ط
هنا الجزائر

الأغنية الشاوية… طابع غنائي أصيل بحاجة إلى تثمين

كتبت: دليلة بودوح

تراث فني يعود لآلاف السنين..

الأغنية الشاوية… طابع غنائي أصيل بحاجة إلى تثمين

تقترن الأغنية الشاوية التراثية لمنطقة الأوراس بآلتي “القصبة” و “البندير” المميزين لهذا الطابع الغنائي الأصيل فضلا عن إقتران هذا النوع من الأداء بقوة النص المغنى الذي لطالما أطرب مستمعيه وعشاقه و تزينت قصائده برسائل الحب و الأمل و لم الشمل.

وكانت الأغنية الشاوية على مر الزمان، و لا تزال ذات رمزية خاصة بمنطقة الأوراس و بباقي ربوع الوطن و أن عميدي الأغنية الشاوية عيسى الجرموني وبقار حدة خير دليل على قامات صنعت مجد الأغنية الشاوية و عرفت بها في محافل على الصعيد الوطني و في الخارج.

فالجزائريون و إن أطربتهم الطبوع الموسيقية على إختلاف مشاربها إلا أن للأغنية الشاوية و الصوت الشاوي قيمة خاصة في أفراحهم و مناسباتهم.

وأكد في هذا السياق “علي” و هو ستيني إبن مدينة خنشلة أن لا غنى لهم عن الأغنية الشاوية القديمة خاصة و العصرية منها بصفة عامة في مناسباتهم نظير إيقاع آلتي “القصبة” و “البندير” اللذين يصنعان جواً خاصاً، و يدفعان المستمع للرقص دون أن يشعر، لافتاً إلى أنه يكن حباً للأغنية الشاوية العصرية فيما لا يستغني عن الأغنية القديمة التي تطربه بكلماتها ذات المعنى القوي، معبراً عن تعلقه بالأغنية الشاوية القديمة و الجديدة بالمقولة الدارجة “الجديد حبو والقديم لا تفرط فيه” .

من جهته، إعتبر “مهدي.ي” من بلدية قايس، أن الأغنية الشاوية الفلكلورية التي تؤدى بـ “القصبة” و “البندير” أطرب للأذن و أشد تعبيراً عن أصالة الشاوية، مشيراً إلى أنه بات يفتقد ذاك الأسلوب الغنائي الأصيل الذي قال بشأنه: ” إن مستمعيه يغرقون في معانيه و القصص التي يرويها مؤدي الأغنية الشاوية في شكل قصائد يزيدها جمال الصوت قوة و معنى”.

ويرى الفنان عبد الحميد بوزاهر إبن مدينة خنشلة و أحد رموز الأغنية الشاوية بالمنطقة أن الذين يؤدون الأغنية الشاوية المنتمون للجيل المعاصر كما وصفهم، أصبحوا لا يؤمنون بأعمالهم التي ينتجونها ، مرجعاً ذلك إلى عدة أسباب أهمها الثقافة الشاوية و الأوراسية بصفة عامة و التي يرى أنها أصبحت “جد ضعيفة لديهم” و هو ما جعل من الأغنية الشاوية حسبه، منقوصة الروح.

كما أن من أسباب ضعف نص الأغنية الشاوية وفقا للفنان “بوزاهر” نقص الاجتهاد في كتابة النصوص الجادة، مشيرا في هذا الصدد الى أن اغلب الأغاني المعاصرة تغيب فيها الأخلاق و الكلمات النظيفة بالإضافة كما قال، إلى غياب رجال يدعمون الأغنية الشاوية من حيث الإنتاج و التسويق و التأليف لها.

ومن بين ما تحدث عنه “عبد الحميد بوزاهر” ميزة الأغنية الشاوية التي تحتاج بشكل خاص إلى كتابة نص يتوافق و طبيعة الآلات الموسيقية الأصيلة التي تطبع هذا اللون الغنائي من “قصبة” و “بندير” و التي يكون النص فيها على شكل شعر حر مسجوع و موزون.

و من أبرز مميزات الأغنية الشاوية الأوراسية أنها تعالج مواضيع اجتماعية على شتى الأصعدة كقضايا الزواج مثلا و الحب والطلاق و شهامة الرجل و المرأة الشاويين و الفروسية و غيرها من المواضيع التي ذكرها “بوزاهر ” والذي كتب في بعض منها على غرار أغنية حزينة أداها سنة 1982 وصارت آنذاك على لسان الصغير والكبير و التي عنونها بـ “طارت لحمامة” .

ويعتقد الأستاذ و الباحث في التاريخ و التراث الأمازيغي “محمد الصالح أونيسي”، أن الأغنية الشاوية تملك كل مقومات النجاح لكن الواقع غير ذلك وبالتالي مثلما أردف الباحث فهي تحتاج إلى كثير من الإرادة حتى تبرز أكثر في الساحة الفنية وتستعيد مكانتها التي كانت عليها.

ويرى الأستاذ “أونيسي” في الأغنية الشاوية الأوراسية طابعاً ذو جودة وقوة نص و كلمات. ويعيب ذات المتحدث بالمقابل على الأغنية الشاوية تساهل مؤديها في كتابة نصوصها و قصائدها المغناة فضلاً عن انتقاده في معرض كلامه أداء الفنانين الجدد الذين يغيب الإبداع عن طموحاتهم الفنية، إذ بدل أن يكتبوا للأغنية الشاوية فهم مكتفون فقط بإعادة الأغاني التراثية القديمة التي أبدع في تأليف نصوصها آنذاك “عيسى الجرموني” و”بقار حدة”، و من بعدهم الفنان “قدور اليابوسي” و”علي غيلاني” و”الطاهر اليعقوبي” و”السعيد جريدي” وغيرهم كثير، إستناداً لذات الباحث.

وأشار م”حمد الصالح أونيسي” في سياق الحديث عن قوة النص و المعنى إلى انقسام المواويل (جمع موال وهو الشعر المؤدى في شكل أغنية) التي يشتهر بها هذا اللون الغنائي إلى أربعة أداها عمالقة الأغنية الشاوية في أغاني “الدمامي عياشي صرويي أحمد آممي.”

وأضاف نفس المصدر أن هذه المواويل الأربعة بمثابة اختبار يمكن من خلالها معرفة من يصلح للغناء الشاوي إن استطاع تأديتها أو تأدية واحدة من هذه الأغاني الخالدة في سجل الأغنية الشاوية الأوراسية.

وبرأي هذا الباحث فإن بعض الفنانين الجدد الذين استطاعوا على حد قوله، أن يحافظوا على أصالة الأغنية الشاوية وإلتزامها رغم إستخدامهم لآلات موسيقية عصرية فيها . وذكر منهم كل من الفنان “دجو” من ولاية أم البواقي بالإضافة إلى كل من الفنانين “عميروشي ديهيا و ميهوب” المنحدرين من منطقة تكوت بولاية باتنة.

أما عن مكمن الحل في رجوع قيمة الأغنية الشاوية إلى سابق عهدها فهو العناية بها من طرف المختصين خاصة من حيث الكتابة الجادة لنصوصها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى