ط
مسابقة القصة القصيرة

في ثورة الشوق .مسابقة القصة القصيرة بقلم / رناكمال العسلى من سوريا

رنا كمال العسلي ..من سورية ..0932485858 …قصة قصية ..

في ثورة الشوق

لم تكن تدركُ الا حين جلست على كرسيها أمامَ طاولةٍ اعتادت وحدتِها بقرنفلتها الحمراء والطبق النظيف وعلبة المناديل البيضاء الا من اسم المقهى ..أنّ هناك عينين شاخصتين بها ..تلفتت محاولةً الهروب من صاحب النظرة القوية التي تغلغلت في ذراتها لتجد نفسها مرة أخرى أمام أقوى نظرة عهدتها في حياتها .. هي الأنثى التي اعتادت أن تلتفت اليها عيون المعجبين ذات الجسد اليانع التفي كشجرة لاتهرم وشعرها المنسدل على أطراف وجهها ليمنحها جاذب يضفي على عينيها اللوزيتين نظرة تخترق الصخر لو أرادت …أهدت لجلستها ملمس أنوثتها الجميل حين وضعت ساقاً ترتدي الجينز الضيق حتى أطرافه على أخرى وابتعدت عن التفكير بنظراته …لماذا ارتبكت ماذا حدث لها , ليست من النوع الذي تروقه تلك النظرات المتفحصة ..قررت أن تنساهُ تماماً وتستمر بفترة استراحتها كما اعتادت.
أومأت للنادل وبكلمتين معتادتين : كما كل يوم , غادرها ليأتيها بفنجان قهوتها وقطعة كعك من الشوكولا وهي تقرأ كتاباً حيث اعتادت أن تغرق في فصول القراءة كل يوم
هناك على المسرح أعلن مسؤول الفقرة الغنائية بدء الوصلة الموسيقية وأنهم لهذا اليوم يستضيفون موسيقي جديد ليهطل التصفيق والصيحات أثناء مضيه بخطوات واثقة ليعتلي منصة عليها آلة بيانو رائعة بحوافها المذهبة ولونها الخشبي الرائع .
اعتادت أن تنسى نفسها وهي تنظر الى دقة صنعه وحرفيتها وكأنه من عهد الملوك القدماء ,حتى تلك الأثناء لم تنوي بعد أن تلتفت الى المنصة اذ أنها غرقت في فصول روايتها المشوقة التي تنوي انهاءها اليوم
بريق عيناك أذهلني
تمايل خطواتك ترعبني
جسدك الممشوق يرجمني
بالرغبة الموجعة يجرعني
هكذا بدأت من على المنصة أغنية يبدو أنها لم تكن ضمن برنامج اليوم لأنها بلا موسيقى بل مرت ترسم ملامح لحن بسيط بهدوء ,وبدأ اللحن يصدح موسيقا من روائع ياني ضمت المكان عانقته بود حتى لترى الجميع يترنح من النشوى ,مذهول فيه حتى هي رمت الكتاب جانباً دون أن تعي واستقبلت هذا الاحساس بشهيق عنيد وحنجرة تأبى أن تفتح لزفيره الطريق , نظرت باتجاهه فاذا به يرمقها بنظرات تضرب كل وتر في ضلوعها تعانقُ نبضاتها المتسارعة ,يومىء لها بتحية ..لقد علم أنه قد توغل فيها , أومأت تجيب التحية وكأنها ملموسة من ساحر …نفضت رأسها أيعقل ,هي ابنة الثلاثين عاماً المطلقة منذ خمسة أعوام ..لم يتحرك فيها يوماً نبضة لرجل ..معاناتها الزوجية دمرت كل احساس بقيمة رجل في حياتها ,دفنت مشاعرها نسيت في سفر الوقت أنها تحتاج لأي شيء في الحياة ,
نجحت ..تفوقت ..أثبتت للدنيا أنها ليست بحاجة الى رجل , أيعقل أن يستيقظ في شريانها وريد دفنته , لا ..لا تظن , هو سحر الموسيقا لها سحر الكحول ولو أنها لاتشرب لكنها تستمتع بما يفعل بالناس ,عاد ليصرخ صوت في داخلها : لكنكِ انتبهتِ اليه منذ اول نظرة ,
اصمت , أمرت هذا الصوت الداخلي المعاند
في صراعها , في الرمق المعاند وعراك هروبها في اعتلال نواياها ,يمسك ذاك النبض معصمها وينظر في ساعته كطبيب يقرأ هذا السحر الغامض
يخبرها بعينين ملؤهما الثقة : نبضاتكِ ترتل ايماء قلبك , تترنح به ..ترصف كل خوفك أمامي , كندب لن تشفى بعد سحبت يدها ببرود اعتادت مواجهة كل المواقف به , لكنها لأول مرة تشعر كم هو مضنٍ كان , لم ينساب انسحابها كما تمنت , لأنه استطاع أن يلتفت بحركة سريعة ويبقي يديها في كفه بقوة , جالساً أمامها ليخبرها بهدوء : لاتهربي , شرف المحاولة التماس فرصة من هوى , يبقيها في نبض ثائر
أنت لاتعي ماتقول : أجابته : يكفيني من الحياة كل الفتور , راضية به على أن اخفق مع عابر سبيل
لستُ بعابر سبيل : أجابها وهب واقفاً ومضى ؟؟
شعرت أنه انزعج من حروفها لكنها لم تستطع أن تنكر أنها أيضاً حزنت لغيابه بتلك الطريقة وغضبت مما ابدته من برود متعمد في حديثها , توالت الأيام وسارت بنظامها المعهود من عملها الى المقهى الى المنزل كروتين لايختفي فيه صوت قلبها الذي لم يعد يهدأ من الصراخ أكثر من مرة ,حاولت النكران النفي ,صقلتها الحياة لتكون قوية متمردة ماذا يحدث لها ؟ لم تعد تعي شيئاً الا أنها تكرر المقهى كل يوم لأجله تطيل البقاء عله يعود .
ذات يوم أبرمت عقد مع الدعاء أنه اذا جاء اليوم لن تجافيه ,ستبرر كل الأيام التي عانتها بين هواجسها , انتظرت ,وانتظرت ,لم يعد هذا الوقت يساعدها حتى كتابها لم تستطع الولوج في أفكاره , انتشلت حقيبتها وهمت تغادر بتثاقل كل الوقت الذي استدركها في الانتظار , فتحت باب المقهى لتجده هناك مكتفياً بالاتكاء على عمود الدرج المطل على المقهى , يبتسم بهدوء, حاولت أن تنسى وعدها لنفسها أن تمر بهدوء حين نطق لسانه , سمعتكِ؟؟ قالها بهدوء
التفتت اليه موقنة أنها تحلم , لاتتفاجأي , سمعتك تناديني اليوم مع ندى الصباح , شعرتُ ببسمتك المتفائلة ترمقني , لم تستطع النكران , احتوت كل الفرح ببسمة , أشرق لها قلبه ,
لاأصدق أنت تبتسمين !!!
مااجمل هذا النهار أخذ يضرب الأرض برجليه فرحاً ويدور حولها ,وضع يدها على ساعده وهبط بها وهي تضحك وتتأمله غير مصدقة , انتظر لقد تأخرت على عملي انتهت استراحتي , وضع اصبعه على فمها كمحاولة لاسكاتها ومضيا ومضت بهما الأيام ’ اصبح كل يوم ينتظرها في نفس الموعد , وعوضاً عن القهوة والكافيتريا , يمشيان في الحدائق على الشاطىء يركبان الحافلات بلا جدوى ويضحكان , لم تعلم عنه الكثير لم تعلم سوى أنه عازف , يقتات من عقود عمل صغيرة ولم يكن يعنيها أن تعلم شيء في الأساس هي سعيدة تختبر شيئاً كانت تظن أنه ولى .
ذاك الحب ذاك البحر الكبير من الفرح قررت ال تفكر الا بما جلبه لها حبه في حياتها
ذات مساء كان يضمها بشرود
مابالك سالته
نظر اليها دامعاً , ثم أخفى مافيه من حزن وعاد لضحكه لكنها لم تعد
استوت في جلستها, ماذا هناك اخبرني ؟؟
اسمعي : لم أملك قرار حبك ولم املك قرار البعد لاأستطيع أن احبك من بعيد لذا لاتعاقبيني حين أغيب فجأة عن حياتك , اعلمي اني أحبك فوق حدود الوصف وفوق حدود الخيال ,اعلمي أني لاأريد ان أوذيك وكفى
كانت تبكي وتخبره مابك لماذا الرحيل لماذ تتكلم بهذه الطريقة ضمها الى صدره بقوة كل الحزن في حروفه , ضمها كأنه يودعها وخرج دون أن تستطيع أن تفهم شيئاً كيف جاء وكيف مضى لاتعلم .
عادت الى حياتها لكنها لم تعد الى نفسها , كانت تعيد كل أحداث لقاءهما ,مماذا فعلت له كي يرحل , لماذا ؟ كان صادقاً
صديقتها تخبرها أنهم كلهم سواء انتهى منك أنتِ لاخبرة لك بالحياة , توالت الأيام الوقت ينهش أجزاء حياتها الجمر يسكنها يسقط كالسوط القاسي على كل أحلامها , أين ذهب ؟ سؤال يتيم لم تسعفها الأيام ولا الانتظارات بنسيانه.

استمرت بحياتها كمشروع من مخطط وأوراق ورسوم رسمتها الحياة بدقة , استمرت كآلة ,أتقنت رسم ملامح حضورها كتحدٍ جديد ,أيقنت أنه كغيره اكتفى , واكتفت عند أعتاب هذه الفكرة , أقلت صندوق الانتظار , لكنها لم تعد كما هي باتت قاسية الملامح , كبرت أعواماً متتاليه بالغل , غيرت المقهى, ترقية تلو الأخرى في عملها , يكفي أنها تستطيع أن تمضي بشيء يعيق تفكيرها دوماً عنه ,
صوت المطر في الخارج يؤرقها الرعد يشتد ,تدنو من مدفأتها وتشعر بالبرد لاينطفىء هذا الاحساس رغم قربها من الحرارة , حاولت ان تصنع شيئاً يدفئها حركات رياضية , رقص ,أي شيء يبعث فيها الدفء , حين سمعت على الباب طرقاً , خرجت متذمرة من ذا الذي يأتي في هذا الجو , فتحت الباب بسرعة خاطفة , لاأحد هناك ؟؟ مظروف على الأر ض حملته وركضت الى جانب المدفأة من جديد , فتحته بهدوء , صورته هناك , النظرة ذاتها, الثغر الوجنتان , لكن من هو , يرتدي زياً عسكرياً , كيف ذلك ؟؟ هو عازف ؟ فمن هذا ؟ قلبت الصورة لتجد خلفها قد كُتب سامحيني , أحبك , ولازلت , رمتها جانباً , أخذت تبكي , اتركني , اتركني منك , لم أعد احتمل , عادت بكل شكوكها أنه بريء في تلك اللحظة , احدهم وضع يده على كتفها , أجفلت , وقفت بسرعة لتجد نفسها أمامه من جديد , انهارت ضربته على صدره بكت حتى غابت عن الساعة والوقت بينهما , حين استفاقت كان بجوارها يرفع شعرها عن جبينها المثقل بالحزن , يقبل يديها , كم هو دافىء
سألته لماذا ؟؟ كعادته أسكتها بلمس ثغرها بأصابعه وضع رأسه قرب شعرها وعلى كتفها غفا , كأنه لم ينم منذ سنين , لم تكن تعلم ماذا تفعل , حضنت راسه وغفت بسعادة غريبة , بشوق انتفض من جديد , لايهمها الأن سوى أنه هنا , في الصباح لم تجده , بحثت في كل المنزل , لم تجده , لكنها لم تحزن , كانت تبتسم بغير هدى , ستنتظره , ستنتظره من جديد , توالت الأيام , ارتابت في انها كانت تحلم , لكن لا , صورته معها هنا تؤنس فراقه لها , ليس حلماً ستنتظر على أعتاب كل الفرح وكل الأمل ,
في مفترق الطرق وبعد عناد طويل من الألم واليأس والقهر والانتظار والشوق والحنين , عاد للظهور , اعتذر عن كل الرحيل الماضي وبدأ يحكي لها ماكان يخفيه , أنا ضابط في الجيش لم يكن يحق لي الظهور كنت أتخفى بمهمة سرية تحت عمل عازف لاقتفي أثر ارهابيان يحاولان تفجير مدرسة بمكان قريب من المقهى الذي التقينا فيه ولم أكن لأستطيع اخبارك لكنني أنهيت واجبي , ونجحت بمهمتي , وأنا الأن معك هنا , لم تغيبي للحظة عن فكري قلبي , لم تسعها الفرحة , لم تستطع النطق , استلت كل شهقاتها المكنونة , من الم وفرح , عانقته , عانقته بكم كل الألم الذي أوجعها وأوجعه , وكل الشوق الذي ارقها , لم تكن لتصدق , رغم كل شيء هو انسان طيب وطني مخلص لبلده ومن يخلص لبلده سيخلص لحبه , ماأروعك , قبلت جبينه وأمسكت أنامله من جديد , وأقبلا على الحياة بأمل من ربيع ومشرق دائم

 

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى