ط
مقالات بقلم القراء

حفل بكاء ..قصة قصيرة بقلم / رمضان سلمى

12046841_800860716693589_2390859906527691851_n
* ذات ليله كانت ترتدي فستانها الأبيض ، تجلس علي الأريكـﺔ كحوريـﺔ من الجنـه ، ملتزﻣﺔ الصمت ، شاردﺓ بذهنها بعيدا عن المكان وعن الزمان ، تمسك بيدها ” هاتفها المحمول ” تضيئه وتنظر به من حين إلي آخر ، باب المنزل مفتوح علي مصراعيـه ، تسترق النظر إليه بين اﻟﻬﻴﻨﺔ والأخري ، بدت عليها علامات الحيرﺓ والقلـق .. فهي الآن تنتظر ” فارس أحلامها ” ليأتي ويأخذها علي حصانـه الأبيض ، ليذهبا سويا إلي عش الزوﺟﻴﺔ المرتقـب ، فهما ” الحبيبين ” اللذين عاشا قصـﺔ حـب كان عمرها ” خمسـﺔ أعوام من الموده والكفاح ، دافعا عن حبهما بشراسه ، أخلصا في حبهما الطاهر ، فأصبح هو كل حياتها وشغلها الشاغل ، فقد إنتظرته أعواما كثيره ، ورفضت التخلي عنه والإرتباط بأي رجـل آخر ، وكانت له السند ، وكانت له أيقونـﺔ الوفاء والإخلاص ، حتي بنيا عشهما الجديد معا .. وأصبحت هي كل حياته وملاذه ، والتي يعيش ويشقي ويكد من أجلها ، فقد فارقا والديـه الحياﺓ في حادث مآساوي منذ عامين وليس له إخوه ، وأصبحـت ” هي ” الحبيبـﺔ والأخت والأم وكل الأشياء الجميلـﺔ بالنسبه له .. وأخيرا ستتوج الليله بالنهايـﺔ السعيده .
الفرحـﺔ تملأ وجوه الحاضرين من حولها ، فريقا منهم يغني ، وفريقا يصفق ، وفريقا يلتزم الصمـت ويفضل مشاهده الفريقين وإختلاس النظر إلي العروس ” الجميلـﺔ الشارده ” .
تنطلق الزغاريد من حين لآخر ، أهل العروس يقدمون ” المشروبات ” والعصائر وأطباق الحلويات للحضور بكل فرحـﺔ وسعـاده .
الحضور يزدادون داخل المنزل الصغير ، يسلمون ويهنئون ويباركون .. تأخر الوقت ، جرت عقارب الساعه دون نتيجه ، ولم يأت بعد ” فارس الأحلام ” . بدأ القلق والملل يتخلل بين الحضور ، بدأت الثرثرﺓ تسيطر علي الألسنه ، بدأ الغناء ينقطع ، توقفت ” الزغاريد ” تماما ، بدأ الكثير من الحضور ينظر إلي ” الباب المفتـوح ” ولكن دون جدوي .
فجأﺓ دخل شاب من الباب مسرعا ، مرتبكا ، حزينا ، مصدوما ، مرتعدا ، يتصبب العرق من وجهه ، يتنفس بصعوبه .
إنه الأخ الأصغر ” للعروس ” دخل متجهما مخترقا للحضور ، كلما إستوقفه أحد لم يهتم به ، وواصل طريقه إلي إخته ” العروس ” .
عندما رأته ” العروس ” بهذه الحالـﺔ إنقبض قلبها ، وبدأت الدموع تنهمر علي خديها الجميلين ، نهضت من مجلسها ، وقفت مكانها ، أحست بالخوف الشديد ، تأكدت بأن هناك ” مصيبه ” . لم تقوي علي الحركـﺔ ولو لخطوﺓ إلي الأمام ، مدت يدها لأخيها القادم صوبها ، جميع الحضور واقفون مزهولون متسائلون ماذا حدث ؟ وصل أخيها عندهـا ، أمسك يديها ، بدأ يبكي ، عقد لسانه عن النطق . فزعت ” العروس ” حاولت أن تسأله ماذا حدث ؟ ومن داخلها تشعر بأن ” حبيبها ” حدث له مكروه ، حاولت تنطق ، حاولت تسأل ، الكلمات لا تخرج ! إلتف الحضور حولهما ، الكل يسأل ، علت الأصـوات ، إنتشرت الضوضاء بالمنزل . بدأ الأخ يتحدث ، أخيرا نطق لسانه ، ولكن ” العروس ” لم تفهم ماذا يقول ، فالأصوات من حولها تشوش علي سمعها بل شعرت أنه لا يخرج صوتا .
أحست بالضيق ، بدأت تنظر حولها ، بدأت تتكلم ، بدأت تصرخ بالحضور ، توقف الأخ عن الكلام ، وصرخت بأعلي صوتها منفجرﺓ بهم : إصمتـوووووا ؟ فجأﺓ هدأ الجميع وساد الهدوء القاتل بالمنزل ، وأصبح صوت عقارب ساعه الحائط الأعلي بين الحضور ، وباتوا بإنتظـار الخبر المشئوم .
نظرت ” العروس ” إلي أخيها الصغير ثم وضعت يديها علي خديه ، وإقتربت منه ، وسألته بصوت منهك وحزين : ماذا حدث يا أخي أجبني أرجووك ؟ فنظر إلي عينيها ثم نظر إلي أسفل وإنفجر بالبكاء ، فصرخت به : ماذا حدث ؟ إنطق ؟ فإبتعد عنها وغضب ، ونظر إليها وقال بصوت غاضب وعال : لقد مات ” زوجك ” لقد فارق الحياه ” حبيب قلبك ” لقد ذهب من حاربتي الدنيا من أجله ، لقد مات ! ثم بدأ يصرخ ويكررها في وجه إخته : لقد تبخر حلمك !! .
سيطر عليها الذهول والصدمه وعيناها جاحظتان ، ولم تقوي علي الوقوف وسقطت علي الأرض لتلحق بالحبيب المفقود فى الحال ، وتنتقل إلي ” رحمه الله تعالي ” إثر ” أزمه قلبيه حاده ” . لقد توقفت نبضات قلبها عن الخفقـان ، وكيف ينبض بدون الحبيب والصاحب والأخ والأب وكل أحلامها ، كيف ينبض بدون رفيق الدرب .
لقد وفي قلبها بوعده أن لا ينبض بعد فراق الحبيب ولو نبضـﺔ واحـده .
وإنقلب حفل الزفاف إلي حفل بكـاء ورثاء ..

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى