ط
مسابقة القصة القصيرة

الحب وأشياء اخرى .مسابقة القصة القصيرة بقلم / إيهاب بديوى من مصر

الإسم/ إيهاب بديوي
الدولة/ مصر
التواصل/ 01221997933
نوع المسابقة/ قصة قصيرة

الحُب… وأشياءٌ أُخرى
استنشَقَتْ هواءًا خريفيا مُنعشا أطفأ لهيب الوحدة في الليالي الطويله، سارت في طريقها اليومي إلى عملها عبر الشارع الهادئ على وقع نغمات الأوراق المتساقطة من الأشجار التي تستعد لشتاء طويل، وصلت إلى الكلية قبل بداية المادة الأولى بوقت كاف كعادتها لتجهز أدوات المعمل لليوم الدراسي..
بعد انتهاء التجهيزات وصل لها طلاب الفرقة الدراسية الأخيرة الذين لم يبقَ على تخرجهم سوى أشهر قليلة، غَطَّى صوت انطلاق الفتيات والشباب ومرحهم على الهدوء الذي يغلف صمت الجدران..
بدأَت في شرح أهمية تفاعل اليوم وخطورته في الوقت نفسه على الصحة، أي خطأ في التفاعل سيؤدي إلى الشلل لمن يستنشقه على أقل تقدير.
دخل أستاذ المادة وبدأ في إعادة الشرح لخطوات العمل،
بعدها دخل المُعيد لمتابعة العمل مع مهندسة المعمل، اندمج الجميع في العمل.
فجأةً.. دوَّى صوت صرخة مدوية، تبعها انهيار وإغماءات متتالية انتهت بانفجار بسيط.
من استطاع الحركة خرج منهارًا، من حوصر في الداخل غاب عن الوعي بفعل تصاعد الأبخرة السامة، أُعلنت حالة الطوارئ في الكلية، جاءت قوات الأمن والإسعاف والمطافئ ومعهم كبار المسؤولين في الجامعة.
عشرة طلاب إلى المستشفى أحدهم في حالة خطيرة بعد تعرضه للانفجار، واحد وعشرون طالبا في حالة انهيار بعد ما حدث.
وصل فريق التحقيقات بقيادة المقدم رامي إلى موقع الحادث، كانت القوات قد أمَّنَت المكان وتمكَّن المتخصصون من السيطرة على الغاز السام وتنقية الأجواء، دخل فريق التحقيق إلى موقع الحادث، تم تصوير كل مكان في المعمل وحدد خبير المفرقعات الموقع الأساسي للتفجير.
وأكد خبير الكيمياء أنه نفس مكان تسرب الغاز السام،
أمَر المُحقق بالتحفظ على جميع من كان بالمعمل مع استدعاء النيابة بعد أن أكدت التحقيقات الأولية أن كل ما حدث كان بفعل فاعل، تم تجهيز مكان داخل الكلية لإجراء التحقيقات.
معلومة مثيرة وصلت لفريق التحقيق عن طريق التحريات التي بدأت فور وصولهم حول الجميع، الشاب الأكثر تضررا من الحادث هو ابن عميد الكلية..
تساءل المقدم رامي مع رئيس النيابة:
هل كان الفتى مُستهدفا؟
بدأت التحقيقات بمهندسة المعمل الثلاثينية سلوى.
المقدم رامي: سلوى حبيب، ثلاثة وثلاثون عاما، خريجة الكلية وحاصلة على الماجستير في التخصص، تقومين بتحضير الدكتوراة في التفاعلات النادرة، يشهد لك الجميع بالتفوق، عزباء.
لماذا لم تتزوجي حتى الآن؟
سلوى: لم يأتِ صاحب النصيب بعد.
ابتسم المحقق قائلا: جميلة، مثقفة، متفوقة، كنتِ الأولى على دفعتك، لماذا لم يتم تعيينك معيدة في الكلية؟
سلوى: القصة المعتادة للظلم، كان هناك مكان واحد متاح لمدة خمسة سنوات تالية، وبعدي بدفعتين كان يوجد ابنة رئيس القسم، رفعتُ قضية فتمت مراضاتي بتعييني مهندسة وتسهيل حصولي على الماجستير والدكتوراه مع تعييني في أول فرصة، عشر سنوات الآن وأنا في انتظار الفرصة التي طارت مرة أخرى.
ظهرت الجدية على ملامح المقدم رامي قائلا:
كان سيأخذها حسام ابن العميد ويطير. أليس كذلك؟
لم تجب فأتبع: أنت متهمه بالشروع في قتل حسام نور الدين وعشرة آخرين، إضافة إلى إحداث التلفيات الواردة في تقارير الخبراء، وترويع الآمنين.
فوجئَت تماما بالاتهام فانهارت باكية ثم قالت:
لماذا أقتل هذا الشاب وأنا لا أصلح أن أكون معيدة بعد أن تجاوزت السن القانونية لذلك، أملي الوحيد أن أحصل على الدكتوراة قبل أن أتم الخامسة والثلاثين ليتم تعييني كمدرس، لست أنا من يحلم بالتخلص من حسام، اسأل من ستتكرر مأساتي معها وسيأخذ حقها في التعيين، خاصة وأنها قريبة منه جدا داخل المعمل، ولن أقول أكثر من ذلك.
طلب منها الخروج ثم استدعى علياء الفتاة المتفوقة والتي تجاوزها حسام في التقدير العام بفارق ضئيل العام الماضي بعد أن تعمد أستاذ إحدى المواد إعطاءها تقديرا منخفضا، ورغم ثورتها وسعيها لتقديم شكوى فقد تم تهديدها بطريقة مباشرة إن تقدمَت بها..
أخبرت المحقق بذلك وزادت عليه أنها تقتل نفسها في الاستذكار ولا تكاد تنام الليل لتقاوم هذا الطغيان.
دار حولها المحقق ثم جلس أمامها مباشرة قائلا: أنت متفوقة جدا في الكيمياء بشهادة الجميع، وخططتِ للتخلص من حسام بطريقة تبدو طبيعية، ولكن شاء القدر أن تخطئ حساباتك لتنكشف لعبتك.
ابتسمت الفتاة في ثقة قائلة: ممكن، حقا، تحليل ذكي، لولا أن حسام يحاول التقرب مني منذ عامين وأنا لا أستجيب له، ولو كنت أريد تدميره لفعلت، حقا حلم حياتي أن أصبح معيدة في الكلية، ولكني لا أيأس ولا أُحبط، أنا أراسل بعض الجامعات الدولية، سأتمسك بحقي حتى النهاية، ولكني أرتب وأتوقع أن ينتصر الظلم ويأخذ من لا يستحق مكاني ولهذا هناك منحة في انتظاري فور تخرجي، وسأعود لهم من الباب الكبير وأنا أنجح وأهم منهم.
ابتسم المحقق واستمر في استجواب الجميع حتى وصلت له معلومة عن شاب اسمه ساهر كان من ضمن المصابين في الحادث ولكنه خرج سريعا من المستشفى. استدعاه فوجده في الخارج بعد أن عاد للإطمئنان على زملائه.
بمجرد أن دخل كان مترددا مستغرقا في التفكير، عرف بنفسه ثم سأله المحقق عن صلته بالحادث فأخبره أنه كان مثل الجميع مستغرقا في تجاربه حين حدث التسرب ثم الانفجار.
المحقق: ما هي طبيعة علاقتك بعلياء؟
ارتبك الفتى ثم تمالك نفسه قائلا: أحبها، وأتمناها، وأعشق التراب الذي تسير عليه.
فوجئ المحقق بهذه الإحابة الصريحة، وازداد تعجبا حين أكمل الفتى: لو عرفتها عن قرب ستعرف أن للحياة طعم مختلف بجوارها، كلماتها، أحلامها، إصرارها، رقتها، قوتها، جمالها.. كل شئ فيها رائع، نعم أحبها، ولكنها في عالم آخر، لا ترى سوى حلمها الكبير، لا تشعر بأحد، لا تهتم بأحد… لا تستحق أن يظلمها أحد.
ابتسم المحقق قائلا: ولهذا قمت بمحاولة قتل حسام الذي سيسرق حلم عمرها.
أطرق الفتى في الأرض قائلا: ليت من قام بالانفجار استهدفني لكي يرحمني و تنتهي حياتي وأنا بجوارها، كنت سأموت سعيدا…
تأثر المحقق بدموع الفتى العاشق وطلب منه الانتظار بالخارج، جلس مع فريقه يجمعون الأوراق أمامهم.
وصل حينها والد الفتى عميد الكلية ثائرا غاضبا، طلب منه المحقق الهدوء حتى يمكن الوصول إلى الفاعل الحقيقي.
قال العميد على غضبه: مجموعة من الحاقدين الذين يحاربون كل نجاح، إبني متفوق منذ نعومة أظفاره، دائما في أحد المراكز الأولى، لم أبخل عليه بشيء.
سأله المحقق مباشره: ولماذا إذًا تدخلت لمساعدته على تجاوز زميلته المتفوقة؟
فوجئ الرجل بهذا السؤال، ارتبك قليلا، ثم تحدث ثائرا:
أنا لا أقبل الظلم، والبنت هي التي تنازلت عن تفوقها…
أتبع المحقق: تسعة مواد امتياز ومادة مقبول!!! هل هذا منطقي؟
العميد: أنا لا أقبل أن يشكك فينا أحد، تكفي الضغوط الهائلة التي نتعرض لها بسبب منصبي، لن أقبل أن يظلم ابني بسببي…. ثم أيها المحقق القوي الباحث عن العدالة، إبني يقبع بين الحياة والموت وأنت تكيل لنا الاتهامات بدلا من البحث عمن حاول قتله!! أين العدل الذي تتحدثون عنه.
قام غاضبا مرتبكا متوترا لا يخفى خوفه على أحد.
عاد المقدم رامي لاستكمال تجميع الحلقات كلها معا بعد أن استجوب الجميع، من الذي قام بهذه العملية المركبة؟ وما الهدف منها.
سلوى وأحلامها وإحساسها بالظلم ورغبتها في الانتقام.
علياء وإحساسها أيضا بالظلم ورغبتها في إبعاد من ظلمها.
ساهر وحبه الكبير لعلياء ورغبته في مساعدتها للوصول إلى هدفها.
كلها دوافع خاصة والثلاثة لديهم القدرة العلمية على إحداث مثل هذا الانفجار والتفاعل الكيميائي.
وصلت إشارة للمحقق بأن حسام قد أفاق من الغيبوبة لكن حالته حرجة جدا، أسرع باصطحاب رئيس النيابة إلى المستشفى القريب.
كان والده بصحبة بعض الأساتذة الكبار ووالدته أيضا الأستاذة في كلية أخرى موجودون والقلق يعتصرهم، سمح له الطبيب بعشرة دقائق فقط بعد أن أخبره أن الفتى قد أصيب مبدئيا بشلل رباعي.
دخل المقدم رامي سريعا إلى الفتى الذي كان ملفوفا بأربطة حتى اختفى وجهه، تحدث بصعوبة بالغة فقرب المحقق أذنه ليسمعه.
خرج من فوره وأمر بإحضار علياء على وجه السرعة، لم يجب على أسئلة والد الفتى الغاضب المجنونة.
بعد قليل وصلت علياء فدخل بها المحقق إلى غرفة الفتى الذي كان يعاني ويتنفس بصعوبة بالغة، ما أن رآها حتى زاد نشاط قلبه للدرجة التي استدعت حضور الطبيب بعد إنذار الأجهزة، طلب منهم الخروج إلا أن الفتى طلب منهم الانتظار…
سامحيني يا علياء، سامحيني يا حبيبتي.
كلمات خرجت بصعوبة بالغة من فم الفتى الذي أكمل قائلا:
والدي هو السبب، أخبرني أنه لن يستطيع مساعدتي هذا العام لأن أمرا سريا جاء بتصحيح الأوراق عن طريق لجان من خارج الكلية، كنتِ ستتفوقين علي كالعادة، كان لابد أن أحقق حلم عمري، أنا أحبك ولكني لم أكن لأسمح لك بالتفوق علي، لا أعرف كيف حدث الانفجار، كنت قد حسبت كل شئ بدقة، جرعة بسيطة من الغاز السام في تجربتك كانت ستصيبك بشلل مؤقت لعدة أشهر، أحقق أنا حلمي ثم أتزوجك، نعم، كنت سأتزوجك ولو كنتِ مشلولة. أنت حب عمري.. لا أعرف كيف اهتزت يدي وسقطت كمية من مادة التفاعل أمامي…. سامحيني.
كانت آخر كلماته وهو يغيب مرة أخرى عن الوعي….
إيهاب بديوي

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى