ط
مقالات بقلم القراء

قمة بغداد الثلاثية والآمال الاقتصادية بقلم / أ.د. احمد الدخيل

 كتب / أ.د. احمد الدخيل

لا ينازع احد في اهمية التكتلات الدولية سواء منها الإقليمية او العالمية للدول المنتمية إليها وخاصة منها تلك ذات الابعاد المتعددة وعلى رأسها البعد الاقتصادي ، ذلك انها تشكل صورة من صور التعاون الدولي الذي يقلل من فرص الاحتكاك والتصادم الدولي والذي يقود بدوره إلى حروب لا تحمد عقباها ولا يمكن التكهن بالآثار الخطيرة التي يمكن ان تتركها على الصعد كافة ، اذ تؤدي مثل هذه التكتلات الى اجراء نوع من التكامل الاقتصادي بين مجموعة من الدول بحيث تصل ربما الى مستوى من الاكتفاء الاقتصادي الذي يجعلها قوة اقتصادية قابلة للتمدد او بالأحرى جاذبة لأعضاء جدد يمكن ان يكملوا الحلقات المفقودة في التكتل بما يجعله اكثر فائدة للدولة وللمنطقة التي يقع فيها وللمجتمع الدولي بأسره.

ومن هنا لا بد للجميع ان يستبشر خيراً بالتعاون الاقتصادي الذي يحدث اليوم بين دول عربية شقيقة هي العراق ومصر والاردن بصيغة مشروع اطلق عليه بالشام الجديد بدأت معالمه لأول مرة في حكومة العبادي وتعزز في حكومة عبد المهدي ثم اعيد طرحه من جديد من السيد الكاظمي في لقائه الرئيس الامريكي السابق ترامب في واشنطن ثم تطور بلقاء قمة جمع رئيس الوزراء العراقي مع ملك الاردن والرئيس المصري في آب 2020 تمخض عن وضع الخطوط العريضة لمشروع تكتل اقليمي ، وها نحن اليوم في الايام الاخيرة من حزيران 2021 نشهد قمة جديدة للزعماء الثلاثة في بغداد لإكمال او وضع آليات تفعيل هذا التكتل ذا الابعاد الثلاثة السياسي الذي يتركز حول تنسيق وتوحيد المواقف الدولية للدول الشقيقة الثلاث حول القضايا العربية والدولية ذات الاهتمام المشترك ، والبعد الامني الذي يتجسد في التأكيد على ضرورة تضافر الجهود في مواجهة الارهاب وحماية امن واستقرار البلدان الثلاثة.

فيما شكل البعد الاقتصادي الهاجس الاقوى ونقطة الارتكاز التي يقوم عليها لحل الكثير من المشكلات الاقتصادية في هذه الدول ومحاولة التوفيق او الاستفادة من التنوع في الامكانيات الاقتصادية فيها ، لكون العراق يمتلك النفط فيما تمتلك مصر الموارد البشرية الكفوءة وتحتل الاردن موقعاً جغرافياً مرموقاً يجعلها قادرة على ان تكون حلقة وصل بينها ، ولما كانت كل دولة من هذه الدول تعاني من مشكلات متعددة وتحتاج في الوقت ذاته الى تطوير اقتصادها كانت الفكرة ان يتم التكامل بينها لانضاج قوة اقتصادية ذات اكتفاء ذاتي بما ينعكس ايجابياً على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين وتوفير فرص العمل المجزي ويقلل من التشتت غير المبرر في الموارد وسوء استخدامها.

وعلى الرغم من شحة المعلومات حول هذا التكتل بيد ان ابرز معالمه الاقتصادية تتمحور حول ما يأتي:ـ

أولاً:ـ انشاء منطقة صناعية على الحدود العراقية الأردنية توفر فرصه الانتاج والعمل المشترك بين دول التكتل بالشكل الذي يسمح بالمزيد من الانتاج وتخفيض نسب البطالة.

ثانياً:ـ اقامة خط نفط من البصرة الى مصر عبر الاردن بحيث يمكن لكل من مصر والاردن الحصول على النفط الخام العراقي بأسعار مدعومة تقل كثيراً عن اسعار النفط في السوق العالمية.

ثالثاً:ـ مشاركة فاعلة للشركات المصرية والاردنية في اعادة اعمار العراق بعد الدمار الذي تسببت به الاعمال الإرهابية على مدى السنوات السابقة.

رابعاً:ـ الربط الكهربائي للعراق مع الاردن ومصر والذي كان من المقرر ان يجري في العام الحالي الا انه لا بوادر باكتماله قبل بداية العام القادم

خامساً :ـ زياده حجم التبادل التجاري بين البلدان الثلاثة والاعفاء كلياً او جزئياً من الضرائب الجمركية على السلع والبضائع الداخلة والخارجة من والى تلك الدول.

سادساً:ـ التعاون في المجالات الاخرى وخاصة منها صناعة الأدوية والانتاج الزراعي والامن الغذائي والجوانب الضريبية.

ولكن بعيداً عن التشاؤم ، وبشيء من الواقعية فان هناك مجموعة من المعوقات التي يمكن ان تقف بوجه نتائج طيبة محتملة لهذا التكتل ، ومنها:ـ

أولاً:ـ لم نعتد في العراق في الاتفاقيات العربية بشكل عام والثنائية والثلاثية منها بشكل خاص ان يتم تطبيقها بشكل كامل ، فاغلبها ، ان لم نقل جميعها ، تبقى حبراً على ورق رغم احاطتها بهالة اعلامية كبيرة في حين لا يجد المواطن لها انعكاس فعلي على ارض الواقع.

ثانياً:ـ اذا كانت دولة مثل الاردن بموارد طبيعية شحيحة واخرى مثل مصر بهيكل دين عام شبه ثابت ستكون استفادتها من هذا التكتل كبيرة جداً ، حتى لو انحصر ذلك في التزود بحاجتها من النفط الخام العراقي بأسعار تقترب من المجان ، اما في العراق فان المصلحة الاقتصادية تكاد تختفي فيه فلا سلع وبضائع قابلة للتصدير سوى النفط ، ولا حاجة فيه الى الايدي العاملة المصرية اذا ما علمنا ان العراق يعاني من ارتفاع شديد في نسب البطالة ، ناهيك عن ان الربط الكهربائي هو الاخر شهد تناقضاً في التصريحات بين الاستفادة فيه من دول الخليج وبين اللجوء فيه الى الاردن ومصر.

ثالثاً:ـ ان انشاء منطقة صناعية مشتركة لا يبدو الخيار الافضل قياساً بإقامة مشروعات استثمارية في كل دولة ومنها العراق بحيث تنشط الاقتصاد وتخفض من نسبة البطالة بما يوفر فرص عمل للشباب العاطل عن العمل.

رابعاً:ـ ان تركيبة النظام السياسي في العراق المختلفة عنها في كل من الاردن ومصر وقيامه على مؤسسات دستورية متوازنة سيجعل من الصعب تمرير بعض تلك الاتفاقات التي قد لا تحظى بالاتفاق المشترك بين القوى الفاعلة في هذه المؤسسات.

ومن هنا يبدو لنا ان ابرز النتائج التي يمكن ان تترتب على مثل هذا التكتل ، قدر تعلق الامر بالعراق ، هو اعطاء انطباع على انفتاح العراق على محيطه العربي وهو مخرج سياسي بحت اكثر منه مخرج اقتصادي مما يقلل من فرص التفاؤل بالدور الذي يمكن ان يلعبه هذا التكتل في هذا المجال.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى