ط
مسابقة القصة

سكوربيو .مسابقة الرواية ( ملخص ) بقلم / محمد عادل فودة من مصر

“سكوربيو”
رواية
عادل محمد فوده
جمهورية مصر العربية
009689308809
أشتَّ بيَ الخوف وأنا أقطع ذلك الدّهليز الطويل الذي تُغبش ظلمته بشيءٍ من الحياء, أضواء قناديل صغيرة مُثبَّتة بطول جدرانه باهتة الطلاء, تتلاقى على البعد مع أرضيته الممتدة، وسقفه المُنخفض المقبي عند نقطةٍ فيبدو وكأنَّه بلا نهاية, يمَّمتُ وجهيَ صوب الرجل المُمسك بذراعي الأيمن لأُطالع وجهه, فما زادني إلَّا رُعبا, يسير مُنتصب المتن بأقدامٍ واثقة مُنتظمة كأنَّه في طابور عرضٍ عسكريِّ, يفوقني قامةً ببضعة سنتيمترات, أو على الأرجح يزيد, فهو ينحني كلما صدفنا بإحدى دعائم سقف القبو العرضية, عيناه تبرقان في أضواء القناديل الواهية من غضبٍ وترصُّد, معقود الحاجبيْن كهيْئة شيْطان, وملامحه تُضاهي, في جمودها ورهبتها, وجه تمثالٍ ضخمٍ يحرس مدخل أحد معابد كهنة آمون, تحوَّلتُ إلى الذي عن يساري فلم أجد منه دون ما وجدتُ لدى الآخر, وكأنما صُبَّا في نفس القالب وبذات الطريقة, فَوَرَدَ على نفسي ممَّا أنا فيه ما بثَّ فيها شعورًا جازَ حدَّ الخوف والرُّعب, وفكَّرتُ أنَّ في نهاية هذا الدّهليز بغير شكٍّ غرفة صغيرة, يكاد النَّاظر لا يرى قيدَ شبرٍ من مرمى عينيْه فيها, مُكتظَّة عن آخرها بآلات التعذيب, ورحتُ أتخيَّل كلَّ ما أعرفه عنها منذ العصور الوسطى حتى الآن من خلال قراءاتي السابقة, لعن الله الثقافة والمعرفة فما جنيتُ منها الآن إلَّا المزيد من الخوف, وذكرتُ ذلك الناقوس الحديديّ المقلوب الذي كانت تُحتجز فيه الضحية, ثم يضرب الجلَّادون على سطحه الخارجي بمطارق معدنية ضخمة حتى تبثق الآذان دمًا من قوَّةِ الرنين, وتلك المقصلة التي يزن نصلُها وحدُه ما يقرب من أربعين كيلو جرامًا, وتخيلتُها حين يُحرِّروا عقالها فتهوي لتحزَّ الرقاب فتشخبُ الأوداج الدماء كعيونٍ مُتفجِّرة, ولكن ظلَّ الخاذوق أشدُّهم ضراوةً وأنكاهم على نفسي, فيا لها من ميتة بطيئة, بشعة, مؤلمة, تبعثُ في جملة مساوئها على الخجل, ورأيتُ ممَّن يشهدون موتي مُتطفِّلين يحتفلون من خلفي, ويتطلعون بشغفٍ وأنا ألوي عليهم في رجاء, وهل سيحفل قاتليّ بسَترِي إن كانوا على شاكلة هذيْن الوحشيْن ؟ يا ويْلتي, ستبقى المعرَّة في أهلى إلى يوم يُبعثون, ثم تذكرت أنها لم تعد تستخدم في عصرنا هذا, فلهجت بالشكر لله, وعرفت الذين اخترعوا البارود والشنق بالحبل والحقنة المُميتة بفضلهم على البشرية, ولكن لمَ كلُّ هذا ؟ سبحتُ في ذاكرتي أتحرَّى إن كان ما أنا مقبلٌ عليه من عذاب خليقٌ بجرمٍ جنايةَ يديَّ, بيْد أنِّي لم أجد في قَبيل حماقاتي ما يجعلني جديرًا بشيءٍ ممَّا سبق, ولم أعثر في شخصٍ بلغ به حنقه وغيظه منِّي أن يتمنَّى ليَ شرًّا ولو كسانحٍ من خيال, إذا حاشيْنا زوجتي حين أصررتُ بكلِّ غباءٍ وصَلَف على مشاهدة مباراة الكلاسيكو الأسباني بين برشلونة وريال مدريد الأخيرة, فكان أن فاتتها الحلقة السبعون من مسلسل حريم السلطان, وصارت تبدأ بها حين تشرع في حصر مساوئي والأيام الطوال السود التي لم تذق فيها معيَ إلَّا عذابًا وكدرًا, ولكن لا أعتقد أن يبلغ بها شنآنها عليَّ أن يجنح بها عقلها إلى الخازوق, لا , لا , بثَّ ذلك في نفسي بعضًا من الثِّقة والطمأنينة, فاجترأت وأرخيْتُ عنان حنجرتي ” من أنتما ؟” وماذا تريدان منِّي ؟ ماذا فعلت لكما ؟” ولكنهما لم يُعراني أدنى انتباههما ولم يلتفتا إلي حتى, ومضيا بيَ في طريقهما غير عابئيْن بأسئلتي وصراخي, وكأنما وقرت آذانهما عنِّي, فتعوَّذت بالصمت وضرعتُ إلى الله أن يُهوِّن لي الموت الذي بدأت رائحته تقحم منخاريّ, وهيئته تخطر أمام عيني قابعًا في ظلام نهاية هذا الممرّ, تمنيتُ أن يكون سريعًا وبلا ألم, وقطعت معهما ما تبقَّى من الطريق كاسرَ الطرف, مغلوبًا على أمري, أُعالج فيض أساي وخوفي, حتى حاصا بي يمينًا فتوقفنا على كثَبٍ من بابٍ خشبيٍّ كبير, بدا وكأنه لقلعةٍ أو حصنٍ مَشيد, وندت عن أحدهما صيحةٌ كالزئير, تناءت في ردفها ضلفتا الباب, فهبت نسماتٌ رقاق مُعبَّقة بعرف الياسمين, وإذا بقاعةٍ فسيحة تحوي مُدرَّجاتٍ خشبيَّة يشجُّها من منتصفها ممرٌّ هابط, يقتعدها أناسٌ كُثُر في هدوءٍ تام لم يدم طويلاً, فعندما سمعوا صرير الباب, عقفوا رؤوسهم لاستطلاع القادمين, وما إن تحقَّقوا منَّا حتى هبَّوا وقوفًا قبل أن تُزلزل القاعة عاصفة شعثاء من اللغط والصياح, وتمكنتُ على هونٍ أن ألتقط جملةً رماني بها أحدهما في وجهي في غايةٍ من الغلِّ والغيظ:
– ها قد أوقعنا بك أيُّها الكلب.
في البداية اعتقدتُ أنني لستُ المقصود بها, ولكنني علمت أنني هو ذاك الكلب عندما اقتنصت نظرة من محيطي فلم أجد غيري, إذا تجاهلنا في الحصر الحارسيْن, اضطربتْ كلُّ حواسي ولم أعد أتمالك نفسي, واستعدتُ ذكرى آلات التعذيب, فنالتني فزعة شديدة وجُنَّ قلبي وكأنه تلقَّى شحنة كهربية تكفي لإضاءة حيِّ شبرا عن كامله, وألحَّت على ذهني الأسئلة بغير ما رحمة, تُرى من هؤلاء؟ وماذا فعلتُ لهم لقاء كل هذا الحنق والغضب ؟ بدأنا في هبوط الممر الفاصل بين مقاعد النساء على اليمين والرجال عن يساري, وعيونهم مُحدقة بي في غضبٍ وامتعاض, وأطلق أحدهما من جهة الرجال بصقة طويلة المدى كالقذيفة فأخطأتني ببضعة مليمترات, أجَلتُ نظري في الوجوه أتفحَّصها, ولكن حال خفوت الضوء دون اشتفاف الملامح بوضوح, وعندما بلغنا نهاية الممر, انتبذا بيَ ركنًا من جانب القاعة يُتيح لكل الحاضرين مشاهدتي ,ثم مدَّا ذراعيَّ فأوثقاهما على امتدادهما, وكذلك فعلا بساقيّ, وفجأةً, سمعتُ طرقًا قويًّا, فانتبهت استكشف مصدره, وإذا برجُلٍ ضخمٍ يجلس خلف منصةٍ مُواجهة للحضور, فيما أقرُّوا هم في مقاعدهم وهبطت عليهم أجنحة السكينة فجأةً من أثر ضربه المنصة بمطرقة خشبية, فساد صمتٌ ثقيل الوطأة للحظات, وكأنَّ على رؤوسهم حطَّ سربٌ من الحمام, استعدتُ خلالها جزءًا يسيرًا من هدوئي, واستردَّت حواسي بعضًا من قدراتها, فرحت أقلقل ناظريَّ في المكان والحاضرين, رباه إنها كهيئة المحكمة, ومن أين جاء هذا القاضي ذو المطرقة ؟ لم أره عند دخولي, هل ظهر من العدم ؟ أم أن خوفي أعماني فلم أره ؟ ثم لم أعتم أن تجاهلتُ التفكير في أمره, فهناك سؤال أكثر أدًّا وإلحاحًا على نفسي, لماذا كلُّ هذا ؟ ومن هؤلاء ؟ ردَّدتُ طرفًا حائرًا ما بين الحضور وعيونهم التي لا تزال زارقةً نحوي في غضب, والقاضي الذي راح يُداول بين النظر إليّ وتقليب صفحات كتابٍ بيده, وفجأةً وردَ عليّ من أمرهم شيءٌ غريب, وكأنِّي أعرفهم, عصرت عقلي وجُبْتُه تنقيبًا عن رسابة ذكرى لأحدهم, ولكن لم يُجدِ العصر ولا التنقيب عن شيءٍ ذي بال, صرتُ على يقينٍ بأني أعرفهم, ولكني لا أذكر شيئًا عنهم, وأمسى عقلي مُشوَّشًا كتلفازٍ حرَّكت الرياح لواقطه, ثم لحقني القاضي كالباقين بنظرةٍ مُطوَّلة, مشوبة بتحدٍّ وتشفّ, قبل أن يسألني بحزمٍ وبنبرةٍ جافة رافعًا ذاك الكتاب نحوي:
– ألستَ من ألَّف هذه الرواية ؟
أنعمتُ النظر إليها لبعض الوقت, ثم قلتُ بصوتٍ مُتهدِّج بعد أن ازدردتُ ريقي:
– بلى….
فحطَّها عن يده وتحوَّل إليهم قائلاً بنبرة واضحة:
– ها هو الآن بين أيدينا, فليواجهه كلٌّ بما لديْه عليه من ظِنَّة, حتى نقضيَ في أمره بما تقتضيه ذنوبه.
ثم رمز بيده إلى امرأه تجلس في زمرة المَسان بمنتصف الصف الأول, وقد ردَدتُ ربتةً حانية, ربتتها على كتف نظيرتها الجالسة عن يمينها ما أن بلغت تمام الوقوف, إلى أسباب ودٍّ تربط بينهما , لبثتْ تتفحَّصني بغيظٍ يثجُّ ثجًّا من عينيْها قبل أن تنفجر قائلة:
– أوَ تدري ماذا فعلتَ بنا ؟ أم أنك لا تفهم ؟ قتلتَ ابني وأحرقتَ عليه فؤادي, وجفَّفتَ غدران المحبةِ بيني وبين حبيبتي .
وأشارت إلى التي عن يمينها”قبل أن تعود وتُكمل:
– وزرعت بيننا البغضاء, قتلت منَّا ما قتلت, وشرَّدت بنا ما وسعك شرُّك, قل ماذا أفدت, وماذا جنيْتَ من ذلك؟ سنين طوال عشناها جميعًا في شقاقٍ وألم من جراء نزواتك ونزعاتك التي لا تخلو بحالٍ من شرٍّ وضغينة.
وتحوَّلتْ إلى القاضي وزادت من صوتها حدَّته:
– لذا فإنَّا نطالبك يا فتحي بك بالقصاص منه, قصاصًا عادلاً , خليقًا بما كبَّدنا من أرواحٍ أزهقها بدمٍ باردٍ بلا ضمير.
ثم هاجت القاعة بغمغماتٍ مؤيِّدة لقولها, فأسكتها هو بدوره بدقَّاتٍ من مطرقته ثم قال متوجِّهًا شطر المرأة الواقفة:
– هوِّني عليكِ يا أم فَرَج, نحن لا ننيَ في تطبيق القانون ومعاقبة المجرمين, كلٌّ على قدر جنايته.
هنا جاشت مشاعر الغضب والسخط في نفسي ولم أستطع كتمانها, فانفجرتُ فيهم:
– من أنتم ؟ وماذا فعلتُ لكم؟ وعلامَ تحاكمونني؟
فألقى إليَّ قاضيهم نظرةً غضبى وقال في جفاء:
– إن كنتَ لا تعرفنا كما تدَّعي, فلماذا حملتنا أن نفعل ما أملاه عليك هواك ؟
**************
تبدأ الرواية كما سبق بمحاكمة كاتبها من قبل شخوصها, وتدور أحداثها حول شاب تربى في أسرة فقيرة, مفككة, غير صالحة, حيث قضت أمه نشأتها الأولى في الشارع, مما أشرب طبائعها شيئًا من غِلظة, وأطلق عقالها من أغلال المبادىء والأخلاق, ومسح عن قلبها ما تتسم به قلوب الأمهات من ودٍّ وحنان, وعلى عكس ما طالعتنا به قواعد المنطق ونظريات علم النفس الحديث, والتي تقضي بأن شابًا نشأ في مثل هذه البيئة لا يُعقد به رجاءٌ ولا أملَ في صلاحه, استطاع بجهدٍ ذاتيٍّ مدفوعًا بطموحه أن يمضي في دراسته دون أن تهن له عزيمة أو يدركه كلال, حتى أصبح طبيبًا, وما أن نالها حتى نزع إلى الإباق منهم, ففصل عنهم بغير رجعة وآثر أن يبدأ حياته المهنية في قرية من قرى الصعيد أن يبعد ما استطاع عن مسقط رأسه بالأسكندريه هربًا, مُخلفًا وراءه ماضيه الذي طالما تاق إلى محوِه من ذاكرته, وكان له ما أراد حيث تم تعيينه بإحدى قرى محافظة قنا, وبكرور الأيام يكتشف أن أهل القريه قل ما يرتادون مركزها الصحية, اعتقد في مبدأ الأمر أنهم كحال معظم القرى الفقيرة ينزعون إلى حلاقي الصحة عن إيمانٍ بهم وثقة, ولكنه تأكدَّ بالبحث أنهم لا يمرضون بما يُرزأ به كافَّة الناس من أمراض بكتيرية وفيروسيَّة, استرعاه الأمر وأسر عظيم عنايته, وبدا له أن يجري المزيد من البحث والدراسات لتلك الظاهرة, كان الرأي السائد لأهل القرية ذاتهم في هذا الشأن, وقد رسخت عليه عقيدتهم, أنها استجابة من الله لدعاء وتضرع من أحد أولياء الله الصالحين مكافأةً لأهل القريه الذين آووْه وناصروه عندما تقطَّعت به السبل في الجبل منذ أمدٍ بعيد, وفي رحلة بحثه من أجل الوقوف على أسباب الظاهرة, لاحظ بقايا طائرة شحن صغيرة أتى عليها الصدأ, آذنه بعض من شهد الواقعة من الطاعنين في السن بأنها سقطت في ذات المكان منذ قراب الستين عامًا أو يزيد, ولم يُعرها أحدٌ من المسئولين أو قوات الإحتلال الإنجليزي إذ ذاك اهتمامًا, فبدأ مرحلة أخرى من البحث , تبين له خلالها أن دماء أهل القرية تتفق في الصفات من حيث اللون والتركيب وشكل الخلايا, فيما تختلف مع الدم العادي في ذات الصفات, علَّ ما كانت تحمله الطائرة من نفايات ذرية تركت في جيناتهم على غير ما دأبت أثراً محمودًا, فطوَّرت أجسامهم طرقًا دفاعية خاصة فيما يشبة الطفرةٍ الجينية, ابتدأت تداعبه أحلام المجد والمال والشهرة, وراح يُمنِّي نفسه الأماني العذاب في مستقبلٍ برَّاقٍ يمسح عن عقله ذكريات ماضيه الأليم, فكيف يتعامل شخصٌ في مثل طموحه الذي بلغ حدَّ الجموح مع تلك القضية؟ وما شأنه إن استحالت صروح أحلامه إلى قلاعٍ على رملةٍ ميْثاء؟ وماذا لو تأثَّره ماضيه الذي هرب منه وتعقبه إلى مهربه ؟ ماذا يُفترض به أن يفعل إذا ما خسر كلَّ شيء في ليلةٍ وضحوَة ؟ أحلامه , أمانيه , مستقبله , حبَّه, ….,……,

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى