ط
الشعر والأدب

صمت الجدران بقلم / ابتهال الخياط

13256038_573010862885605_7153997514191509779_n
صمت
الجدران.

أستيقظ ابراهيم فجأة وبدت له الغرفة غريبة رغم أن كل الاشياء من حوله هي ذاتها.. عيناه تتقافز في حيرة تبحث عن أمه !
الجدار١: مابك ابراهيم ؟ عطش أم جوع ؟لقد تأخرت أمك ،لكن مابيدنا حيلة فمانحن الا جدران نراك منذ سنين تتعذب بصمت كما نحن ، أي لعنة جعلتك مشلولا هكذا ؟ نحن مثلك ايها العزيز ، لاشيء نقدر عليه سوى النظر والصمت.اخواني الجدران مانفعل له انه سيموت ؟
الجدار٢: ومانفعل له ليموت وينتهي أليس مافينا من خراب ورطوبة يكفي ليسقط السقف فننهار .تريد ان نفكر به ، نعم نحن نحبه ،لكنني بصراحة افتقد أمه ،أين هي؟ لقد أنقضى اليوم ولم تعد ، وربما لن تعود .
الجدار ٣: أوووه أي مصير ينتظر هذا المسكين إن لم تأتي ،كما أننا بوجودها ننعم فصوت حركتها في البيت يجعلنا نشعر بأهميتنا .
الجدار ٤: دعونا نفكر ،إنظروا اليه لقد أصفَّر وجهه وغارت عيناه والزرقة طغت على جبينه وشفتيه ، كيف نسقيه بعض الماء ؟ هييه انت أيها الكأس ألا يمكن أن تتحرك قليلا فتنسكب على شفتيه ،ألا تكن وفيا لأمه فلا غيرك يشعر بحنينها وهي تحتظنه وتسقيه .
الكأس: لا أقدر .
الجدران تتكلم بصوت واحد: حاول .
الكأس: ومااختلافي عنكم ؟
اهتز السرير داعيا الكأس المركون بقربه الى أن يميل ، فمال قليلا ليسقط على الارض وقد صار قطعا كثيرة وأمتزج الماء بأنين ابراهيم ومرارة البكاء فملأ المكان.
الجدار١: أُف لك أيها الكأس ،لقد كنت يائسا ميتا على كل حال .
الجدار ٢: أظلم المكان أُخواني والأم لاخبر ولا شيء لقد ماتت إنه الاحتمال الاكبر .كما أن ابراهيم سكنت أنفاسه ،يالها من ليلة كئيبة !
الجدار ٣: وهل تذكر ليالٍ لنا لم تكن كئيبة ؟
الجدار ٤: أنا أذكر أياما عديدة ، كانوا بخير وكنا معهم بخير ، كان ابراهيم يلعب ويغني ويمسك بالطباشير ليكتب علينا أسمه وأسم أمه وأبيه ويرسم اشكالا كثيرة ،كنا نمرح ونفرح معه رغم رغبتنا بأن نبقى على جمال وهيبة .
الجدار ٢:صدقت ، حتى مات ابوه في الحادث وأصابه الشلل وبدأت رحلة الصمت معه و مرارة العيش في الفراش ،ماأصعب أن يكبر الطفل في الفراش،آآآه أرجوك ابراهيم إرحل ،مُتْ..فالعالم رديء جدا ،لقد سرق منك أمك كما سرق أباك.
……
حلَّ الظلام الدامس والصمت العميق ولاذت الجدران بالسكون …لاشيء …لاشيء.
حلَّ الصباح ، ضوء ملأ المكان رغم رفض الشمس أن تحضر اليه ، فالمكان محشور بين أبنية كثيرة أقتنصت أشعة الشمس عبر طرق مرورها فلم تترك فسحة لأبراهيم أن يعرفها.
استيقظت الجدران ،تفاجأت وهي تنظر اليه.. ياللهول أنه ابراهيم ، نهض بخفة رغم إصفرار وجهه وضعف جسده ..سار نحو الشباك الوحيد المطل على زاوية من البيت المجاور لشقتهم ..فتحه ، رأى الخارج بعد غياب طويل لرقاده مشلولا ، تغيرت الحياة كما تغير المكان ، بيوت متراصة تتنصت جدرانها بعضها على بعض ببشاعة فالرطوبة و ضآلة الضوء يصدم النظر في هذا الحي كما هو ضوء المصابيح القديمة التي تكسرت منذ زمن بعيد.
أمتعض من رائحة الهواء ،ضرب على وجهه يائسا من صباح جميل قد يعيشه يوما ما.
عاد فأقفله ، صاح مناديا والدته ، لم تجبه.
اتجه نحو المطبخ .. لا أحد ،كان باب الشقة مفتوحا وصوت حديث في الخارج ،عاد فصرخ بصوت غاضب : أين أنتِ؟
(سرعان ما دخل الكثير من الرجال ،لم يعيروا ابراهيم انتباها ،بل دخلوا غرفته ،دخل بعدهم وأخذه الذهول ..
كانوا يتفحصون جسده البارد وقال أحدهم: أيها المسكين أيّ ميتة كانت حصتك في هذا المكان ؟ ربما الافضل هو ماحدث لك فأمك ماتت في ذاك الانفجار اللعين .
كانت أمرأة في الستين من العمر تقف أمامهم بذل ودمعة عتاب صامتة، تقدمت من ابراهيم واحتظنته وقالت هيا ولدي لنرحل مادمت الان بخير.. كما يقول جارنا ربما ان تموت هو خير لك بدل ان يقول انهم نسوا أمرك ).
تلفتت الام وقالت: شكرا يابيتي الطيب يامن حملت همومي وعذابي ،شكرا ايتها الجدران لقد آن لكِ أن تتحرري منا ،لاأعلم من سيسكنك لكن ارجو أن يكون الأفضل ويجدد فيكِ الحياة …وداعا كل شيء.
الجدران: أيتها الام ، نحبكم جدا ، ولانظن ان الحياة تتجدد في اي شيء مهما فعلوا حتى وان هدموا وبنوا سيبقى هنا شيء منكم فللموت طرقا للحياة لن يدركها الا الجدران وسرير ابراهيم وكأسه المكسور .

ابتهال الخياط

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى