ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة(لعنة الفراولة) مسابقة القصة القصيرة بقلم / تامر عبد الحليم محروس .مصر

الاسم/ تامر عبد الحليم محروس
الجوال/01003922127
(مصر)
مسابقة (القصة القصيرة)
قصة(لعنة الفراولة)
استيقظ مِنْ نومه، ووجد على فراشه دِمَاءً؛ ولَكِنْ مِنْ أَيْنَ أتت هذه الدماء، هكذا حَدَّثَ (خنزيرة) نفسه؟!
أمضى يومه في عمله كبلطجي على الباعة البسطاء، والذين قد افترشوا قارعة الطريق؛ لعلهم يكسبون في نهاية اليوم بعض المال البسيط؛ ليشتروا طعامًا يَسُدُّ أفواه أولادهم وزوجاتهم.
ذهب إلى فِرَاشِهِ متأخرًا كعادته، وفجأة انقطع ضوء المصباح الموجود بغرفته الكئيبةِ، ويشعرُ بيَدِينِ نَاعِمَتِينِ تَضْغَطَانِ بقُوَّةٍ على عُنْقِهِ، يسمع صوتَ فتاةٍ صغيرةٍ يَرِنُّ في أُذُنِيهِ:
“حاولْ أنْ تنام””.
ينتفضُ مِنْ نومه مذعورًا، وبعد دقائق تهدأُ دَقَّاتُ قَلْبِهِ؛ وتصيرُ كسُلْحِفَاةٍ بطيئةٍ تنوى الحصولَ على المَرْكَزِ الأَخِيرِ في سِبَاقٍ للجري!!
يحاول النَّومَ مُجَدَّدًا؛ فلَمْ يستطعْ؛ وهاجمتْهُ نَفْسُ الكوابيسِ مَرَّات كثيرة.
في الصباح دخل إلى دَوْرَةِ المياهِ؛ ليَغْتَسِلَ؛ ويَجِدُ دِمَاءً تنزلُ مِنْ نِصْفِهِ السُّفْلِيّ بلا توقَّفٍ، مَرَّتْ دقيقة …. دقيقتانِ…… ثلاثُ دَقَائِق؛ توقَّفَت الدِّمَاءُ؟؟!!
******
“ماذا تطلبُ يا (خنزيرة) اليوم؟”.
يَحِكُّ ذَقْنَهُ للحظاتٍ؛ ويبتسمُ للعَامِلِ؛ ويقول له في صَوْتٍ أَجَشٍّ:
-“طبق خُضَار مِشَكِّل، ورُز، ورُبْع فَرْخَة مَشْوِيَّة، وسَلَطَة”.
في عَصَبِيَّةٍ شَدِيدَةٍ: “مَنْ ……… الذي وضع دَمًا في الخُضَار”؟!
يحضر صاحبُ المَطْعَمِ مسرعًا؛ ويقولُ لـــ (خنزيرة) في هُدُوء:
“لو كان ما قُلْتُهُ صَحِيحًا؛ لأَعْطَيْتُكَ (500) جنيه فورًاااااا”.
أمسك طَبْقَ الخُضَار، وكانتْ هناك مِلْعَقَةٌ في يَدِهِ؛ وتذَوَّقَ الخُضَارَ؛ ثُمَّ نظر في سُخْرِيةٍ إلى (خنزيرة):
“يبدو أنَّكَ …….!!”
يضعُ رَأْسَهُ في الأرضِ؛ وقال لصَاحَبِ المَطْعَمِ:
-“أنا آسف”.
دخل إحدى البنايات الخَرِبَة التي تُشْبِهُهُ؛ وأخرج سيجارةً مِنْ نوع “مهرجان السعادة” ؛ وشربُ أنفاسًا منها؛ وشعر كأنَّهُ مُمْسِكٌ بالسَّحَابِ والنُّجُومِ بين يديه!!
وجد نَفْسَهُ داخلَ المَقَابِرِ؛ وإذا بشبحٍ مُخِيفٍ يهجمُ عليه؛ ويمسكُ بِهِ مِنْ ظَهْرِهِ؛ ويَلْوِي عنقَهُ:
“مَنْ أنْتَ؟!”
“ألا تَعْرِفُنِي يا (خنزيرة)؟!”
في رُعْبٍ:
-“لا ..لا أَعْرِفُكَ”
-“أنا عَمَلُكَ الأَسْوَدُ؛ أنسيتَ ما فعلتَ بـــ (سلمى) مُنْذُ عَامٍ؟!”.
يسكت بُرْهَةً مِن الزَّمَن؛ ويَتَذَكَّرُ ما حَدَثَ مِنْهُ.
فتاةٌ عُمْرُها حوالي تسع سنواتٍ، كانتْ نائمةً في إحدى الخراباتِ، أشهر مطواتَهُ في وَجْهِها؛ وقال لها:
“ستعملينَ لحِسَابِي؛ أَنْتِ تتسولِينَ؛ وأنا أحْمِيكِ؛ وفي نهايةِ اليومِ أُعْطِيكِ بعضَ المالِ، وأيضًا بَعْضَ الطعامِ، ومِن المُمْكِنِ أشياء أخرى!!”.

ظَلَّتْ هكذا عِدَّة أسابيع، وفي نهاية كُلُّ يومٍ يُعْطِيها عشرةَ جُنَيْهاتٍ؛ ويطعمُها عِدَّةَ أرغفةٍ مِن الخُبْزِ، وقطعةً مِن الجُبْنِ الرَّدِيء، وحَبَاتٍ مِن الزَّيْتُونِ الأَسْودِ الذي يتلاءمُ لونُهُ مع مستقبلِها؛ فلا شَهَادةً معها، ولا أُسْرَةً، ولا مَنْزِلًا تعيش فيه!!
-“ما المانع؟!”
-“فتاة صغيرة؛ ولَنْ تَقْدِرَ على مُقَاوَمِتِكَ!!”.
على غَيْرِ عَادَتِهِ يبتسمُ كالذِّئْبِ المَاكِرِ:
-“هل ترغبين في عَصِير الفراولة؟”
نظرتْ نَحْوَهُ باستغرابٍ:
– “طبعًا “.
تشعرُ ببَعْضِ التَّعَبِ؛ وأخذتْها إحدى الفتيات مِنْ طينتِها؛ وذهبتا إلى المستشفى؛ والطبيبُ قال في حُرْقَةٍ:
-“لقد اعتدى عليها أَحَدُ الذِّئَابِ؟!”
يشعر (خنزيرة) بالشَّبَحِ الأَسْوَدِ يَهِزُّهُ هِزَّةً عَنِيفَةً؛ ويقولُ له:
-“ستَظَلُّ اللَّعْنَةُ تُطَارِدُكَ يَا ……….”.
وفجأةً يظهرُ كلبًا ضخمًا، وله أنيابٌ كالثُّعْبَانِ؛ ويهجمُ عليه.
قَضَمَ قِطْعَةً مِنْ ………….
يستيقظ مِنْ نومه مذعورًا ، يتحسسُ نصفَهُ الأسفلَ جيدًا، يدخل دورة المياه.
-“يبدو أنَّ “سلمى” ستطاردُكَ دائمًا”.
يتصل بإحدى بنات الهوى،يغتسل بصابون “زهور الربيع” ،ويضع عطرًا باريسيًا اسمه”استمتع”. .
تذوب بين أحضانه كما تذوب الشيكولاتة بين شفاه الصغار.
-“علينا أن ننتهي قبل عودة ابنتي فاتن”.
في تغنجٍ ودلالٍ:
-“أنتَ المسؤول!!!”
وعدما حانت اللحظة الحاسمة التي تنتظرها كل امرأةٍ لم تجدْ شيئًا؟؟!!
-“يبدو أنَّهُ الإرهاق”.
تنصرف ، وهي تجرجر أذيال الخيبة؛ فقد كانتْ تُمَنِّي نفسَها بليلةٍ مع
“عنترة”، وليس مع “عبلة”!!
“فاتن” تفتح الباب ، تبتسم :
-“كيف حالكَ يا أَبِي؟”
يضحك مرتبكًا:
-“الحمدُ لله”.
بإحساسها الأنثوي شعرتْ بوجود امرأة في المكان؛ فالعطر الفاخر، والطعام الموجود يفضحانِ”خنزيرة”.
ملامح أهل الحارة تطرح في وجه”فاتن” ذلك السؤال :
-“كيف لفتاةٍ جميلةٍ ومهذَّبَةٍ مثلها أنْ تكون مِنْ صُلْبِ”خنزيرة”؟!
*******
خلال رجوعها في اليوم التالي يقف سائق “التوكتوك” أمامها:
-“إلى أين؟”
تنظر نحوه مفتشةً عن الأمان:
-“إلى مدرسة مصطفى كامل”
كانتْ تخجل مِنْ معيشتها في حارة قريبة من المدرسة.
يشيرُ أحد الشباب قائلًا:
-“مدرسة مصطفى كامل”
يستأذن السائق منها:
-“هل مِن الممكن أنْ يركب معنا؟”
تفتح “فاتن” عينيها؛ فلا ترى شيئًا؛ لأنَّ عيناها قد عُصبتْ بقماش سميك لونه أسود ؟!
-“أين أنا؟!”
ترى الضوء أخيرًا ، وجدتْ نفسَها في غرفةٍ متهالكةٍ ، هناك باب حديدي، تحاول الخروج؛ فتفشل.
تجدُ أمامَها “لاب توب”:
-“ماذا أفعلُ الآن؟!”
-“قد أجد شيئًا يدلني على هذا المكان الحقير”.
تفتح “اللاب توب” ، أصابها الذعر، أصابعُها تقطرُ رعبًا وقلقًا لا يكفيانِ العَالَم!!
ملف عنوانه:”فاتن الحلوة”.
في لحظاتٍ ثقيلةٍ كالدهر كُلِّهِ تضغط على الملف، تشاهد الفيديوهات ، لم تصدِّق ؟!
بدون ملابس ، شباب يرتدون أقنعة عليها رسومات شيطانية، ينالون منها ؟!
واحد، اثنان، ثلاثة !!!
تهاوتْ على أرضية الغرفة كما تتهاوى أوراق الشجر الذابلة في الخريف.
“خنزيرة” كالمجنون يفتشُ عنها في كُلِّ مكان:
-“أين ذهبتْ؟!”
-“هل أصابها مكروه؟!”
يجدها مسجاةً على الأرض، وبجوارها إسطوانة في يدها، ولأول مرة
تنساب الدموع منه كالشلال!!
تصرخ فيه:
-“لقد قاموا بـ …………”.
يضع يديه على فمها ؛ حتى لا ينكشف سرها .
دقائق مِن الصراخ !!
تتجمد الصرخاتُ على شفتيه.
فاضتْ روحها إلى بارئها!!
يلوح شبح “سلمى” أمامه:
-“لقد انتقم اللهُ لي”.
يسرح بخياله، لم تعد للحياة قيمة ؛ فلا زوجة، ولا أبناء.
يطعنُ نفسَهُ بالسكين !!
تنزف الدماء منه مختلطة بحباتٍ مِن الفراولة الصغيرة؟!!

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى