ط
مسابقة القصة

علُوّ هاوية. ملخص . مسابقة الرواية .بقلم / سما خالد صقر من فلسطين

الاسم: سيما خالد حمد صقر
العنوان: فلسطين/جنين
العمر:15
البريد: [email protected]
فلرع المشاركة: الرواية
…………………………………………………………………………..
علُوُ هاوية
تتزاحم الأفكار في عقلي الذي يعجُّ بالضوضاء والصخب كلما حدّقتُ في عينيّ زوجتي ماجدة العسلية، لم يسبق لي أن كلمت امرأة غيرها لكنني أظنُّ بأنها أفطن نساء الكون وأكثرهنَّ دهاءً، فهي كما يقول من حولي”تفهمها من الإشارة” وفي الوقت ذاته تعمد للتعبير مستخدمة الإيماءات لتحقق مآربها، بين الفينة والفينة تسلم عليَّ بنظراتها المصحوبة بالدموع، لا أنكر أنَّ سلامها يستطيع هزَّ كياني مع ذلك فأنا أتجاهل رغبتها الحقيقية والكامنة بفتح ذاك الموضوع المشؤوم.
أول مرة رأيتها فيها كانت في الجامعة، لفت نظري قوامها الممشوق وطولها الفارع، خيَلَ إليَ أنها عروسٌ تتبختر بخجل، سيطرت على عقلي وأفكاري، لم أستطع نسيان ملامحها ولا لون بشرتها القمحية –كما أطلق عليها- ولا الندبة التي في وجهها فهي تزيدها جمالاً وعروبة، الندب عندنا في فلسطين قصة تروي صراعاً مع الاحتلال، لم يسبق للمشاعر أن تمكنت مني، ورحت أنكَبُ جاثماً على ركبتي أمامها خاضعاً مسلمّاً.
عجلتي التي خلقت معي بالصميم لم تسمح لي بالانتظار لكنني لا أعرف اسم الفتاة حتى، كلَّ يوم أوجه يدي النحيلتين إلى السماء أدعو الله أن تكون من نصيبي، أمي أيضاً دعت وصلت، فهي لطالما قالت لي: هداك الله إلى الخير يا بني، ورزق قلبك بحب طاهر لا يجره لغير طاعته.
ذات مرة وبينما كانت الشمس ترسل للمارة أشعتها الحارقة، صعدت للحافلة ميمماً شطر المنزل فإذا بصدفة جميلة أورقت لأجلها زهورُ الأمل وفاضت ينابيع الحب، إنها الفتاة ذاتها، جالت في خاطري فكرة، فانتظرت انتهاء جولة الحافلة، وأخذت أراقب مكان سكنها، ظلَّت تمشي وعيناي ملازمة لها ثم توارت خلف حديقة بيتها، صحيح أنها من قريتنا لكننا لسنا اجتماعيين على قدر يسمح لنا بمعرفة الجميع هنا.
عدت لبيتي، صليت ركعتين شكراً لله على مساعدتي، ورحت لأمي أقبل يديها وأستشيرها لخطبة الفتاة، تأكدنا من أنّ ذلك منزلها وانطلقنا إليه، وهكذا فتحت أمامي آفاق الحب بوصولي نبأ موافقتها على الزواج بي بعد ثلاثة أيام.
كلانا أنهى الدراسة بتفوق، هي درست صحافة وأنا درست اللغة العربية، لكنني التحقت بالجيش، مهنتي وخبرتي بالقتال أثبتت لي أنّ الأسلحة ليست الأقوى، بل لا تعتبر قوية على الإطلاق، فحب زوجتي لي ومعاملتها الطيبة جعلّها توسع رقعتها في قلبي، ما أعطاها تصريحاً لقتلي أو إبقائي على قيد الحياة، نعم أنا سمير العبادي علمٌ من أعلام الوطن، الكلُّ يحترمني ويخافني، إلا ماجدة لم تخف ومضت إلى قلبي شجاعة غير هيّابة.
حدث قبل ثلاثة أعوام، جاءت ماجدة تخبرني بحصولها على عرض من قبل “صحيفة القدس الرسمية” لنشر أعمالها الأدبية، وأنا بالطبع فرحت لأجلها ورحتُ أهنئها فهي أديبة ماهرة وتنتظر فرصة كهذه منذ وقت طويل، شرعَت في العمل وتجاهلت ألسنة الناس التي انطلقت بالحديث عني وعن سماحي لزوجتي بالعمل فهذا أمر لم تعهده قريتنا.
حبي لزوجتي والإيمان الراسخ المتولد في داخلي أنها ستحقق نجاحاً باهراً جعلني أسدد الطعنات لكل الآراء وأوجه مسامعي لاستطعام أخبار عمل زوجتي، لكن للأسف فقد تولدت لدى ماجدة حسرة كبيرة فاقت سرورها الجمّ وباشرت تختلق الحجج وتبني الخزعبلات الكاذبة محاولة إقناعي بأنها غضت نظرها عن فكرة العمل وأنا طبعاً أرفض ذلك بشدة، ظننت أن معارضتي لها ستدفعها للتقصير في عملها فضربت ظني وحطمته بنجاحٍ يتلوه نجاح، وحازت على عدد غير هيّن من الجوائز والمكافآت.
ماجدة أصبحت تترأس أكبر صحيفة سياسية وتبعاً لكوني أعمل في الجيش فلطالما زودتها بالمعلومات وساعدتها باختيار أبرز العناوين ما تسبب في وقفنا الاثنين عن العمل وتحويلنا إلى مطلوبين سياسياً، ومنذ تلك اللحظة وزوجتي لا تكف عن الإلحاح بترك فلسطين والهرب لأي قطر من أقطار العالم عوضاً عنها، أبيت مجرد التفكير باقتراحها ورحت أحدثها عن جمال الحياة هنا فما المشكلة بأن نختبئ لمئة سنة أخرى؟ لم نهرب ونحن لم نرتكب خطأً؟ كنت دائماً أمسك وجهها بكلتي يدي وأقول لها: غداً ينسانا الاحتلال ونعود لحياتنا الطبيعية وننجب الكثير من الأطفال نقص لهم بطولتنا، سنعلمهم الشجاعة والصدق، سنعلمهم الوطنية.
فتبدأ بذرف الدموع وتلازم الصمت، وذات مرة خرجت من الخربة التي نقطن فيها وقلت لجارتنا أم علاء أن تذهب لماجدة ريثما أحضر بعض الفاكهة من الحقل فلم أشأ لها البقاء وحيدة، وعندما عدت… كانت الفاجعة:
ظلام دامس غمر المكان وكأنها عاصفة جرفت المنطقة بما فيها، أجهشت بالبكاء و صحت أنادي بأعلى ما حباني الله من صوت وطفقت أقول: زوجتي ماجدة أيا زهرة حياتي أين أنت؟ فإذا بأم علاء تربت على كتفي وتقول: البقاء لله وحده.
أنا: لا يعقل كيف وأين ومتى؟
أم علاء بصوت مرتجف باكٍ: قدم الاحتلال وطاردها يقصد طرح بعض الأسئلة عليها فوقعت في الهاوية التي تبعد عنا ثلاثمئة متر، لكن إياك أن يتسلل لقلبك الأسى فلو رأيت عيون ماجدة التي تقاتل باستبسال، فضلت الموت على لمس الجنود لها واستجوابها، أعزك الله يا بني وصبرك على فراقها، والله إنَّ الله وهبك زوجة بقوة مليون رجل.
رغم هول الموقف، وإحساسي بأن كل ما في جسمي استولى عليه الشلل ركضت بسرعة للهاوية فوجدت العديد من الناس مجتمعين هناك والتفت إلي أحدهم قائلاً: ألم يكن من الأفضل لكما الهرب لدولة أخرى؟ ثم بربك أتبكي لأجل امرأة؟
وقال آخر: الهاوية هي نهاية من يتدخل بالسياسة والوطن.
مسحت دموعي واستجمعت قواي التي قد خارت وقلت: تافه من لم يقدر امرأة، ومن قال بأن بكاء الرجال عيب؟ هذه الهاوية التي لا تعجبكم أرقى من أن تصلوا أنتم إليها، والله إن زوجتي تحملت ما لم تتحمله امرأة، صبرت وثابرت، قاست كل أنواع العذاب، صحيح أن جسدها سقط في الهاوية لكن روحها حلقت برفقة كل القيم السامية في فضاء تعلن فيه بطولة فلسطينية، رحمك الله يا ماجدة يا من حولتِ الهاوية إلى أعلى مرتبة.
صورة زوجتي التي سقطت منها أثناء مطاردتهم لها هي كل ما أملكه الآن ما عدت محاكماً أو ملاحقاً فالاحتلال يمتع ناظريه برؤيتي بعيداً عن زوجتي، لكن ما لا أحد يعلمه أنها لا زالت حية، كل الآس يحمل ريحها، تعبق به أرجاء القدس، تنشره الرياح، وتتلو معه ترنيمة الانتصار، وتردد الجملة التي أسرَّت بها إليّ ألا وهي ” كم كنت محقاً، والله إنَّ شهادة في أحضان الوطن خيرٌ من الف حياة كنت سأعيشها خارجه”، كنت ألتفت لصورتها فما ألبث أن أزيح ناظري عن عينيها كي لا تؤنبني حتى باحت لي باقتناعها التام بكل ما فعلناه فلولا عملها في المجلة لما وصلت لهذه المكانة المرموقة.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى