ط
مسابقة القصة القصيرة

براءة .مسابقة القصة القصيرة بقلم / سمير دعاس .الجزائر

خاص بالمسابقة
الاسم واللقب: سمير دعاس
البلد: الجزائر
الهاتف:00213697341251
البريد الالكتروني: [email protected]
الفيسبوك: https://www.facebook.com/samir.setif.75
قصة قصيرة
براءة
نطق القاضي بالحكم:” السّجن لمدة أربع سنوات مع فصله من الخدمة.”
سقط مغشيا عليه.. لقد أصيب بانهيار تام.. وأتى طبيب السّجن كالعادة إلى مستشفى السّجناء. كان عمّار راقدا مغمض العينين.. لا يريد أن يرى أحدا، أو يتناول طعاما أو شرابا.

بالسّابق كان عَمّار ضابط شرطة محترم.. تخصصه في شرطة الآداب. أي محاربة والحد من أولئك الّذين يعتدون على مواصفات الشّرف والفضيلة. ويشرفون على فتح البيوت السّرية الّتي تباع فيها الملذات الممنوعة.
واستطاعت العصابات الآثمة أن توقع به عن طريق دفع رشوة كبيرة كي يغَضى، ويتساهل مع أحد المنازل السّرية.
فأطبقت عليه فرقة من الأمن، وقبضت عليه متلبسا بجريمة رشوة.. فذهل. وسيق بعدها للسّجن.

ازدادت حالته سوءا.. شَحب وجهه وترهلتّ عضلاته.
لازمه الطّبيب أيّاما معدودة ثمّ أمر بإجراء بعض التّحاليل…

في اليوم الموالي كان الطّبيب مصدوما، وهو يمعن النّظر في نتيجة التّحليل.. ثمّ راح يقرأ على مسمع من عمّار:” النتيجة إيجابية، والسيد عمار مصاب بداء الإيدز…”
أمّا الآخر فتسمّر في مكانه، وجَحُظت عيناه وهو يردد:
” إيدز… إيدز…”
ودخل في حالة هستيرية وبدأ بالصّراخ والهذيان: “مستحيل…
لم أفعل شيئا.. هو خطأ جراح الأسنان الّذي اقتلع ضرسي دون أن يعقم أدواته. لا.. تلك الممرضة الّتي أخذت عينة من دمّي ذات يوم هي السّبب. لا.. الحجَّام الّذي أجرى لي الحجامة هو المسئول. لا.. في صِغري قاموا بوشم على كتفي. تبا لهم هؤلاء همُ السّبب.”

كان الطبيب يحقنه بالمهدئات ويوصي الحراس بأن يلازموه حتّى لا يرتكب أذى في حقّ نفسه. وخلال يومين أو ثلاثة خضع عَمّار للأمر الواقع، وثاب إلى رشده وأخذ يتجول في حزن وأسى عبر ممرات السّجن.. والآخرون يرمقونه باشمئزاز.

ذات يوم اقترب من الطّبيب، وهو في حالة نفسية منهارة يرُثى لها قال:” ارحمني يا دكتور. أنا لا أنام اللّيل.. أعطني أيّ دواء.. أريد النّوم.. أريد أن أنسى. إن خيالها لا يفارقني لحظة.. أنا أحبّها.. إنّها زوجتي. لكن قلبي يحدثني أنّها سوف تطلب الطّلاق وتتركني… والقانون في صفها… أتعتقد أنّها تؤثرني على غيري بعد أن تلوث شرفي ومُرغ كبريائي في التّراب؟
صدقني.. أقُسم لك أنّي بريء مِمَا تظنون. فلطالما حاربت الرّذيلة أعواما وأعواما…” ثمّ فاضت عيناه بالدّموع.
ربت الطّبيب على كتفه في وداعة قائلا:” هدّئ يا عَمّار. أنا أصدقك… ولربّما كان السّبب أحد تلك الّتي ذكرتها سابقا.”

لم يكد ينقضي أسبوع حتّى جاء خبر الطّلاق مدويا إلى مسامع عمّار.. فقد رفعت زوجته قضية طلاق… ولم تكلف نفسها حتى إلقاء نظرة على زوجها وسماعه.
وراح عَمّار إلى مصيره الأسود… الذّكريات الجميلة تموج في خاطره… الأفكار الثّائرة تتطاحن في رأسه.. وهو حائر منهك القوى. يتعذب بالأرق المؤلم.
وحكمت المحكمة بالطّلاق… وسقط عمار مشلولا. صرخ صرخة اهتزّت لها جَنبات السّجن، وبكى الرّجل بكاء مرّا… تجمد الرّعب في عينيه… أمسك بعنقه وحاول أن يخنقَ نفسه فمنعوه. وأخذوه إلى الطّبيب..
وفي المستشفى ارتمى على سريره كجثة هامدة.
بقي هكذا ما يقرب عن عامين… ثمّ صدر عفو عن السّجناء…حملوا عمار فوق نقالة خشبية إلى بيته. ومنذ ذلك الحين لم يدر طبيب السّجن عنه شيئا.

عند شارة المرور الحمراء ذات مساء… التقى عَمّار وطبيب السّجن. كان كلّ منهما يركب سيارته.. وإلى جوار عمار جلست فتاة وادعة جميلة.
هتف عمار في لهفة: ” يا دكتور.. انتظرني عند ناصية الشّارع.. سوف نشرب معا فنجان قهوة.”
شَرد الطّبيب لبرُهة من الزّمن ولم يصدق ما يرى..

جلس الرّجلان على طاولة صغيرة. في حين انصرفت الفتاة إلى إحدى المحلات التجارية.
وهمس عَمّار:” آآآه يا دكتور. لقد صارت الأمور على ما يرام… قمت من فراشي وتحركت ساقاي عندما علمت بأنّني معافى، وغير مصاب بالإيدز.. فنتيجة المخبر بالسّجن كانت خاطئة وقد تأكدت من ذلك.
ثمّ عُينّت بأحد الشّركات براتب لا بأس به… والتقيت بحبيبة القلب الجديدة زوجتي.
إنها جوهرة يا دكتور… أمّا الأولى فقد ذهبت مع الماضي الأسود.”

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى