ط
الشعر والأدب

حكاية في الظـــــل ..قصة قصيرة للقاص / عصام سعد

%d8%b5%d8%a7%d9%85-%d8%b3%d8%b9%d8%af
لم يكن الحول البسيط في عينيه, تحدثه باللغة العربية الفصحى. هما سببا اهتمامي به, لم يكن تبجيل الزملاء له هو السبب في جذب انتباهي..
عند بوابة المدرسة. رأيته يضع شيئاً في يد امرأة قروية. انحنت بلهفة على يده لتقبلها, قالت: ( ربنا يخليك لينا يا سيدي الشيخ ). هنا فقط . بدأت انتبه له. انصرفت السيدة, دخل الأستاذ للمدرسة, تصنعت عدم الانتباه. حتى لا يشعر بأنني قد رأيت شيئاً, بادرني
ــ (والله الست دي مسكينة. ربنا يشفي ضناها )
وجدته. فتح طريقاً للحديث. سألته:
حضرتك أعطيتها ثمن العلاج ؟.
ــ ابتسم: بل أعطيتها العلاج .
ــ حضرتك عندك صيدلية ؟
ــ صيدلية ربانية . ورثتها عن والدي .
استأذن وانصرف, تركني أحدث نفسي:
(صيدلية ربانية موروثة )! ما هذا الكلام؟
اتجهت إلى أحد الزملاء, سألته عما رأيت, سمعت من هذا الأستاذ… فقال
ــ الأستاذ الطيب هو ابن الشيخ ( العارف) عليه رحمة الله, يعالج الناس روحياً وبدنياً بالأوراق والكتب التي ورثها عن أبيه… ألم تسمع عنه أو عن أبيه ؟.
ــ بصراحة. سمعت عن أبيه. الله يرحمه, لكن. هو لم أسمع عنه .
كان هذا الأمر في الأسبوع الثالث لي بهذه المدرسة التي نقلت إليها على أطراف الجبل, دفعني فضولي للمعرفة. أن أجلس مع هذا الأستاذ الشيخ. للتحدث معه, بحثت عنه داخل المدرسة. وجدته جالساًً في نهاية فناءها. مختلياً بنفسه, يتمتم بشفتيه بآلية متوازية مع حركة المسبحة بين أنامله.
اتجهت إليه, ألقيت السلام, اعتذرت عن اقتحامي لخلوته مع مسبحته و… سألته:
ــ حضرتك درست العلوم الروحانية على يد والدك ؟
ــ لا والله. والدي لم يدرس لي شيئاً.
ــ ألم تحاول دراستها ؟
ــ لا وقت لدي. للأسف.
ــ قريتكم في بيئة صحراوية, الوقت والفراغ لديكم ما أكثره.
ــ ليس لدي وقت على الإطلاق. ورثت ثلاثة أفدنه أقوم بزراعتها, مسجد أقوم فيه بدور العامل والمؤذن والخطيب والإمام, بالمسجد مكتب لتحفيظ القرآن. أديره بمفردي.
ــ دائماً. هناك فائض من الوقت. عندما نريد
ــ بالإضافة لعملي بالمدرسة كمعلم, أنا المدعو الأول لكل مجالس الصلح بالقرية وما حولها من قرى ونجوع, أنا الشاهد الأول على أي عقد زواج أو بيع أو شراء بالقرية…. وغيره. فمن أين لي بالوقت يا أخي ؟
ــ كان الله في عونك, لكن. كيف تفعل ما لا تفهم ؟
ــ المسألة لا تحتاج لفهم. الأوراق التي تركها والدي جاهزة للتطبيق. اكتب الورقة أو العمل. كما هو مكتوب في الأوراق, تأتي النتيجة سريعة بفضل الله .
ــ أفهم من ذلك. أن هناك حالات نجحت في علاجها ؟
ــ نعم. أكثر من تسعين في المائة من الحالات أنجح في علاجها.
ــ أليس من الغريب. أن تنجح في كل هذه الحالات. دون فهم لطبيعة المرض أو لمحتويات الوصفة التي تكتبها للمريض !؟
ــ عندي مبدأ هام في هذا الأمر.
ــ وما هو ؟
ــ ( خد من عبد الله وأتكل على الله ) .
ــ يبدو أنك تضايقت من كلامي, تريد أن تغلق الحوار بهذا المبدأ.
ــ لا والله . لا أقصد ذلك , لكنها الحقيقة .
ــ يعني حضرتك لا تعلم معنى ما تكتبه من رموز وطلاسم, في نفس الوقت. تأتي بكل هذه النتائج المبهرة .! بصراحة كلامك لا يصدقه عقل.!
ــ المهم النتيجة.
ــ هذا ما يهمك. لكن ما يهمني. هو أن أفهم . كيف يحدث ذلك حقيقة ؟
ــ طالما حضرتك. تصر على معرفة الحقيقة. سأذكر لك ما أعرفه.
ــ تفضل. بالله عليك
ــ استدعاني والدي. وهو على فراش الموت , قال ( يا بني . سلمتك العهد ), توفى بعدها…
ــ تفضل. أكمل كلامك
ــ منذ ذلك اليوم. كلما مارست شيئاً من تلك الأعمال. أجدها تأتى بنتائج طيبه…
ــ لكن عفواً. هناك من يقول إنك مشعوذ ودجال…
ــ مبتسماً: وهناك أيضاًً من يقول إنني من أولياء الله الصالحين.
ــ علمت أنك حاصل على الماجستير في علم النفس, أوشكت على الانتهاء من رسالتك للدكتوراه. أليس كذلك !؟
ــ نعم. أدعو لي بالتوفيق .
ــ ربنا يكرمك ويوفقك. لي سؤال أخير.
ــ تفضل .
ــ هل حضرتك مطمئنا ؟ , تشعر بأنك على الطريق المستقيم ؟
ــ صدقني. الله أعلم .
قطع حوارنا شاب. لم يتعدى الخامسة والعشرين. يرتدى جلباباً أبيض,
وجه حديثه للأستاذ الشيخ
ــ سيدي. لم أستطع الدخول بعروستي منذ سبعة أيام. أرجوك ساعدني…
ربت الشيخ بيده اليمنى على كتف العريس. قائلاً:
ــ ( أذهب يا بني, أدخل بعروستك. أنت معافى بإذن الله)
, بعد ساعة تقريباً. سمعنا زغاريد وأعيرة نارية. من بيت العريس…, ابتسم الشيخ.

الكاتب القاص / عصام سعد حامد / مصر

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى