ط
مسابقة القصة القصيرة

قرية الحكيم ..مسابقة القصة القصيرة بقلم / نجوى عبد الله من العراق

حكايات ماما نونو ..
قرية الحكيم

يُحكى في زمنٍ من الأزمانِ ياصغار بأنَّ هناكَ قريةً صغيرةً يسكنُها أناسٌ طيبونَ ورجلٌ صالحٌ يتميزُ برجاحةِ العقلِ يعيشُ وحيداً في كوخهِ الصغير.
في مساءِ يومٍ طرقَ أهلُ القريةِ بابَ الحكيم طالبينَ منهُ المشورةَ والنصيحةَ في كيفيةِ تحسينِ أحوالهم المعاشيةِ والنظرَ في أمرِ القريةِ التي باتتْ صحرواية بعدَ انقطاعِ الأمطارِ عنها مما سبّبَ جفافَ المزارعِ وتلفَ المحاصيلِ..

فكَّرَ الحكيمُ قليلاً ثم ردَّ عليهم بهدوء :
يا أهلَ القريةِ الأعزاء أمهلوني فترةً قليلةً كي أجدَ الحلَّ المناسبَ لقريتنا المسكينة..

مرَّتْ فترةٌ ولمْ يسمعْ أحدٌ من الحكيم أيَّ شيءٍ .. ملَّ أهلُ القريةِ من الإنتظارِ فذهبوا إليهِ مسرعينَ وطرقوا عليهِ البابَ :
ياحكيمنا أينَ أنت؟ لقد نفدَ ما عِندَنا من طعامٍ وأطفالنا لايكفّونَ عن البكاء. أنقذْنا بالحلِّ الآن ..

خرجَ عليهم الحكيمُ بعدَ أنْ سمعَ صراخَهُم وقالَ لهم بهدوئهِ المعتادِ أمامَ عتبةِ الباب :
يا أيها الناسُ قريتكم بحاجةٍ إليكمْ وبنفسِ الوقتِ عليكم أن تتمسَّكُوا بالصبرِ. والله معَ الصابرين .

كانَ أهلُ القريةِ متلهفينَ لسماعِ المزيد : حسناً أيها الحكيمُ الطيبُ أخبرْنا كيفَ نُصلحُ قريتَنا ونحصدُ قوتَنا؟

أجابَهم الحكيمُ بصوتِهِ الأجشِّ : عليكم أولاً أنْ تتحدوا في حفرِ بئرِ ماءٍ والعمل عليهِ ليلَ نهار يداً بيد .

لمْ تعجبْ فكرةُ الحكيمِ أهلَ القريةِ فردُّوا عليهِ بضجرٍ : أيها الطيبُ إنَّ حفرَ بئرِ ماءٍ يأخذُ وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً وليسَ بمقدورِنا الآنَ توفيرهما .

قالَ لهم الرجلُ الصالحُ بابتسامةٍ بسيطةٍ وبنظرةٍ حنونةٍ : يا إخوتي بالصبرِ تستطيعونَ فعلَ الكثيرِ الكثير، عليكم التمسكَ بحبالِ الصبر .

قالَ لهُ أهلُ القريةِ الغاضبينَ : لقد نفدَ صبرُنا , وفقدنا طاقاتِنا لابدَّ لنا أن نغادرَهذهِ القريةَ الفقيرة.

وصاحَ الجميعُ : الرحيل , الرحيل ، الرحيل ..

بشيءٍ من الحزنِ تكلَّمَ الرجلُ الصالحُ : بالصبرِ تهونُ الشدائدُ وتهونُ المصاعبُ ولا يمكنُ أنْ تتخلّوا عن قريتكم في وقتِ الشدّةِ وهي التي أطعمتكم وجمعتْ شملكم على المحبةِ والطيبة..

في صباحِ اليومِ الثاني جهزُّوا العرباتِ التي تحركتْ بعيدةً عن القريةِ حاملةً معها أهلها اليائسينَ الذينَ اتفقوا على الرحيلِ إلى بلادٍ أو قرى أخرى .

لِرفضِهِ التخلي عن القريةِ بقيَ الرجلُ الصالحُ وحيداً حزيناً في القرية , لكنَّهُ في نفسِ الوقتِ لمْ يدع الحزنَ يتغلبُ عليه لذا دأبَ بكلِّ همةٍ ونشاط على حفرِ بئرِ ماء..
..بعدَ أيامٍ طويلةٍ تمكَّنَ الحكيمُ من حفرِ بئرٍ وإخراجِ المياهِ من باطنِ الأرض وحفرِ السواقي لغرضِ توزيعِ المياهِ بالتساوي على البساتين والمزارع .

معَ مُرورِ الأيامِ والأشهرِ عادت الحياةُ الجميلةُ إلى القريةِ وأصبحتْ أكثرَ تألقاً وبهاءاً فأثمرتْ أشجارُها وجرت المياهُ العذبةُ في سواقيها إلى درجةٍ أنْ ذاعَ صيتُها بينَ الناسِ والقرى والبلادِ المجاورةِ فأخذتْ أعدادٌ كبيرةٌ من الناسِ والتجارِ من مختلفِ البلدانِ تقفُ عندَها لشراءِ محاصيلها المتنوعةِ من خضراوات وفاكهةٍ لذيذة..
كلُّ هذا بفضلِ اللهِ سبحانه وتعالى ثمَّ بفضلِ همةِ وعزيمةِ الحكيمِ الصبورِ الوفيِّ الذي لمْ يتخلَّ عن أرضِهِ أبداً متحملاً كلَّ المصاعبِ والمشقاتِ لوحدِهِ.

عندما سمعَ أهلُ القريةِ المهاجرينَ بِقصةِ قريةِ الحكيمِ قرّرُوا السفرَ إليها قاصدينَ العملَ والعيشَ فيها لِكونِها المكانَ الأنسبَ لهم .

في طريقِ السفرِ تفاجأ أهلُ القريةِ أنَّ الطرقَ والمسالكَ المؤديةَ إلى قريةِ الحكيمِ هِيَ نفسُ الطرقِ التي تشيرُ إلى قريتهم الأصلية .
وحينَ وصولِهم اندهشوا كيفَ أصبحتْ قريتُهم الجافةُ قريةً خضراءَ يانعةً مزهوةً بأشجارِها ومحاصيلِها ومياهِها الوفيرةِ.. حينها أحسُّوا بِخطئهم وندمِهم على تركِ القريةِ لرجلٍ واحدٍ يعمِّرُها ويكافحُ من أجلِ بقائها، على العكسِ منهم وهُمْ كثرةٌ لكنَّهم تخلّوا عنها .
ذهبُوا إلى بابِ الحكيمِ يطرقونَهُ ورؤوسُهم منحنيةٌ إلى الأرضِ يقولونَ لَهُ : سامحنا أيها الرجلُ الطيِّبُ لقد اخطأنا بحقِّكَ وبحقِّ أرضِنا .. إننا نادمون.. اننا نادمون .
خرجَ إليهم الحكيمُ برأفةٍ ورقةٍ وقالَ لهم أمامَ عتبةِ الباب :
لاحاجةَ بي إلى ندمكم . هذِهِ أرضكم وهذهِ بيوتكم تنتظركم أغسلوا ندمكم بترابِ الأرضِ واعملوا على تعميرها والحفاظِ عليها والحرصِ على حمايتها من الأخطارِ والكوارث ..

هتفَ الجميعُ :
نعم للأرض .. نعم للعمل .. نعم للصبر..

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى