ط
الشعر والأدب

الواحة والبحر..قصة قصيرة بقلم / ياسر أبو العينين

10488848_884393168240693_933217015_n
بعد أن أضناها السير المتواصل في دروب الصحراء .. تذكرت واحتها الصغيرة الهادئة التي تلجأ إليها كلما أتعبها السير وفقدت الرغبة في المواصلة .. وصلت إلى الواحة لتجدها كما تركتها آخر مرة .. وكما تجدها كل مرة .. وما العجب في ذلك ولا أحد يعرف الطريق إلى الواحة أو يقدر على الدخول إليها سواها ..
تمددت على الرمال .. واستظلت بالشجرة الوارفة لتأتيها أشعة الشمس من خلال الأغصان هادئة حانية تدفئ ولا تحرق .. تقلبت عدة مرات .. تململت .. إعتدلت جالسة وأشعلت لفافة من التبغ وأخذت تنفث دخانها بتلذذ .. وفي منتصف الطريق بين نار لفافة التبغ وشفتيها توقفت لتلقي بسيجارتها التي لم تكتمل بعد فوق كومة جافة من الأعشاب ومضت في طريقها .
واصلت سيرها بكل حماس متجهة صوب البحر .. كانت قبل أن تصل إليه بمسافة بعيدة تسمع صوته في أذنيها وتتنسم هوائه وتستشعر طعم الملح على شفتيها .. إشتعلت بداخلها حالة من الشوق الشديد جعلها لا تشعر بحرارة الشمس أو طول المسير .. وحين وصلت إلى الشاطئ لم تتمالك نفسها وأصابها جنون الفرحة فأخذت تصرخ وتقفز في الهواء وتتقلب فوق الرمال .. ثم فجأة صمتت ونظرت صوب البحر نظرة غامضة تحمل من المعاني الكثير الكثير .. وقد لا تحمل معناً بالمرة .. وتقدمت ببطء وكأنها منومة .. ومع كل خطوة تخطوها كانت تتخلص من قطعة من ملابسها حتى وصلت إلى البحر كما ألقتها الطبيعة إلى الدنيا .. وما إن لمست أقدامها الماء حتى بدأ شعور غريب وطاغٍ بالنشوى .. وكلما تقدمت أكثر وغاص جسدها النحيل الأسمر في ماء البحر أكثر شعرت وكأن أصابع قوية تطبق على كل جزء من جسدها بقوة وعنف محبب إلى نفسها .. وأخذ الموج يضرب بعنف بينما هي تبتسم ثم تضحك ثم تصرخ وتغوص تحت الماء لتعود وتطفو فوق سطحه وكأنها جنية من جنيات البحر .. ولم تدر وهي في قمة نشوتها أن لفافة التبغ الصغيرة التي خلفتها وراءها صنعت حريقاً كبيراً إلتهم الواحة والشجرة الوارفة الظلال والأعشاش الصغيرة التي تسكنها أفراخ العصافير .. ترى ؟!! أين ستستريح في طريق العودة من البحر ؟!!!!!
ياسر عبد الله أبو العينين

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى