ط
مسابقة القصة القصيرة

أأنا محق أم مجنون ؟؟مسابقة القصة القصيرة بقلم / بوسعدى محمد الأمين من الجزائر

قصة قصيرة بعنوان أأنا محق أم مجنون ! بقلم بوسعدي محمد الأمين .البريد الكتروني [email protected]. العنوان / رقم 5 حي عيسي حريش ولاية جيجل , الجزائر

لم أتنشق منذ مدة طويلة عبير الحرية و لكن رائحتها لا تزال شبيهة بما كانت عليه يوم دخولي السجن في ذلك اليوم الملعون , إن رائحتها لا تزال أشبه برائحة النفايات , فلا تزال الحرية في بلدي مقموعة و لا تزال الكلمة مغلولة والمتكلم ذو صوت مكتوم ,لم يكن حكم القاضي في قضيتي منطقيا , لا, لا, لقد أخطأت, بل لم يكن حكم القاضية منطقيا ,فمنذ دخولي القاعة كانت ترمقني بنظرات فيها من الريبة والكره ما لا يحتاج لدليل , لكنني لم أظن بها سوءا فقد كانت تبدوا كسيدة أنهكتها أعمال القضاء ومرت عليها سنوات الشباب مسرعة وهاهي الآن قد وجدت نفسها تصنف مع الآثار , تحاول أن تخفي شيبها ببعض السقاء ليطمس لون شعرها الأبيض و لكن هيهات فوجهها و كأنه حلبة للسيارات من آثار السنين,ويبدوا وكأن مستنقعا من المواد التجميلية الغالية الثمن قد نصب عليه ليعلن عن نهاية مدة صلاحيته , وهاهو ذا كاتب الضبط يمسك بقلمه وكأنه يمسك بأعناق الناس و يستعد للجلسة وكأنه يستعد لقبض الأرواح. لم أعين محاميا في جلسة المحاكمة ,فهم في ظني يصمتون دهرا وينطقون كفرا,فأنا الوالي عن نفسي والأحق بالدفاع عنها , لقد استعددت لجلستي بقراءة بعض كتب القانون الجنائي و المدني و تعمقت كذلك في قراءة القرآن وأذكار السنة التي تذكرتها مباشرة بعد أدائي لصلاة الاستخارة لعل الله يعطف بحالي يوم الوقيعة,لقد كان حالي جيدا ,بل وكنت متفائلا في إمكانية مراوغتي لكل رجال القانون,لكن كل هذا التفاؤل زال حين رأيت وكيل النيابة ذاك بعينيه الجاحظتين و كأنه بات الليل بطوله يحسب حسابي و يخطط لاقتلاع قلبي, و لم يشعرني أنفه الطويل المذبذب بالأمان فقد كان وكأنه يوجه إلي به أصبع الاتهام ,قبل وقوفي أمام القاضية كان لابد للشرطي أن يفتش كل ركن من أركان جسمي باحثا عن سلاح ما أو حذاء ربما أكون قد أخفيته لأقذف به تلك القاضية في اعتقاده, و لو كان يعلم أنني لو خططت لقذف شيء ما لقذفت الشرطي علي وكيل النيابة لما استمر كل ذلك الوقت في تفحص ملابسي فهو علي كل حال لن يجد بها كنز علي بابا ,فجيوبي لا تحتوي سوي علي منديل متوارث أبا عن جد و بضع دنانير كنت أخطط لشراء تذكرة سفر بها لإحدى متسولات المدينة التي كانت تدعوا لنا دوما براحة البال و الخير في الحياة الدنيا عند منحها ما يرضي بالها,فقد تبين لي أن دعائها كان ينقصه الإيمان و قد يؤدي بي لسوء الختام .
فأنا لم أكن في محاكمتي سوي زائر كباقي الزوار, لم أعلم سوي أنني متهم يشير إلي الحضور بالبنان و كأنني عضو في البرلمان أو مغني في شباب وألحان ,أفيحسبونني بهلوان ……., إنني لا اعلم حتى التهمة الملصقة بي و لما أنا هنا بينهم الآن !
ولم أتعرف بين الحضور سوي علي فتاة لربما صادفتها من قبل وشيخ ظل يدير وجهه عني و يتمتم كلما تواجهت نظراتنا ,لعلني تشاجرت مع ابنه في مقهى الحي علي ما أظن..,لقد بدأت القاضية المخيفة الجلسة ولا زالت بنظراتها تلاحقني , إن خير الدفاع كما يقال الهجوم ولهذا لابد لي من أن أواجه الجميع وأبرأ نفسي من التهم الملفقة بي…..
يا سيادة القاضي , آه, أقصد يا حضرة القاضية إن تلك الفتاة الجالسة هنالك والتي تدعي زورا وكذبا وبهتانا أنني قد خطفت هاتفها النقال خاطئة فأنا رجل شريف وعامل يومي , إنها تحاول تضليلكم يا سيادة القاضية و الزج بي في السجون لأنني أدين لأخيها بمبلغ مالي, فأنا لست بسارق ولم أكن يوما حتى أعامل بهذه الصورة السلبية, كل ما في الأمر أنني كنت جالسا علي الرصيف بجوار محطة نقل المسافرين حين رأيت ذالك الشيطان في صورة انسي والجالس الآن بحضرتكم في هذه المحكمة الموقرة والتي أنجسها بأكاذيبه وادعاءاته , لقد كانت هذه الفتاة مارة من أمامي حين سقط منها الهاتف النقال قرب مكان جلوسي لتلتقطه يدي, وبحسن نيتي ,ولما حاولت الوقوف لأسلمها هاتفها النقال وأعيده لحقيبتها التفتت إلي لتجدني في تلك الوضعية فهاجمتني مباشرة , و لك يا حضرة القاضية أن تري بوضوح ما أحدثته في جسدي من عضات و إصابات ولحسن الحظ فقد تدخل سكان الحي قبل أن تهاجمني بقارورة الغاز المسيل للدموع التي كانت تحملها بحقيبتها,ورغم كل ما حدث فقد غافلتني يا سيادة القاضية لترميني بمرآة لا اعلم من أين استخرجتها والتي كلفني زجاجها عدة غرز في المستشفي , وأنا أرجوك الآن يا حضرة القاضية أن ترحمي عزيز قوم ذل علي يد من لا يملكون الرحمة في قلوبهم و يهاجمون عباد الله المخلصين بالزجاج والسكاكين… !
تركتني القاضية أكمل كل كلامي ثم التفتت إلي الشرطي مخاطبة إياه : أما أمرتكم أن تجروا فحصا للمخدرات قبل أن تجلبوا إلي هؤلاء الملاعين ,عن أي فتاة يتحدث و عن أي هجوم, انه لا يعلم حتى التهمة التي يحاكم بها, أما أطلعتموه أم ماذا……. ؟
وهنا وقبل أن يرد الشرطي قفز وكيل النيابة من مكانه يزأر ” يا سيادة القاضية إن هذا المتهم جبان , يخشي مواجهة القانون و يرفض الاعتراف بتهمته بادعائه الجنون أمامنا وهذا ما لن نقع في فخه ,إن قضيته هذه تستحق الوقوف عليها و بيان خطورتها علي الدولة الجزائرية, إنها مساس بوحدة الوطن, إنها استهزاء بالقانون ونهب لثروات الوطن ,إنها تآمر علي الأمة و رفض لسلطة الدولة,إن قلبي ليتمزق يا سيادة القاضية حين اعلم أن وحشا كاسرا من هذا النوع يعيش بيننا ,وسط أبناؤك وأبنائي وأبنائنا يا سيادة القاضية,انه بلا ضمير ولا أخلاق ,انه انه انه……….
وهنا تدخلت لأقاطعه فما قاله قد زادني كدما , فقد صورني علي أنني مجرم خطير علي المجتمع وحين وصل إلي ذكر الأخلاق كنت أعلم أن صبري عليه سينفذ ,و أنا حقيقة لا أعلم حتى تهمتي التي قضيت عليها قرابة الشهرين مسجونا في انتظار جلسة محاكمتي .. .
يا سيادة القاضية اعذريني عما سبق فقد اختلطت علي الأمور و قد ظننتها من قضاياي السابقة, ولقد توضحت الأمور الآن, إن وكيل النيابة مفتري في كل ما قاله عني و إنني أظن أن ذلك الشيخ الجالس في مؤخرة القاعة هو المسئول عن كل هذه البلاوي , و إنني لن أتهم ولكنني سأؤكد بأن هنالك صفقة تجري بين وكيل النيابة وشيخ الشؤم ذاك , فان ابنه كان السباق لمهاجمتي و الجميع في مقهى الحي شهود علي ما أقول,فأنا لم أهاجمه بالكرسي إلا لما رأيت الشر يتطاير من عينيه و هو يهاجمني بهمجيته الوحشية راميا التلفاز علي ,لقد كان الخلاف بيننا بسيطا فالكل يعلم أن فريق برشلونة أحسن من فريق ريال مدريد, ولكنه كان مصرا علي رأيه ولم يعترف بأحقية فريقنا في الفوز, بل وتجرأ علي وصف لاعبنا الأفضل بالمتخلف والمعاق ,و لهذا يا سيادة القاضية و عكس ما هو مدون في محاضر القضية فان أخي لم يهاجم أباه دفاعا عني أو نصرة للأخوة وإنما لما سمع ما قاله ذالك المتخلف عن لاعب فريقنا و….., وفي تلك اللحظة أحسست بشيء ما اصطدم برأسي لأقع أرضا مغشيا علي,وأستفيق بعد دقائق علي وقع صراخ ذلك الشيخ بعدما رماني بعصاه وتوعده لي ودعائه علي بشتى أنواع الشرور وكأنني في حاجة إليها,فما أنا أقاسيه يكفيني ويزيد ,حتى أنني فكرت في بداية التصدير , وبعد مضي مدة ليست بالطويلة و بعدما أعادت القاضية فرض النظام وتوبيخ الشرطي الذي سمح بإدخال المقذوفات الصلبة إلي القاعة , والتي في العادة توجه للقاضي وليس للمتهم ,منعتني رئيسة الجلسة كليا من الكلام بعدما تأكدت بأنني إما لا أفقه شيئا في القانون وإما أنني لست سوي أحمق أو مجنون, و فرضت علي أن أعين محاميا للدفاع عن نفسي من تلك التهمة التي لم يرد احد أن يطلعني عليها وكأنها سر دولي أو لغز نووي,وقد خطرت ببالي عدة احتمالات فقد أكون مختلسا للأموال العامة أضاهي في حيلتي وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل و قد أكون رجل أعمال محتالا أقوم بنهب البنوك والشركات كحال الخليفة أيام مجده ومجونه في الجزائر , ولما لا قد أكون إرهابيا مختلا مختطفا للرهائن و الأطفال أو أسوء من ذاك قد أكون مدير شركة سوناطراك أو نفطال !! علي كل حال ,أنا لا أدري ولكنها وحسب ما يقال فعقوبتها قد تصل إلي الإعدام , المهم أنني حضرت المحاكمة التالية رفقة دفاعي, وبعدما جري بين القاضية و وكيل جهنم ومحامي دفاعي اضطرت المحكمة لإطلاق سراحي فمدة العقوبة كنت قد قضيت نصفها في السجن المؤقت وفي كل الأحوال كان الفاتح من نوفمبر ميلاد الثورة علي وشك الوصول, وكان العفو الرئاسي علي الأبواب و كنت سأخرج مرفوع الرأس رفقة العديد من المساجين الذين أصلح السجن حالهم فأصبحوا بائعي مخدرات بعدما كانوا سارقين كما أنهم تلقوا تكوينا في تزوير الأموال و فتح أقفال المنازل والسيارات ,و بعدما كانوا جهلة صاروا خبيرين في هذه المجالات , فنعم هذا النظام الذي حتما سيسير بنا إلي الأمام أما هذه الأمام فلا يعلمها إلا خالق الأنام.
آه لقد نسيت أن أخبركم ,لقد عشت حياة سعيدة بعد ذلك,لم أدخل السجن مرة أخري لأن ابن عمي ترشح وفاز في البرلمان وبهذا صارت لعائلتنا حصانة دبلوماسية رسمية ,و لقد علمت ما كانت تهمتي بعد استخراجي لصحيفة سوابقي العدلية , ”’ شراء مسكن بالأحياء القصديرية إضافة لمحاولة الهجرة غير الشرعية”’ !!!!
فكيف لي أن لا أهجر البلد و أنا أري ثرواته تنهب بينهم بلا أدب, أفأنا محق أم مجنون حين أقول لهم يا ليتكم من تسجنون و دعوا البلاد لنا فنحن لها حافظون…. !

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى