يخبره الموظف المختص بأن قبول عملاء جُدُد ينتهي في تمام الثالثة، و أن العمل مستمرٌ فقط حتى يتم الانتهاء من خدمة العملاء المتواجدين.

 

و بينما تغوص قدماه في بركة الإحباط، تتجول عيناه المُغروْرقتان بين ثنايا صالة الانتظار المكتظةِ، بحثًا عن منفذٍ لهمومه. تشابكت خيوطُ اليأس، و بخطواتٍ متثاقلةٍ… تجرُّ قدميه نحو باب الخروج، و قبيْل الانسحاب بأذيال الخيبة، ينتبه إلى عدم تواجد عددٍ من أصحاب الأرقام التي يتم النداء عليها. تخامره فكرةُ مغامرةٍ غير محسوبة العواقب. يقف مُتحيّنًا فرصة احتمال عدم تواجد صاحب أي رقمٍ يتم النداء عليه.

 

“العميل رقم خمسمائة و تسعة عشر، شباك رقم سبعة”… قالت إذاعة النداء الآلي. يتلفت حوله بنظراتٍ خاطفةٍ سريعةٍ. لم يتقدم أحد، بينما يتقدم هو بخطواتٍ حذرةٍ مُتحرجة. يُعادُ النداء مرةً أخرى؛ فتزداد خطواته جرأةً، حتى يقف أمام موظف الشباك. وبينما يسأله الموظف عن الورقة التي تحمل رقمه، يناوله بطاقته الشخصية بحذرٍ يكتنفه خليطٌ من الخجل و الريبة.

 

الموظف مُتفحصًا البطاقة، و قد نسي أمر الرقم: أحمد محمد مصطفى محمود

– نعم!

– كيف حال الوالد و الوالدة؟

– الحمد لله!… هل تعرفهما؟

– خير المعرفة… إنهما من أروع الشخصيات التي قابلتها في حياتي… رجاءً بلغهما سلامي!

أحمد، و قد انفرجت أساريره و ملأه الفضول:

– هل أنت من أقربائنا؟

– يشرفني لو كنتُ كذلك.

يكمل الموظف حديثه، بينما ينهي إجراءت صرف الحوالة:

– كنتُ أعملُ ساعيًا للبريد، و قد كان منزلكم ضمن نطاق عملي، و لا أذكر مرةً سلّمتُ فيها خطابًا لوالديْك، إلا و أكرماني بالضيافة أو بعطيةٍ جزيلة.

أحمد مودعًا، بعد انقضاء حاجته:

– أحييك كثيرًا على كريم خُلقِك و حِفظِك للجميل! أشكرك جزيلاً أستاذ…

– أخوك جرجس حنا.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى