ط
مسابقة القصة القصيرة

طفلة. مسابقة القصة القصيرة بقلم / أحمد محمود احمد .مصر


الاسم : احمد محمود احمد
اللقب : احمد محمود الرفاعي
التلفون : 01153100527
مصر
القصة القصيرة
“طفلة”
كانتْ طفلة .. وكنتُ أيضا حينها طفلا لم أتجاوز بعدُ الثالثة عشر من عمري.. لم يكنْ غريبًا أنْ ترمقني بعينيها المملوءتين بالدهشة .. ولم يكن غريبًا أيضا أنْ أقف أمامها كالمشلول، لا أقوى على الحراك.. لكن الغريبَ حقا .. أنْ ينتابني الآن نحوها شعورٌ بالحنين، وقد مضي علي ذلك الموقف أكثرَ من اثنتيْ عشرة عامًا، كفيلة بأنْ تطمرها في طيات النسيان. تدق رأسي الأسئلة … لماذا تتجدد الذكريات؟ لماذا الآن؟ …لماذا …؟ يأخذني الدّوار .. أدير ظهري .. تطل طفلتي بعينيها المحملقتين المملوئتين بالدهشة، نافضة عنها غبار الذكريات .. فتدق رأسي الأسئلة من جديد ……. ؟
* * * *
قاربت الشمس علي المغيب .. سكب الشفق حمرته حول جبينها المُصْفَر … كنت عائدا حينها إلي المنزل من كتاب القرية الذي يقع في الجهة الجنوبية لمنزلنا … اجتزت الساحة التي اعتدتُّ أنْ أجتازها دائما .. ظهر لي وكالعادة الممر الضيق الذي يشبه في إلتواءاته الأفعي والمؤدي إلي الباحة التي يشرف عليها منزلنا .. ولجت إلي الممر بخطوات متباطئة بعض الشئ .. بدت بيوتات القرية كعلب الكبريت المتراصة .. البيوتات الجديدة والتي بنيت بالأسمنت والطوب الأحمر متعانقة مع البيوتات القديمة المنية بالطين والطوب اللبِن جنبا إلي جنب، وفجأة سمعت صوتا يصيح: يالاّ الطمآااطم . يالاّ الطمآااطم كان بائع خضروات .. كان واقفا وإلي جواره حماره الرمادي وعربته الكرّو الخشبية المحمّلة بأقفصة الطماطم والبطاطس و….، وفجأة توقفت صيحاته المزعجة، وبدت علي وجهه الأسمر علامات الإنتظار .. دنوت منه أكثر .. تلفت يمنة ويسرة فلاحظت طفلا صغيرا يقف إلي اليسار من عربة الكرو بجوار عمارة مرتفعة .. كان باب العمارة مفتوحا علي مصرعية .. أخرجت مصفحي وبدأت في تقليب صفحاته وعلي الفورأخذت أقرا اللوح .. انهمكت في التلاوة .. اقتربت أكثر من البائع الأسمر .. أتلو وأقترب .. أتلو وأقترب، وفجأة .. طرق أذني صوت أقدام تركض .. تلفت أمامي فتسمرت قدماي .. أخذت خفقات قلبي تدق وترتفع، شعرت وكأنها هي الأخري تركض .. أحسست بالوقت قد توقف، وعقارب الزمان لم تعد تدور .. كانت صبية ولكنها بدت لي ملاكا، ولا أدري لماذا ذهلت ساعتها وصرت كالتمثال لا أحرك طرفا ولا أقوي علي تحريك عيني المحملقتين عنها يمينا أويسارا .. راقبتها وهي تقوم بإعطاء النقود إلي البائع وتركض ثانية .. كانت تبدو في حركاتها كالفراش الذي يحوّم حول الورود في الربيع .. كانت قفزاتها تتناغم مع كل مشاعري، وكان وقع قدماها يتوافق مع إيقاع خفقات قلبي .. لكن خفقاتي بدأت فجأة في الهدوء، حين توقفت الفتاة فجأة عن الركض، وتلفتت نحوي بوجهها الأبيض الصبوح وعينيها المحملقتين المملوءتين بالدهشة .. وقفت أتأمل لحظاتي .. كانت حيري .. عيناها بدت عليها أسئلة حائرة .. شعرت أنها تسألني .. من أنتَ؟ وما شأنك بي؟ من أين جئتَ؟ ماذا تريد؟ وشعرت أني أبادلها نفس الأسئلة .. من أنتِ؟ وما شأنك بي؟ من أين جئتِ؟ ماذا تريدين؟
بدأ يشملني نحوها شعور بالحنين .. حنين كحنين المسافر، أو ربما حنين كحنين الذي فقد شيئا من روحه ثم عثرعليه بعد مئات السنين .. استمر الموقف للحظات خاطفة، ثم بدأ الشعور بالقلق يتسلل إليّ، أحسست أنني غريق لكنّي أقاوم الغرق .. كانت صيحات البائع التي أطلقها بعد أن وضع النقود في جيبه قد طرقت مسامعي لتوها .. نفضت رأسي وكأني أفقت من حلم غريب .. تلفت يمنة ويسرة لعلّ أحدا ما قد لاحظنا .. لكنّ الممر كان خاليا لم يعد فيه إلا البائع والطفل الصغير .. وأنا وهي .. كانت مازالت تلازمها نظرات الدهشة وكأنها تنتظر الجواب .. قبضت على مصحفي بأصابع يدي اليمنى ثم ضممته بقوة إلى جانبي الأيمن، وبدأت في الهرولة ثم ركضت… وصلت إلي البيت .. بدأت ألتقط بعض أنفاسي .. وضعت المصحف فوق المنضدة، وبدأت أتسائل
من هذه الفتاة؟ ………. ما شأنها؟ ………. يبدو أنك تحبها؟ قطعا لا .. لا .. كانت (لا) قادمة من أعماق اليقين ، كنت أصيح بها بأعلى صوت أمتلكه .. لكنه صوتي غير المسموع .. ثم تسائلت . إذن ما الأمر؟!!! لكن دون جواب.
انتهت

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى