ط
هنا الجزائر

حضور جماهيري مكثف في عرض فيلم “مدام كوراج”

من مكتب الجزائر ./ براضية منال

عمر قتلاتو يعود بعد أربعين سنة وينعي أوهام الدولة الوطنية

وسط حضور إعلامي وجماهيري مكثف دخلت ” مدام كوراج” آخر أفلام مرزاق علواش سباق المنافسة على العناب الذهبي بمهرجان أفلام المتوسط الذي تحتضنه بونة إلى غاية التاسع من الشهر الجاري.
اختار مرزاق علواش أن يعود بعد أربعين سنة إلى فليمه الأول”عمر قتلاتو” ويقدم مسار مجتمع على التماس بين فترتين ومرحلتين، مرحلة السبعينيات حيث كانت الجزائر تعيش أحلام التشييد والبناء والسير في ركب الدول النامية ومرحلة ما بعد العشرية السوداء حيث المجتمع يسير في طريق التفسخ والانسداد . فإذا كان عمر زمن السبعينيات قتلاتو الرجلة يعيش في حيه الشعبي بباب الوادي ويعشق الموسيقى الشعبية ويتوق لوجه فتات أحبها من خلال صوتها في الكاسيت فإن عمر الأحياء المهمشة في مستغانم قتلاتو “القنطة” واليأس من واقعه أحب فتاة سرق عقدها في الطريق، يعاقر الخمر ويتعاطي “مدام كوراج” هروبا من الأفق المسدود .
يقدم مرزاق علواش المجتمع الجزائري عاريا من دون رتوش، حيث يصوّر النفاق الديني، الأحياء العشوائية، الدعارة والأمراض الاجتماعية، العنف واحتقار النساء، البطالة وانسداد الأفق لدى الشباب، الحب المجهض، الأوساخ المنتشرة في الأحياء وشوارع الجزائر، استقالة الناس من الشأن السياسي وفقدان الثقة في الحكومة كلها مظاهر يقدمها علواش من دون تجميل وبواقعية صادمة أحيانا .
الفيلم جميل بعنف لأنه يقدم الواقع الجزائري من دون تجميل ولا مساحيق يعطينا صورة الجزائر والجزائري التي نشاهدها يوميا في مدننا وأحيائنا حتى أن جمهور دار الثقافة عز الذين مجبوبي تفاعل كثيرا مع أحداث الفيلم تارة بالضحك وتارة بالتصفير، رد فعل الجمهور يمكن أن يحيل المشاهد على نتيجة هي أن هذا الجمهور يشاهد صورته على الشاشة ويفهم معنى هذا الذي يراه.
مرزاق علواش لا يجامل ولا يجمل الواقع في هذا الفيلم الذي يبدو في أول وهلة صادم للمشاهد من خلال مشاهد العنف وسوداوية الوقائع التي يرسمها، لكن المشاهد يتفاعل ويتعاطف مع بطل العمل عمر “عدلان جميل” الذي حاز على حائزة أحسن ممثل في مهرجان قرطاج مؤخرا فقد أعطى الفيلم أبعاده ومحمولاته التي ينقلها بملامحه وأدائه دون أن يسرف كثيرا في الحديث، فالحياة الصعبة التي يعيشها هي التي جعلت منه شخصا عنيفا فهو عطوف على أخته وتواق لحب حياته وراغب في ممارسة رجولته وإثبات ذاته عن طريق الانتقام للأخت التي تتعرض لضرب مبرح وعنيف من طرف الرجل الذي يشغلها في شبكة الدعارة فلا يجد عمر من حل لممارسة رجولته التي أهدرتها الظروف غير الساطور.
فيلم “مدام كوراج” شارك حتى الآن في 25 مهرجانا دوليا وقدم مواهب شابة بعضها يقف لأول مرة أمام الكاميرا بقي فيه علواش وفيا لخطه السينمائي الواقف دائما على حافة الواقعية النقدية، حيث نقل إلى الشاشة بذاءة لغة الشوارع التي نسمعها يوميا في حياتنا وأثث فضاءه السينمائي بخلفية اعتاد عليها دائما في أعماله حيث يعوّد مثلا الأذان في هذا الفيلم كريتم حياة يسير عليه الناس بروتين لا يزعج التفكير النمطي في إيقاع يومياتهم الرتيبة، حيث لا تبدو مثلا أم عمر التي تقبع كل يوم أمام التلفزيون تستمع لخطب ودروس الشيوخ منزعجة أبدا ولا معترضة من الواقع الذي تعيشه ابنتها كعاهرة مما يعني أن الدين أضحى في المجتمع الجزائري تقليدا أو عادة وفي أحسن الأحوال مخدر لإحباطات الواقع أكثر منه التزام أخلاقي أو إيقاع روحي.
تتعدد القراءات والتفسيرات التي يخرج بها المتفرج من هذا العمل وتتعدّد أيضا زوايا النظر لهذا، فمرزاق علواش ترك الحرية الكاملة للمشاهد في كيفية التعامل مع فيلمه لكنه في النهاية يختار أن يترك الحكاية مبتورة وكأنه لا يعرف إلى أين يتجه هذا المجتمع، حيث ينتهي الفيلم بمشهد عمر نائما على الكارتون في سلالم العمارة بينما تتجه البنت سلمى إلى الثانوية رفقة صديقاتها في مشهد مفتوح على قراءات متعددة12308527_873829332725326_8862164065298057092_n

زر الذهاب إلى الأعلى