ط
مسابقة القصة

نيسان الحزين..مسابقة الرواية بقلم / رياض طعم الله / البلد : تونس

رواية قصيرة / نيسان الحزين / الكاتب : رياض طعم الله / البلد : تونس

القصة عن وقوع الصحفي في حب ابنة سجانه .. علاقة حب مفاجئة بين شخصين لم يعهدا الحب اطلاقا .. ادم ماضي الصحفي الذي يضعه مقال عرضي قيد التعذيب و السجن و لينا عبد الرحمان التي تجر ورائها خيبات الماضي و سمعة ابيها المربكة .. ما ان تقع في الحب حتى يحرمها ابيها _ دون ان يدري_ حبيبها .. قصة عن الوطن .. الحب و اشياء اخرى

الفصل الأول : الفقد المضاعف
× لا يموت الإنسان إلا حين لا يتذكره أحد ×
برتولت بريشت

1
حٙرٙمهٙا أُمٙهٙا مُنشغلاً بِصِناعةِ صٙرْحٍ على عُلُوِ أٙحْلاٙمهِ الفارعةِ و حرمٙها رٙجُلٙها لحمايةِ ما صٙنعٙهُ ..لمْ يٙضْغٙطْ الزِنادٙ في كِلتٙا الحالتينِ لٙكنٙ خٙياراتهُ فٙعلتْ ذلك بالنِيابةِ عنهُ , و كانت خٙسارٙتُهمٙا الأُولٙى مشتركةً لكنٙ هذهِ الخسارة الثانية تٙخُصُها لوحدها و هو لا يملكُ أن يُواسيها في شيءٍ فتلك ليستْ من شيمهِ و لا من مواهبهِ فبعضُ الخصالِ لا يمكنُ بالضرورةِ شرائها او مقايضتها !
” يٙقْبِرُ أحمد عبد الرحمان كلٙ أٙحِبتِي تٙتاليًا كحانوتيٍ سيءٙ الحظ فكلما شفيت من فاجعة ألحقني بأخرى “.. قالت بضميرِ الغريبِ , بنبرةٍ مرتجفة و كأنها تتحدث عن شخص غيرٙ أبيها بلْ كأنها تذكرُ اسمٙ عدوٍ ما !
كم كان من الصعب عليها العثور على ذاك الكم المبهر من الحب في رجلٍ ما , و من الأصعبِ فقدانه ,لم يكن فقدانا عاديا بل ساخرا بحق .
“لم ادري ان للقبي تلك القدرة العجيبة على اطلاق النار غريزيا حتى على أول أحبتي ! ” ,قالت و قد انغمست في بكاء ممتزج بالضحك كنوع من الجنون الخالص .
كم يبدوا الموت غير عادل حينما يصيب قلبين بذات الرصاصة دون ان ينصف احدهما بما منحه للآخر من سكون ابدي و ما للميت من عناء يذكر في موته بل للحي شقاء مضاعف في بقائه حيا !
***
2
كان الحب شبهة مربكة لكن ما ان اصبحت على قدر كاف من الجنون لتحمل تبعاتها فقدتها .
“غير كل شيء و انصرف ” , كانت صدمة غريبة لم تتوقعها كعاصفة هوجاء تحيط بزهرة يتيمة و لم يكن لديها ما يكفي من الجذور و الاسباب لتتشبث بتربتها .
***
3
اتصلت بها يومها باغية نسيت ملامحها و كانت قد فقدت املها في اي خبر عنه ,كانت قد اعطتها رقمها و اخبرتها ان تتصل بها في حال سمعت اي خبر متطاير عن حبيبها ,كان يلزمها هذا القدر من الفقدان لتدرك انه كان حبيبها , تساءلت الباغية بشيء من السخرية التي لا تناسب خبرا كالذي حملته :
” كيف تكونين لينا عبد الرحمان و يكون مصدرك باغية مثلي ,اسألي والدك فاسمه وراء كل شيء ” , صدمت لينا بذاك الكلام المباشر الذي لا شفرة فيه و لم تجد ما تقله او علها فقدت صوتها و لم يبدوا شيئا منطقيا مما قالته الباغية اذ كيف تتآمر عليها الدنيا مجتمعة و تضعها خارج نطاق الفرحة مجددا !
نظرت نحو الأجندة : هل دخل نيسان مبكرا ! هل داهمها الى غرفة النوم قبل ان تتحضر جيدا !
كانت تصنف اي مشكل على أنه مؤامرة كونية ضدها ..لم تكن دولة لتحاك ضدها الدسائس لكنها امرأة تؤمن أن للأقدار مشاكل شخصية عالقة معها و متى اقتنعت انثى بهذه النظرية الجاذبة للمصائب إلا و أصبحت دولة آيلة للسقوط لا محالة بل ان كل من حولها اقرباء و غرباء ـ ناسا و دولا ربما ـ مثلهم مثل مخابرات اجنبية و معادية لا هٙمٙ لها غير اسقاطها بأي شكل , لم تكن هذه نظرية ممكنة ولا خبرا قابلا للتصديق لكن كلما تعلق الامر بوالدها تضاعفت مصداقية الخبر “اذ كان لديه قدرة عجيبة على جذب المصائب نحوها دون ان ينوبه منها شيء يذكر ” , هكذا حللت و جزمت يقينا .
***
4
أيفتعل مقال كل هذا بوطن !
أيصدر قلم لا رشاش لحامله كل ذاك الضجيج المربك !
و كانت دولة تشجع على مسك الأسلحة لا الأقلام , -فرجل ميت أفضل من قلم حي اقله لن يقلق راحة احدهم مجددا – , لكن هذا المقال المحظوظ مر بين أصابع الرقابة كسائل لزج دون منع على غير العادة !
و لم تكن للبلاد قوانين معلنة و لا قواعد معلومة جهرا إلا و خرقت فكان الجميع يتعلم من تجارب غيره – خاصة أولئك الذين انتهوا مقبورين – فلا يقترف ذات المحرمات حتى أصبح الكل على قدر كبير من المسؤولية الممزوجة بخوف لتجنب أي تهمة محتملة !
لم يكن مقالا يمس بالوطن بل كان بعض وقائع مبعثرة عن رجل أعمال نافذ لم يرقه التحرش بماضيه بتلك الطريقة الوقحة فحجب العدد و كاتبه.
“اتراه رجل بحجم وطن ,و كيف يصغر وطن بأسره ليعادل قامة رجل !”
ما هذا الوطن الذي تحدد فيه أحجام الرجال استنادا لأرصدتهم البنكية فتعرف فيه البنوك أثرى عملائها مواطنين دون عامة الشعب !
ذاك الشعب الساكن على هوى حكامه , يدار بمزاجهم كحفنة من الرجال الآليين بمفتاح تشغيل ثابت لا يملكون حق تشغيله ,يصدقون إن قيل لهم ” انتم مواطنين صالحين !” و المواطن الصالح هو من يرضى بصدقة دولته عليه بل و يتصدق عليها غالبا دون ان يدري لكن الصفة لم تكن أولوية لمن لا يملك من وجبات النهار الثلاث وجبة واحدة , كان خوفهم و جوعهم يقودانهم للتصديق لا ولائهم فقد اكتسب بعضهم بعد عقود من الطاعة قناعة راسخة تذكرهم أن كل شيء يحصلونه في حياتهم هو من فضل الدولة أولا ثم الله ,و الغريب انهم ما كانوا يحصلون شيئا يذكر طوال فترة حياتهم فما يرثهم ابنائهم في غير اللقب و الحاكم .
***
5
اتسعت مساحة الخيبة و لم تعد البيرة كافية لاستيعاب ما حدث بل اصبحت دموعها المتلاحقة محفز سكر و فقدان وعي لا ارادي و لم تبكي قبلا بذاك الكم الهائل من الوجع .
اخذت جملة واحدة من كلام الباغية تتكرر في رأسها كآلة تسجيل لا يمكن ايقافها : ” يُشاعُ أٙنه قُتِلٙ , من الارجحِ أنه قُبِرٙ ” .
انتابتها نوبة من الصراخ و الهستيريا و قد أضحى مزاجها ‘‘ نيسانيًا ‘‘ فأمسكت رأسها كمن يوقف صداعا حادا لا راد له , و تساقطت ارضا و قد غمر صوت عويلها شهقة صادمة بعد ان بلغ بكائها ذروته , و لم تعد ترى شيئا عدا صورة غير واضحة لتفصيل ابتسامته, و لا تزال الابتسامة السابقة للكلام اهم من أي غزل يقال بعدها , و كان لآدم ماضي تلك الابتسامة الشائعة التي لا توأم لغموضها …كان يقول الكثير من الأشياء دون ان يتكلم حتى , كان غموض صمته يمنحها مساحة من الحرية لتخيل ما كان من المفترض ان يقوله و لم يقله .!
اختفت كل قوانين الكون و الجاذبية من حولها و بدأت الارض بالدوران بها كمن يدور حول صورة ثابتة اخذت في التلاشي شيئا فشيئا حتى فقدت وعيها و ارتطمت جثتها بأرضية غرفتها .

***
الفصل الثاني : لعنة الثناء
الدولة لا تسأل المواطن عما يفعله من وراء ظهرها ، إذا لم يسألها ماذا تفعل من وراء ظهره × ×
محمد الماغوط
1
جلس في زاوية المقهى ذاته ..طلب القهوة المعتادة “سوداء بلا سكر ” ..تصفح جريدة قديمة -وجدها على الطاولة – بسرعة كمن لا يفقه القراءة ثم وضعها جانبا … اقترب منه النادل .. وضع الفنجان على الطاولة .. و انصرف
ترشف قهوته .. لم يقو على تذوقها .. طلب من النادل قطعتي سكر .. كان طلبا مفاجئا حتى للنادل نفسه .. فهذه المرة الأولى التي لا يطيق فيها مرارة القهوة .. كانت سابقة ..
مده النادل بقطعتي سكر و ملعقة .. وضع السكر .. حركه بسرعة .. تذوق القهوة .. “بدا الطعم مختلفا .. ”
لكن المذاق لازال سيئا ” .. أردف ساخرا
***
2
اقترب منه شيخ عجوز محدقا بفضول .. تساءل بنبرة فخر خافتة –كمن وجد ضالته – ” أنت ذاك الصحفي ..? ”
فتح بحذر و اضطراب ورقة جريدة متآكلة كان يخبئها في جيبه الخلفي..نظر من حوله …
أشار له لمقال مطول يحمل صورته ..
ألح : ” انه أنت ..”
أجابه عن مضض :”اجل”
خاطبه بنبرة حذرة لا تخلو من الشماتة : ” أنت تجري وراء الكلب الصحيح .. فذاك رجل لا خير يرجى منه لغير نفسه ..”
تفاجئ بردة الفعل تلك إذ لم يكن دائما على وعي بان احدهم يقرئ مقالاته .. و إن أخفى دهشته من تأكل الورقة الملفت إذ لم يمضي يوم عن نشر المقال ..
كان المقال يتحدث عن تلاعب محتمل بنتائج انتخابات مجلس نواب الشعب لصالح رجل أعمال نافذ و عن شبهات تلاحق ثروته ..
جلس الشيخ في طاولة شاغرة يتمعن المقال ..بينما تدخل النادل – الذي استرق عليهما السمع كعادته – بتهكم :
” كان الأجدر به لو شكم ابنته أولا قبل نيابة شعب بأسره ” ..
و كانت حكاية ” الابنة المنحلة للمرشح النافذ ” الأكثر رواجا في مقاهي الشعب ..
أضحى الجميع طرفا في همس حذر ممتد من طاولة لأخرى .. يتكلمون كأنما يسائلونه في انتظار تدخله .. أما هو فأغلق أذنيه على كل ما يقال و تحاشى الخوض فيما يدعون و هو الصحافي الذي كتب عن الرجل لا ابنته ..
لازال يحمل بعضا من الحياء يمنعه من هتك أعراض الناس يمنة و شمالا .. و إن لم يكن انحلال المرأة –كما يصورونه – مشكلا بالنسبة له .. كان انغلاقها المفرط مشكلته الحقيقية ..
“فكيف لرجل مثله أن ينجو لو لبست كل امرأة خاتم عفتها و تطهرت ” تساءل بارتباك ..
لم يقو على تخيل المشهد .. “عالم قائم على الزواج فقط .. و نساء يخبئن كنوز عفتهن لرجل واحد لا غير ” .. يبدو الأمر أشبه بكابوس بالنسبة لزير نساء متمرس ..!
***
3
كان مقاله مربكا للجميع –عداه – .. .حتى رئيس التحرير امضى شهرا و زيادة من التردد لنشره ..لم يكن يعلم انه أخر أشهره كرئيس تحرير ..
“من المؤكد طرده و محاكمته ايظا و من الوارد إغلاق الجريدة .. ” هكذا رد “وزير الإعلام و الصحافة ” متوعدا عندما اتصل به احمد عبد الرحمان موبخا بأدب و متذمرا من ما كتب عنه ..
” كيف لم يمر على الوزارة قبل نشره ! هذا إهمال .. ” .. طرد الوزير موظفي الرقابة ايظا ..
” هذه مؤامرة ضد رجل وطني ” .. جزمت صحيفة حكومية
” .. أما بخصوص كاتب المقال -ادم ماضي – فاعتبره اصبح من الماضي . ” .. اردف الوزير بحزم واضح لطمأنة احمد عبد الرحمان .
وحده الصحفي لا يعلم حد اللحظة ما يحدث من حوله .. فقد كان موظفا حرا قليل الذهاب لمقر الصحيفة ,فاقدا للإدراك اغلب الوقت .
من الغريب انه لا يزال حرا لحد تلك اللحظة ..لكن الدولة حريصة على صورتها الخارجية .. لذلك وضعته تحت الرقابة الدائمة
و منعته من السفر … أمهلته بعض الوقت لحبسه .. أقرضته بعض الحرية لبرهة ..كل هذا و هو لا يدري بعد ..
فلو علم بأفضال دولته عليه لشكرها !
***
4
كان صحفيا شحيح الكتابة يفتقد للشغف و الفضول و لم تكن لديه لا الجرأة و لا الحرية لنقد رأس من رؤوس الأموال .. و النظام .
كان ذلك المقال ينم عن غباء و قلة وعي و كلاهما ميزتيه ..
لم يكن يعي أصلا حجم ما اقترفه ..
كلما في الأمر أن صحفيا متربصا صادفه في الحانة فبادله السبق الصحفي بزجاجتي بيرة ..
ما كان عليه إلا أن يكتب اسمه تحت المقال و يحصد الثناء ..
كان سكره قد قلب موازيين إدراكه فخمن انه سينال بعض التقدير أخيرا .. هكذا اوهمه زميله الذي كتب المقال فلم يقرئه بعناية بل اكتفى بمراجعته أثناء تناوله البيرة ثم أرسله للصحيفة .
لم ينشر المقال و ظل لأكثر من شهر حبيس مكتب رئيس التحرير حتى نساه ادم ماضي و نشر غيره من مقالات بسيطة لا تتطلب جهدا بل ما يكتبها إلا اداء لوظيفته .
” و لن تجلب الثناء ” .. هكذا تنهد كلما تذكر مقاله الذي لم ينشر حينها فقد اقنعه ذاك الصحفي المتربص ليلتها انه سيكون مقالا حدثا و سابقة في مسيرته المهنية و كان على صواب .
حين تصفح الصحيفة يومها تفاجئ بنشر صورته مرفقة بالمقال كإثبات تهمة لكنه تذكر الثناء فتزين بأجمل بدلاته مهيئا للإطراء إذ لم يكن لديه أي هاتف ليدق مغدقا بالشكر و المديح .. لكنه انشغل بالسكر و النساء و لم يزر مقر الجريدة ..
***
5
كان لديه إحساس قوي أن ذاك المقال قد يقلب حياته بأسرها ..
قال ’’ سيقلب حياتي ’’ ..اعجبته رنة الكلمة …و كيف تكون في كلمة ك ’’ يقلب ’’ كل تلك السعادة التي ارتئى !
كان سكرانا و للسكارى مفاهيم ’’ مقلوبة ’’ غير التي يحددها القاموس , فالمعاجم ليست دائما على صواب ..
لم يقل ’’ سينهي حياتي ’’ بل قال ’’ سيقلب ’’ و كان لهما نغمة مختلفة و معنى واحد فأين الايجابية في كلمة ك ’’ يقلب ’’ , انها حتما نذر شؤم كقنبلة في قالب حلوى , و كانت الحلوى شغله الشاغل !
***
6
” و ما الضير أنني لم اكتبه ! ” .. ساءل نفسه و لم يجب

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى