ط
مسابقة القصة القصيرة

ترنيمات الأسف و الحجارة .مسابقة القصة القصيرة بقلم / السيد ياسين ابراهيم من مصر

بقلم الاديب السيد يا سين ابراهيم
مصر


قصة قصيرة
…..
ترنيمات الأسف و الحجارة

دقات رقيقة خافتة انتبهت لها مع تكرارها ، فظنت انها لأبنها وقد عاد مسرعا لألتهام حبات الفراولة التي يحبها ، و قاربت علي الانتهاء من تنظيفها ، ابتسمت ، فتحت الباب ، لم يكن أبنها هيثم ، بل صديقة تامر يسأل عنه ، اجابتة بسؤاله اليس يلعب معكم ، برعونة ، هز رأسه لم يأبه بالرد عليها ، جري يسابق قدميه في نزوله علي السلم .

أخذها القلق ، اتجهت الي الشرفة ، لتتفقده بعينيها و تطمئن عليه ، وعدها كالمعتاد انها ستراه من الشرفة وهو يلعب ، مسحت بنظراتها الشارع باكمله ، لم تراه هو ومجموعتة من الصبية ، تصنتت علي ضجيجهم وعراكهم ، دهشت لأختفائهم و غياب تناوب ظهورهم مع لعبة المساكة .

توغل قلقها ، تعبر الصالة لترتدي ملابسها ، اتجهت ناحية جهاز التلفاز لتغلقه ، شدتها صورة ضخمة ” كلوز ” تملأ الشاشة لجندي يطلق رشاشه ، محتميا خلف مدرعتة ، امام المشهد التالي تسمرت ، و انحت بجزعها نحو الشاشة ، منديل ابيض ، زراعين نحيلين يبدوان كفرع شجرة في مهب ريح ، يلوحان في توسل ، طفل يلتصق بابيه ، ما تلبث ان تهبط الزراعان يأسا ، يضم الاب طفله ، يرتفع صراخه ، اشارات هيستيرية للأب يضع احد ز راعيه علي الطفل ، بدا الزراع كخط اعجف لا يثري ولا يسمن من حماية ، ضمه اكثر ، يدخل الطفل في جنبه توحدا ، ينهمر الرصاص ، يصرخ الاب .. اوقفوا الضرب .. اوقفوا الطلق
يزداد صراخ الابن ، يرتفع بكاءه يتوسل الاب .. لا تطلقوا النار .. لا تطلقوا النار ..
توالي انهمار الرصاصات ، ترقب تنفس الطفل القابع في الهلع ، اصمت صراخته اذنيها .. ارجفت صرخاته روحها , اوجف صراخه قلبها ، خيل اليها انها تسمع دقات قلبه و قلب ابيه ، الفراغ حولها امتلأ بصوت تلك الدقات .. دوم ، دوم ، دوم ، بم . كف الصوت ، مال جسم الصغير ، توسد رأسه حجر ابيه ، راح ابوه في غيبوبة ، سكنت روح الابن ، مات ، صرخت ابني ..
جرت الي الشارع , بدت علي شفا جرف ، جنين ، رام الله ،الخليل ، قلقلة ، الضفة الغربية .

حاولت ان تضاءل غضبها ، تعرف انهم مقيدون بحدود شارع او شارعين ، حدود يظلون بداخلها مهما طال وقت اللعب او تنوعت العابهم ، يرفض غضبها ان يتلاشي ، حاوراتها الصور ، القت بظلال ثقيلة داخلها تصاعد القلق تناهي اليها صرير جاف لعجلات حديدية ، نحو الصرير اتجهت ، مجموعه الصبية امامها ، دارت عيناها بحثا عن صغيرها ، في مقدمة تجمعهم هو يدور زراعه في الهواء، يدور صانعا دائرة مكتملة ، يئز الهواء ، تنطلق من زراعه في نهاية دائرته الهوائيه ، وبقوة حجر من مقلاع يحمله بسرعة هائله ليصطدم بعربة القمامة الحديدية ذي العجلات الثلاث و التي يقف خلفها صبيان ، يحركنها شمالا ويمينا بعرض الشارع ، و يتقدمان بها ثم يتقهقران ، يتناوب الصبيه القصف بمقاليعهم ، يراوغون يمينا و شمالا ، و يتقدمون
ويهللون كلما اصاب حجر العربة ،جزعت في البدأ ، فوجئت بجدية ما يصنعون ، راقبتهم ، ضاع زهو البراءة في عيونهم
نظرتهم الصافية اتقدت بالإصرار علي اصابة العربة الحديدية ، و بأن تصل الزراع الرامية بالحجر الي اقصي قوة ، ان تكون
في مكمن ، مقتل .

إقتربت الروؤس ، تهامسوا … الاصابة فقط عندما تصيب الدائرة البيضاء في منتصف جدار العربة الامامية لا غيرها ..
لا تعرف كيف توالت الاحجار في مكمن الدائرة البيضاء ، بدت و كأن الهمس كان لها ، فانصاعت لهم مع توالي الاحجار تسيد صغيرها الموقف ، كل احجارة في الدائرة البيضاء ، يتحرك بخفة في كل اتجاه ، صارت تتحرك معه ، يعبر نحو اتجاهات غير مرئية ، فاض غضبه ، القمته حجر تلو حجر ، يصوب ، صبيه إنتصب عودهم بالغضب ، فتيان و فتيات زفوا للموت ، تحس بدموعها تخنقها ، تجثم علي صدرها ، تأبي الخروج احتجاجا ولكنها تبكي داخلها ،تبكي طفولتهم ، طفولته ، عمرهم ، عمره
رفضهم ، تمردهم ، ثورتهم ، اصراره ، إسرهم ، حريتهم ، استشهادهم ، حياته ، امتنت لكل ابائهم و امهاتهم ، تذرف غضبها ، تمسك يديه بقوة ، القت بصدرها نحوه
حاول الركض و الاستمرار ، صرخ … رأيتيني .. احتوت كل طفولته بعينيها ، زادت قبضتها .. رأيتيني … سكن ، لا تطلقوا النار لم تكره شئ مرئيا كما كرهت هذا التلفاز ، جري صغيرها نحوه ، لم تغلقه قبل هرولتها ، وقف يشاهد إعادة بث ما شاهدتة نبضات قلبه تفر من صدره ، ازيز الرصاصات يحرق ، عميت الابصار ، مال الرأس توسد الطفل حجر ابيه مات ، انتهي تلذذهم الرصاصي ، ركض نفس الصغير .. لما قتلوه ؟ لم يكن يلقي عليهم حجارة ، ليس في يديه مقلاع . قال الصغير ، صمت حائرا تخلص منها ، لمس جبينها كعصفور يرف بجناحيه في فخ ، انتفض مادا يديه ، من جيبها ناولتة حجر ، اثنين ، ثلاثة لم تسعفه كفه الصغيرة ، يده الاخري قابضة علي مقلاعة من بين اضلاعه تنفس ، و بعينين متقدتين ركض الي الخارج و صهد الغضب يأججه . نظرت الي التلفاز ، حالكة صارت الصورة ، صرت علي اسنانها ، بسطت قبضتها اليمني ، افلت حجر مبلل بعرق كفها ، التقطته بغل و خطت الي الشرفة ، و بعنف طوحت زراعها ، و بكل قوتها و غضبها ، القت بالحجر في اتجاه العربة الحديدة

تمت
بقلم الاديب السيد يا سين ابراهيم
مصر

 

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى