ط
مسابقة القصة القصيرة

في جلسة شاي واحدة..مسابقة القصة القصيرة بقلم / عبد القادر مجبرى من الجزائر

عبد القادر مجبري

من الجزائر

0213662875332

مسابقة القصة القصيرة

عنوان القصة:في جلسة شاي واحدة

رمى ببصرٍ تائهٍ في الفضاء الرّحب وابتسم ، لمراتٍ عديدة تتغشاه هاته الحالة الصوفية ، فتراه ينحت ابتسامة على وجهه في أعزّ وأحلك ظروفه .ويبدأ بدندنة وردّ طيبيٍّ (نسبة للطريقة الطيبية) *1، محركا رأسه في حركة طربية ظريفة ، ثم تتصاعد وتيرة الإنشاد فتراه يسبح في دوائر ، يدور بها حول نفسه فاتحا ذراعاه شيئا فشيئا حتى تمتدان في خط مستقيمٍ مارا بعنقه ، هنا تكون ذروة شطحة الصوفي , يخرج صيحات من أعماق أعماقه “مدد سيدنا النبي مدد ” وتسمو النفس في دوائر يحلّق بها في عوالم روحانية صافية ، ثم تبدأ وتيرة الرقص والإنشاد تتناقص لحظة تبدأ يداه بالإتجاه علوا فوق رأسه … ليقرب كفيه لبعضهما رافعهما لأقصى ما يستطيع بالدعاء …. ثم وفي حركة مفاجئة يغطي بهما وجهه ويجهش بالبكاء.
… .. بصق بقايا التبغ من أول نافذة صادفها في هذا الرواق الطويل ، أكثر ما أزعجه حينها هو منع التدخين داخل أروقة المشفى ، فعوض عن جوعه للنيكوتين ” برفعة شمة “*2 تريح قليلا أعصابه وتزيل شيئا من قلقهِ ، قلقهُ الذي زاد ساعة علم أن الطبيب المختص في إجازة.
… زوجةٌ ترقد مريضة في الغرفة الاخيرة من الرواق ، وأطفالٌ عند جيرانه ينتظرونه وينتظرون منه أن يعيدها للبيت ، رمى برأسٍ متثاقل على الحائط وهو يتذكر كلّ هذا ..
… لم تستطع ركبتاه أن تحملان جسده المتهالك وهو يرى سربا من أصحاب المآزر البيضاء _ حاملين بعض الأجهزة الطبية _ يهرولون مجيئا وذهابا نحو غرفتها ، وخانته شجاعته رغم قلقه المتزايد ان يقترب ليرى ، بل لم يحاول أن يسأل المستعجلين من أطباء وممرضين : ماذا يجري ؟
جلس على ركبتيه ممسكا بأنبوب مدفأة ثُبّت بالجدار فاغراً فاه ، كان وقتها أحوج ما يكون لسيجارة يلتقط بها أنفساه ، حتى ” الشمة” لم يتبقى منها شيئا ، ولم يكن الموقف يسمح له أن يجري لأول كشك .
لحظات _رغم قلتها_ جمعت في رأسه أفكارا كثيرة ، وأيقظت في نفسه خليطا من مشاعر متناقضة ، حب ، قلق ،خوف ، ألم ، وحنين ، ….. بل أيقظت حتى شعورا بالكراهية لواقعه ، وهو المؤمن الذي لم يتعلم أن يكره شيئا في حياته .
…. اختلطت لديه الوجوه الكثيرة التي تحيط به وهو جالس القرفصاء ممسكا برأسه ، كل من في المشفى جاءه معزيا ، فالجميع قد أحب الفقيدة وأحبوه من خلالها . لكنه لم يكن يرى إلا وجهها الطفولي مبتسما .
يقال : أنه في النهايات نتذكر البدايات ، لكنه لم يتذكر البداية تحديدا للقاءاتهما الكثيرة _ بحكم عملهما بنفس الشركة _ بل تذكّر أول مرة جعلها تبتسم ، فابتسم لمجرد تذكره لابتسامتها ، أحس المحيطون به بشيء من الارتباك لابتسامته تلك وسط هذا المصاب الجلل . لكنهم لم يكونوا يعرفون أنها الوحيدة التي كانت تجعله يبتسم في أحلك ظروفه وأصعبها، والغريب أنها جعلته يبتسم يوم وفاتها ،بعد تذكره لحديثهما الطريف معا قبل يومين … إذ قالت له مازحة : بعد موتي تزوج اثنتين فأنا لا أٌعوض بواحدة ….
…أخذ رشفة من كأس شاي يكاد يبرد في يده ، لا يدري لما أصبحت جلسات الشاي هي أكثر ما يجلب ذكراها لديه …” هههه كانت تحبه بالنعناع ” … همس لنفسه كنوع من العزاء ، لكن ابتسامته اختفت وهو يرى رضيعته تحبو نحوه ، بل اغتالها اغتيالا حقيقة انها رحلت عن عالمنا وتركته مع ابنت لم تبلغ الفطام بعد .
*1 الطريقة الطيبية طريقة صوفية موجودة بالمغرب العربي

2* رفعة شمة :نوع من التبع يوضع تحت الشفاه 

 

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى