ط
السيناريو والحوار

ليلة الفرح .مسابقة السيناريو والحوار بقلم / محمد محمد فكرى الديدامونى

مسابقة السيناريو والحوار
محمد محمد فكري الديداموني ( محمد فكري )
مصر – 01063076511
عنوان العمل ( ليلة فرح)
ليلة الفرح
يرَنَّ جَرَس الهاتِف الخاص بالأستاذ سعيد، لَمْ يَنْتَبِه لَهُ إلا في آخِره وَذَلِكَ لِارتفاع أَصْوَات الزّغاريد وَالمُهَنّئين لَهُ بِعَقد قران وَزِفاف إبنه
يبْتَعَدَ قليلاً لِيَرَىَ مَنْ كانَ يُحَاوِل الإتصال بِهِ، وزَوْجَتَهُ تُلاحِقهُ بِعَيْنَيْهَا، تتجه نحوه وتسأله : أحمد ده؟ يارب يكون أحمد.
قبل أن يَرُدْ يرَنَّ الهاتِفْ مَرَّةً أخْرَىَ
ألو . ألو . مين معايا ؟ لَمْ يَرُدْ أَحَدْ .. يقول سعيد لزوجته: ماتشغليش بالِك خليكِ في فرح ابنِك.
ترد الزوجة: : ماهو دَهْ كمان ابني وكان نِفسي يسمع كلامي ويتجوز هو وأخوه في ليلة واحدة ، لكن كل ما اكلمُه يقولي ياامَّا انا يوم ما ابْقىَ عريس لازِم اكون عريس مُمَيز مافيش زَيُّه في العيلة، والأجازة اللي فاتِتْ قالي ان شاء الله هاحضر الفرح ، القائِد بِتاعنا راجِل جَدَع وبيحِبِّنا جِدَّاً وأكيد هاينَزّلني أَجازة على فرح اخويا، واهو ماجاش، ياترى إيه اللي حصل ؟
سعيد : إيه اللي حصل يعني يازينب ، دَهْ جيش ، هُوَّ شَغّال في طابونة، روحي شوفي مَعَازيمِكْ ان شاء الله خير.
مَرَّةً أخرى نفس الرقم، ويظَهَر صوتاً مُتَلَهِّفاً مِنْ بَعيد.
– ألو .. أيوه ياعمي ازَّيْ حضرتك
– سعيد : الحمد لله . مين معايا ؟
– أنا علي صاحِب أحمد، عِرِفت ان فرح محمود النهاردة قُلْت ابارِك لكم ..
– ألو . ألو …..
– قلق وتوتر على وجه سعيد، دقائق قليلة، قرر الإتصال بِهَذَا الرقم بَعْدَ ماجَالَ في خاطِرِهِ كُل ماهو سَيءٌ وَطَيِّب.
لَمْ يقل علي إلا. ألو. قاطَعَهُ سعيد قائِلاً:
اسمع ياعلي، لَوْ كُنت صحيح صديق أحمد ومقرب له وعارف ان فرح أخوه النهاردة يبقى أكيد حَكَىَ لَكْ عني وعرفت اني مدرس لغة عربية قبل مااكون مُدير مدرسة، واتخرج على يدي أجيال، كنت أعرف الطالب اللي بيكذب قبل ما ينطق وإن اتكلم أعرفه من نبرة صوته حتى لو أقسم أنه صادق..انت مخبِّي إيه عني يابني ؟
صَمَتَ علي قليلاً ثم قال:
– حقك عليَّ ياعمي، أنا صحيح كنت باكدب عليك، وبحاول أَوْهِمَكْ ان المكالمة انقطعت لكن الحقيقة أنا كنت سامعك… البقاء لله ياعمي.
لَحَظَات من الصمت عاد بعدها علي للحديث :
والله ماهنسيب حقه, أحمد ماراحش بلاش، كان بيدافع عن بلده وبيجيب حق زمايله، وهانكَمِّلْ لحد ما نْطَهَّرْ مصر ونْطَيِّبْ جِراحها
سعيد على الجانب الأخر يَسْمَعُ في صَمْتٍ وَذهولٍ غَيْرَ مُصَدِّقا، وانتهت المكالمة عَلَىَ أنّهُ سَيَتَوَجَّه لِقيادة الجيش الثاني .
يجلس سعيد أمام المنزل والدموع تملأ عينيه لا تَجِفْ وَلا تَسيل، يَنْظُرْ لِمَنْ حَوْله ولا يَرَاهُمْ، أَفْوَاهٌ تَبْدُو مِنْ حَرَكَتِهَا أَنّها تُطْلِق الزَّغاريد لكنه لايسمع شيئاً، تَحَوَّلَ الفرح مِنْ حَوْلِهِ إلى مَشْهَدٍ مِنْ فيلمٍ صامِتٍ، يعودَ لِيَقظَتِهِ عَلَىَ صَوْتِ ابنه وهو يَسْحَبُ يَدَهُ لِيُقبِّلَهَا وَبِيَدِهِ الأخرى عَرُوسَهُ وَيقول :
بابا حبيبي أَتْصَوَّرْ معاك انت وماما قبل مااطلع شقتي .
يحْتَضَنَهُ أَبيه كَمَا لَمْ يَحْضُنَهُ مِنْ قبل، وتسيل الدموع من عينيه، يظنها الحاضرون أنها دموع الفرح.
يذهب سعيد مع بقية الأقارب المقربين إلى بيت أحد إخوته وهناك يخبرهم بالفاجعة، يختلفون على كيف ومتى سيخبرون زوجته، واستقروا على أن يبلغوها الآن قبل ذهابهم إلى قيادة الجيش، يجفف سعيد دموعه ويستعيد هدؤَه، وفور دخولها تسيل دموعه في صمت، فتقول:
ليه كِدَه؟ حَدْ يبكي وابنه عريس؟ مش ده كان كلامك ليَّ في أوَّل الليل.
– يرد سعيد سريعاً: عندك حق والله، حد يبكي وابنه عريس، بس العريس فَرْحِتْنَا بيه هتكمل لَمَّا نشوفه متهني مع مراته ونشيل عياله إنما العريس التاني فَرَحُه تَمْ عَلَىَ خير وهيتزف أحلى زفة، مش باقي غير الرضا بقضاء الله.
– والنبي مانا فاهمة حاجة، العريس التاني مين ؟
– أحمد .. هنيَّالِك ياام أحمد، فزتي دنيا وآخرة، أسستي وَعَمَّرْتي بيت في الدنيا والتاني راح يعَمَّرلِك قصر في الجنة، شِدِّي حيلك. ابنك سَبَقك عالجنة شهيد .
صَمْت رَهيب يعُمْ المكان، عيون جاحِظَة تدور في المكان عَلّها تَجِدْ في عيون الآخرين مايُكَذب زوجها، إلى أن عادَت إليه مَرَّةً أخرى وهو يقول:
إنما الصبر عند الصدمة الأولى.. إنما يوفَّىَ الصابرون أجرهم بغير حساب.
ينْخَرَطَ الجميع في البُكاء، حتى انْتَبَهوا على صوت أبيها ذلك الشيخ العجوز ذواللحية البيضاء التي ابْتَلّتْ بِدموعه وهو يَضْرِبْ بِعُكَّازِهِ عَلَىَ الأرض قائِلاً : هااا.. وَبَشّر الصَّابرين، فَأَكْمَلَتْ الآية بِصَوْتٍ مَبْحُوحٍ ” الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون” .
يأَخَذَهَا في حُضْنِهِ يَرْبُتْ عَلَىَ كَتِفِها وَيُهَدِّئْ مِنْ رَوْعِهَا.
يقول أخوها: دلوقت لازم نروح قيادة الجيش من غير ماحد يحس بينا في البلد حتى عشان ابنك اللي لسة داخل مع عروسته.
تقول: يعني مش هاروح معاكم ؟ كان نفسي اشوفه وابوسه قبل مايلفوه في علم مصر، خلاص هاستنى لحد ماتجيبوه.
يرد زوجها : مش قلتلكم مافيش اعقل منها، ربنا يصبَّرِك ويعَوَّضْنَا خير.
ينْصَرَفوا جميعاً بعدما يخبروا اثنتين مِنْ أَخَوَاتِها لِيَعْتَنواْ بها أثناء غيابهم.
عَلَىَ مَشَارِف القرية يقابَلَهُمْ مَأمورالقسم بِصُحْبَةِ العمدة وشيخ البلد كانوا في طريقهم لِيُخْبِروهم بالإشارة الواردة من القوات المسلحة.
في الساعات الأولى من فجر اليوم الجديد كانوا على بوابة قيادة الجيش الثاني الميداني وبعد ما أخبروهم بسبب قدومهم يحضر ضابط بِرُتبة عميد وَبِصُحْبَتِهِ سيَّارة أخرى فارغة لِتستوعِبَهُمْ وَاصطحبهم في مَوَدَّةٍ وَتِرْحابٍ إلى مكتب القائد.
في مكتب القائد عدد كبير من القادة في استقبالهم يقدموا لهم التعازي وأخبروهم أنهم كانوا بعد قليل سيبدأون بالتحرك نحو بلدتهم لإتمام مراسم الجنازة عقب صلاة الظهر.
قال أحد الأعمام : يعني الجُثمان هنا في المستشفى واللا لسَّة في سينا ؟
ينَظَرَ القادة بَعْضِهِم لبعض ، ويقول أَحَدُهُمْ :
عارِف ياحاج ابنك وزمايله الأبطال اسْتُشْهِدواْ ازَّاي.. بعد يومين من الشجاعة وتطهيرهم لكل منطقة اقتحموها، أثناء تحرك القوة انفجر لغم في السيارة الأولى اللي كان فيها ابنك وكان معاه اتنين ضباط واتنين عساكر وقائد العملية اللي كان دُفعتي وأكتر من أخويا، والجميع ستكون جنازتهم رمزية.
يقول سعيد : يعني إيه ؟
القائد : يعني مافيش جُثمان ياحاج . مافيش جُثمان . روحهم الطاهرة طلعت لِبارِئها والدَّم كَمِّل رَيْ سينا والجَسَد سَيَفنَىَ في أي مكان.
يبَكَىَ الجميع بِمَا فيهم القادة وَيتَسَائل الأَب مُنْهَارَاً :
اقول لأمه إيه، دي مستنية تزف العريس وهو ملفوف بِعَلَم بلده، يعني لا جُثة ولا قبر في أي حِتَّة في البلد ؟
يقول الجد العجوز مُحَاوِلاً الوقوف مُسْتَنِدَاً عَلَىَ عَصَاه :
“وَماتَدْري نَفسٌ بأي أرض تموت” العوض على الله .. العوض على الله ، سيب لي بنتي يابني ، أنا عارِف هاقولها إيه.
القائِد : اتفضَّلواْ اسبقونا واحنا هانْخَلّص الإجراءات ونلحقكم .
فور عودتهم تهرول الأم نحو زوجها: ابني فين ؟ ماجبتوش معاك ليه ؟
سعيد: اهدي بس ، الجيش له ترتيبات خاصة لازم ينظمها الأول .
يتدخل أبيها ويفتعل خِلافاً وَهْميَّاً مَعَ الزوج قائِلاً بِحِدَّة :
انْتَ غلطان يا سعيد ، سينا دي المكان الوحيد اللي ربنا تَجَلّىَ فيه بعظمته وجلاله ومذكورة في القرآن ومَعْبَر الأنبياء، هُوَّ انت ابنك كان صاحِب مَرَض وَاللا مَيِّت فطيس؟ ليه تِحْرِمُه من الشَّرَفْ دَهْ، هِنا هاتروح تزورُه انت وأمه بَسْ، إنّما هناك الدنيا كلها بتروح تزورُه وتِدْعيله هُوَّ وِاللي زَيُّه، وِاحْنَا كمان نِبقىَ نروح، هُوَّ في حَدْ هايمْنَعْنا ياأخي ؟
تقاطع الأم أَبيها : في إيه يابا ؟
الأب: ابنك الحمد لله شهيد ونال شَرَف عظيم، واحنا كمان ربنا مش هايحْرِمْنَا مِن الشَّرَفْ دَهْ لا في الدنيا ولا في الآخرة، يبقىَ يندفن فين بَقىَ ؟ هِنا في البلد مع النسوان والعواجيز؟!! واللا مع الأبطال في الأرض اللي ربنا بارك فيها ؟
الأم: لا طبعاً ، ده بَطَل ومش أقل من غيرُه ، إتصل بيهم يا سعيد الحقهم قبل ماييجوا واحنا اللي هانروح هناك .
ينَظَرَسعيد لِحَمَاه لا يَجِدْ رَدَّاً.
الأب: عين العقل يا بنتي ، هو انتِ ابنك أَيْ حَدْ ، دَهْ شهيد ، يعني في استضافة ربنا حَيٌ يُرْزَقْ ،
بس الجيش لازِم يحضر الأول ويعمل جنازة رمزية تكريماً له في بلده وقدام أهله، ونصلي صلاة الغائب ويمشوا، ونبقى نروح معاهم .
يلْتَفَّ النساء حَوْلَهَا يَسْتَطْلِعُونَ الأمر، ويمَيلَ سعيد عَلَىَ أذن حماه قائلاً : نبقى نروح فين ؟
الأب: مقابر الشهدا كتير يابْنِي وكلهم ولادنا ، كل شبر في سينا مَرْوِي بدَم مصري ، وابنَكْ مش أَحسن من اللي راحوا, بس أَحسن مِنّنا .
يلْتَفتَ الأب لابنَتِهِ وَبِصَوْتٍ أَعْلَىَ مِن البُكاءِ الذي يَعُم المكان ويقول :
خَلاص يابنتي ، الحمد لله هيدفنوه هناك.
يرتسم على وجهها ابتسامة هزيلة وتطلق تنهيدة مشحونة بالألم تتبعها بزغرودة مدفوعة بقوة عن التي كانت تطلقها بالأمس، القلب ينزف والعين تدمع واللسان يردد، لا إله إلا الله، تحيا مصر.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى