ط
مسابقة القصة

رواية : رسالة فرح إلى آدم . مسابقة الرواية بقلم / صفا حسين . سوريا

الاسم : صفا حسين

الدولة : سورية

مشاركتي في مهرجان همسة للرواية

حساب الفيسبوك:   Safa Hussien

    اسم الرواية:  رسالة فرح إلى آدم

  الملخص :

تبدأ فرح حياتها في حي شعبي قدم إليه أهلهم من مناطق مختلفة مع صديقات بمثل عمرها، ترافقن معا على دروب المدرسة و تعاهدن على أن لا يتزوجن في سن مبكرة  كما تتزوج باقي بنات الحي اللاتي يعتبرن – نقلا عن أمهاتهن- أن الرجل هو المنقذ،  بل بعد أن يكملن تعليمهن ويصبحن منتجات و فاعلات في المجتمع

تتنافس أمهاتهن اللواتي قدمن مع أزواجهن من مناطق مختلفة ، في انجاب الذكور غير أنهن لا ترزقن سوى بالإناث، يتأففن كثيرا و يتذمرن كثيرا ، فما من طريقة يعرفنها لإنجاب الذكور إلا و تعلمنها، بلا فائدة، حتى صرن تتهمن الحي بأنه جالب للبنات، كما هو جالب لأمراض الصدر و الروماتيزم التي يعاني منها أغلبهن ، بل جميعهن، نتيجة عرضته لرياح البحر الغربية البارة الرطبة

الصديقات اللواتي تعاهدن على إتمام الدراسة، بمباركة أهاليهن، لم تفين بالعهد، أولى الناكثات بالعهد كانت (رابعة )التي وقع عليها الخيار لقريب عريس أختها، لم تتردد، ولم تناقش، خضعت لمشيئة أهلها و تزوجت و سافرت، على أمل أن تلاقي أخواتها في بلاد الغربة، و تكن عونا لبعضهن، تركت الدراسة و استقرت كتبها و دفاترها المدرسية على عربة بائع الذرة الذي قدم لوالديها عرنوسين من الذرة أحدهما مشوي و الآخر مسلوق مجانا ، من باب العرفان بالجميل ، لتغيب لسنوات طويلة بلا أي خبر عنها أو عن أخواتها اللواتي سبقنها بالزواج إلى هناك، كما سبقتها أغلب بنات الحي أيضا، هكذا و خلال فترة قصيرة جدا، تزوجت البنات و مضت الأيام، و كبرت الأمهات و ازددن وزنا و غادرتهن النضارة و الرشاقة و مع ذلك لم تفقدن الرغبة بإنجاب الصبي لمن تستطيع و تتمنى المحاولة، أو الحسرة على عدم انجابه لمن لا ترغب بالمحاولة مهما كانت نتائجها،

الصديقة ( ختام) التي حصلت على الشهادة الإعدادية،  لم تتمكن من متابعة تعليمها الثانوي العام ، لأن تاريخ ميلادها يجعل أكبر بعام من قريناتها ، بينما الفرق الحقيقي هو أقل من شهر فهي مولودة في نهاية العام الماض ، وهن مولودات في بداية العام التالي، لذا فقد اعتبرت أكبر منهن سنا،

بقيت مرغمة في البيت حبيسة الجدران، تراعي شؤون أمها التي أتعبها الروماتيزم، كذلك أتعب أباها، وحيدة تتخبط في حياتها المملة ، إلى أن سمعت لنصائح الأهل و الجيران بالزواج و إنجاب طفل تتسلى به كحل لمشكلة الفراغ القاتل و هي شابة و جميلة و الجميع يتمناها، و مهما درست و تعلمت فإن مصيرها إلى بيت زوجها، حيث لا تنفع شهادات و لا دراسة، لكن؟ من العريس؟ العريس سيأتي بقدميه؟ شاب لبناني، شهم، يعمل بكل صنعة، لكنه يهوى الخياطة تزوجت ، و أقامت في بيت أهلها مع زوجها بناء على رغبتها حتى تتمكن من متابعتهم و الاهتمام بهم، تزوجت على عجل، ليبدأ الزوج تهديدها  بترك العيش في بيت أهلها و السفر إلى أهله، يكفيه مرافقة المرضى كما يقول،  مع أنهم ضحوا بغرفة من المنزل ليمارس فيها مهنة الخياطة و تطوعت زوجته في مساعدته، لكنه لم يدم فيها طويلا، تخلى عن الخياطة ، ليعمل في أية مهنة أخرى، متطلعا إلى السفر و العمل على البواخر كما كل فتيان الحي الذين يبحرون في سن صغيرة لفترات طويلة قد تمتد لسنوات ،

لم توفق بحياتها و لم ترزق بالأولاد، حاولت و نزولا عند رغبة الأهل و عملا بنصيحة الجيران و الداية ، أن تهتم بأطفال الجيران و تلاعبهم فقد تدب الدفء في رحمها البارد كما قيل لها، لكن لا فائدة، لم تكن عاقرا كما اكتشفت  فيما بعد ، بل ربما كانت تعاني من قلق و خوف نفسي من انجاب البنات، منعها من الانجاب، لكن بعد فوات الأوان،

أما زوجها فقد رحل ذات يوم ليجد نفسه كما قال، و لم يعد، بعدما ادعى أنه ذاهب للمشاركة في المعارك ضد الاحتلال الاسرائيلي ، و لتقلب مزاجه لم يجد لم يجهد أحد نفسه في البحث عنه.

أما شروق، الصديقة المدللة فقد عملت أمها كل ما بوسعها لتنجب ذكرا رغم تتالي الاجهاضات لكنها لم تحبط، فقد زارت سرا المركز الصحي و علمت من الطبيبة أن السبب هو اختلاف الزمر و لامانع في حملها ابدا، مما شجعها على الحمل و الانجاب ثلاث بعدما عزلت نفسها عن الجيران و حياتهم الاجتماعية و لم تطلب و لم ترغب مساعدتهم لها ، كما أنها ضللت كل أهل الحي بعد إنجابها ثلاث أولاد خلال سنتين ، ثلاثة أولاد متلاحقون ، بدوا كثلاث توائم ،عجز أهل الحي عن تحديد جنسهم الذي أخفته عنهم ، خوفا من الحسد، ثلاث أولاد، الحجم متقارب، الشعر ذاته، اللباس ذاته، الأحذية ذاتها، لا مجال للتفريق بينهم،

  إلى أن كشفت ( الخاطبة) جنسهم مصادفة و ليس عن عمد، و كانت  سعادتها ل اتوصف ، فقد تمكنت من فك سر عظيم، سر سيصدم نساء الحي، سيتمنين لو عملنا بنصيحتها و حاولن الحمل و لو لمرة

الخاطبة التي عرفت سر التوائم ، تمكنت من تدبير زواج لشروق من شاب ضابط في البحرية المصرية كان قد قدم إلى ميناء طرطوس مع مجموعة من الخبراء المصريين و الروس،

شروق اكتفت بالشهادة الثانوية و عملت معلمة بالوكالة في مدرسة أخوتها التوءم ، خوفا من تعيينها في المحافظات الشرقية البعيدة ، منشأ أمها ، أمها الصبية الصغيرة ، التي تعرفت إلى زوجها الشاب الذي يؤدي الخدمة الالزامية و كذلك يؤدي خدمة إصلاح أعطال الجرارات و الحصادات لأهل المنطقة ، و يحظى باحترام و ثقة كل أهالي المنطقة،

توفيت أمها في تلك الفترة و تزوج أبوها بعد فترة قصيرة، جدتها التي خشيت أن يتعلّق أخوتها بها، و تتعلق بهم، فتعرض عن الزواج مستقبلا، مهدت للشاب المهذب الأمر رغم غرابته، تزوجت وسافرت إلى طرطوس مع زوجها و دعوات جدتها لها بالتوفيق

 العريس الشاب مصري و سيعيشان معا في مصر، وافقت شروق التي أبدعت في الأعمال اليدوية و أوكلت مهامها بعد سفرها إلى أمها، أقيم لها عرس في الحي أمام المنزل و شارك فيه كل اهل الحي

سافرت شروق، و تركت حزنا في قلب التوءم الصغار، فقد كانوا  يعتقدون أنها معلمتهم و أمهم أيضا، سافرت شروق و تابعت إبداعاتها  في العمل اليدوي الذي أتقنت  دمجه  بالأعمال اليدوية للسيدات المصريات  ، كذلك حملت معها نكهة الأكلات الشامية ممزوجة بالنكهات المصرية تعبق من مطعم صغير حقق أحلامها

أما فرح ، فهي الوحيدة التي تابعت دراستها الجامعية باختصاص لغة انكليزية، بالتزامن مع عملها في شركة مالية ضخمة، ارتأت إرسالها للعمل في فرعها في الإمارات، سافرت بشغف و اندفاع، تعرفت هناك إلى المدير البارع ( خان) و تتزوجت منه بعد مراسلات و مساءلات طويلة بينها و بين أهلها و بين أبيها و شريكه في العمل ، شريكه في العمل نصحه بالموافقة على الزواج، فالزوج سيحميها و يسلّيها و يكون عونا لها، كذلك خوفا مما قد يحدث و هي في غربتها، فقد يتزوجان بلا موافقته و بلا علم أحد، راشدان، عاقلان، لا مانع من زواجهما، أما و قد وافق الأهل فهذا أفضل، هذا قيمة لابنته و دعم لها أمام عريسها

تتزوج فرح بلا ضجيج طبل و لا حلقات دبكة، مناقشات قصيرة عن فستان عرسها و عن بدلة العريس و عن بعض التفاصيل، تتزوج و تنتقل للعيش مع الزوج في أحد الأبراج، و يتابعان حياتهما العملية معا، فكلاهما قدم هنا لأجل العمل

 فرح حامل، الحدث سعيد، ستكون أم … أم ماذا، تدخل مناقشات جديدة و جدية في البحث عن اسم للمولود، اسم عربي، أم اسم هندي، اسم ذو دلالات دينية أو اسم ذو دلالات فلسفية ، اسم من أسماء أقاربه، أم اسم من أسماء أقاربها؟ بعد نقاشات طويلة قررا تسميته ( آدم ) إن كان ذكرا و ( حواء) إن كان أنثى

الحياة مريحة و سعيدة و لا منغصات تذكر، حتى بدأ آدم بتعلم الكلام ، أية لغة سيعلمونه؟  الأم لا تجيد الهندية، اتفقوا أن يتعلم الانكليزية ، لا عربية و لا هندية

أم السيد (خان ) تأتي لزيارة ابنها في الإمارات و لتبارك و تهنئ و تذهب لأداء العمرة ، الغيرة تشتعل بصدر فرح لأنها لا تفهم حديث زوجها مع أمه، ليس بوسعها متابعته ،  و ليس بوسع الام التحدث باللغة العربية و لا حتى الانكليزية

الأم المسالمة تحضر الطعام الهندي وتخبز الخبز لابنها المشتاق، و تقدم هدية لكنتها، عقدا هو رمز العائلة، وسط دهشة ابنها لأنه لم يره طيلة حياته ،

مشاحنات سريعة بين فرح و زوجها حلّت بسلام بعد سفر أمه التي أخفت عنهم سرا كبيرا لا يستحق من فرح هذه المعاملة فقد كانت قد باعت كليتها لأجل تحقيق مرادها من السفر إليهم و كذلك زيارة بيت الله الحرام

الخاطبة التي تمت أغلب زيجات بنات الحي بتدبير منها، كانت تحظى بالكثير من الهدايا و المبالغ المادية التي تقبضها بالعملة الصعبة

والد فرح الذي تعرف إلى أمها بعد توصيل رسالة خطية لأهلها، فقد كان يعمل ساعي بريد، كان دائما ما يخط رسائل وهمية لايصالها لهم من أهلها المقيمين خارج القطر لمتابعة ابنهم الصحي و رفضوا العودة إلى الديار بعد موته، مفضلين البقاء في ديارهم خارج القطر تاركين ابنتهم في رعاية عمتها التي شجعتها على الزواج منه هي التي تنتمي لأصول أرمنية و لم يرحب أحد بفكرة زواجها من عربي إلا عمتها التي كانت تخشى عليها من الوحدة التي عانتها دون زواج ،

آخر رسالة يوصلها ساعي البريد أبو فرح قبل إحالته إلى التقاعد كانت لجاره أبو رابعة ، حملت لهم فرح الرسالة و قرأتها لهم ، الرسالة تضمنت دعوة لقضاء شعائر الحج

سلّم أبو رابعة مفتاح بيته للشابة فرح قبل أن يغادر مع زوجته – و كان قد أصيب بالزهايمر- لكن زوجته لم تخبر بناته خوفا من سحب الدعوة فلا تتمكن من زيارتهم و رؤية احفادها و كذلك خوفا أن يعيروا بناتها بجنون أبيهم

يسافر الزوجان بعدما أوصلهما الجيران حتى المطار، و في مكة و أثناء السعي بين الصفا و المروة  يضيع أبو رابعة ، و لا يتنبه أحد إلا ضياعه إلا بعد حين، يبحثون فلا يجدونه

تقضي زوجته فترة طويلة مع بناتها و أحفادها الغرباء عنها، الذين يقضون وقتهم في الألعاب الالكترونية يوهمونها بأنهم يعرفون مكان كل شيء و هي من شدة لهفتها تحكي لهم عن بيتهم و عن فرح الشابة التي معها مفتاح البيت و تسألهم هل يتمكنون من معرفة مكان جدهم

غير أن حديثها لا يلقى آذانا صاغية ، حتة أنهم سموها فيما بينهم ( الخرفانة) إلا أنها تمني نفسها ( لعل شيئا يبقى في ذاكرتهم عن بيت أمهاتهم

تدعى فرح إلى عرس ابنة أختها و يتحتم على ( خان ) السفر إلى الهند لبعض الأمور القانونية بخصوص ابنه ، في المطار لا يدري كل منهما كيف يودع أحدهما الآخر، يستولي على كل منهما الخوف من اللاعودة إما كرها أو طواعية، و الخوف من اعتبار زواجهما نزوة أمام حب الأهل و الديار و الذكريات ، خاصة أن السيد خان كان قد رأى العقد رمز العائلة و القبول بها و الانتماء إليها مرميا على طرف السرير، لم يشأ أن يلتقطه فالعقد صار يخص فرح ، و مادامت قد تركته فالأمر يحمل معاني كثيرة ، معاني أرقته و أرهفته ، لكنها عجز عن البوح بها

بينما فرح ، كانت تراجع ذكريات الطفولة و تنشر الفرح في الحي، زارت ختام و أثنت عليها فقد صارت مدربة في نادي رياضي نسائي ، بدأت الفكرة عندها مع عمليات المساج لأمها التي تحسنت بعد فترة من أمراض العظام و الأعصاب لتتابع مع نساء الحي اللواتي رأين تحسنا ملحوظا،

كان لختام طلب صغيرو هو أن تحصل على مفتاح بيت أبو رابعة حتى تتمكن من توسع النادي خاصتها برعاية متعهد يعمل على شراء بيوت الحي ، الأمر صدم فرح، لكنها لم تشأ أن تخيب أملها، امتصت صدمتها، واستعدت للدفاع عن المنزل و خير سلاح هو سلاح الذكريات، ذكرياتهم المزروعة فيه و صورهم معا التي تملأ بيت أبو رابعة كان كفيلا بقلب المعركة و لو إلى حين

زارت كذلك بيت  شروق و باركت و هنأت بالأحداث و تعرفت إلى قمر، قمر التوءم الثالث التي ضاعت بين ضياء و ضياء و ضياء، قمر الشابة التي أحبت فرح قبل أن تراها و بعد أن رأتها ، قمر التي بكت في وداع فرح كما بكت في وداع شروق،

 استعرضت فرح صور العرس، قبّلتها، و اختارت منها لتحتفظ بها

و أخيرا، الزيارة الأخيرة، قصدت بيت رابعة، كان الظلام قد خيّم ، لعلّه رأف بحالها، فلا ترى عيناها ما لا تحب، وصلت العتبة الغارقة في الصمت، ليتها تهب لاستقبالها، ليت الباب يهب لاستقبالها، ليته ينهض من سباته، ليته يعود من غربته ووحشته، هالها ما قرأت على الباب من عبارات (هنا0 بيت الأشباح ، الداخل مفقود ، الأرواح الشريرة تسكن هنا، سنمحوك عن الوجود و ساكنيك، سنحرقك إن لم ندخلك ) كانت تقرأ و لا تصدق ما ترى، كيف تصدق و هي تسمع صدى الأرواح التي أحبتها داخله، كان من بين الأصداء صوتها و صوت أهلها و الجيران، يا لشباب الأمهات ، يا لدلالهن، يا لعذوبة أحاديثهن ، كانت أحاديث الطفولة و الشباب تعاد على مسامعها، اتكأت على الباب، تمنت لو تعانقه، لو تقبلّه، التصق شعرها عليه ، لكنها لم تجزع، ليسوا أشباحا من فعل ذلك، سحبت شعرها بهدوء، كان الطلاء الذي رسم فيه رأس و فأس تقطعها لازال طريا، تملكها الحزن، حتى تشاغلت عن مسح الطلاء، يا للرحيل ما أقساه، عادت بالكثير من الأسى سالكة الأسطح المتلاصقة، أنهكها الحزن، جمّد ساقيها، لم تعد تقوى على تجاوز الحدود بين الأسطح، حتى سمعت صوت أمها يناديها، إن زوجها ينتظرها على الجانب الآخر من الهاتف، اسم زوجها و صورته حملتا كل الأمان و بددتا الخوف، أسرعت بكل طاقتها، لكنه أقفل الخط فقد تأخرت، أقفل الخط و فتح في تفكيره ألف سؤال: لماذا لم تجب؟ ما المانع؟ هل هذا بداية الهجران؟ كاد  يصرخ من شدة الخوف و القلق و كأنه مذبوح لا محال، بل لعلّه صرخ، وصرخ حتى هدأ قبل أن تخرج روحه منه

لاحقا و بدون تخطيط منها، وجدت نفسها تستخدم  الطلاء الذي علق بشعرها كدليل للتأكيد على وجود الأشباح في ذلك المنزل ، علّ الخوف يردعهم عن الاقتراب منه، فكانت تحكي للجميع و بالكثير من الخوف كيف قيدتها الأشباح إلى الباب، و كيف سمعت أصوات الأرواح، هذا كان أقصى ما عندها بعدما سمعت و رأت بعينها المكائد التي يحيكها الطامعون بالاستيلاء على البيت، بما فيهم زوج أختها، الذي لجأ إلى أهل زوجته و كلّه امل أن يستولي على بيت أبو رابعة المهجور، زوج أختها الذي عايرها بأنها ابنها ليس سوريا و لن يكون مالم يصدر قانون واضح و صريح يقضي بمنح الأم السورية جنسيتها لابنها، فلم تحصن بيوت الناس بينما بيتها من زجاج، كما أن علاقته ببلد  أمه ستخضع للأهواء السياسية أيضا فقد تمنع الهنود من دخول سوريا- طبعا لا قدّر الله- لكن الأمر وارد، و ماذا إن تطلقت و احتفظ الأب بابنه و أخذه إلى الهند؟ مؤلم هذا الحديث و مايؤلم أكثر أنه حقيقة،

عملت فرح جاهدة في الأيام الباقية من زيارتها، على جمع أكبر قدر من المعلومات عن أسماء البنات أخوات رابعة و أزواجهن مما تبقى في ذاكرة البعض و البعض من صورهم التي مرت عليها عشرات السنين إلا أنها قد تنفع

بعد اتصال لخان مع زوجته ،و سماعه لحديث ودي بين آدم و جدته باللغة العربية  أدرك الأب أن أمرا قد حصل بين أدم و أمه، و أنها أيضا أخبرته بطفولتها و بذكرياتها، كما فعل هو مع ابنه، لكن بشكل غير مباشر، فقد عمد كل منهما على الحديث بلغته الأم أمام ابنهما، و على الابن أن يفسّر و يتعلّم إن أراد طبعا ، و على ما يبدو فقد نجحت خطتهما ، كلا منهما بعيدا عن الآخر، هكذا لن يكون الأمر خيانة أحدهما للآخر، بل هو وفاء، و قمة الوفاء و الاحترام منهما تجاه أصلهما ، و تجاه ابنهما، الذي عليه أن يفخر أنه يحمل أكثر من حضارة و أكثر من تاريخ، نظر الأب إلى ابنه و قد تملّكه الفخر متسائلا ( منذ متى هو شاب هذا الصبي )

أخبر  آدم جدته الهندية باللغة الهندية ، أن جدته السورية قد صنعت له عقدا من الياسمين و سترسله له ، لكنه خائف أن ينقطع خيط العقد كما انقطع خيط عقد أمه قبل سفرها بساعات

يتلقف أباه أطراف الحديث الذي بث فيه بعض الأمل، مستفسرا من ابنه، الذي بدا مستغربا سؤاله : إن كانت والدته قد أصلحته ؟ محدثا في سرّه ( إن كانت أصلحته فهذا يعني …..و هذا يبرر …) أوه صرخ الأب فرحا أمام ذهول والدته و بدأ بالرقص مع ابنه قبل أن يستعيد وعيه ( يا ألهي … إنها الحب ، هي الحب …)

لم يعد لفرح من عمل فقد أتمت زيارتها و حضرت عرس ابنة أختها الذي أقيم على السطح أيضا، و تفقدت أطلال الطفولة ، و لم يبق إلا .. العودة، أو اللاعودة، إنها السورية الوحيدة حتى الآن في اسرتها، لكنها ستعود إليهم ، فما خص القوانين التي يشرعها الإنسان أمام القوانين التي يشرّعها القلب و الأمومة فيما بعد

بعد زمن العودة آن، ترتدي فرح الزي الهندي تتزين بالعقدين معا ، الأمر الذي أثار حفيظة سائق التكسي الذي سيقلّها إلى المطار و سأل : أهي ممثلة أم سائحة،

قبل أن ينطلق السائق ، انبعثت  رائحة حريق أثارت قلق سكان الحي الذين تجمعوا لوداعها ، بما فيهم الشابة قمر ، لم تشأ الانتظار فالطريق طويل و هناك من سيطفئ الحريق بكل تأكيد

آخر ما فعلته قبل أن تستسلم لدوار السفر، أن اعتصرت المزيد من الياسمين أمام أنفها علّه يخترق صدرها و رئتيها، نظرت إلى الساعة لم يمض إلا بضع دقائق من الرحلة التي بدت و كأنها ألف عام ، ( ما أصعب الانتظار بينما الحريق ينتشر فينا ،) ستؤجل النظر إلى الساعة  إلى حين تغيير التوقيت على الجانب الآخر من القلب

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى