ط
مسابقة القصة

1 ميت و2 عايشين.(ملخص) مسابقة الرواية بقلم / عمرو عادل أحمد الرديني.مصر

رواية:
1 ميت و2 عايشين!
عمرو عادل أحمد الرديني “عمرو الرديني”
مصر 01004373892

الملخَّص

رواية (1 ميت و2 عايشين) هي الرواية الرابعة في مشروعي الروائي..

(1ميت و2عايشين) رواية متوسطة الطول، تقع في 14 فصل، كل فصل تقدِّمه (رباعية) شعرية من تأليفي..

تلك الخلطة الخاصة جدًا التي تميز إبداعي. حيث يعتبر النص الشعري القصير الذي يسبق كل فصل بمثابة مفتتح له، وتمهيد للقاريء يهيئه لاستقبال الأحداث التالية، كما أن ذلك التمازج ينجح في جذب جمهور الشعر، بالإضافة إلى الجمهور الأصلي المحب لفن الرواية، وهو ذلك القاريء عاشق الأدب والذي يميز السرد الجيد من الآخر الرديء..

كما أني لا أخاطب فئة عمرية محددة ولا مكان بعينه فالوطن العربي كله ساحة لتلقي أفكاري، والعمر الزمني من 18 إلى 80 عام تربة خصبة لزرع شخصياتي، وبالتالي فقارئي هو القاريء العربي متذوق الأدب عمومًا من شعر وقصة ورواية.

هنا في (واحد ميت واتنين عايشين) ألعب على فكرة الموت/ الحياة، الماضي/ الحاضر، مستخدمًا تقنية الـ(فلاش باك) في بعض الأحيان، كما أنوِّع في الضمائر المستخدمة فأكتب بضمير المتكلم والمخاطب..

البطل هنا يسير في نهاية طريقه.. فيسترجع أحداث وينبش في الذكريات، يستحضر أرواح مضت ويستأنس بأشخاص رحلت، يحصي نجاحاته وكبواته، حسناته ونزواته..

يقيِّم حياته، ويشاهد مماته.. يتوصل لأن كل إنسان عبارة عن نصفين: خير وشر، أبيض وأسود.. كل روح صاعدة إلى السماء كانت على الأرض لاثنين وليست لواحدٍ فقط، كانت أحيانًا لذلك الطيب، وفي أوقات أخرى لهذا الخبيث..

كل واحد ميِّت هو في الأصل يمثل اثنين كانوا ذات يوم (عايشين)!.

يأتي إهداء الرواية –وهو عتبة مهمة من عتبات النص- لملك الموت!

إلى “عبد الله” أو  “عبد الرحمن”، أو “مَلَك الموت” الذي اشتهر بين العامة بـ(عزرائيل)..

 يا قابض الأرواح.. أخبرني متى أرتاح؟!

ثم تطالعنا (كلمة ظهر الغلاف) التي اخترتها بعناية لتعبر عن أجواء النص:

«.. ونادَى مُنادي بين المقابر:

الحياة خير من الموت.. الحياة خير من الموت.. فنهض جميع الأموات..

عُراة، حُفاة، وقاموا بتكسير جميع الشواهد التي تُظلِّل قبورهم..

وساروا في موكبٍ عظيم.. آخذين طريقهم إلى الخلاء..

تاركين إياي.. تائهًا، حائرًا..

لأظلّ وحدي.. شاهدًا على القبور!».

   تلك المداخل تهيء القاريء لما سيواجه من فلسفة للموت، ولما سيقابل من تساؤلات..

يبدأ البطل بوصف مشواره الأخير في الحياة، محمولاً على الأكتاف.. يواجه الموقف بسخرية من كل شيء، بداية من المفارقة التي جعلت الشارع المؤدي إلى المقابر عائم بمياه المجاري بعد انفجار الماسورة العمومية.. نهاية بمن يسيروا في الجنازة!
ويأخذ في تذكر طفولته، بداية من أمه “جميلة” وطقوس احتفالها بالمناسبات السعيدة (عيد الفطر/ عيد الأضحى).. يذكر تفاصيل هي غاية في البساطة، لكن تلقي الضوء على عصر انقضى من الهدوء والبراءة..

ويدخل منها على والده “الطيب” وارتباطه به، فيأخذنا معه إلى عوالمه التي يملؤها الصفاء والطيبة في جو من الروحانيات العذبة.. حيث تفاصيل ذهابهما لصلاة العيد، ودخول الجامع الكبير بمدينتهم..

يمزج البطل بين حكايات الأم والأب والطفولة.. مارًّا بالأخ الكبير، وصداقته معه.. حيث سنوات الصبا والمراهقة، واكتشافهما معًا للعوالم السرية للشهوة!
يتذكر ويتذكر دون تسرب الملل للقاريء، فبساطة الأسلوب، وسلاسة السرد تأخذنا من منطقة لأخرى في سهولةٍ ويسر –ربما دون ان نشعر-!

فيعود للوراء حيث الجد “مهلك”، والجدة “واعية”.. وجو اسطوري من الأحداث والحكايات.. حكايات جد فحولته مفرطة، وصديق صدوق “مستور” يساعده بتخطي مشكلته/ مأساته بعد موت زوجة أولى، ومرض زوجة ثانية.. فيزوجه بنته “واعية”..

علاقة أخرى يرصدها بين الأب والجد، واختلاف الأجيال الذي يتبدل على مر السنين..
ومن حكاية الأجداد، لقصة الأباء.. يعرج بنا على إبن الخالة.. ومنطقة أخرى من الشبق هي شهوة الأكل.. تفاصيل لجيل عاش على احتفال خاص بليلة (الوقفة)، عكس ما يحدث تلك الأيام..

الحيوان أيضًا له حضور بالرواية، حيث نرى الكلب الذي يطارده منذ طفولته حتى آخر المشوار..!

ولا ينسى البطل حاضره القريب، فيتذكر عمله في وظيفة بسيطة، تجعله يتعرف على زوجته “مدفونة”.. تلك المرأة الشحاذة، ساكنة المقابر.. يعشقها البطل ويتزوجها في ارتباط عجيب!

ويسهب في تفاصيل علاقتهما الخاصة غير المألوفة، حيث ممارسة الحب وسط الأموات!!

مفارقات، وتساؤلات عن ماهية الحياة والموت.. عن حياة القبور، وقبور الموتى، وموت الأحباء.. ورؤيته الخاصة للغُسل..

يذكر قبس من حياته العسكرية، والفترة التي قضاها في الجيش.. وفترة أخرى قضاها في مساعدة الأب في ورشة نجارة..

تفاصيل خاصة جدًا، وعلاقة مغايرة تنشأ بينه وبين الخشب!

المشوار يطول، هو مشوار حياة كاملة.. بكل ما فيها من خير/ شر، عدل/ ظلم، استقامة/ نزق! ليؤكد لنا الفكرة الأم:
الإنسان في الحياة مقسوم لاثنين (طيب وخبيث)، يحتوي كل منا على المتناقضين.. فكيف يدف في النهاية في قبر واحد؟؟!!

ومن أجواء الرواية:

رغم قطعي لذلك الطريق عشرات المرَّات، وربما مئات.. إلَّا أنَّ تلك هي الأطْوَل على الإطلاق!

أتلفَّتُ حولي، أجد سوادًا عظيمًا من الناس.. أفتخر.. لحظات أخرى لا أرى أحدًا! يُصيبني الرعبْ..

أستأنس بالقبور، أجدُ الناس حولي من جديد! أين يختفون؟ ومن أين يظهرون فجأة؟!

الطريق لا ينتهي.. لماذا يبنون القبور في منأى عنِ العمران؟ لِمَا لا يُشيِّدونها بيننا؟ يستأنسوا بنا، نعتبر منهم، ولا نتكبَّد عناء الطريقْ.

تفاجأ بالمياهِ تغمُر الشارع الإسفلتي الطويل! الرائحة العطنة التي تصحبها تُبشِّرك بأنها نتيجة انفجار في إحدى مواسير الصرف الصحي. بداية غير لطيفة.

لطالما حلمت بطريقٍ مفروشٍ بالورود.. اليوم لا تجد سوى (المجاري)!

كيف يسمحون بتلك المهزلة؟ أنَّه –من وجهة نظري- أهم شوارع المدينة.. يجب أنْ يكون أنظف من الشارع الذي تقع فيه استراحة السيِّد المُحافظ.

تلفَّك الرائحة، تطولك المياه، تتأفَّف.. أنت النرجسيّ، صاحب وسواس النظافة، وهاجس النظام!

ورثتُ ذلك من والدتك.. كانت تعليماتها لا تنتهي لكَ، ولأخوتك.. تُصيبك حالة من الشجن عندما تتذكرها.. الأُم لا بديل لها، أخيرًا ستلتقيها.. تُرتِّب في ذهنك الكلمات المُناسبة للسلامِ عليها:

   «السلام عليكم يا أُمِّي..»، «صباح الخير يا ماما..»، «إزيِّك يا ست الكُل؟..».

لا تروق لكَ الجُمَل.. كلها مُستهلكة.. دائمًا تبحث عن الجديد، عن الانفراد والتميُّز.. تمرُّ بذهنك ذكريات كثيرة، فلا تجد سوى أنْ تُبادرها بقولِ:

   «سامحيني يا “جميلة”.. يا أجمل النساء..».

***   ***   ***

   أوَّل زيارة لي إلى المقابر كانت في العيد..

صحبني أبي صباحًا بعد الصلاة.. كنتُ ما زلتُ تحت تأثير تكبيرات الإحرام، وما لها من صدى أخذني لعوالمٍ أخرى.

نستحمّ ليلة العيد، تقوم أمي بدعك جسمي الناعم بليفةٍ جديدةٍ، خشنة.. أقوم بالبكاء عاليًا علَّها ترحمني! تشخط في عصبية:

   «هو أنا بعمل فيكم معاصي؟!..».

يحلو لي صدى صوتي في الحمَّامِ الطويل! ربما من هنا جاء عشقي لأصداء الأصوات.. في المقابر وجدتُ لها مُتسعًا..

أطلقُ لحنجرتي العنان، تشقُّ صيحاتي الصمت المُطبق، ويتكفَّل الهواء المُحمَّل بذرَّاتِ الغُبار بالباقي!

أسيرُ وحيدًا بين القبور.. خبيرًا بالحوداتِ، والمفارق.. عليمًا السكك والدروب. صنعتُ لنفسي عالمًا موازيًا لعالمِ النهار! عالَم ليليّ، سري، هاديء، وغامض..

كل المعالم إلى زوال: الليل يعقبه نهار، السرية مصيرها إلى علنٍ، الهدوء أجرحه بنداءاتي.. يبقى الغموض ثابتًا على موقفهِ في كلِّ الأحوال.

أُكَبِّر بجرأةٍ..

بحريةٍ.. دون ارتباط بقوانين بعينها..

أول مرة أرفع الآذان بالمسجد كنا في الفجر..

لم يكن هناك أحد، الشوارع أيضًا فارغة، على ما أتذكر كان الوقت شتاء، فتحت باب المسجد بالمفتاح الذي بحوزتي..

انتظرت وقتًا حتى بات لزامًا عليّ أن أشغل (المايكروفون)، وأبدأ بالآذان..

كنت وحيدًا تمامًا، ورغم ذلك انتابتني رهبة، حتى أن قدماي أخذتا بالارتجاف، ونسيت أن أردد: «الصلاة خير من النوم.. الصلاة خير من النوم..»..

المفاجأة أن أحدًا لم يأتِ!!

صليت وحيدًا، مستنكرًا تخاذل أهل الحيّ.. اكتشفت فيما بعد أن صوتي لم يصل لأيٍّ منهم!

اللعنة على خجلي..

هنا في الخلاء استأسد، أذكر الله في ثقةٍ وخشوع.. لكن لا أردد صيغة الأذان..

تأمرني أمي بالسكوت، فأرفع صوتي بالبكاء من خشونة الليفة، وتآمر الصابون على عيني..

يتردد نواحي في أرجاء المكان.. أسمعها تقول بشيءٍ من الهزيمة:

«.. يابني حرام عليك.. إحنا في الحمَّام..»..

أتساءل عن (الحُرمانية) في ذلك؟!

يجيبني عقلي بإجاباتٍ متعددة، تتحول بدورها فيما بعد لأسئلة:

«هل لأننا نكون عراة في دورة المياه؟»..

«هل لأنه سكن الشيطان؟»..

«لماذا اختارت الشياطين سكنى دورات المياه؟»..

في بدء مراهقتي أميل لأنها تستمتع بالتلصص علينا، ونحن نعبث بأعضائنا التناسلية..

مريضة إذن تلك الشياطين!

تحتقرها..

فيما بعد –عندما سيصبح التلصص هوايتك- ستتعاطف معها!

تنتهي أمك العصبية، الحنون..

تقوم بتنشيف جسدك الأبيض جيدًا قبل ارتداءك لملابسك..

تقول لك مداعبة، وربما لتصالحك:

«كان المفروض تطلع بنت..»!

تربكك الجملة.. تأخذك للمرحلة التالية:

تجلسك أمامها، رأسك مطأطئة، كأنك مُذنب، تنظر إلى حجرها الذي وضعت عليه جلابية بيضاء قديمة، تسرح أنت في جمال الجزء المنكشف من ساقيها، تقوم بتمشيط فروة رأسك جيدًا بالمشط العريض ذو الفروق الضيقة..

تتساقط الحشرة اللعينة، تلتقطها بيُسرٍ، يقشعر بدنك من صوت فرقعتها بين إظفريّ إبهاميها..

تتألم قليلاً من أسنان الـ(فلَّاية) القاسية.. تتململ في جلستك، تعنفك في عتاب:

« هو أنا بعمل فيكم معاصي؟»..

تشعر بالارتياح بعد قليل، لكنك تفاجأ بأنه (يوم النظافة العالمي)..

تمسك بالمقص الصغير، وتبدأ في تقليم أظافرك..

يقول الشيخ في خطبةِ الجمعة أن الشيطان يسكن تحت الأظافر..

تتعجب من أمر ذلك الشيطان! كيف يملك أكثر من سكن، بينما أنتم تمتلكون شقتكم تلك بالكاد! تتمنى أن تصبح مثله..

   «….. فيكم معاصي..»..

تتساءل ما هي المعاصي من الأساس؟!

تحرص أمك على جمع الأظافر المقصوصة بعناية، وإلقاءها في مكانٍ واحدٍ لا يتغير (مَنْوَر البيت)!

تقول أن يوم القيامة كل منا سيقوم بجمع أظافره التي قام بقصها في الدنيا!..

هناك من سيحتار في جمعها لأنه كان يلقي بها في أيِّ مكان، وهناك من ستكون مهمته سهلة، مثلنا..

تفكر أنت في أن تطيل أظافرك للأبد! أليس في ذلك قمة السهولة؟

تضع لأختي طلاءً للأظافر.. أنتظر دوري، تضحك أخيرًا، قائلة:

«لأ.. ده للبنات بس..»..

تضع قبلة على وجنتينا، وتقول لنا وهي تحتضننا، مُستمتعة بملمسنا النظيف، ورائحتنا الطيبة:

«كل سنة وانتم طيبين.. العيد بكره..»

ثم توجه كلامها لي بشكلٍ خاص:

«هاتروح مع أبوك تصلي العيد.. أنت خلاص بقيت راجل..»..

أتلقى كلماتها في غيرِ فهم، بينما أتطلع لطلاء الأظافر!.

***   ***   ***

   أرى نفسي دائمًا مدفونًا في قبرين!

أنا الطيب في قبر، وأنا الفاسد في الآخر.. بينما يقف ثالث شاهدًا عليهما، يرى جزاء الخيِّر، ويشهد عقاب الشرير.. قبر مضاء، وقبر مظلم.. قبر نعيم، وقبر جحيم..

هكذا أسير في الحياة..

نصف أبيض، ونصف أسود.. نصف ملاك، نصف شيطان.. أتساءل:

كيف أُدفن آخر الأمر في قبرٍ واحد؟ بعد أن مضيت في الدنيا كاثنين!

قد يُظلم احدهما بتواجده مع الآخر!

أُحاسب نفسي كل ليلة قبل أن أهجع للنوم.. أتعاطف مع المخطأ، وأثني على المُحسن.. الاثنان أولادي.. كيف أكره أحدهما؟!

أرسم نفسي أحيانًا على الورق مقسومًا لنصفين بالطول..

هناك أعضاء ستقسم على النصفين، ليستطيعا العيش.. يصبح من نصيب كلاً منهما أُذن يسمع بها، وعين يرى بها، فتحة أنف للاستنشاق، ورئة للتنفس.. ذراع، ساق، قدم، وحتى كلية..

أجد أعضاء أخرى لا تقبل القسمة على اثنين:

العقل، اللسان، القلب، والعضو التناسليّ.. لماذا تلك الأعضاء تحديدًا؟

أُفكر في الأمر بجدية..

العقل هو المُدبر لكل شيء، (المايسترو) الذي يقود ويتحكم في الجسم كله.. حركاته، سكناته.. شهواته، شطحاته..

القلب هو مصدر الحياة، نبض الروح، رمز العطاء..

أرى العقل رجلاً، والقلب امرأة.. إذن لو أن الجسد هو الأرض، فالذي يعمرها هو العقل، ويساعده ويهوِّن عنه القلب.. تمامًا كآدم، وحواء..

يبقى اللسان، والعضو التناسلي.. سببان لارتكاب المعاصي والآثام.. هما وحدهما التفاحة التي تخرجهما من الجنة..

أقول لأحد الأصدقاء كثيري الكلام، والثرثرة والاغتياب:

«.. لسانك ده ح يحدفك في النار..».. يشير بخبثٍ إلى نصفي السفليّ:

«.. وده ح يوديك في داهية..»!

أشرد في القبرين مرة أخرى.. تعجَّب سمسار القبور أثناء عرضي طلبي عليه:

«.. عايز قبرين واسعين..»!

زاد تعجبه عندما تأكد أنني لست تاجرًا، أو مُستثمرًا.. أشتري وأبيع، إنما القبرين لي وحدي.. اضطررت أن أصحبه إلى المقهى لأفهمه مغذى مقصدي..

طلبت واحد (شاي) فقط، ومعه كوب فارغ!

ازداد مسلسل التعجبات من السمسار، ثم ما لبث أن انتقل لفتى المقهى.. طالبت الأخير بالسرعة، والأول بالتحلي بالصبر، وبألا يظنني بخيلاً..

عندما أحضر النادل طلبي انتظرت حتى ابتعد عنا بنظراته الفضولية، ثم طالبت جالسي أن ينظر إلى الكوب الممتلئ:

«شوف يا معلم.. الكوبايه دي فيها الشاي، وفيها –عدم المؤاخذة- التِفل.. إحنا بنشرب طبعًا الشاي، وبنترك التِفل.. طيب ليه يبقوا الاتنين في كوب واحد؟ لما كل واحد فيهم له دور غير التاني!»..

شعرت بالمعلم يكتم شخرة ساخرة، لكنه التزم بالصبر..

«الواحد مننا زي الكوبايه دي.. فيه الشاي، وفيه التِفل.. الشاي هو الخير، النافع.. والتِفل هو الشر، الضار.. بذمتك مش كل واحد فيهم المفروض ياخد جزاءه الطبيعي، ويبقى لوحده، يتحمل عمايله في الدنيا؟!»..

ثم أمسكت بكوب الشاي الممتلئ، وأفرغته في الكوب الفارغ، تاركًا التِفل وحده، وكأنني في معملٍ للعلوم شارحًا إحدى التجارب المبهرة للتلاميذ..

«أهو أنا عايز بقى قبرين.. قبر للشاي، وقبر للتِفل..»..

كان من الممكن أن يمر الأمر بسلامٍ، لولا طلبي الأخير، والذي جعل الرجل يخرج عن كل تقاليد الأدب والذوق..

«عايز بقى يا سِيد السماسرة القبرين يكون لهم شاهد واحد عليهم..»!.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى