ط
مسابقة القصة القصيرة

خطوات تترنح في الظلام. مسابقة القصة القصيرة بقلم / ليندة كامل الجزائر


خطوات تترنح في الظلام
قصة قصيرة
بقلم ليندة كامل
الجزائر

الباب يفتح ثم يغلق، وخطوات تتسحب من أعلّى الدرّج ، ثمّ تتغلغل في أحشاء الظلام ، لاشيء يثبت على أنّه كان هنا ….سوى رائحة الكولونيا تذرع المكان ،وأعقاب سيجّارة مبعثرة على الأرض شارفت على الانطفاء ، خطوات تقرع على الإسفلت … يمرّ من أمام المقهى ، قهقهات ورؤوس تحلق فوق أكواب الشاي ،والسكر المتبلور وقرع الملاعق في الفناجين، ودخان كثيف يسربل المكان من مستعملي الشيشة ،والخطوات تقطع الطريق وسط تلك الحشود من الناس ، ينزل إلى الشارع متجها إلى آخر الرواق يقابله رواق آخر ضيق ، وباب يفتح في الجهة اليسرى من يده ، هذا هو البيت الذي وصفته لي !.
بابه مفتوح !هل كان ذلك مجرد صدفة !؟ آم أنها هناك تنتظره خلف الباب ؟ بلباس شفاف مغري ….. !.
لابد أنها فتحته كي لا يسمع صريره احد، هي على حق اجزم أنها على يقين كي تبعد الأنظار المتلصصة عنها هي المرأة العز باء ، التي تنتظر عريسا ، وسمعتها رأس مالها … !.
فهي بذلك تخطط جيدا لمقابلة عشاقها ، أ أ قول عشاق هل بت عاشقا ..؟ كيف أمكنني فعل ذلك ، كيف أمكنني الوقوع في شباكها صحيح أن الرجال ليس لهم أمان كما يقول صاحبي ” نحن الرجال لا نحب إلا امرأة واحدة ونخونها مع جميع النساء “من أين لهذه الخطوات القدرة على قطع كل هذه المسافة كي تلتقي بمعشوقة ، ينتبه إلى نفسه وهو يحاول الدخول كلص يتسلل خلسة عن نفسه !
تذكر تضحياتها فجأة ،وصمتها الدائم هي المنشغلة بأعمالها الكثيرة لم تبخل عليه بشيء منذ أن تزوجها تقوم بدورها كاملا لم تشعره يوما بهذا النقص الذي يلفه منذ أن شارف على البلوغ لم تحسسه يوما بفقره أو بتقاعسه تجاه بيته وتجاه الأولاد لم تفكر يوما أن تسلب منه أكثر مما يملك بل كانت هي من تعوضه ليكمل تسديد ديونه، هي من كانت تنقص من مطالبها كامرأة لتخبأ زلاته التي تفضح تصرفاته، هاهو يسترسل بحبه الجديد مع فتاة أقل من عمر ابنته وبمستواه ربما كي يرّد الاعتبار لنفسه المعلقة بين سهام الشكّر والامتنان لزوجه .أراد أن يسمع هذا الشكر يوجه إليه بدل أن يوجهه إليها كي يظفر بيوم من الامتنان من طرف آخر.
أراد أن يستمتع بيومه ليكون ربا أمامها لا عبدا، أراد أن يستشعر طعم الذل في عيون أخرى يراقبها لا أن تراقبه هي .
أن يستقل من كل تلك الضغوط المتراصة بداخله وأن يشعر براحة ولول لمرة واحدة
راحته باتت مع عشيقته، باتت تفهمه تلبي طلباته دون مناقشة دون ‘(وعض )يسكره حديثها لدرجة النشوة، بات يتملص من زوجته اللصيقة ليظفر باستقلاله مع تلك التي تطلق على نفسها “راضية “في دعوة ضمنية منها لإرضاء الزبائن من بينهم هو ؟
تذكر كيف جمعته أيادي الأبالسة بها حين قدم إليه زميله رقم هاتفها وهو يقول له : “عش حياتك يا صديقي “.
تذّكر كيف كان يملؤه الخجل ،وهو يرفع الهاتف ليدوّن رقمها وسرعان ما تشدق بصوتها الدافئ المغناج ” للنساء سحر كبير في استدراج الرجال وللرجال ضعف رهيب أمام نبرات الحسناوات ”
تخذر بها وبصوتها وهمهاماتها ووشوشاتها ؟
تذكر قول صديقه حين راح يثني على زوجته عندما تتذمر من حالها فتردد “الرجال تلهيهم النساء هن من يؤسسن ويصهرن ويرعين ثم في النهاية تبحثون عن أخريات يتفرغن لهم ولنزواتهم يال لهم من أنانيين تافهين”
دخل الغرفة لم يجد بها سوى سرير بدون غطاء وجهاز تلفزيون تنبعث منه موسيقى تمدد على السرير كمن يرمي بثقله من أعلى قمة ،تزاحمت جثة زوجته وهي مستسلمة للنوم كالمستسلم للغرق بينما هو يجهز نفسه لليلة حميمة ينهار تماما لصوت الشخير ،يحاول ايقاضها حين يطلق قهقهات في الفضاء كرد فعل للقطة ما أو يرفع صوت التلفزيون ثم يحترق وحده ناظرا إليها ثم يستسلم للنوم فلا يستيقظ الا على رائحة القهوة المنبعثة من المطبخ …..
كالنحلة تتنقل بين زوايا الدار تحضر الفطور ،وتلبس الأولاد وتتفقد الصغير دون أن تنسى تذكيره بالمستلزمات الضرورية للبيت وهو يصرخ بها ” لقد تأخر الوقت ،هيا …..أسرعي هيا أسرعي…. دون محاولة لمساعدتها”ا
يمد يده إلي جيب الجاكت يخرج علبة السيجارة ويسترسل في صمت انتبه لمرور الوقت أحس برعشة خفيفة وقف مكانه واتجه نحو النافذة المطلّة على الشارع غاص في تأملاته يري نفسه ،وهو يرتاد السيارة يزعق في وجه زوجته بينما أنظاره تتجه نحو حسناء تقطع الطريق ….
وصوت زوجته ياتيه كوقع صعقة كهربائية على رأسه “ماذا تريد أن اطبخ لك اليوم على العشاء ! ”
دون تفكير” اطبخي ما تشائين “ودون أن يرفع نظره عن الهاتف النقال ، وصوت الخطوات يخدش صمته ،الباب يفتح ثم يغلق، وخطوات تتسحب من أعلّى الدرّج ، ثمّ تتغلغل في أحشاء الظلام ، لاشيء يثبت على أنّها كانت هنا ….سوى رائحة الكولونيا تذرع المكان ،وأعقاب سيجّارة مبعثرة ،
تذكر موعده مع المحامي لإنهاء إجراءات قضيته لا يريد أن يضيع فرصته باللقاء بعشيقته ربما يريد أن يستجمع قواه كي يتمم إجراءاته ويكسب القضية بعدما اكتشف زوجته المكافحة في خطوات تترنح تغوص في الظلام وصوت متقطع يردد “احذر الحليم إذا ما غضب “.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى