ط
الشعر والأدب

حـوارٌ بــينَ الشمسِ والقَمـر…للشاعرة امل الراغب من لبنان

أمل الراغب
في كل ليلة يتجمل القمر بنوره الخلاب ويجلس كالأمير امام النجوم التي تلتف حوله كأنّها جمهور غفير من المعجبات وفي ليلة البدر, وقفَ يتباهى أمامَ الشمسِ بجمالهِ وجَاذبيتهِ وحُب البشر لهُ وقَال: “أترينَ أيتُها الشَمس كم انا جميل! جَميع الشعراءِ يتغنّون باسمِي في أشعَارهم, وأكثر الرجَال يتغزَّلون بنسائِهم بوصفِهن بي, وينتَظرون ظُهوري ليكُون لَيلهم جميلاً خلاباً!”

ردَت الشمسُ وهي تبتسمُ لهُ: “أتعلمْ أيُها القَمر الجَميل! هناك العديدُ من البشرِ يُشبهونَك فعلاً, تَرى من بعيد شخصاً حولَه هالًة من النورِ والجَمال وكلمَّا اقتربت منهُ تَجد أنَ هذه الهَالة تخفتُ شيئاً فشيئاً حَتى إذَا اقتربتَ منهُ جداً وجَدته حجراً من الداخلِ لا نورَ فيه وكُل تلكَ الهَالة التي كانتْ تلتَحفهُ هي من صُنع الخَيال. والأكثَر من ذلكَ يُصدّق هو نفسُه ما وهمَ الناسَ بِه.
استشاط القمرُ غيظاً من رَد الشَمس واعتبَره تعالياً منها وأجَاب: “إذنْ رأيكِ أنني غيْر جَميل والجَميعُ يروننِي هكذا وهم مخطئون؟”
صمتتِ الشمسُ للحظةٍ قبلَ أنْ تُجيبه: “نَعم أنتَ مجرد حجَر لا جمَال فيك ولا نور, إنما كُل ما يَراه الناس هو انعكَاس نوري عَليك, ولَكنهم يُعجبون بِالمظاهرِ ولا يبحثون عن الحقيقةِ والبَاطن. وهناك ايضاً العَديد من البشرِ كما الارض, نراهُم من بعيدٍ مجردَ كرةٍ صخريةٍ وكُلما اقتربنا منهم وَجدنا جَمالاً يغزو أعيُننا ويُبهرنا.
أنا من حُبي لهم أغْدقُ عليهم بِنوري طيلةَ النَهار وأعطيهم الدِفء, ولولا وجُودي لتجمدت الارض برمتها وزالت الحياة عنها, وانا كلما ازدادَ شوقي لًهم, أتوهجُ أكثَر فيهربُون مني ويَختبئون في منَازلهم وتَحت مظلاتِهم ليمنعُوني من رُؤيتهم, لكنهم يبحثونَ عنكَ ويتَغنون بانعكاسِي عَليك.. الا تَظن أنَهم لا يُقدرون؟”
أصيبَ القمرُ بالذهولِ من كلامِها وعَلم أنها محقة, فهو لم يفكرْ قط بهذا الأمر, فردَ عليها: “لكنهم لو بقوا تحت وهجكِ لاحترقوا!”
-“نعم هذا ما اكتَشفته مؤخراً أن الحبَ الفائِض رُبما يؤذي من نُحب, لذلكَ ما عَاد يَعنيني إن كَانوا يُحبونكَ أكثر مني أو يَرونكَ أجمَل فكلهُ أصبحَ عندي سَواء, لكنَني رَاضِيةٌ بما أنا عَليه, أن أكون شمساً تتوهجُ من أجلِ العَطاء وكلّما اقتَربوا منها وجَدوها حقيقة تتوهجُ أكثَر, خيراً من أن أكون قمراً يُشغل الناسَ بنورهِ المأخُوذ من مكانٍ آخَر.”
أمـــل الــراغـــب

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى