ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : ضجيج الصمت . مسابقة القصة القصيرة بقلم / إيناس هاشم الشنشوري . مصر

الأسم : إيناس هاشم الشنشوري

الدولة : جمهورية مصر العربية
المحافظة : القاهرة
الفئة : القصة القصيرة

أسم القصة : ضجيج الصمت

 كل ما مضى من سنين عمرك  يمضي بثواني قليلة أمام عينيك وهي مغمضة . يثير فيك معاني وتساؤلات عديدة . وخصوصا إن كانت هذه اللقطات ليست بالهينة . ولا تتبع أي عادة أو نسق تقليدي للحياة . 

لما لا توثق وتخلد .لما  أخجل من روايتها ؛ وهي وشم افتخر به ؛ العمر سينقضي وهي ستنطوي لا يعلمها سوى أفرادها فقط . وهي اثمن من ان تحفظ في طيات الذكريات والنسيان .

إن الاعجوبة لا يفعلها دوما الا الفرسان . 

هكذا قالت هُيام وهي تهمس لنفسها . 

أذكر أول ما تزوجت أني حملت في التو من شهر فرحي  .. حيث كان لدي بفرحي عذري النسائي .  وكنت أمارس شغلي بالتدريس وفي نفس الوقت بالصحافة في مجلة فنية كبيرة . وبعد عودتي من إجازة زواجي التي  دامت لمدة إسبوعين للمجلة .

علمت من أشرف زميلي بالمجلة الذي كان قد ذهب للتقديم في سفارة  إحدى الدول العربية  للسفر.أنه  رأى إسمي في قوائم المرشحين للسفر بها . وهو لم يكن يعلم أني كنت قد سافرت لها قبل عام وانا مخطوبة وقدمت استقالتي  في نفس العام  . كان السفر محاولة لنزعنا من معاناة المسئولية اثنين مرتبطين مقبلين على بداية حياة لا ظهر لنا غير  أنفسنا.. لكن جاء السفر لي فقط حيث ندرة تخصصي . حينها سافرت بصعوبة بمفردي ولم استحمل فقدمت الإستقالة فور وصولي . ورجعت وكملنا إجراءات زواجنا التي لم تخل من دين بالقسط وقرض من البنك وسلفة من الأهل . 

جلست أفكر فيما قاله لي حتى ميعاد إنتهاء الدوام الرسمي وأنا بداخلي ضجيج صامت أتأمل هدايا قدري .

أأسافر وانا عروسة ؟!! .. تلك البلد التي سافرت لها منذ عام مضى وقدمت إستقالتي بكل قوة غير نادمة . ذهبت فتأكدت من إسمي الرباعي أمامي  . وحينما سألت قيل لي يرسل لمن كان متميزا لفترة ما .

الحياة دوما تأتيك حينما ترفضها . لكني توقفت برهة . وخاطبت نفسي لنفسي ألا آن للعقل أن يفرض نفسه وأن تتنحى العاطفة جانبا قليلا . الآن أنا معي قسيمة زواج أستطيع إن سافرت أن اعمل استقدام لزوجي بسهولة . ونحن مكبلين بالديون . اختمرت الفكرة برأسي لا يمكن أن أضيع فرصة السفر هذة مثل ما أضعتها .

كان القرار الذي أذهل الجميع من كل من يحيط بي سأسافر لوحدي الأول بإذن الله . رفض زوجي . أقنعته .. هو كان يحبني ويدللني ولا يرفض لي طلب . أغريته أني سأذهب بوثيقة الزواج سأقوم بعمل إستقدام له وهذه الفرصة لا تأتي مثل ما أتت لنا مرتين . هو يعرفني فأنا أؤمن أن المستحيل لا وجود له . 

مهمة إقناع عادل زوجي لم تكن هي المشكلة . لكن المشكلة التي كانت بمثابة قنبلة ستلقى وهي  إخبار الأهل من الجانبين .

عروسة لم تكمل شهرها الاول وتترك زوجها وتسافر . 

واحتمال اكون حامل . أنا شاكة بنبض ينبض داخلي .

لن أخبر أحد بشكوكي . لو السفارة علمت أني حامل سأمنع من السفر

لا . لن أفصح ابدا .

لم يكن سهلا ما واجهته حينما أعلنت ذاك القرار. حينها ثارت الألسنة ما بين صمت واعتراض ونصيحة . إحضري ذهبك إحفظيه ببيت والدك .. ثرت واعترضت 

كيف ذلك (أنا مأمنه عادل عليا ومسافرة ). ألم ائتمنه على ذهبي ؟ 

هل ترون ما أرى بعيوني ؟.إني أنظر لأروع رجل قد زرع عشقه حول جفوني ..

هل رحم الحياة أصغر من أن يسع صلاة قلوبنا ؟.. 

وبدأت الرحلة ..

ومن جبروت إصراري أن لابد من إجراء كشف طبي قبل السفر وأنا أعلم  أن نتيجة الكشف الطبي للمتزوجات إذا ظهر بها حمل سأمنع من السفر . فما كان مني إلا أن أخذت معي زجاجة فيها ( عينة بول للإختبار من زوجي الذي رفض الفكرة مستهجنا ولكن أمام إصراري أعطاني العينة  )

أغلقت الغرفة علينا . بها حمام جانبي المفترض أني سأعطي العينة وباب الحمام مفتوحا فإذا بالهاتف يرن صداه وذهبت له الممرضة فأخرجت العينة في التو ووضعتها في العبوة .. سلمتها وأنا أحس بأني تباشيرالنصر تلوح بأن القادم أيسر. كان خوفي وأنا أنتظر النتيجة لاكمال مسيرة الكشف الطبي أنهم يكتشفون أن عينة البول هي لذكر وليس أنثى .

القلق يعتصرني . دقائق من الزمن كفيلة بأن تتراجع نهائيا وتخرج من باب المشفى بلا عوده .

جاءت النتيجة سلبية. لم أكن أعلم أن ذلك خطرا وان من تشك انها حامل لا تتواجد امام باب غرفة الاشعة فما بالي أنا التي حضنت الاشعة بجسدي كله .

علمت ذلك حين سافرت وبحت بسري ذلك لزميلتي التي كانت غرفتها بجوار غرفتي بسكن المغتربات ..

ذاك السكن الذي كان أشبه  بسجن ولكنه يتميز بالحداثة . أظهرت زميلتي هلعها وأخبرتني أن لها صديقة عملت اشعة على ضرس لها وهي ببداية حملها فجاء  جنينها ناقص الأطراف . 

آه ياربي .

ناجيت ربي دوام حملي بتضرع وخفية ورجاء وتوسل .  ومرت أشهر حملي بكرية لوحدها لا تعلم أي شيء عن أي شيء بعيدة عن أمي أهلي وزوجي .

سافرت ولم يكتمل على زواجي ثلاثة أشهر متممة  . بعد أن استلمت شغلي بفترة وجيزة . أبلغتهم ببلدي أني حامل . ومرت شهور حملي وأنا أتابع مع التأمين الصحي المؤمن لي . محك العمل لم يكن  بالشيء الهين ما بين فكر طائفي و عنصرية متطرفة تعاملت . 

لكني دوما مقاتلة كما ينعتوني  .

 

جاءت لحظة السونار التي انتظرتها وإذا بالطبيب يسألني 

قائلا : ماذا تحبين أن يكون نوع الجنين ؟

فصرخت بهدوء يا دكتور كل ما أرجوه أن تطمئني بشدة هل جنيني سليم البنية وأخبرته لما أسال بشده وما يقلقني 

رأيت نظرة الطبيب الغاضبة لي . ولكنه أردف قائلا إن الأمر مستتب أمامه .

حمدت الله . وكتمت قلقي وتوتري . ولم يفتر دعائي لربي فهو ترياقي لراحتي وأماني النفسي .

وحيدة بغرفتي . بكل حنان الكون أتحسس بطني بكلتا يدي محدثة جنيني وأكتب خطاباتي لزوجي أشرح فيه النبض والنفس والحلم والجهاد الذي نعيشه بكل عشق .

وحانت ساعة الولادة . ميعاد ربي أتفق مع تحديد السونار.

لكن جنيني ظل برحمي ساكن تسعة أشهر ونصف . فسر طبيبي أننا كل النساء لا نحسب اخر ميعاد بالدقة المطلوبة.

فقلت له : أنا عن نفسي متأكدة وبشدة 

لأن آخر ميعاد لحدثي الشهري كان بيوم زفافي 

فانطلقت أسارير وجه الطبيب ضاحكا بصوت مسموع مؤكدا على كلامي ؛ لا أنت على يقين . 

ثم أردف مداعبا .

( والعريس ما طاح بك من النافذة )

فضحكت خجلا 

وقال لي : واحد كل كام مائة أن يظل الحمل في رحم الأم أسبوعين فوق معدله .

 

ساعة الولادة . أمدني الله بجنود في هيئة بشر . أخذتني زميلتي للمستشفى بحقيبتي المجهزة سابقا . ومن على الباب تركتني فهذا  نظامهم الجميع يطمئنون بالتليفون.

 

لحظة ما دخلت أعطوني ذاك رداء ارتديته وأسلاك حوطتني . لم يكن معي إلا ربي . ما أوسع رحمتك . غرفة الولادة بجانبي كنت أسمع صراخ الأم لا ينقطع إلا بصراخ الوليد وكأنه يستلم منها نبض بنبض . ظللت على هذا الوضع ليلة كاملة .  ثاني يوم أخذت طلق صناعي وجنيني دافئ برحمي لا يريد النزول .

كان القرار أن تكون ولادتي ولادة قيصرية .

فقد إرتفع ضغطي أقلق طبيبي وصار لدي حساسية فزاد توترا . 

حينها ربت الطبيب على ركبتي وأخبرني أني لابد لي من عملية قيصرية . ومضيت إقرارا على ذلك . طلبت أن يحضروا لي جهاز الهاتف فاجأتهم بإخراج كارت إتصال أطبقت عليه بيدي لأخبر زوجي بأني في المخاض .. فلم يرد علي . 

أرادوا طمأنتي بأنه من الممكن أن لا يكون متواجدا بجوار الهاتف 

( لما تولدي بالسلامة إبقي إخبرية ) تذكرت في هذه اللحظة أن هذا اليوم هو يوم عيد ميلاد زوجي فأبتسمت هذا جنيني سكن طيلة أسبوعين كي يولد في يوم عيد ميلاد والده .

حينما أفقت من البنج فجرا . لامست الجرس المعلق بجانبي ناديت الممرضة . وأمام إصراري أحضرت إبني من غرفته .

ياإلهي تمتمت هامسة باسمة إنه يشبه والده كليا . 

هل تدرك نور الصباح الا من ليل إنجلي .

أخبرني الطبيب صباحا أني إذا أردت الإستشفاء . فما علي إلا أن تطأ قدمي الأرض لأمشي .آه من أول خطوة بعد القيصرية نار ما اجملها من لهيب يطفئه النظر إلى وليدي . 

إني آتيه لك يا حبيبي و رأيته في سريره بغرفته . كم انت جميل يا الهي . 

أصعب لحظة ذوبت فيها ألما حينما وجدت أن لا يزورنا أحد بالمشفى وأرى أهل من حولي يزورونهم  تباعا حينها حضنت إبني متحصنة بدفئه . فهو وطني وبكيت أنهارا . 

لو أملك بساطا لأطير بك الآن .. أين والدك كي أخبره لم يكن حينها اخترعت الهواتف النقالة . أريدهم حولي أهلي وزوجي أين فرحتي . تأوهاتي . دلالي . إظهار تعبي . ومعاناتي . ياحياتي ما أجملك يا رضيعي . مكثت بالسكن  خمسة وعشرون يوما أعد اللحظة التي سوف أغادر بها هذه البلد الجميلة التي أصبحت مسقط رأس إبني .جننت حين تقلص طفلي بين ذراعي هرولت للطبيب وأنا جرحي لم يلتئم بعد . 

(عايز نظام رضاعة ووووووو)  . كل ذلك وأنا أتصل بزوجي ولا يرد على الهاتف الأرضي وزملائي يطمئنوني ما أكثر أعطال الهواتف الأرضية . أهلي أكدوا كلام زملائي كابل الأرضي للهاتف به إصلاحات .

هدأت اللحظات رويدا . ضجيج الصمت أرهقني حتى حانت لحظة سفرنا ( طبعا أصبح حرف النون مساحة تجمعنا ) بالطائرة أنا وأبني ولعبته . 

وعلى سلم الطائرة هبوطا أدركت الإجابة على سؤالي ..

هل رحم الحياة أصغر من أن يسعنا؟؟؟!!!!!!

هل أعطت الحياة لوليدي النبض من روح والده ؟؟؟!!!!!!

آه ثم آه 

أدركت لما كان وليدي يسكن رحمي وتجاوز مدته  !!!!

هل أبت الحياة إلا أن تتسلم نبضك من نبض ابيك ؟؟؟؟!!!

هل كان من المحال أن يظل النبضان متجاوران ؟؟؟؟!!!

إحتضنت وليدي إعتصرته بقوة العمر القادم كي يشتد عوده لتنبعث منه الحياة . 

تذكرت حينما كنت أداعب زوجي بجملة (ربي يجعل يومي قبل يومك ) فكان يقول لي لا .. انا لا استطيع أقاتل لابني مثلما تقاتلين انت .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى