ط
مسابقة القصة القصيرة

الأسرار .مسابقة القصة القصيرة بقلم / عبير عبد الله من مصر

الأسرار
للمشاركة فى المسابقة
قصة قصيرة بقلم عبير عبدالله
رغم حبى لتقلية البصل واللحمة إلا أننى نظرت إليها وأحكمت إغلاق الحلة وبحثت عن شىء آخر آكله، خيرات الله كثيرة ولكن مالى وبطنى التى تعاف الزاد ؟!.
فى صحوى أنا أم فى منامى ؟!.
أعيش الحلم كما أعيش الحقيقة ..
أكره هذه الأوقات التى تزعجنى ولا أعرف أين أنا ولا كيف أنا ؟!..
أغلق فمى بقوة فلا أجد إلا قوة خفية تفتحه بعنف ليلقى ما بداخله وصرخاتى لا تتجاوز نفسى ولا يسمعها إنسان ولكنها تزلزلنى وتدمرنى .
لا. لا. . لن ألقى ما بداخل فمى إطلاقًا..
أطبق فكى بشدة؛ فتقبض هذه القوى المخيفة المجهولة علىّ وعليه وتفتحه بقوة وعنف وتنزع ما به من شلالات مما يشبه هذه التقلية باللحم وما هى بذلك وكل ما بداخل فكى، ومعها أسنانى إلا واحدة كبيرة لامعة، أحاول السيطرة على الشلال الهادر بكل مالدىّ من قوة وإرادة ، أفشل وينطلق ما بداخلى هادرًا مفارقًا .
أصرخ ليس لدىّ شىء آخر غير الصراخ .. اتركوا لى ما تبقى.. اتركونى .. لا أريد.. لن يكون هذا أبدًا..
أغثنى يا رب يا غيّاث المستغيثين أغثنى ..
والقوة الهادرة الغاشمة تعاندنى وتعاند كل ما سواها..
لم يبق لى إلا سن صغيرة ومالا أدركه .
اتركونا وشأننا.. كفانى وكفانا ما حلّ بنا .
أظل أقاوم يقظةً ونائمةً وما بينهما ولا من مغيث.
أعلم جيدًا ما سيحل بى إن لم أتصد لهذه القوى التى لا تبقى ولا تذر من أرادت ووكلت به.
ولا أكف عن صرخاتى التى تشق عنان السماء ولا يسمعها إنس ولا جانّ !.
واندفع الشلال هادرًا موديًا بكل ما يحمله وأنا عاجزة بعد أن حرمت اليقظة والنوم !.
ولكن لا راد لقضاء الله .
أريد أن أحكى وأحكى ولا أتوقف عن الكلام والحكى حتى ينزاح الجبل الرابض على ظهرى الكامن فى قلبى، ولكننى أعلم جيدًا أن الأخبار لا تكذب، وإذا أذعتها ستصدق، وإذا أخفيتها لن تهرب؛ فأين المفر ؟!.
برحمتك يا مغيث أغيثني .
قلت : أرى ما يؤلمنى .
نهرونى وزجرونى وأعرضوا عنى .
قلت لن أقول ما يؤلمنى فهو يؤلمنى ويلازمنى ؛ فأعرضوا عنى وتحاشونى وتحاشوا أنفسهم وكل منهم يحدث نفسه ألن تكف هذه ..؟!..
شبعنا أخبارًا وأحزانًا وأنهارًا من الدموع قد جفت وأخذت معها الرحمة .
حدسوا أن فى الأمر أمرًا ومع ذك لم يرحمونى !.
– اصمتى . لم يعد لنا إلا الأحلام لنأخذ عنها.. كفانا ما أخذناه.
حمدت الله على مصادقة أبى ورضائه سنواتنا الأخيرة .
ولمّا انحنيت على يديه..هو.. أقبلها ،سحبها غير منتبه .
– ماذا تفعلين ؟!.
– لم أقصد.. كنت أقبل يديك .
الألم يعتصر قلبى، أعرف ما أفعله ولا أعرفه !، لامفر، يطاردنى الإحساس الذى يدق ناقوس عقلى وقلبى وروحى.
الجميع سواء .
أهرب من إحساسى، أهرب من عقلى، من روحى التى تنقبض وتأبى أن تنبسط .
خرجوا فى نزهة، أخبرونى ولم يدعونى، ظللت بملابسى بعد صلاة الجمعة وذهبت لشراء بعض الأشياء لزومها للأولاد وسبقتهم رغم إحساسى بالتعب والإعياء الذى لم يمنع من الذهاب معهم .
قلبى منقبض، روحى كثيفة ولكنى أسوسها بحزم حتى لا أتأثر !.
وذهبت.
يوم جميل.. الأولاد والبنات يتنططون، لم يتركوا أرجوحة لم يركبوها ولا عربة طائشة إلا قادوها ولا.. فرحتهم غطت على نور الشمس وبعد غروبها أضاءت مكانها .
وأنا مع نفسى أقاومها ولا أترك ثغرة تنفس عمّا بها .
أختلس إليه النظرات، آخذ من يديه ما يقدمه وأتلمس كفه بأناملى، عادى يعنى إخوة ..
عندما يشاغبنى أويثيرنى ليستفزنى بمزاحه الثقيل لا أستثار وأظل صامتة أنظر إليه وليس فى عينىّ أى أمارة للضيق، يتعجب ثم ينصرف عنى إلى ما كان فيه .
زار الأهل، تلطّف مع الجيران وأخرج من جيبه ما هو واجب عليهم بطيب نفس حتى أن أمى عاتبته:
– هم لا يستحقون وأنت تعلم .
– هذا لك يا أمى ومن أجل عيونك وعيون الأولاد لا أريدهم يرون قبحًا ويعتادونه .
أولم لأصحابه فى بيتنا الكبير بعد إذن أمى فهو لا يدخل رجلًا بيته الخاص.. يغارعلى زوجته محبوبته تراه بقلبها وعقلها تتكلم بلسانه وتقدم خيره بيدها عن طيب خاطر.
يزداد انقباض قلبى وضيق نفسى وثقل روحى وأضيع أنا بين اليقظة والنوم .. أين أنا ؟!. لا أدرى !..
أيام تمر وحركتى المغزلية حول نفسى لاتكف، ونحن فى انتظاره لتركيب حلقات الستارة فى بيتنا حتى يأتى غدًا أول اليوم لنقضيه معًا وللوليمة التى أقامتها أمى لنا .
أصلح سلك النت.. اشترى طلبات البيت ..اشترك مع زوجته فى تنظيفهما الأسبوعى الخميس بدلا من الجمعة لأنهم يصرون على أخذ الأولاد منتصف يوم الخميس بعد المدرسة راحة ولعب وتليفزيون وكمبيوتر لأن لدينا فى بيتنا الكبير عرس والحنة كالمعتاد ،علينا ،نقيمها لأى بنت أو شاب من العائلة ويوم السبت حفلة الزفاف فى فندق كبير.
أبناء العم والخال وجميع أولادهم وبناتهم وأحفادهم مستعدون ومن يقيم فى مدينة نائية جاء بأسرته عند أمه وأبيه فى بيت العائلة .
نحن قبيلة صغيرة مترابطة.. كلما تذكرت ذلك زهوًا شعرت بغصة !!.
ترك صغيره ليبات معنا على أن يأتى للسهرة بزوجته وابنته وما يلزم لهما من ملابس لحفل الحنة وحفل الزواج، اشترى أكياس اللب والسودانى والحلوى ولم ينس ذرة الفيشارالتى يجيد صنعها ووضعهم فى السبت معتذرًا لأمى بأنه يشعر بشىء من البرد، واسهروا أنتم اليوم وسآتى فى الصباح إن شاء الله لنتناول الإفطار ولنقضى هذين اليومين معًا.. سأنام مبكرًا ليكون لدى الهمة لغد وبعد غد لأقف مع العريس؛ فالرقص لن يتوقف قبل الفجر..
– ربنا معك يا بنى .
فى الصباح ..
لم أنم هذه الليلة فقد اشتد انقباضى الذى لا يتكرر عادةً إلا.. ! ولا أستجيب له ولا يتركنى !..
أقمت الليل وصليت الفجر حاضرًا ومازلت كمن تسرقه السكين ولا أعرف من أين؟! ولا كيف؟! .. واصلت قراءة القرآن حتى الضحى صليتها وأنا فى قمة الإعياء مع أن صدرى ينشرح دائمًا إذا صليت ولو ركعة واحدة تهجد .
سامحنى الله ، أتلو بعض الآيات ثم أعود من حيث بدأت ،أتمسك بالتلاوة وأحاول فهمها والإحساس بها علّها تعيد إلىّ توازنى النفسى واطمئنانى وأردد قوله تعالى:
( ألا بذكر الله تطمئن القلوب )
أناجى ربى بصوت مسموع.. يا رب طمئنّى.. ما بى ؟!..
نمت قليلا استيقظت على صوت التليفون، المفروض أننى أنشطهم فى الفترة الصباحية.. لم أترك فراشى.. استيقظت أختى بصعوبة وجرت إلى التليفون ولمّا وصلت انقطع الرنين، وأنا فى كامل وعيى ويقظتى، لن يتصل بنا إلا هو، لدىّ يقين بذلك لا أدرى مصدره ولم أتزحزح عن فراشى!..
رن جرس التليفون ثانيةً جرت أختى إليه ولم أسمع المكالمة جيدًا ولكننى أكاد أجزم أننى أعرف ما دار بها، حاولت الاختباء تحت الغطاء ولكن ما أن اقتربت خطواتها حتى كنت قد قفزت من فراشى وفتحت الباب وجريت إليها وقد كانت ترتدى ملابسها على عجل !..
– أخانا يحتاج إلى طبيب سأذهب لإحضاره.. لم أقل لأمى شىيئًا قلت لها سأذهب لأشترى خبزًا .
أكملت ارتداء ملابسى ولففت الطرحة على سلم العمارة وأنا نازلة، لم أشأ أن أذهب معها لإحضار الطبيب أو أذهب أنا ؛ فللأسف أحسن التصرف فى مثل هذه الأمور !..وإنما تركتها وجريت إلى بيته القريب وأنا متأكدة أن هناك أمورًا أخرى قد كتبت علىّ !..
وضعت نقودًا زيادة فى حقيبتى بعد أن ألقيت ما بها من أدوات للعمل، أمسكت بالمصحف الصغير، نظرت إليه تأكدت من وضعه فى الحقيبة وأنا موقنة أننى سأحتاجه مع أننى من المفروض ذاهبة إلى بيت أخى ويمكننى استخدام أحد مصاحفه !. ولكن مرّ بى خاطر مرعب.. سأحتاجه لأقرأ به على روحه.. استغفرت ربى وحاولت طرد هذا الخاطر فلم أستطع ومازال المصحف فى حقيبتى هو نفسه الذى قرأت منه على روحه بعد بضع دقائق يالله !.
مجرد أن وضعت قدمى داخل شقته شعرت بوجودهم الكثيف.. أنا أعرفهم – سبحان الله – أحس بهم.. ولمّا وقعت عينى عليه تأكدت وشعرت بهم يزاحموننى!.. جلست جواره على الفراش .
كذبت نفسى.. سألتها.. هل هو كذلك منذ الليل؟!..
– لا. إنما كان يشعر بالبرد.
لم أشأ أن أؤلمها فهى تحبه ولم تفهم شيئًا وكأن الفهم قد كتب علىّ وأصاب قلبى وروحى فأشقانى .
– ماذا بك يا حبيبى؟!.. هل يؤلمك شىء ؟!.. صدرك ؟ ..بطنك؟. أهناك شد عضلى مثلاً ؟.. هل أنت مخنوق ؟.. هل لا تستطيع أن تأخذ نفسك ؟..
– لا . أنا أموت .. أشهد أن لا إله إلا الله محمدًا رسول الله .
نظرت عيناه إلى السماء ثم أرخى جفونه واستسلم لمن خلقه !.
تركنى.. تركنا.. كما تركونا ..
هل لى أن أشهد على إنسان شاب تقى ورع بكل هذه الصحة وهذه الوسامة والقوة وأقول أنه قد فارق الحياة..
من أنا لأقول ذلك وأشهد عليه ؟!..
طبيب.. طبيب ..
أريد طبيبًا..
جاءت به أختى ..
– لله ما أعطى ولله ما أخذ …
ولكن وجهه مضىء ودرجة حرارته عادية ولم يشكو ألمًا ولا ضيقًا ولا حزنًا !. نحوه عنى ..
طبيب …
ألا يوجد فى الجيران طبيب ؟!..
لقد باح لى قلبى بما أخفيته عن نفسى وما أعلم جيدًا، ولكن أين حقه هو فيمن يعرف ويكون خبيرًا ويشهد ؟!.
– لله ما أعطى ولله ما أخذ .
جاءت أمى قبّلته وأوصته أن يسلم على باقى أولادها وزوجها حبيبها وأمها وأبيها وإخوتها..
– لك الله يا أمى .. لنا الله ..
صلينا الجمعة فى الشارع بعد أن ضاق المسجد .
لقد شعرت بالاستقرار الآن فقط.
فقد صدقت الأخبار ولم يعد هناك أى أسرار.
إلى أين الفرار ؟!.
إلى الله مالك الملك القهار الغفار .
****

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى