ط
مسابقة القصة القصيرة

ارتحت اخيرا .. مسابقة القصة القصيرة بقلم / محمود السيد نصر الشيخ من مصر

مسابقة القصة القصيرة
اﻻسم محمود السيد نصر الشيخ ( محمود الشيخ )
العنوان : القاهرة جمهورية مصر العربية
التليفون :01060720760
**************
ارتحت اخيرا
*****

ولد معه الألم منذ ولادته في هذه الدنيا وأقسم أن يكون له خير رفيق وألا يفارقه مهما حدث بينهما وبر بقسمه مع أول ليلة له في الحياة فقد ماتت أمه وهي تلده فنشأ يتيم الأم يتألم كلما وجد طفلا يلف يده حول عنق أمه أو حين يسمع كلمة ماما .

زاده الألم رشفة أخرى من كأسه المر حينما فقد ذراعه اليمنى في حادث فأصبح معاقا منذ صغره لا يقدر على خدمة نفسه بنفسه وكان يعاني كثيرا عندما يريد أن يأكل أو يشرب أو يستحم مثلا واحس بقيمة أمه في مثل هذه الظروف ولكن أباه أستطاع أن يعوضه بعض مما فقده وكان له عونا وسندا وكفاه سؤال الناس.

لم يعجب الألم بظروف صاحبه وأصر أن يدعوه لوليمة كبرى بأن أفقده أباه وهو في سن المراهقة السن التي يحتاج فيها الشاب السليم المعافى إلى وجود الأب بجانبه ينصحه وينير له الطريق فما بالنا بمعاق يحتاج أباه أكثر من أي شخص آخر .

ظل فترة حزينا وحيدا مكتئبا لم يدر ما يفعل ونظر حوله فلم يجد له من معين فاعتمد على نفسه وعلى يده السليمة واكتشف في نفسه مهارات لم يكن يعرفها من قبل وكما يقولون ( الحاجة أم الاختراع )فأصبح لا يحتاج لأحد ويخدم نفسه بنفسه ولكنه وجد مشكلة أخرى وهي إمكاناته المادية المعدمة فليس له مورد رزق يقتات منه فاضطر لترك مدرسته وهو مقبل على الثانوية العامة ذلك لأن أباه كان أجيرا باليومية ولم يترك له ما يسد جوعه فقرر الاكتفاء بما حصل من معلومات واتجه لمجال العمل ولكن هيهات أن يتركه الألم فقد تألم بشدة عندما لم يجد مايناسب اعاقته من أعمال ونفسه تأبى أن يسأل الناس ليسد جوعه ويقم صلبه إلى أن هداه تفكيره إلى أن يتعلم ترتيب الحروف في مطبعة قريبة وكان صاحبها يعرف ظروفه فوافق على تدريبه والصبر عليه لما وجد فيه من همة ونشاط ، واستطاع بمهارة خاصة وذكاء شديدين يحسد عليهما أن يتعلم كل شيء وأصبح هو الفارس الأول في المطبعة واكتسب ثقة صاحب المطبعة فأولاه رعايته واعطاه قبل المادة الحنان الذي افتقده بوفاة أبيه .

ظن أن صاحبه الالم قد انشغل عنه ونسيه تماما وعاش أياما سعيد ولكن خاب ظنه بوفاة صاحب المطبعة وقيام الورثة بإغلاقها لعدم جدواها في زمن الكمبيوتر فأصبح طريدا شريدا مرة أخرى يحتضن الألم ويعتذر له عما بدر منه من نسيانه له وانشغاله عنه.

ظل يتخبط في الدنيا وتتقاذفه الأيام كما يتقاذف اللاعبون الكرة حتى استقر به المقام في ورشة خياطة تعتمد على شغل القدمين ففرح بها وساعده صاحب العمل بل وأجر له شقة صغيرة من غرفتين بثمن زهيد تقديرا لظروفه ، ففرح بما وصل إليه حاله وحمد الله كثيرا وفتح ذراعيه للحياه من جديد ولم ينس ربه يوما من الأيام فقد زرع فيه والده الإيمان والصبر على المصاعب .

فكر بعد أن أستقرت حياته وهدأت أحواله في تكوين أسرة وعن طريق المعارف تزوج من فتاة طيبة حنونة عوضته بحنانها عن حنان أمه التي لم يرها ووقفت بجانبه وساندته كأحسن الرجال في المواقف الصعبة ومن الله عليه بولد وبنت توأم يشبهان البدر في تمامه واكتملت فرحته حينما رآهما لأول مرة يسيران على قدميهما في الشارع واعتقد أن صاحبه القديم قد نسيه تماما ولكن اعتقاده كان خاطئا مرة أخرى إذ ألتهم حريق كبير شقته بمن فيها من زوجة وأبناء بعد أن أصبحوا في عمر الزهور .

كاد عقله أن يشت ومعه كل الحق في ذلك ولكن قوة إيمانه وصبره هزما شيطانه وتغلبا عليه وتقرب أكثر إلى ربه واستوقفته الآية الكريمة ” لقد خلقنا الإنسان في كبد” وقال في نفسه نعم صدقت ياربي الراحة ليست في هذه الدنيا الراحة عندك يا مولاي في جنتك وفي النعيم المقيم.اللهم ارزقنا جنتك ورضوانك.

مرت به الأيام والليالي وحيدا كأيام صباه يجلس ويتذكر ضحك أولاده ويدعو الله أن يلحقه بهم ويتذكر زوجته وحنانها وطيبتها ويستغفر لها ويتمنى أن يرافقها في الجنة …هكذا سارت به الحياة وصاحبه ورفيقه الألم يشاهده ويتألم من أجله ولكنه لا يستطيع أن يفعل له شيء لأنه مأمور بهذا فهو مخلوق مثله ينفذ أوامر الخالق سبحانه وتعالى برضا وإيمان …

على فراش الموت وقف الجميع ينظرون إليه والدموع تنهمر من أعينهم وهو يرفع عينيه إلى السماء كأنه يشاهد ما يسره ويبتسم ويفتح ذراعيه ويقول “” ارتحت أخيرا “” ثم تفيض روحه إلى خالقها ويذرف الألم الدموع على فراق صاحبه .انتهى …

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى