ط
أخبار متنوعة

أموات بلا قبور ..قصة قصيرة بقلم / فاضل العباس .. العراق

 الف وتسعمائة وواحد وتسعين أطبق الحصار فكَيّه ِبشكل كامل على البلاد ،وفي كل الاتجاهات واحيطت بسورٍ من حديدِ المراقبةِ والتفتيشِ لنصبح في سجن منعزلٍ في جزيرةٍ. كانت البيوت زَنازينَ موصدةِ الأبوابِ ومحاطة بقضبانٍ من حديدٍ وحجرٍ. حكموا على الكل بالموت ،اتخذوا قرارهم ،لايهم أن يموت طفل ،شيخ او أمرأة. كنا نتقاسم الرغيف وحبات الرزِ وملاعق السكر والشاي. ألغيت بل أزيلتْ العديد من أصناف الطعام من الموائد ،ونسيَّ الأطفال الحلوى واللعبَ وملابس الاعياد.   لا أتذكر تاريخ ميلادي  لكن أتذكر ميلاد أبنتي الصغيرة هدى، في ذلك اليوم  ذبحت  بَطّةً ريشها كوجهها مع احمرار الأنف ،واغمضاض العينيين، واكتسابه بقع بلون الأرجوان  في خدودها وأرنبة الانف من أثر الولادة. كان كل شيء يطبق علينا ،كعلبة سردين نتكور داخل البيت المتكون من غرفتين أُفْترشتْ أَحداهما ببساط صُنِعَ من بقايا الملابسِ حاكهُ صانِعَه بإتقانٍ وفنٍ أكسبه زغرفةً وجمالاً. بحثتُ في الغرفتين عن شيئٍ يستحقُ البيعَ لأكمل ما تحتاجه الطفلة،من حليبٍ وتغذيةٍ لأمها. كان خاويا، إلا من البساطِ وكتب كانت يوماً رفيقةَ دربٍ من الصغرِ إلى الشبابِ ثم هذا المعتقل. اعتصرني الألم ،نظرتُ إليها كنظرتي لطفلتي، كانت  جزأً من تكويني و شخصيتي و آدميتي، أتفاخرُ بآخرِ ما قرأت، واقتنيتُ منها .كنتُ اقتطعُ جزأً من مصروفي الشهري أيام الدراسة متنازلا عن لقمةٍ، أو كأسٍ اشتهيهما لأشتريها. عند زيارتي للأهل ِأيام العطلِ  ،يهرع أخوتي مفتشينّ عن شيء داخل الحقيبة،

 تردهم امي ؛ لا تفتشوا في حقيبته ؟ لأشيء فيها سوى الكتبِ. انسحبتُ من الغرفةِ أبحث عن عذرٍ ما يغّيرُ قراري الصعبُ ويسكِّنُ ما بداخلي. وقفتُ عند بوابةِ البيتِ  ،  عدّتُ  للداخل.  لاحظت زوجتي  ترددي المتواصل  ،وصعوبة القرار، كانت تعرفُ  مدى تعلقي  بكتبي  إتركها؟ لا تفكر؟ سيدبرها الله اشارت عليَّ. وبحركةٍ  كأنيَّ لم اسمع كلماتها. انسحبتُ ، وأغلقتُ الباب خلفي، لأتوجه الى الجانب الآخر من المدينةِ، سيراً على الأقدامِ أعاصير مثل الامواج تدور بين الرأسِ والجوفِ تتصاعد ،تمتد ،تكبر  وتجزر كدوائر الماءٍ وتنكمش  كبالونات متفرقعة. أحاول أن أُثِقلَ الخُطى ،وأتمنى أن يمتد الشارع الى ما لانهاية، اتوهم اصواتاً ،وهواجس بين الفزع، والفرح تنادي خلفي لا أنتبه لمنْ صادفني ،  أو منْ يلقي  عليَّ التحيةِ، مشتت الانتباه والافكار. في نهايةِ الشارعِ  أجد نفسي أمام أول النفق المظلم كان مفترشا الأرض، ببضع مجلاتٍ، وكتبٍ تمزقتْ أغلفة بعضها معروضةً للبيعِ. هل تشتري كتباً ؟ بادرتهُ دون تحيةً نعم أستاذ،أين هي؟ في البيت. هاتهم؟ لا أستطيع فهم كُثر صف لي العنوان ،وسآتيك غدا. لا اليوم، لأني محتاج ثمنهم. لا أستطيع ،لأنه وقت البيع ِ،أذا  حصل اليوم بيعاً،ورزقاً من الله لان الناس لا تقرأ هذه الايام، الكل مشغولٌ بلقمةِ العيشِ وصعوبة الحياة.. لكننا جالسون هنا لأننا لانعرف مهنة أخرى …  اني محتاج ثمنهم، لابد من اليوم عاودت ُالكلام.- -هناك حلٌ: أنتظر بعد غروب الشمس  عندما أنهي عملِي وسأذهب معك.  وافقته الرأي ،واخذتُ الشارع ذهابا، وايابا،  في انتظاره .تمرُ الدقائق اثقل من حركةِ سلحفاة، متوسلا إلى الله أن يدفع بيهما  ثمناً جيداً . في الغرفة نثر المشتريّ الكتب، منتقياً بعضاً منها، وساخراً ببعض العناويين من عدم وجود من يقرأُها. وبين رفضي بيع بعض المجموعات، وتمسكهِ بشرائها وإلا ستفشل الصفقة انتهينا الى ثمنٍ كالسكين في رقبة ِدجاجةٍ مريضةٍ . في صباح اليوم التالي اشتريتُ علبتين  من حليب التموين ،وبطةٍ لهدى لاعود بهما جذلاً ،منتصراً في معركتي، ولأنظر الى  فلساتٍ في يدي هي بقايا ما قرأته وإدخرته في ذاكرتي

فاضل العباس العراق

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى