ط
مسابقة القصة القصيرة

جحيم مطلقة .مسابقة القصة القصيرة بقلم / ياسمين محمد من مصر


(جحيم مطلقة)
***********
ياسمين محمد _مصر

********************
كانت فتاة متأججة المشاعر, مرهفة الحس,تتطلع للمستقبل بعيّنين تلمع كالبرق في ليلة ممطرة,تغدوها

أحلامها وتتبختّر أمنياتها, كان التفوق عنوانها,وتخطو سنين دراستها بتفوق وتقفز سلم النجاح بثقة

وعلياء, والكل يتطّلع لها لجمالها الفتان,وعيونها الساحرة,وثقافتها الراقية,وقبل ذلك أخلاق نبيلة تنم عن

بيئة متديّنة ولما لا والأب حافظ كتاب الله,ويؤدي الفروض في أوقاتها بخشوع وتوسل لله ,كانت هواية

الشعر والخواطر تداعبها وتروق لها ,فكانت تختلس الوقت وتهرول لكتبها.وتقرأمالذ وطاب, وتكتب بعد

تفرغها من مذاكراتها وعندما تقترب منها أي صديقة تخفي الورقة كأنها فعلت جريمة لا تغتفر,وكبرت

الفتاةوكبرت أحلامها,حتى وصلت للمرحلة الجامعية,ويتوافد عليها الخطّاب, وترفض باستماتة لأنها لها

هدف أكبر ورؤية أوضح,وأن تصبح إعلامية أو أديبة, أو أن تصبح دكتورة في مجالها وذلك أضعف

الإيمان ولكن؟هيهات في مجتمعنا الذي يرى أن الزواج هو الستر للفتاة.

وكلام الأهل والناس :”كبرتي يابنتي عاوزين نفرح بيكي”

كانت خنجراً يطعن ثنايا روحها المشتاقة للسمو بين مصاف الحرف الراقي,وضغط الأهل.

وتم خنق أحلامها ووأد تطلّعاتها نحو مستقبل رسمته بأيدي مشتاقة لتكون ذو شأن.

فكانت تغرْق نفسها في أحلام اليقظة وتبتسم فزجرتها يد قوية تقول لها:

-تعالي معي ,خطيبك في إنتظارك على أحر من الجمر.

ووجدت أحلامها تنهار تدريجياً, وتم الزواج ووجدت نفسها بين أيدي رجل لا يعرف للمشاعر قيمة,ولا

يقدّر هوايتها بل يسخر منها,وكان يعاملها معاملة باردة,كأنها قطعة ديكور يتباهى بها في بيته أمام

ضيوفه,فكان جمالها ملفت للأنظار ولما لا وهي ساحرة ذات العيون الفاتنة.

فطمع في جمالها والده!!!!

فكان والده الطاعن في السن,أخذ يراودها عن نفسه ,فكانت فتاتنا تتعجب من أفعاله وتصدّه مرة باللين

ومرات بالقوة,حتى هددّته بأن تقول لإبنه أي “زوجها” فسخر منها بمكر أثار تعجبها .

كيف له أن يقدّر جمالها غيره وإن باحت بذلك سيكون مصيرهاالطلاق وطردها شر طردة,فلا أمامها إلا

الإنصياع لرغباته الشيطانية,ولكنها أبت ورفضت بقوة وهددّته أن تفضحه إن لم يتراجع عنهاولكن!

في كل مرة من رفضها يزيد من إصراره ويسيل لعابه أكثر لها ,حتى فاض الكيل وأخبرت زوجهاقائلة:

-والدك بيتحرّش بي إنقذني .

فهاج وماج وتوعّد أبيه ,ولما لا وهو يعرف أخلاقه السيئة,وأنه سيتبرأ منه ويغادر المنزل لمنزل آخر

ولكن!تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن,وقف أهله ضدهم وأتهموها بأنها من غررّت بالرجل,لأنها جميلة

وأنهم يعرفون أخلاق أبيهم ولسان حالهم يتمتم “أبونا عينه زايغة هنعمله إيه”

ولكن سيجعلونها كبش فداء ويفضحونها ويطلقونها ,ووقفت تنظر لزوجها لعل وعسى يحميها من بين

براثنهم فهي إستجارت به أن ينقذها من بطشهم,ولكن!

إنصاع لهم بالرغم علمه من طهارتها وعفتهاوقال لها :

-عيشي معاهم عادي أبويا خلاص مش هيقرب منك.

-كيف يقبل ذلك ؟

-قال لها خديه على قد عقله.

إنهارت وقالت له كيف تأمن من غدر الذئب , ومكره, ودهائه ,وتم عمل غسيل مخ لزوجها,وأصبح بارداً

فانفجرت كالبركان تطلق حممه وشظاياه النارية,”أنت ديوث”

فابتسم ساخراّ :أبي أهم.

ولكن فتاتنا لم تطق وطلبت الطلاق أشرف لها من تلك العيشة المهينة,فهي تخشى الله وتتقيه في أفعالها

وتم الطلاق بعد مساومتها ,وأخذ كل أغراضها وأكل جميع حقوقها,وخرجت فاقدة لكل شيء.

تبحث عن نفسها التائهة ,وعمرها الذي ضاع مع رجل لا يعرف حقوق الله,وحمدته صابرة محتسبة

وأن الله سيعوضها في يوم من الأيام,خاصة أنها رزقت بطفلة ليس لها ذنب .

ولملمت بقايا نفسها الذبيحة,وبدأت من جديد ,وعملت وأخذت تكتب وترجع لهوايتها القديمة ,ووجدت

نفسها بينها تخففّ عنها,ولكن!

لم يرحمها أحد ,سؤال يطاردها:

-لماذا تم طلاقك؟

فأنتي صغيرة وجميلة ,لماذا لم تتزوجي ؟ فالعمر يجري وبنتك ستكبر ,وغداً تكوني وحيدة ………..الخ

ملايين الأسئلة تداهمها يومياًمع نظران تحرق جسدهاقبل روحها,ونظرات شفقة,ومصمصة الشفايف

وحكاية طلاقها علكة في أفواه الناس,منهم من يعرف حقارة والد زوجها,ومنهم لا يعرف إلا أنها خربت

بيتهافكان أولى أن تطاوعه وتعيش.

-أين نحن؟ في أي زمان؟ في أي مجتمع ذلك؟

-نرجع للوراءوالعيش بين المرتزقة والمجون ,والفجور والشهوات,والرغبات.

لا لا تستسلم فتاتنا,فأصبحت تكرّث جهودها في الكتابة,ولكن!

نفسها تناديها من داخلهاتنعي حظها فكما قال نزار قباني:

-الحسناوات ذوات الحظ السيء.

والمرأة تناديها من أعماقها ,تصرخ لتلبي النداء,ولكن!

أين هو الذي تحلم به وماهو وكيف ملامحه؟

فهي أنثى تريد رجل يحتويها بحنانه وحبه وأمانه,ولكن أين يقطن؟ ولماذا يتركها لغيرها؟

يتلاعب بها ,فهي تعيش بين المطرقة والسندان,كلام الناس وأحلامها ,تضرسها بين أنياب الخوف

والعادات العقيمة ,وأمها التي تلاحقها ليل نهار, بحدة لسانها ونعي بختها, ولا تتركها إلا غارقة في

دموعها, فجحيم تعيشه فتاتنا ولا تعرف له خلاص.

سؤالنا إلى متى سنظل نلاحق غيرنا يالإتهامات؟

وتظل نظرتنا عقيمة للمطلقات, ألم يأتي الوقت للتغييّر وإعادة الأوضاع لوضعها الطبيعي.

يكفي مامرت به فتاتنا , فلا نكون القاضي والجلاد في آن واحد.

ولكن يبقى الأمل في حياة أفضل تنتظرها على عتبة تغيير مفاهمينا العقيمة.

بقلمي | ياسمين محمد..

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى