ط
الشعر والأدب

وعى مسمار ..قصة بقلم / إبتهال الخياط

ابتهال الخياط
قصة.. “وعي مسمار”
………………………………
دكان يظهر فيه رجل في الستين من العمر امتهن صناعة التوابيت..
يتراكم عدد منجز منها امام الدكان في حين تتجمع داخله قطع الخشب واكوام مسامير منتظرة ان تدخل في تكوين توابيت جديدة ..والرجل يضرب بمطرقته على المسمار تلو المسمار ..وقد بدت عليه امارات التعب والامتعاض والغضب لينزله على المسمار المسكين “بَطَلي” الذي اعوج لينال حظه العاثر من بصقة الرجل ثم برميه الى الخلف مرتطما بالحائط ومستقرا على الارض بانكسار محني الظهر!….رفع رأسه يتلفت بحزن ومذلة ينظر الى من سبقوه من اخوته المسامير المعوجة او الفاقدة للرؤوس.
هنا تسائل المسمار :ماذا لو كان هنا صبيا ما يقوم على اصلاح امرنا لنعود الى العمل بدل هذه الاهانة! يا لكبريائي المحطمة على اعتابك ايها النجار المقيت..لن اترك حقي في رد بصقتك والا فلن اكون مسمارا من حديد بل من خشب!.
دخل رجلان الدكان وكانا على عجل :يارجل توابيتك في الخارج قليلة لاتكفي والوقت المتبقي بضع ساعات حتى الغروب ..انك تتلكأ في العمل وتعرف مصيرك ان لم تنجزها …حيث لن نحتاج الى تابوت لك سنجعلك رمادا تذروه الريح وكما ترى الجو عاصف…
اجابهما النجار : اعلم ..وأُصدقكما وربي …امهلاني وستجداها جاهزة عند الوقت المعلوم.,
خرج الرجلان ..وعاد النجار الى مطرقته بشكل اقسى وأمر من السابق والمسامير تأخذ مكانها مستقيمة في الخشب متسابقة في ايدي النجار كي يكتمل العمل كما الوعد والوعيد.
نهض المسمار المعوج”بَطلي” مرتفعا رغم اعوجاج ظهره وصرخ بصوت عالي:
“”يا قومي..ايها المسامير ..ايها العظماء عبر التاريخ ..مابالكم ترضخون للذل ..الستم من حديد .ذاك الحديد الذي ألآنه الله عزوجل للنبي داود فصنع منه السيوف والدروع والحصون ..كنتم لباس الابطال والفرسان والشرفاء من المقاتلين ..مابالكم الان مسامير في توابيت ضحايا القتل والتنكيل ..اي مهزلة تعيشون..الآلآلآ..تنظرون؟
وهنا انتفضت المسامير وبلحظة استنفرت وانخلعت جميعها من اماكنها وتراكمت خلف القائد المعوج الظهر سَليل حديد السيوف والدروع والقتال الشريف.
واستدار النجار ليرى ان جميع التوابيت اصبحت مجرد ركام خشب ولا توابيت
فوقف الرجل متحيرا ..والدهشة تعلو قسمات وجهه المصفر من شقاء الجسد والروح….طعنه الوجوم ..جلس على الارض وسط الاخشاب بلا حراك..
وحان الوقت المعين لاستلام التوابيت وكانت الدهشة الاخرى!!!
ماهذا يارجل ؟..لاتوابيت؟اجاب النجار :مولاي لاادري ! انتفضت المسامير وخرجت من ثقوبها ! لقد اعلنت الحرب عليَّ.
شهق الرجل وقال: ماذا تقول ايها المجنون ؟اجاب النجارمرتجفا :والله هذا ماحدث.
ارتعب الرجال واخذهم الذهول ..فقال احدهم : ماذا سنفعل الان؟ ردَّ آخر: اول شيء نقتل المجنون.
مازلنا في الدكان والنجار وسط دائرة الرجال حيث التلاشي مع الغبار ..صرخ :عندي حل , لنعمل مساند كما في القديم ,,قماش وخشب ويُحمل الموتى الى مدافنهم …ها ..ممكن اليس كذلك؟
فقال احدهم ليس امامنا غير ذلك ..هيا لنتصرف بسرعة.
انجز الرجال العمل بسرعة ..وحُملت الجثث على المساند وسط صرخات الرجال وعويلهم وهتافاتهم ..ولكن ..اليوم التعيس لايأبى الا ان يتم ..
ظهرت مجاميع من الفقراء الماكثين على الطرقات بانتظار الصدقات..وقد بانت الخيرات ..ذبائح ستوزع بكثرة ..اليوم عشاؤنا كريم”هكذا ظن الفقراء..بالاتقياء ”
فأخذوا يهرولون باتجاه الحاملين للذبائح وهم يهتفون “الله اكبر ..الله يزيدكم من نعمه وتذبحون الذبائح وتسدون افواهنا بلقمة طيبة…”
شاهد الرجال منظر القادمين اليهم ..فهالهم الامر فما كان منهم الا ان رموا مابأيديهم وفروا…فرار الهارب من قطيع وحوش..
وصل الفقراء متلهفين متسابقين الى محافل الصدقات وايديهم ممتدة الى القطع الاكبر والاجود ..وهنا ساد الصمت ” انها اشلاء بشر ..هذا رأس ..وتلك ذراع ..واحشاء ..وغزارة دماء ..” انتبه الفقراء من غفلتهم وسط الظلام وحبكة الظلم ..تلفتوا حولهم “لا أحد ” فقرروا “دفن الانقاض البشرية ” حفروا باظافرهم الحفرة واودعوا الموتى فيها ..وطمروها بالتراب المغموس بالدماء..فكان قبرا جماعيا بلون احمر….وبحثوا عن قطعة ما لتكون علامة له..ووجدوها….قطعة من حديد وفيها مسمار ..اخرج احدهم المسمار واخذ ينقش على الحديد بقوة جوعه وغضبه :”هنا مقبرة الصدقات “.وجلس الجميع بوجوم وحزن قرب المقبرة.
اما الفارون فكان ملاذهم الدكان حيث النجار دخلوه واغلقوا الباب وجعلوا الاخشاب بابا اضافيا خوف قدوم الاشباح ..
تلفتوا حولهم لاشيء سوى المسامير ..والنجار ..فقال احدهم : لابد من قتلك وحرقك انت السبب ..
تكلم المسمار المعوج:دعوني أبصق عليه اولا ..لقد جرحني..
بهت الحاضرون ..وقالوا بصوت واحد : مسمار يتكلم ؟!
بصق المسمار المعوج بصقةً من نار لفحت الجميع واحترق الدكان بما فيه وعلت النيران في كل مكان حوله..وخمدت النيران بعد ما اكلت حاجتها ..وحل السكون..
تقدم الناس يبحثون في الركام المحترق فلم يجدوا غير “”كومة من حديد ربما تكون لمسامير احدها كان معوجا”
……………………………………………….انتهت ..
ابتهال الخياط

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى