ط
السيناريو والحوار

مونودراما (الأراجوز) مسابقة النص المسرحى بقلم / لقمان محمد حسين .مصر

مُسابقة مهرجان همسة الدولي
مونودراما (الأراجوز) مسابقة النص المسرحى
بقلم / لقمان محمد حسين.
البلد/ مصر .. الإقامة/ السعودية.
رقم التواصل / (جوال + واتس) 00966583344014
رابط صفحة الفيس بوك/ https://www.facebook.com/loqmanm.loqman
الشخصية: «عم صابر» وهو رجل ضرير، جاوز السبعين عاما، ويعملُ لاعبا «للأراجوز».
الوقت ليل. والعتمة تخفي الأشياء. إلا من بقعة ضوء تصاحب دخول «عم صابر»، وهو يُحرّك «الأراجوز». و«الأراجوز» يرتدي ملابسه التقليدية- الجلابية والطرطور الأحمر- وملامح وجهه حادة، ومرسومة بالألوان. ويبدو المشهد، وكأن «الأراجوز» هو الذي يسحب «عم صابر» إلى الأمام.
«عم صابر» مستاءا: كل دا مشي يا «أراجوز»؟ ولسة ما وصلناش! النمرة زمانها بدأت، والليلة كده هتروح علينا! وهنرجع زي ما روحنا زي ما جينا! انت ما بتردش ليه؟ انت سامعني! (صمت ثم يستكمل) مش معاك العنوان؟ (يتحسس ذراعي «الأراجوز» الذي بدوره يحاول ستر يديه) بتخبي إيديك ليه؟ (صارخا) إيديك فاضية! الورقة راحت فين يا «أراجوز»؟ ضيعتها! كده برضو تروح منك؟ (موبخا) طيب كنت قوللي، عرّفني، على الأقل كنا سألنا حد من الناس اللي قابلناهم. وأنا بسأل روحي! اللف دا كله ليه؟ دا أنا رجليَّ ورمت، يا ريتنا كنا ركبنا مع الفرقة. (بحسرة) بس أنا برضو اللي غلطان، أنا اللي كنت السبب في التأخير ده، انت مالكش ذنب في حاجة. أنا اللي أخرّتك معايا، أعمل إيه؟ كنت تعبان مش قادر أقوم. وما هانش عليَّ أقوم من غير ما اكمل الحلم اللي كنت باحلمه. إنت كمان غلطت يا «أراجوز»، كان لازم تصحيني، وما تسبنيش نايم كل ده!
(متأوها) ياللا..حصل خير. شوف لنا حتة نقعد فيها. كعوب رجلي فأفأت. وطبعا انت مش تعبان في حاجة! راكب ومدلدل رجليك. إوعاك تقوللي نبدِّل! لا انت هتقدر تشيلني، ولا انا هقدر أمشي من غيرك. هو انت ساكت ليه؟ بقول لك شوف لنا حتة نقعد فيها. يمكن حد يعدي نسأله.
(«الأراجوز» يتجاوب حركيا مع كلام «عم صابر»، ويتلفت حوله، يستطلع المكان. ثم يأخذ بيد «عم صابر» إلى كرسي، مكسورة إحدى أرجله، ومن غير مسند)
«عم صابر» يترنح محاولا اتزان نفسه عند الجلوس: إيه ده؟ كرسي دا ولا مرجيحة! مفيش غيرُه هنا ولا إيه؟! كمان من غير ضهر! ياللا.. أهو أحسن من مفيش، المهم اننا نستريح شوية ونقوم، قبل ما نلف ونرجع تاني.
(ينصت متأملا سكون «الأراجوز» الخافض رأسه) مالك يا ولَه؟ كلامي زعّلك ولا إيه! اوعاك تكون زعلت من كلامي! (يربت عليه) انت عارف إني ما اقدرش على زعلك. رَوَّق كده اومال، أنا عارف انك زعلان علشان النمرة راحت علينا، أنا كمان برضو زعلان زيّك، دي كانت أول مرة نعمل فيها نمرة على مسرح كبير، وكنا هنضحّك الناس أكتر ونبسطهم. لكن تتعوض إن شاء الله، يا ما راحت نِمَر وجات نِمَر، وربنا عوَّض علينا باللي أحسن منهاـ الله يجازيك يا حلم! خلتنا نتأخر، وضيعت علينا الليلة.
(محاولا كسب رضى «الأراجوز») تعرف يا واد يا «أراجوز» الحلم ده كان عجيب أوي، ومش عارف أفسره لحد دلوقت؟ يمكن لو كنت كملته للآخر كنت فهمته. (بهمة) اسمع يا واد. أنا هحكيلك، يمكن تقدر تفسرّه!
(ضاحكا) شوفت اللهم اجعله خير، إني أنا وانت يا ولَه، كنا في حفلة كبيرة أوي، زي ما تقول كده فرح. وكان عندنا نمرة هناك، أنا كنت فاكرها حفلة عيد ميلاد أو مناسبة زي كده، ما كانش في دماغي أبدا إنها تكون فرح فيه عروسة ومعازيم. أنا شوفت كل ده بعنيَّ.
(يعتدل واقفا) زي ما تقول كده، كأن نظري ما راحش مني أبدا! وشوفت مين يا واد يا «أراجوز»؟ اللهم صلّ على النبي، شوفت أمّي وأبويا، وناس كتيرة أوي من اللي ماتوا.. كانوا واحشنّي أوي، ما شوفتهمش من زمان. وشوفت كمان يا ولَه، زينة متلوّنة، وكهارب متعلقة في كل حتة. وترابيزات ياما، عليها صواني وطواجن، إشي ديك رومي، وإشي حمام وبط، ولحمة مشوية ولحمة باردة (يخبطه «الأراجوز» برأسه) هههه مالك انت مش مصدق! أومال أنا ما كنتش عاوز أسيب الحلم ليه، ولَّا العروسة! ملكة جمال الجمال كله، ما شوفتش زي جمالها أبدا، لا في الحلم، ولا حتى في الحقيقة (ضاحكا)، المهم حصل إيه بقى! فجأة كده. لقيت لك المعازيم كلها جت تسلّم عليَّ، وبيشدوني ناحيتها، زي ما يكونوا عاوزينّي اقعد جنبها. (مؤكدا) آه أقعد جنبها، جنب العروسة. وأبصّ لنفسي يا ولَه، ألاقيني عريس! ولابس حتة نتفة بدلة، ما قولكش عليها، وحاطط وردة حمرا هنا، في عروة الجاكتة. وسمعت العروسة بتقول لي “أنا مستنياك يا «صابر»، أنا مستنياك يا «صابر»” صوتها! أول مرة اسمعه. وكان صوت حلو ودافي، زي ما يكون أعرفه من زمان. لقيت نفسي باروح لها مش عارف إزاي. بس قبل ما اوصل، ما لقيتكش على دراعي. ناديت عليك بعلو حسِّي إنت فين يا «أراجوز» إنت فين يا «أراجوز» لحد ما لقيت نفسي صاحي من النوم. ولقيتك جنبي، قاعد على الكرسي، زي ما سيبتك بالظبط، قبل ما انام.
(يجلس مرة أخرى بحذر، مع نفس عميق) بس تصدَّق يا واد يا «أراجوز»، رغم ان الحلم كان حلو أوي، وشوفت فيه أمي وابويا، وناس كتيرة كانوا واحشني. بس انا كنت كاشش منه وخايف، كنت حاسس زي ما تقول كده، إني قرّبت أموت واسيبك. بس بعد ما صحيت، ولقيتك جنبي ارتحت. تفسّره بإيه بقى الحلم ده؟
(يلتفت له «الأراجوز» ويعانقه بشدة) مالك.. مالك! انت زعلان علشان باقولك إني قرّبت اموت وهسيبك! ما هو ما ينفعش اخدك معايا يا عبيط! (يدفن «الأراجوز» رأسه في صدر «عم صابر») تعرف يا واد يا «أراجوز»، إني أنا الوحيد اللي في العالم ده اللي بيحس بيك. أيوة بحس بيك، هم بس شايفين ضحكتك اللي مالية وشّك، لكن مش شايفين اللي أنا شايفه فيك! ويمكن كمان انت برضو الوحيد اللي في العالم، اللي بيحس بيَّ، وشايف اللي هم مش شايفينه، ومع ذلك يا ولَه، مش عاوزين يصدقوا! (ساخرا) بيقولوا عليك إنك دُميّة أو عروسة! وإنك كلك على بعضك، عبارة عن خشبتين، وحتة قماشة، وشوية ألوان على وشّك! مش عاوزين يصدّقوا إنك حتة مني، وبتحسّ زيِّنا بالظبط. (يربت على ظهره، حتى يهدأ تماما). أنا عارف إن دمعتك قريبة، زي دمعة عمّك «صابر»، عشرة عمر، وسنين طويلة.
(يقف يشحذ ذاكرته) انت فاكر يا ولَه لما اتقابلنا أول مرة؟ وقتها كان عندي ستة.. سبع سنين، حاجة زي كده، وكنا في مولد «سيدي اسماعيل الإمبابي» يومها خدت بعضي أنا وتلاتة من الولاد كانوا أكبر مني بييجي كده سنتين تلاتة. وروحنا شلّة واحدة عل المولد. شوفت هناك المراجيح والبمب، وصندوق الدنيا والفوانيس، والحاوي والقرداتي. (ضاحكا) كان القرداتي يقول للقرد “اعمل عجين الفلَّاحة” يقوم القرد يعمل عجين الفلَّاحة! يقول له “اعمل نوم العازب” يقوم القرد يعمل نوم العازب! يقول له”اعمل انجليزي سكران” يعمل انجليزي سكران. ونضحك ونسقف. كنا شلة آه، بس كنا يا مولانا كما خلقتنا، ولا واحد فينا كان معاه تعريفة واحدة، ولا حتى نكلة. فكنا نحشر نفسنا بين رجول الناس ونتفرج..
(كاد أن يجلس، لكنه عاد واقفا يتذكّر): الراجل بتاع صندوق الدنيا كان عمّال ينادي ويقول “قرّب قرّب، شوف بتعريفة، «الزناتي خليفة». شوف «أبو زيد الهلالي»، شوف «عنتر وعبلة»، بتعريفة تشوف «قطز» وإزاي هزم التتار”. واحد من الناس كان واقف قريب مننا، زي ما يكون حسّ بيَّ، وعرف إني عاوز أتفرج وممعييش فلوس، فشافني واقف كده ونظري على أدّي، زي ما يكون صُعبت عليه! فراح مطلّع من جيبه تعريفة، وادّاها للراجل، فالراجل راح شايلني، وقعّدني على حرف الدكّة، وغطّاني بستارة سودا، وقال لي بص هنا في الدايرة الإزاز دي. وأول ما حطيت عينيَّ في الدايرة الإزاز، اتخضيت واترعبت! شوفت جوّاها ناس كبيرة أوي، الواحد منهم زي الجبل. بس اللي كان مطمنّي، صوت الراجل اللي كان بيحكي، ومن وقتها يا واد يا «أراجوز» والحكايات دي لازقة في دماغي، ما بتروحش منها أبدا. المهم بقى.. بعد ما خلَّصت الفُرجة وقمت من عالدكّة، باحسس برجلي عالجزمة ما لقيتهاش تحتي! ولا لقيت حد من شلة المقاطيع، فصّ ملح ودابوا. والاقي مين مستني يا وله؟ أبويا! اتخضيت وخُفت، ما هو كان برضو زي الجبل! وأول ما شافني حافي، فطِس على نفسه من الضحك! أتاري الحرامي ابن الهِرمة، نشل الجزمة لما كنت مركّز مع قطز وهو بيحارب التتار. (يلوم نفسه) الجزمة كانت جديدة، وأبويا كان لسة جايبهالي!. أنا كمان برضو فطِست على نفسي من الضحك.. لمّا شوفت أبويا هو كمان حافي. قلت يبقى هو كمان انسرق!
(يسكت فجأة، ويجلس بحذر) بس أنا عرفت بعد كده، إن ابويا ما انسرقش منه الجزمة ولا حاجة! عرفت إنه كان ودّاها للصُرماتي قبل المولد بيومين، علشان يكيّفهالي، ويخليها على مقاسي!
(يسكت متأثرا، ثم يقف مرة أخرى مستطردا) ومش نرَّوح بقى لأ، أبويا راح شايلني فوق كتافه، وبقيت أنا كمان زي الجبل، والناس شايفها كلها تحتي. ولقيته رايح بي عالحضرة، اللي كانت جنب المقام. والناس كانت في الذِكّر حلقات وحلقات، فيها البخور والمسك شيء وشويات. وقدام الشيخ أبو عمّة خضرا، راح منزلني وقال لي”بوس إيد سيدنا الشيخ”. الشيخ راح مطبطب عليَّ، ومد إيده وبوستها. هو كمان باسني من راسي. وشوكني بدقنه، أصلها كانت طويلة ومتحنيّة، والكحل كان في عينيه، زي كحل الستات. أبويا قال له “ادعيله يا سيدنا، ان ربنا يشفيه، ويرجع يشوف تاني زي الأول”. الشيخ دعالي، أصله كان مبروك، وعنده كرامات. وعلشان ربنا ما يكسفهووش، ولا يكسفني أنا كمان. خلّاني أشوف اللي شوفته في الحلم! ولو انه كان متأخر! (ضاحكا) بعدها لقيت أبويا يا ولَه، راح واخدني من إيدي لجوة الحلقة، ولقيت نفسي بالف وادور مع الناس، وبقول زيُّهم، وهات يا ذِكر. كله في نفس واحد ولا أجدعها كورال (يشب، ويعود في مكانه على كعبيه، أكثر من مرة) هُو هُو، حيّ حيّ، هُو هُو، حيّ حيّ.
(يثبت ويتنفس بصعوبة، ثم يجلس بحذر) وبعد ما تعبنا يا واد يا «أراجوز» قعدنا في مكانّا، وجالنا راجل أسمراني ضخم، لابس جلابية صفرا مقلّمة، وشايل على راسه صنية كبيرة، مرصوص عليها عيش سخن، وحلّة فول نابت من أبو زلّومة، الراجل راح مناولني رغيف وفتحهولي، وحطّ لي فيه كبشة نابت، وغمز أبويا برغيفين. من الجوع يا ولَه، أكلنا النابت بقشرُه. وفي الآخر حلّينا بطبق رز بلبن. الراجل دا يا «أراجوز» كان داقق في إيدُه صليب.
(يحرك «الأراجوز» رأسه منتشيا) كانت أيام كلها بركة، مع إن الخير ساعتها كان قُليل، بس البركة هي السرّ اللي بتخلّي القليل دايما كتير. وبعد ما كلنَا الرز بلبن، وطلعت لبطننا الزلّومة، مشينا شوية، وسمعت لك شلّة المقاطيع بتنادي. ما قدرتش أوصل لهم، كانوا واقفين في وسط الزحمة، والناس كلها واقفة بتضحك وتسقف، وانا مش فاهم الحكاية! راح ابويا واخدني لقدام، وسألني “انت كده شايف؟”. اتسمّرت مكاني يا ولَه، وانا ببصّ شوفت حاجة كده لابسة طرطور أحمر، وجلابية حمرا، وكمان بيتكلم. صوته كان عجيب! ومش عارف هو طالع منين! أنا فاكرُه كويس وهو بيقول “يا عزيز يا عزيز،كُبَّة تاخد الإنجليز.. يا عزيز يا عزيز، كُبَّة تاخد الإنجليز”.. افتكرته عيّل صغيّر، بني آدم يعني! بس سمعتهم وهم بيقولوا عليه «أراجوز»”.
(«الأراجوز» ينتبه) تعرف يا ولَه؟ أنا اتمنيت ساعتها إني اكون أنا هو، ويكون هو أنا! علشان كده فضلت أروح وراه في كل حتة يروحها، من شرق البلاد لغربها، في الموالد والحواري، وقهاوي «محمد علي». وبالرغم من لماضته وشقاوته، اتعلمت منه حاجات كتيرة، أهمها إني أفرّح الناس كلها، صغيرين وكبار، وابسطهم واضحكهم. الحتة دي بالذات يا ولَه، هي اللي خلتني أحب الناس كلها، والناس كلها كمان تحبني.
علشان كده يا ولَه، قلت لنفسي لازم يكون لي واحد زيُّه. «أراجوز» يعني، ويفضل معايا علطول. نكون أنا وهو اصحاب، يقول لي سرّه، وأقول له سرّي، نعيش أنا وهو سوا، نشتغل، نكسب، نلف الدنيا، بس نكون سوا.
(«الأراجوز» يبدو عليه الاهتمام) انت كنت لسة يا دوب زي ما بيقولوا كده، خشبتين صغيرين مركونين على بعض. لما شوفتك عند النجار، طلبت منه إنه يعملك «أراجوز». الراجل بص لي ساعتها وضحك، فكّرني الأول مجنون أو بهزر. روحت رايح جري جيبت لك حتة قماشة ستان حمرا، وأخدتك عالترزي علشان يفصّل لك على مقاسك، الجلابية والطرطور. وكمان عملنالك الوِشّ عند الرسام.
(ضاحكا) كل ما افتكر اللي حصل لك ساعتها، بافطس على نفسي من الضحك. كأنه لسّة حاصل امبارح. («الأراجوز» ينصت باهتمام) الراجل الرسّام بعد ما حطّ لك الأحمر على شفايفك، حسّيت إنك اتكسفت وزعلت، فصُعبت عليَّ. ما هو ما يصحش برضو راجل يحط أحمر على شفايفه. فقلت له يعمل لك الشنب.
(يتحسس وجه «الأراجوز» ضاحكا) اللي هو في وشّك ده!
(يدس «الأراجوز» رأسه خجلا في صدر «عم صابر») ومن وقتها يا واد يا «أراجوز»، وانت ضحكتك ما فارقتش وشّك أبدا.
(يصمت قليلا قبل أن يستطرد) تعرف يا واد يا «أراجوز» من ساعة ما الرسّام رسم لك الضحكة دي، وأنا أوقات كتيرة كنت احسدك عليها. كنت باتمنى دايما، ان تكون لي نفس الضحكة، حتى ولو كانت باحمر شفايف مش مشكلة! المهم تكون لي ضحكة زي ضحكتك دي، ما تغيبش عن وشي أبدا. قايم نايم بيها، وعمرها ما تتغير. ساعات أقول لنفسي، يا ريت الرسّام كان رسمهالي زي ما رسمهالك، ورسمها كمان على كل وشوش الأطفال اللي في الدنيا، مش بس وشّي أنا. علشان يفضلوا دايما يضحكوا، وما حدش فيهم أبدا يبكي.
(مستاءا) بسّ تعرف حتى لو رسمها الرسّام، برضو ما كانتش هتفضل كتير! كان مسيرها برضو تتغيَّر!. الزمن يا ولًه ما بيسيبش حد في حالُه! وزي الجلود ما بتكرّمش، القلوب كمان بتكرّمش!
(يُخرج «الأراجوز» رأسه، ويشب في وجه «عم صابر» يتفحّصه) انت بتعمل ايه! عيني هتتخرم وهتبوظها اكتر ماهي بايظة. يا واد بطّل تفعيص في وشّي، انت بتدور على إيه؟ إياكش فاكرني لسّة زي زمان! (ساخرا) عمّك «صابر» خلاص كبِر، ووشي كمان كرمِش. (يمسح على رأسه) وآدي راسي كمان شعرها طار. ولولا الشوية اللي لسّة محافظين عالعِشرة، كان زمان راسي دلوقتي أنعم من مطار إمبابة.
(متأوا بعمق) ياه.. تعرف يا واد يا «أراجوز» دلوقت بقالنا أكتر من خمسين سنة واحنا سوا، ما افترقناش أبدا. والمرة الوحيدة اللي فارقتك فيها كانت في الحلم، علشان كده أنا صحيت وما كملتهوش. بس أنا لسة خايف يا وله! لا ييجي الحلم دا تاني، والاقيك برضو مش معايا، وخايف اكتر، إني لما آجي أصحي علشانك، الاقي نفسي ما قدرتش!
(يعود «الأراجوز» مرة أخرى إلى صدر «عم صابر» ويعانقه بشدة) انت هتفعص تاني ولا إيه!
(«الأراجوز» كأنه ينتحب) مالك يا ولَه؟ أنا معاك أهو ما سيبتكش! الكلام دا كان حلم، لسة احنا سوا ما افترقناش، ومش هسيبك إلا إذا مت بقى، فمش هاقدر أخدك معايا.
(يتشبث «الأراجوز» بعنقه، وينتحب أكثر) ما هو أنا ما اقدرش أخدك معايا.
(ضاحكا) ما ينفعشي صدقني، هو أنا لو ينفع أخدك معايا كنت هسيبك برضو؟ وبعدين يا عبيط دي حاجة في إيد ربنا. هو لوحده بس اللي يعلمها.
(يربت عليه، يحاول تهدئته) طيب كمان الولاد الصغيرين اللي بيحبوك وبتحبهم، لو مشينا أنا وانت وسيبناهم، مين اللي هيضحّكهم ويغنيلهم الأغاني اللي بيحبوها، وحكاياتك اللي بيستنوها! انت شوفت انت زعلت ازاي، لما ما روحناش الليلة دي، وتأخرنا على النمرة بتاعتنا. دا انت ما اتكلمتش من ساعتها ولا كلمة! وتلاقيهم دلوقت مستنيينك وعاوزينك تروح لهم.
(يهدأ «الأراجوز» شيئا فشيئا) شوفت ازاي ما ينفعش تسيبهم. لازم تفضل معاهم، علشان تفرّحهم، وتحكي لهم الحكايات اللي بيحبوها. وطول ما الضحكة دي في وشك، هيفضلوا دايما يحبوك. بقولك إيه يا ولَه؟
(ينتبه له «الأراجوز») إيه رأيك يا ولَه، نعمل النمرة بتاعتنا هنا ودلوقت! مش لازم نستنى لما نروح مسرح، هو يعني احنا من امته بنعملها على مسرح! نعملها هنا في الشارع زي زمان. والولاد تيجي لحدّنا، تضحك وتنبسط ومن غير تذاكر!
(يتعانقان) فاكر لما كنا بنغني سوا. حلوين من يومنا والله، وقلوبنا كويسة.. ياللا نغنيها سوا..
(يغني «عم صابر» مطلع الأغنية بصوته، ثم يدخل «الأراجوز» في الأغنية منفردا بصوته الحاد، مع تركيز لبقعة الضوء على «الأراجوز» وحده)
«حلوين من يومنا والله وقلوبنا كويسة..
وبقدم أحلى فرحة ومعاها ميت مسا..
يا ليل طوِّل شوية ع الصحبة الحلوة ديه..
الغالي علينا غالي..
الغالي علينا غالي.. ولا عمره بيتنسى..
حلوين من يومنا والله والله وقلوبنا كويسة».
(مع نهاية الأغنية يكتشف «الأراجوز»، أنه كان يغني منفردا، فيما كان «عم صابر» مطأطئ الرأس لا يحرك ساكنا)
(تتقطع كلمات الأغنية، مع انخفاض حدة صوت «الأراجوز» ويصيح صارخا): «عم صابر».
ستار.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى