ط
مسابقة القصة القصيرة

عودة مهترئة ..مسابقة القصة القصيرة بقلم/ منال صابر من مصر

قصة قصيرة ..

” عودة مهترئة ”

إليك أيها الغائب الحاضر .. جئت لاؤريك كيف هو الحال هنا ..
منا من يعيشون فى الماضى ومن هم فى قاع النسيان ..
منا من هم على قائمة الـ “ربما ” ..
منا من تجرفهم شلالاتهم إلى المجهول ..
ومنا من يظن أن الشمس لن تشرق مجددًا
وفى مقابل كل ذلك ………
منا ولا يزال يعمل دون كلل ويؤمن بذاته
فهو مُدرك أن مادامت الشمس تشرق ..
اذا مازال هنالك أمل ..

إهداء

الى ابى وامى واخواتى الى اصدقائى الى اقلامى ودفترى ..
الى نظارتى “مُهجه ” الى دقدقتى ..
الى البعيد الذى يأبى الاقتراب الى عقلى ومخيلتى
الى ذاتى
الى الجميع دعوة للتفاؤل او لميلاد جديد
لم يعد الحزن يليق بنا .. لم يكن من الاصل يليق بنا

السابعة صباحًا , 25 ديسمبر .الاسكندرية .

كاد الجو يمطر , تقف فتاة فى الخامسة والعشرين من العمرتنظر إلى الشاطئ ولا تظهر أى شئ من البرد , لم يعد برد الحياة يؤثر بها فبردها برد داخلى , تهترء كل يوم كثوب بالٍ , وتتمزق إلى أشلاء , هى كهذا منذ وفاة والدها إثر حادثة , دهسته سيارة عابرة وفرت مسرعة وكأن شيئًا لم يكن , فى لحظة ما سرق الموت منها كل ما تملك ” والدها ” .. ومن ثم قررت أن يكون الصمت ردائها ترتديه طيلة حياتها , صمتت لان الحديث لم يعد مغريًا , بات باهتًا الى حد لا يحتمل , قطع صمتها صوت يقول : دعكِ من هذا فأنتِ الربيع . إخترقت تلك العبارة أذنيها كرصاصة , تعرف ذلك الصوت وتلك النظارة الشمسية , هذة الملامح وتلك الهيئة برهة من الصمت وتذكرت , نعم إنه ذلك الرجل الذى قال لها تلك العبارة يوم وفاة والدها , تلك العبارة التى كتبتها فى أشهر مقال لها “مخاطرة أمنة ” والذى منحت عليه جائزة الصحفى المثالى , أتراه القدر جمع بينهم مرة ثانية ؟! ام حان ميعاد خلع ثوب الصمت ؟!! كانت تفكر بهذة الاسئلة وهى تتجه صوبه ولم تجد الجواب .قالت : ” طال غيابك .. “قال : ” بل انتِ من طال صمتك .. “صمتت فلا تعرف ان كان يكشفها الى هذا الحد , أهى ممن تعبر عيانهم أفصح من ألسنتهم؟!قالت : دعك من لعبة الغموض تلك وقول لى من أنت ؟رد مبتسمًا : ” حسنًا , سأحاول .. إنسان والباقى لا يهم .. “فقالت : ” حسنًا ليلى محفوظ , صحفية بجريدة ………. “قاطعها قائلاً : ” الباقى لا يهم “نظرت إليه وهى تتفحص هيئته , رجل فى العقد الرابع , له وجه بشوش وثغر دائم الأبتسام ويدين تحملا الكثير من المعانى , وتدلا على مدى ما قدماه من أعمال .قاطع تأملها بقوله : ” إلى متى ؟! “فقالت : “لا أعلم .. “قال : ” لا تدعيها تقودك فأنتِ أذكى , أنت صاحبة المركب من الأساس “قالت : ” لكن هى التى يحبونها !! “قال : ” بل التى تعجبهم , كونى نفسك وحسب , نحن نستطيع ان ارادنا , أهه لو تعلمين كم تحبك “كانت تستمع إليه بجميع حواسها , ليته يعلم ما الذى تفعله بها كلماته ,يقول القليل ليجعلها تفكر بالكثير , والاغرب أنها كلمات مألوفة ولكن وكأنها مسحورة , فكيف لم تفكر فى ذلك من قبل ؟! .خيم الصمت لبرهة فقاطعته قائلة : ” أتحب محمود درويش ؟ “فقال : ” ألم اقل لكِ إنك ذكية ؟! “قالت: ” قل لى بربك من انت؟! “قال : ” صديقنى حتى أنا لا أعلم ”

حولت ناظريها بإتجاه الشاطئ وكأنها تحكى له شئ ما وهى تتنهد .التنهيدة : تلك الأنفاس التى نخرج خلالها كل كلماتك ولكن بصمت ..قطع صمتهما رجلاً يقول “سيدى سنتأخر هكذا “فرد قائلاً : “إذهب وأنا قادم خلفك .. “الرجل : ” ولكن يا سيدى ………….. “قاطعه ” لا تخف .. اذهب ولن اتأخر . “نظر ناحية البحر وقال لها “ربما نلتقى مرة ثانية .. “فقالت : ” متى .. ؟! “فقال : ” ربما ليس الغد ولا بعد غد , ربما ليس العام , ولكن قطعًا يومًا ما سنلتقى .. “وذهب فى سلام , كم من اوناس قادرين على قلب حياتك رأسًا على عقب فى محض ثوان قليلة وبكلمات أقل .. ثم يرحلون فى سلام , ولكن سلامهم هو فوضنا العارمة .

نظرت الى الشاطئ مرة اخرى ولكن تلك المرة أحست بشئ غريب ,لتسمع صوت فرمله سيارة وكأنها تدهس احدًا ما .. التفتت لترى ” ………. ” ملقى على الأرض ودمه سائل بجانبه , ما أشبه اليوم بالبارحة , صرخت ليلى صرخة عبرت بها عما بداخلها من ذعر وخوف , رأت نفس النظرة التى رأتها فى عين والدها فى ذلك اليوم المشئوم , وكأن القصة تعاد للمرة الثانية , نظر إليها وقال ” دعكِ من هذا فأنتِ الربيع “هطل المطر غزيرًا ولكن دموعها كانت أغزر , كاد قلبها يبكى دمًا . جاء الرجل الذى كان معه منذ قليل وهو يبكى وينوح “سيدى .. سيدى .. لا يا سيدى ارجوك لا تمت … سيدى سيدى “طلب الأسعاف وهو على نفس الحالة , ثوان وكان الشارع يعج بالناس من كل مكان , وكان ذلك الرجل يحكى للناس وهو يشهق من البكاء كم كان ” …………” يحب الخير للجميع , وكم كان صبورًا على فقدانه لبصرة ولم يدعه يؤثر عليه , وهنا صعقت لهول ما سمعت ” أكان حقًا مكفوفًا ؟؟! “هرولت ناحية الرجل وأعادت سؤالها فأجبها بالموافقة وأن اليوم هو ميعاد تكريمه من قبل الدولة لما له من مجهودات فى مجالات عدة ,إنتابتها حالة من الذهول والذعرفى الان ذاته لما تسمع , ففى اليوم الذى قررت الدولة أن تكرمه سبقها الموت بالتكريم , واصل الرجل يقص كم كان يساعد الفقراء ويقف بجانبهم بكل ما اوتى من قوة , وكم من كربٍ فرج بسببه .. وصلت سيارة الأسعاف و كان الأطباء يقلبونه يمنة ويسرة ويفعلون ما بوسعهم ولكن الموت لم يتخل عن اختياره .

عادت الى المنزل فى حالة لا تحسد عليها , نظرت من نافذتها كالعادة وقد علمت أن شئ ما قد تغير بداخلها , ظلت تبكى كثيرًا , هى مثل أغلب النساء يعبرن عما بداخلهن على هيئة دموع حين يتساوى الكلام مع الصمت .لا تعلم كم مضى من الوقت وهى تبكى , روحها تكاد تتهشم لما بها من شروخ , قامت ونظرت إليها بالمرأه , لم تعد تمت لها بصلة ,هرولت ناحية مرحاضها وظلت تغسل وجها وتضرخ ” كفى كفى “وكأن قطرات الماء قد غسلتها من كل شئ حتى من نفسها .خرجت إمرأه أخرى تؤمن بأنها لم تفارق والدها و “……..” , فالموت ليس فراقًا .. سنجتمع فى الأخرة لا محالة , الفراق الحقيقى أن يكون احدهم فى الجنة والأخر بالنار .فى هذة المرة ستغلق أذانها عن الجميع , وستستمع إلى صوت ربيعها فقط .

كان ذلك اليوم بمثابة يوم ولادتها من جديد ,بعد أن كانت إحدى الأموت التى لم يعلن عن وفاتهم بعد , كانت فى كل يوم تتغسل بألمها وتتكفن بالأحزان , وتذكرت مقولة درويش ” ما زلتُ حيّاً في مكانٍ ما ، وأَعرفُ ما أُريدُ ”

لطالما كان والدها و”…….” معلمين بارعين , لم يدرسوا للناس دروسًا بالية , إنما درسوا لهم منهج حياة , الذى يرحل من الدنيا حقًا هم من يذهبون دون أثر فى الحياة لذلك فهم لم يرحلوا لما لهم من أثر دام وسيظل يدوم .اليوم فقط ادركت معنى تلك العبارة : أرى بقـلبي دنيـاي وآخرتي… والقلبُ يُدرك مـالايدرك البصرُ ..أسرعت إلى دفترها لتمزق عبارة “لسنا بشئ .. نحن فى منتصف كل شئ “لتكتب : ” عذرًا درويش ليس الجميع ينسون وكأنهم شئ لما يكن “وأضافت ” كن أو لا تكن .. أو كن شيئًا لم يكن .”

منال صابر ..

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى