ط
الشعر والأدب

رسالة ميت . قصة قصيرة بقلم / فاطمة مندي

رسالة ميت
طيلةعدة سنوات، وفي كل مساء، وحين تأذن لي وحدتي، أذهب معها حيث أكون، أختلس بعضاً من نسمات الصمت والسكون، أطل من نافذتي التي أسطو بها على عوالمي المفقودة، قلبي يصرعلي أن يجتر الذكريات الدامية، يطربني صوت نزيفه وأنينه أبكي، صوت تمزق اوصالي يصم أذني، أمط شفتياي في محاولة لتجنب الاحتكاك بسطح ذكرياتي الخشن، فشلت في محاولة نسيان الألم النفسي، مع ذكرى لاهي صالحتني و لا هي أفلتتني لأذهب بسلام.
. وفي كل مساء أدفن رأسي و كلي تحت الوسائد والأغطية، لكن هيهات، فرنين همس الذكريات كصدى صوت في واد مقفر، يوجعني، ويقفل علي كل منافذ الهرب، أشتاق أمي كما دوماً؛ كي تربت كعادتها على خافقي، لكنني لم أجدها؛ فلقد ذهبت روحها الطاهرة إلى بارئها، كم بت أكره أيامي بدونها، لقد كانت الجسر الذي يربط اخوَتنا بخيوط فولازية، ففراقها بات مرادف للأهمال و التجاهل و التقصير بيننا، وباتت كلمة الآخوة لا معنى لها في عالم تحكمه المصالح.
منذ عدة سنوات لم يأت أخوتي و أخواتي لزيارتي، ولم تطأ اقدامهم اسفلت شارعي، علي آثر مشادة كلامية بينهم وزوجتي، لم تتصاعد الخلافات بينهم، ولم ترتفع بينهم سقف المناقشة للحد الذي يغزلون به ثوب المقاطعة المفتعلة، لم اتطرق للأمر، وتركت الجرح حتى يندمل.
بعد بضعة أشهر، الأمر لا ينتهي بالطواف حول منازلهم، إنما كنت أختلس نظرات وخطوات أذهب إليهم، كنت أميل إلي ملامسة حضن الأخوه
الدافئ، الذي كان قديماً يطوقني ويحسسني بالحياة، حتى ألفت هذا الطوق الذي أنكسر
و مال، فقد تعلمت في طوق هذا الحضن الدفيء مغازل الحياة.
قدر محتوم أن أحاط بتلك الجدران التي تنتشر بداخلها نيران الفراق، و التي حالت بيني وأخوتي، والتي طال جلوسي في حجرها، أتمني دائماً لو أن زلزالاً حدث على حين غرة، وأهلك تلك الجدران وأسقطها، أوأحدث فيها شرخاً كي تتهاوى وتخر ، كيف أنفذ إلى بوح فضاء علاقتنا؟!!!.
شربت من كؤوس الصبر وتجرعت مرارة بعدهم عني، توددت إليهم مراراً، زيارة تلو زيارة، اغتنم فرصة المناسبات السعيدة أو الحزينه، أحَلق بينهم كعصفور صغيرلا يقو علي الطيران وفقد عشه، تمنيت غفرانهم، بل وددت بشدة مد جسور الود بينهم وأهل بيتي، حاولت كثيراً الأقتراب منهم جميعاً؛ ولكنني دوما كنت أدور في نلك الدوائر المغلقة، وسرعان ما أعود وأرتد ولا أنال مبتغاي، لم أجد سوى أغصان يابسة أفقدها برد الخريف حيويتها.
ذات يوم غفوت علي فراشي، وجدت ابتسامة أمي تواسيني، في الصباح قررت إعادة المحاولة لربط العلاقات التي قطعت منذ عدة سنوات، قال أحدهم بصوت كفحيح أفعى: لن تطأ أقدامنا منزلك.
.لقد نسفت قساوتهم جسورقد مددتها إليهم في محيط علاقتنا الممزقة.
عزفت ذائقتي مؤخراً عن ملاحقتتهم؛ بعد فقداني الأمل في غزل ثوب جديد لعلاقتنا المهترية.
قررت الأبتعاد قدر استطاعتى، لقد اصابوا كبريائي في ربيع قاحل، ونشبت اظافر قساوتهم جدران خافقى .
ذات مساء احسست بشيئ ينسلخ من جسدي، فعلمت أنها نهايتي واللحظات الأخيرة، لم انزعج من لقاء ربي بل على العكس كنت فرحاً بهذا اللقاء، فطيلة حياتي لم أقدم على أي فعل يسئ لى، بل كنت من رواد المساجد ، مع اننى أقتن دوراً مرتفعا، كنت اتلذذ بالمشقة، لأنني أعلم أن الثواب علي قدر المشقة، ذهبت روحي إلي بارئها وأنا مطمئن، فلقد حاولت مراراً أن أذوب الخلافات وأقَرب المسافات دون جدوى.
.
وعندما يصل إليهم خبر وفاتي، سيأتوا إلي منزلي مهرولين هههههههههههههه!!!!، ويتسابقوا الخطي؛ وكأنهم كانوا ينتظرون أن يأتوني معزيٍن، سيبكون بحرارة شديدة، سيلومون زوجتي أنها لم تخبرهم، كيف لها أن تعرف بأمر ربي، فأنا لم أمرض.
قبل مماتي بأيام قليلة قصصت على اخي الصغير وزوجته والوحيد الذي لم يقاطعني، وكنا على وصال دائم، كل ما يدور بداخلي، الحت عليا زوحته حينها أن اسامحهم
بل واعاود زيارتهم ولكنني أقسمت أمامها أنني لن اسامحهم علي قسوتهم، أعلم يقيناً انها ستوصل إليهم رسالتي هذه..
بقلم /فاطمة مندي

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى