ط
الشعر والأدب

الأستاذ والصعلوك ..بقلم خالد بدوى

خالد بدوى
في ليلة شتوية قادتني قدماي أتسكع فى شوارع المحروسة، أزفر دخان سيجارتي، تتطاير معها ملايين الجزئيات من أحلامي التى تعبئ صدري، لا أجد غيره أشكو له حالي المثير للشفقة، من بعد أن صاحبتني أعاصير (التورنادو) منذ خروجي من عند التاجر.
لملمت ما تبقى لي من بقايا الهِمَّة، جلست أمام التمثال، صاحبه بيمينه عصا وبشماله كتاب نتبادل نظرات الانكسار فى صمت مخيف.
جلست لمحاسبة النفس، سنوات مرت أمام عينيَّ واليوم حلمي السرْمدي كاد أن يتوقف ولم يمضِ فى الدرب، أفتش فى أوراقي المبللة بعضها من عَرَق راحة يدي والآخر من زخّات قطرات على استحياء، وجدت أوراقي سطورها متعرجة مثل أمنياتي، بأنامل مرتعشة ورأس مثقل جمعتها لأجلس عليها، وضعت رأسي بين راحتي.
لكزني بعصاته فى رأسي، انتفضت مثل الديك المبلول فى ليلة شتاء، وعاتبني على فعلتي كيف أفترش أوراقي، أخذت أفرك عينيَّ غير مُصدّق.
بين فرحة اللقاء ورجفة المفاجأة تتلعثم الكلمات فوق شفتيَّ المختلجتين.. همست: أستاذي.
– لا تنادِني بالأستاذ.
كست سحابة من الحزن وجهي، كيف؟ وعشت بين صفحات رواياتك طوال حياتي، ألم تنادني فى إحدى رواياتك، بأن الأدب ثورة على الواقع وليس تصويرًا له.
أعاد منظاره الطبي لمكانه، شاح بوجهه يهمس كأنه فاقد الأمل، عندما يؤمن أصحاب الأدب بأقلامهم أولاً.
– لكن اليوم تبدل الحال والناشر صار تاجرًا والتاجر كل شيء عنده له ثمن.
– من العبث أن تناقش قومًا ليس بينك وبينهم لغة مشتركة، إن أحقر مسمار قد يهتك بدلة جديدة، كن أنيقًا وارتدِ أجمل ما تضعه داخل خزانة ملابسك المكتظة.
وقفت أمسكت بأوراقي أعيد ترتيبها مرة أخرى، صوت يصرخ فى أذني ويدان ترُجّاني جيدًا كزجاجة دواء قبل الاستعمال، زوجتي: قم لقد تأخرت عن العمل؛ سوف يُخصم منك نصف يوم ككل يوم، سوف تهلكنا أضغاث أحلامك!..

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى