ط
مسابقة القصة القصيرة

الكعب عالي و الانوثة مسروقة..مسابقة القصة القصيرة بقلم / معمري سارة من الجزائر

معمري سارة
ولاية الأغواط ,الجزائر
رقم الموبايل 0669.04.48.30
البريد الإلكتروني : [email protected]
قصّة من جزئين تحت عنوان :
الكعب عالي و الانوثة مسروقة
الجزء الأول : عشرين سنة مضت على اول واخر يوم كانت فيه انثى ; انها ماريا ا و بالاحرى مارو احسن حارس مرمى في الحي.منذ ولادتها المسكينة تقمصت دور الصبي بفعلة اب مصدوم لانجابه خمسة فتيات قبلها , فاراد الاخيرة رفيقا لجلساته البحرية مع الصيادين , و لاعب كرة قدم يفتخر به وسط الحي , فكانت له كذلك وخاضت مع الانوثة اشد المعارك , وفي ظل هذا الصراع النفسي الذي اخذ سنوات من عمرها استفاقت ماريا يوما على وفاة والدها وصديق الطفولة …ربما كان السبب في ان تسرق انوثتها , لكنه كان كل شيء بالنسبة لها. عاشت ماريا في الستة اشهر الاخيرة حالة هيستيرية من الضياع لانها ببساطة لا تستطيع ان تحدد ملامح شخصيتها المفقودة , لقد كانت تعيش الدور فقط ! فبعد وفاة والدها ليس على أصدقائه الصيادين ولاعبو الحي ان يتقبلوا فتاة بينهمم , كان وجودها بينهم قبلا مجرد مسايرة للاب المصدوم … من جهة اخرى ظهر وجود الام متاخرا , فالت تسحبها الى البلاط النسوي ; اخذت تجول بها الجلسات النسائية , و حفلات الكوكتيل الراقية لعلها بذلك تجد لها عريسا يناسب تطلعاتها التي كانت خط احمر بالنسبة لزوجها المغدور , لكن يبدو انها اختارت الفتاة الخطا !! فماريا بالكاد تشاركها الذهاب ; كيف لها ان تتقبل تلك الاحاديث الزوجية و النميمة المنمقة , و هي التي كانت تهوى حكايا و مغامرات الصيادين …لقد شعرت بالقرف و الانزعاج , لذا قررت عدم المداومة على تلك السهرات , لكنها لا تنكر ان شيئا ما تحرك بداخلها بعد كل هذه الزيارات !? ربما انوثتها استفاقت بجدية غير مسبوقة .. الا ان مفهوم ماريا للانوثة كان محصور بين ارتداء الكعب العالي و وضع احمر شفاه بوردو فاقع اللون ! هكذا بدا لها الامر لذلك استفاقت في اليوم التالي يستغويها الحاح غريب لاقتناء زوج الاحذية تلك و هي التي لم تجرا سابقا على انتعالها !! لاباس جميلة هي روح المجازفة .. لكن المصيبة انها صممت على ارتدائها في اليوم الثاني !! قرار يجب ان تتحمل عواقبه لكنها لا تابه.. اشرقت شمس اليوم المنشود : ها هيا ماريا تستعد لاستعادة انوثتها المسروقة ..تالقت كما لم تفعل يوما ; بدت جد جذابة خصوصا بالنسبة لجارهم حازم ,الذي اعتاد هو الاخر ااستراق النظر من اعلى الشرفة .لم يصدق ما استرقته عيناه الدهشة تعلو وجهه !! فضول جازم يدعوه لملاحقتها و تقصي جهتها… برهة استغراب حازم , ماريا كانت قد خرجت من المنزل واختارت نزول السلالم حافية , فهي لاتحبذ لفت انتباه سكان الحي في هذا الوقت المبكر ,لقد خرجت باكرا لانها تعلم ان الذهاب الى وجهتها سيطول مع تثاقل خطواتها , لكن خطوة تلوى الاخرى جعلتها جيدة التحكم في مشيتها .. ومن ورائها بمئة متر حازم المتطفل كان جد مستمتع بالمنظر . كانت وجهة ماريا الساحة الكبرى , لانها مع الساعات الاولى تزدحم و يتهافت عليها الكثيرون مشكلة بذلك قبلة تجارية وحيوية لتبادل الخبرات , العلاقات النظرات , و حتى ارقام الهواتف , لذلك اختارت ماريا التواجد فيها : ارادت ان تثبت للجميع انها انثى بكل تفاصيلها . بعد عناء المسالك الصعبة المؤدية للساحة , و التي قصدتها ماريا عنوة للتدرب على مشية العمر ,اخذت تتقدم لتتوسط الساحة ..الجميع اخذ يحدق بها !? كانوا قد عهدوا الحظور الدائمين للساحة ; لقد بدت لهم غريبة , وفي نفس الوقت جميلة و ملفتة , وكردة فعل غير عفوية !! بطئت صاحبة الكعب العالي وتيرة مشيتها لتسنح للجميع فرصة القاء نظرة …ظل غرور ماريا يتطاول على المحدقين حتى قاطعها صاحب الجاكوار !! ويالها من نظرة رمقها بها …شلت حركتها , زادت من ضربات قلبها , مغصت بطنها , افقدتها التحكم بحواسها وحتى مشيتها ..و فجاة !! التواء , دوران ,ارتجال , ثم حركات بهلوانية غريبة , محاولة اخيرة لاستعادة التوازن , ولكن دون جدوى, و سقووووووط حر ! توقفت اللحظة بالنسبة لماريا هاهي انوثتها تسرق من جديد و هي ملقية لا تحرك ساكنا.وسط الضحكات المتعالية للمتواجدين في الساحة حاول حازم التقرب و تدارك الموقف الصعب الذي وضعت فيه المسكينة , كان ينوي حملها و يبتعد لكي يخفف من حدة الصدمة , لكن يبدو هناك من سبقه !? نعم انه صاحب الجكوار ! الامير المنقذ القادم من قصص الاساطير.. حملها بين يديه ; احتوى اللحظة , فساد صمت غريب في الساحة اختلطت نظرات الشفقة , مع الغيرة , مع الحب لتصنع صورة من الوجوه المبهمة !! و ماريا اكملت الدور راسمة على وجهها صورة المغمى عليها …تريد ان يطيل حملها لان دفئ قوي يغمرها.. قد تكون فقدت الانوثة , لكنها وجدت الحب.. اما هو فارتسمت على وجهه ابتسامة محتواها لذة الانتصار : فمنذ لحظات كان الجميع يريدون التهامها باعينهم , اما الان فهي بين يديه لقد احسن التصويب بعينيه نحوها… قناص محترف سرق انوثتها و قلبها مرة واحدة , لكن في المقابل ماريا احبت الاستسلام و الاستمتاع باللحظة ..لا تهكم ,لا هيستيريا , ولا رفض فقط الامتنان للقدر..
يتبع ..
الجزء الثّاني :

تغالت لحظات الأنوثة المزيفة لأنثى حديثة التمثيل لتنتهي بوقعة ماريا المزدوجة التأثير حيث فقدت الكمال لتحتل عرش المحظوظات أو على الأقل بالنسبة للمتسوقات من نفس سنّها ، لقد غزلت شباك الغيرة نسيجا على قلوبهم حتّى إنقطعت أنفاسهم فراحت هي تتمادى في الأنين و نبرات مدسوسة بحيل كانت قد قلدتها من فنانات اليوم ..
كان لابد من هذه التمثيلية من ان تنتهي و تستفيق ماريا على واقعها لكنّها حصلت بالمقابل على نهاية جيدة إذ عرض عليها أميرها المنقض توصيلة للبيت فوافقت بصمت ، مجرد حركة بعينيها ….حملها ليجلسها على المقعد الأمامي مع إسناد جسمها للخلف ، حركات قام بها بتمرس و كأنه عهد رعاية المغمى عليهم من النساء خاصة ..
إنطلق بسيارته الجكوار تاركا ورائة عبارات كانت قد حسرت لدفائق فإرتدّت مرّة واحدة في السّاحة و عادت الحركة إلى ما كانت عليه قبل مباغتة ماريا لكن كثيرا من المارّة كانوا يعيدون صياغة الحادثة المضحكة داخل أذهانهم لسردها على طاولة العشاء ذلك اليوم فكل منهم سيرويها بتفاصيل أكثر ليكون سيد أحاديث الجلسة المسائية..
وصلت ماريا إلى منزلها رفقت أميرها المنقض لكنها تردّدت في النّزول لأنها تسكن داخل حي شعبي و تخاف أن بلحظوا التغيير الذي طرأ عليها حاولت أن تنزل خلسة لكنّه اصر أن يساعدها علي صعود السلالم و عند وصولها لآخر درجة إلتقت بمن لم تكن في الحسبان !! الجارة العجوز أم باسل و التّي تعتبر تهديدا مخبراتيا على كل من يسكن الحي و حتّى على الأحياء المجاورة ، إذ لها القدرة على تقصّي أخبارهم اليومية و بالتفاصيل المملّة و لا تخفى عليها الصغيرة و الكبيرة من أسرارهم .. فما كان على ماريا إلاّ تدير و جهها مئة وثمنون درجة محاولة إخفاء معالم وجهها.. لكن دون جدوى ..لقد عرفتها بمجرد لمحة واحدة حتّي أنوثتها المستحدثة لم تمنعها من معرفة هويتها ..إذن فلتنتظر ماريا دقائق معدودة بعد هذا اللقاء المفجع مع أم باسل لتكون حادثتها بكل تفاصيلها تتنقل في شوارع الحي ..
مضت ماريا مسرعتا إلى مدخل منزلهم حتّى إستغرب صاحب الجكوار نشاطها المفاجئ و هي التّي قبلها بنصف ساعة كانت تئن و تدعي الدوار ، حيته و شكرته على موقفه النبيل معها أرادت أن تختصر الحديث معه ليذهب في حال سبيله و تدخل هي للمنزل دون أن تثير أي ضجة و تنهي مهزلتها في إكتساح عالم الأنوثة البائس , لكن سرعان ما ودّعته حتّى ظهرت أمّها مع كيس البقالة تجاهد لوضع رجلها على آخر درج من السلالم و إذا بماريا تسقط متاهوية يبدو أنّها فقدت و عيها حقيقة هذه المرّة لأنّ رأسها إرتطم بمقبض الباب ..هرعوا جميعا لها لكن السبّاق للمساعدة كان حازم ، نعم حازم جارها لأنّه فور سقوطها الأول في السّاحة و حين لم تسنح له الفرصة لمساعدتها غادر المكان حزينا راجعا لمنزله و لم يعرف بقية القصّة لكن هاهو الأن يحظى بفرصة حملها …
دخل الجميع للصالون وضع حازم ماريا على الأريكة حاول أن يفيقها مستخدما العطر الذي أحضرته أمها، صاحب الجكوار كان يقف على رأسها و يدلك كتفيها ..قدم لها الثلاثة الرّعاية اللاّزمة حتىّ إستفاقت.. لم تلبث برهة و أخذت تسرد ما حصل لها منذ أن خرجت صباحا ..كانت تخشى ردّة فعل أمها خصوصا و أنّها خرجت بدون علمها ، لكن الغريب أنّ الأم تقبلت الحادثة بصدر رحب و جلّ ما إستقطب إهتمامها هو دور صاحب الجكوار في القصّة و وجوده في بيتهم الآن!.. فأخذت تتملقه في الحديث و تزيد في شكره مستعملتا عبارات من الفرنسية البرجوازية وكان هو يرد عليها بالطريقة نفسها ليثبت أنّه ينتمي لعائلة عنيّة، في المقابل حازم كان شديد الإهتمام بماريا عرض عليها الذهاب إلى المستشفى ليطمئن عليها أكثر لكنها رفضت ، قالت أنها بخير و لا تعاني أي مكروه … إهتمامه هذا لم يعجب أمها فطلبت منه المغادرة بطريقة غير مباشرة بحجّة أنها سمعت أمّه تناديه من الجوار.. الغريب أن سمعها ضعيف .. كيف سمعتها من تلك المسافة ؟!
أحرجت ماريا من موقف أمها فرافقت حازم إلى باب المنزل و أعربت عن شكرها الشديد لمساعدته ثم عادت للغرفة لتجد أمّها تحضّر مائدة الطعام فقد ألزمت صاحب الجكوار بعدم المغادرة دون أن يشاركهم الغداء و أخذت تجهز ما لذّ و طاب، كما أخرجت طاقم الأواني الفضيّة ، و الذّي قليلا جداً مع تستعمله إلاّ مع الزيارات الخاصّة و المميزة …..
لم تكن تلك آخر زيارة لصاحب الجكوار لقد دأب هذا الأخير على قبول دعاوات أم ماريا المتكرّرة إذ أصبح وجود سيارته داخل الحي ليس بالغريب لكن في كل مرّة كان يغادره إلاّ و يجد قطعة من إكسسوارات سيارته قد سرقت …كان على.أمّ ماريا أن تجد مبررا لزياراته الكثيرة فادعت انه إبن قريبتها المقيمة بفرنسا.. كان سببا مقنع بالنسبة لجراتها نظرا لتأثرها بالثقافة الفرنسية و لكن أم باسل المخابرتية لم تكن لتقتنع بهذا المبرر و من الجيّد أنّها لم تتواجد في السّاحة ذلك اليوم فكل ما استطاعت بثّه في الحي أنّ زواج ماريا و صاحب الجكوار كان قريبا….
هذا الخبر نزل كالجمر على قلب حازم لم يتقبّل فكرة أن محبوبته منذ الصغر و التّي كثيرا ما إسترق النظر لشرفتها لن تكون له ، لقد لعن اليوم الذي إختارت فيه إسترجاع أنوثتها لقد أحبها بهدوء و صمت وإن كان بعيد لكنّه لم يكن يخاف وجود منافسا له كان فقط ينتظر اللحظة المناسبة ليصرّح لها بمشاعره … عندما كانت مسترجلة لم يعرها أحد كل هذا الإهتمام …
حازم لم يقف عند هذه النقطة بل خرج عن صمته و قرر أن يدافع عن حبه فتربص جالسا عند مدخل العمارة المجاورة أين تسكن ماريا فهو إعتاد خروجها في تلك السّاعة لإقتناء بعض الحاجيات من البقالة القريبة ..و كان له ذلك، لقد إلتقى بها و عرض عليها شرب كأس من الشاي في الكفتيريا المقابلة لجامعة الصيدلة حيث يدرس فوافقت دون تردد و تقابلا في اليوم التالي ، كانت النصف الساعة الأولى من القاء عبارة عن إلقاء للنكت إلى أن أخذهم الحديث عن ضحك المارّة على سقوطها في السّاحة و كيف حاولت ماريا تدارك الموقف من هناك صار حديثهم رسميا أكثر فأخبرها انّه كان دائم الإعجاب بها و كان يبحث عن روحها الجميلة وراء شخصيتها المسترجلة قبلاً و أنّه كثيرا ما حاول أن يدلي بمشاعره نحوها لكنّه تخوّف من صعوبة دخول الفتاة المسترجلة في علاقة مع الآخر غير انّه و بمجرّد سماعه لخبر زواجها من صاحب الجكوار لم يستطع السكوت أكثر.. لكنّها إستغربت هذا الخبر و طمئنته أنّه لا أساس له من الحقيقة و أنّها مجرّد إشاعات أطلقتها أم باسل وفقا لما رأته من كثرة زيارات صاحب الجكوار..
صاحب الجكوار كان يبحث في بيتنا عن إهتمام أمي الزائد به و الذّي كان يرضي غروره بشدّة.. كانت تطيل في مدحه حتّى ينسى وجودي في نفس الغرفة ، أما أمي فكانت تفعل ذلك لتحتك بعائلته الغنيّة ..لا أنكر أنّها أرادته صهرا لها، لكن على حساب إقحامي في لعبة شطرنج خشبها من فلّين .. لحظة الإغماء تلك جعلتني أهرب له كنت أظنّه حبا من أول نظرة لكنّه سرعان ما اختفى.. كان عطره سريع الإنفعال ، قصير المدى….
عادت الإبتسامة لتحطّ على وجه حازم من جديد .. تنفس الصعداء و لم يطل أكثر في الحديث فقط جملتين أخيرتين “هل تقبلين الزواج بي في ظل ظروفي المؤقتة لست بمتسرع لكن أخاف أن أفقدك مرّة ثانية ” فكان ردّها بنعم اليقين.. كانت في أعماق نفسها تعرف أنّه لن يخذلها لأنّه أحبّها يوما كانت تشبهه في الكثير من الصفات الرّجولية لكنّه بحث عن أنوثتها بين جزم المجتمع في كونها مارو لاعب الكرة قدم لاغير…
كان من الصّعب على أم ماريا تقبّل زواجها مع حازم و التفريط في صاحب الجكوار هذا الأخير الذّي لم يبدي أي إستنفار أو إستنكار للموضوع بل على العكس بارك لهما و بعث لهم قطع من الشكولاطة بعدد كل مدعوي الزفاف و التّي عزفت أم ماريا على حظوره لربع ساعة كاملة غير أنّ تدخّل شقيقات ماريا حال دون عزوفها أكثر…..
ماريا اليوم أماً مكتملة الأنوثة في العشريينات من عمرها لقد وجدت النّصف الأوّل من أنوثتها المسروقة عندما تزوجت من حازم و النّصف الثاني عندما ولدت إبنها آدم…
بعد زواج ماريا بحازم علمت أم باسل بحادثة الكعب العالي و سقوط ماريا في السّاحة لكنّها حفاظا على كرامتهم سردت القصّة بأسماء بديلة و غيرت صاحب الجكوار إلى صاحب المرسيدس .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى