ط
السيناريو والحوار

مونودراما مسرحية(خدعوك فقالوا) مسابقة السيناريو المسرحى بقلم / أحمد حسن عثمان .مصر

                                                    مونودراما
“خدعـــــــــــوك  فقــــــــــــالوا ..”
**************
الاسم : أحمد حسن عثمان ـ المتداول: أحمد عثمان ـ البلد: مصـــر ــ موبايل :

       يرفع  الستار عن حجرة مكتب متواضعة الأثاث، تشغل أغلب الخلفية مكتبة كبيرة تحوي عددًا ضخمًا من الكتب والمجلدات، بعضها في حالة فوضى .. قرب أحد جنبي الحجرة مكتب عتيق محمل ببعض الكتب المتناثرة، وصحف ومجلات بعضها قديم، وكذلك جهاز (لاب توب) .. في الجانب الآخر من الحجرة كنبة كالحة الخشب والتنجيد، وكرسيان مثلها، ومنضدة صغيرة .. تشغل بعض التابلوهات القديمة مساحة من الحوائط؛ تحمل أعمالاً فنية أصلية، ومستنسخات، وكذلك بعض التحف على الأرفف .. في جزء من الحائط الخلفي ـ أعلا الكرسيين ـ توجد شاشة تليفزيون، يمكن استخدامها كشاشة عرض .
[ملحوظة: يمكن لسينوجرافيا العرض أن تغير في المكان السابق ومفرداته ـ كليًا أو جزئيًا ـ بما يتراءى لها، ويواكب المحتوى] بعدما يرفع الستار.. يدخل من باب الحجرة (يسار المشاهد) رجل خمسيني ( نعرف فيما بعد أنه مفكر باحث) مطأطأ الرأس، عاقدًا يديه خلف ظهره، واضح أنه يعيش منفردًا، يدعم هذا الاعتقاد فوضى الحجرة، وهيئة ملابسه، وذقنه النابتة .. (يقف هنيهة صامتًا، مهمومًا، مختنق بالضيق والاندهاش؛ وكأنما يستجمع شتات نفسه .. ثم يواجه مشاهديه، مشيرًا بيده)
الرجل: هدوء .. هدوء ياسادة .. أعيروني سمعكم وبصركم وكل حواسكم .. فأنا الليلة أعيش الدهشة ..
عائد لتوي من متحف تكسرت كثير من تماثيله .. كنت أقف أمامها بالساعات مندهشًا .. كنت كلما           تفرَّست تفاصيل أيٍ منها، ودقة نحته؛ أقول لنفسي : ياله من نحَّات عبقري .. كيف استطاع إزميله أن يُعالج هذا الحجر القاسي؛ ليبدوَ بهذا الجمال والروعة ..!
(وهو يهز رأسه ممتعضًا) ولكن .. (مستدركًا) وآه من لكن هذه .. كم أتعبتنا.. ( يعود لجدته وشعور الدهشة) كانت المفاجأة فوق الاحتمال.. زلزلتني .. ماكنت أحسبه نحتًا من صخورٍ قاسية ذات قيمة كالبازلت مثلاً، أو الجرانيت، أو الرخام، أو ..أو.. من الأحجار؛ لمَّا رأيته حطامًا؛ كانت الدهشة، وخيبة ظنِّي ..!!
(مع مؤثر صوتي مناسب) ماكانت هذه التماثيل إلا صبَّاتٍ رخيصة من جبس هش، أو طبقة معدن جوفاء، أو لدائن رقيقة مفرغة ..!
ياله من وهم عاقرناه سنينًا؛ ونحن عن الحقيقة مغيَّبون .. كم عايشناه مُسلَّمات وثوابت ..!
لا تعجبوا .. فكلكم ( يتوقف مستدركًا، يراجع نفسه) لا .. لا .. دعك من “كلكم” هذه .. لايجوز لك وأنت الباحث المدقق أن تُعمم .. قل بعضكم .. معظمكم ..(يعود لمشاهديه) لاتعجبوا، فبعضكم أو معظمكم (متجاوزًا) أيًا ما كان، يحمل نفس المُسلَّمات والثوابث بلا بحث ولانقاش ..(كأنما يؤكد لنفسه والجمهور) نعم .. صبَّاتٌ من جبس هش، أو طبقة معدن أولدائن.. مجوفة، فارغة ..
باقتدار ـ والحق يقال ـ أتقنوا صبغتها .. خالت علينا ..صدَّقناها، فانبهرنا، واندهشنا ..(يهز رأسه بأسى)
يا إلهي .. خدعونا بزيف بضاعتهم، ونحن عن كذبهم غافلون ..
نعم خُدِعنا .. زمنٌ طويلٌ ونحن نعيش الخِداع ( بتأثر يخرج نفسًا حارًا) .. أيقظتني التماثيل المُهشَّمة .. يالاغفلتي ..(لمشاهديه) بل يالا غفلتنا ..(ثم ملاحقًا مشاهديه)  لا .. لا .. لاتعجبوا؛ فالتماثيل كثيرة .. كثيرة
من منكم لم يسمع بقصة ” ياسين وبهية ” ..؟ لاشك سمعتم بها .. تلك التي أمست أسطورة؛ يتغنون بها على الرباب، في حلقات السامر، والمقاهي، وعلى المصاطب، وفي الأجران .. من أقصى البلاد إلى أقصاها .. دعونا نتذكر سويًا ( يدس اسطوانة مدمجة في جهاز اللاب توب .. ينطلق الموال يصاحبه عزف الربابة):
يابهيــة وخبريني يابــــــوي .. ع اللي جتل ياســــين .. آ ياعيني ع اللي جتل ياسين
جتلوه السودانيه يابوي .. من فوق ضهر الهجين .. آ ياعيني من فوق ضهر الهجين
وعد ومكتوب عليه يابـــوي .. ومســطر ع الجبين .. آ يا عيني ومســطر ع الجبين
…………………………   …………………….  ……………………………
(بعد انتهاء الغناء) .. هذا ” الياسين ” الذي قتله السودانية من فوق ظهر الهجين .. صار أسطورة، أسطورة يتداولها البسطاء بينهم .. نصَّبوه بطلاً، نصيرًا للفقراء، والأجراء، والمقهورين، ومن يستعبدهم ” الباشا “، وكل جبار أثيم ..
صوَّروه لنا .. فتىً لايهاب أحدًا، ولا الموت ..!
يُغيرُ على القُرى، والوسايا، والضِياع .. يسلب، وينهب؛ ليعطي الفقراء والمطحونين، كما ” روبين هود” آخر..!
( معلقًا) شهامة، وشجاعة، ومقصد نبيل ..(ثم منفعلاً) هل خدعنا الكُتَّاب، والشعراء، وأهل الفن؟ .. أم كانوا ـ مثلنا ـ من المخدوعين؟!
(يحدِّث نفسه بصوت مسموع) .. ربما .. يجوز .. أليسوا بشرًا؟!
ربما فُتِنوا بالقصة كما فُتِنَّا .. أجيال سبقتهم، تعاقبتها أجيال .. كلٌ يضيف ويحذف .. يصنع من الفتى بطله المُخَلِّص؛ كما تخيله .. أو بالأحرى كما يتمنى أن يكون ..
إنها الأساطير يا سادة .. لايختلف بناؤها على مرِّ العصور ..!
انظروا.. هاهي السينما تسير على نفس الدرب .. (يشير إلى الشاشة الخلفية، تعرض ملصق فيلم ” بهية”، ويمكن الاستعانة بلقطات قصيرة منه دون صوت، كما تعرض صورًا أخرى لأبطاله: لبنى عبد العزيز ـ رشدي أباظة ـ زكي طليمات ـ حسين رياض ـ ..) .. تقدم الأسطورة ـ كما هي ـ في فيلم باسم ” بهية ”  .. يستعرض جبروت ذاك الباشا الظالم، الذي لايتورع عن القتل، وحرق محاصيل الفلاحين، وتجريدهم من أراضيهم ..بل، لايتورع عن محاولة اغتصاب الحبيبة ” بهية ” .. عندها يبرز دور البطل المنقد ” ياسين “، فيتصدى للباشا المارق وأفعاله؛ وينقذها من براثنه ..
المسرح أيضًا .. قدم نفس القصة تقريبًا، ولكن في سياق شعري .. أبدعه نجيب سرور في رواية شعرية سماها ” ياسين وبهية ” .. ( تعرض الشاشة الخلفية ـ أثناء الحديث ـ صورًا للمسرحية: الكتاب، والعروض التي قُدمت عن الرواية قديمً وحديثًا، في شكلها الكلاسيكي، وفي أشكال أخرى تجريبية، ومنها الباليه الحديث)
فيقُصُّ عن ” ياسين ” .. ويقُصُّ عن ” بهية ”  .. يقص أنشودة نضالٍ ضد العبودية؛ بطلها ياسين، فيجعله بطلاً للغلابة والمقهورين .. يصوِّره أجيرًا من ” بهوت ” ، يثور على جبروت الباشا .. يثور على ظُلمه وفجوره؛ فيُضْرم النار في قصره لمَّا اشتهى أن يمتطيَ صهوة فرسته ؛ حبة العين .. ” بهية”
آخرون ـ أيضًا ـ مفتونون بالفتى .. رفعوه بطلاً قوميًا .. يقاوم الإنجليز، ويجابه الغاصبين من أعوانهم ..
حتى بهية .. رفعوها لتكون رمزًا للوطن  .. أطلقوا على مصر اسمها .. من منكم لم يسمع بما كتب أحمد فؤاد نجم، ولحن الشيخ إمام:
مصــــر يامـه يابهـــية .. ياام طرحه وجلابية
الزمن شاب وانتي شابه .. هورايح وانتي جايه
خداع .. خداع، ونحن له مستسلمون ..(بأسى) تماثيل مزيفة، توهمناها أصلية وثمينة .. واحسرتاه .. واحسرتاه .. (ثم يتصلب في مواجهة الجمهور) أتدرون ماحقيقة هذا ” الياسين ” ياسادة ؟ (قد تستخدم مؤثرات صوثية) .. لطفًا .. لطفًا ..أعيروني سمعكم وبصركم وكل حواسكم .. سأكتفي به، وأترك بهية، أستحي أن أخوض في الأعراض ..!
( يتجه إلى مكتبته، يتناول كتابًا يعرف موضعه جيدًا، يرفعه بيده في مواجهة مشاهديه، بينما تظهر صورة غلافه على الشاشة الخلفية، فيتضح أنه كتاب ” مصر من نافذة التاريخ” للأستاذ جمال بدوي)
الحقيقة هنا .. يعود الفضل في إعلانها لهذا الرجل .. الأستاذ جمال بدوي ـ رحمه الله ـ صاحب هذا الكتاب .. هو من بحث وتقصَّى؛ ليلقي بالحقيقة في وجوهنا .. يمزق عنها أستار الوهم والخِداع؛ ليجلوها أمامنا كما عايشها بطلها .. المرحوم اللواء محمد صالح حرب باشا، ذاك الذي تدرَّج في الترقي حتى أصبح وزيرًا للحربية ..إنه من عايش واقع القصة، وحقيقة أحداثها ـ كماترويها مذكراته ـ حين كان في بداية خدمته بالجيش ..
كانت المذكرات مطبوعة ومتاحة، ولكن .. ولكن من يقرأ، ومن يبحث؟! .. لاأحد
حتى كان هذا الكتاب (يرفعه بيده ) .. ترياق الإفاقة من الغيبوبة .. دعوني أقرأ عليكم بضع سطور منه
(يقرأ من الكتاب وهو يجول بالمكان) :
” باتت ـ أسطورة ياسين وبهية ـ جزءًا من التراث الشعبي، كسيرة أبي زيدٍ الهلاليّ، وأدهم الشرقاوي، وحسن ونعيمة .. يتغنَّى بها شاعر الربابة في المقاهي الشعبية، وفي حلقلت السمر التي يقيمها الفلاحون في جرن القرية خلال أمسيات الصيف الندية، تتملكهم النشوة وهم يتابعون بطولات ياسين، وأعماله الخارقة من أجل مقاومة الظلم ونُصرة البؤساء، ثم يخيم عليهم الحزن حين يُفجعون بمصرعه على أيدي السودانية من فوق ظهر الهجين ” (1)
(يتسمر في مكانه فجأة مواجهًا المشاهدين) الآن .. الآن  دُقِّي ياأجراس الحقيقة .. لتتوارى طواغيت الزيف والخِداع .. لتتداعى الأصنام، وتُرفع الحُجب
أيها السُمَّار .. يا من أدهشتكم خوارق البطل .. وقتلكم الحزن لمصرعه .. هاهو العم ” جمال” يتحدث إليكم، ويُفجِّر الحقيقة .. يقول ( يقرأ من الكتاب) :
” .. وقد يدهش أصدقاء ياسين؛ إذا عرفوا أن بطلهم الأسطوري (ترتفع نبرة صوته) .. لم يكن سوى  مجرم، سفاح، يحترف مهنة القتل بالأجر، ويتعيش من دماء الضحايا والأبرياء “(2) ..!!
جفت الأقلام، وطويت الصحف .. تمثال من جبس رخيص، أتقنوا صباغته لنفتن به ونصدقه .. لكنه الآن تحطم ، وانكشف المستور ..
فماذا عن باقي التماثيل .. ماذا عن باقي الزيف الذي يحاصرنا ..؟
فهذا تمثال آخر ..كلكم (يتوقف مستدركًا، لائمًا نفسه) مرة أخرى؟! ..لايصح .. معذرة .. بعضكم أو معظمكم عايش قصته .. قدمتها الإذاعة في ملحمة غنائية شهيرة، وانتجتها السينما فيلمًا، وجسَّدها المسرح .. هل أُذكِّركم .. استمعوا معي (يعالج اللاب توب، فيخرج صوت محمد رشدي بالموال):
منين أجيب نـاس لمعناة الكلام يتــلوه .. شبه المؤيد إذا حفظ العلوم وتلوه
الحادثة اللى جرت على سبع شرقاوي .. الاسم أدهم لكين النقب شرقاوي
مواله أهل البلد جيل بعد جيل غنوه
(يتجه للمشاهدين) .. هل استرعت انتباهكم هذه الجملة: ” جيل بعد جيل غنوه ”  .. اسطورة دارت عبر الأجيال .. عن بطلهم، المدعو أدهم الشرقاوي .. تلك الملحمة الغنائية التي كانت تبثها الإذاعة غالبًا أيام الجمع خاصة، وبالتبادل مع ملاحم أخري
يتجمع السُمَّار حول الراديو مفترشين الحصير والأبسطة .. يشربون الشاي ويتبادلون أنفاس الدخان .. ينصتون، ويتفاعلون .. مابين الاستحسان تارة، والدهشة والترقب تارة، والمؤازرة والغضب أخرى، ومصمصة  الشفاه في النهاية .. وربما دموع وآهات حين تقتنصه رصاصات الغدر ..
ولم لا وهو في وجدانهم البطل المغوار، الجسور،  الذي لايهاب .. صاحب الذكاء الحاد، والقوة البدنية الجبارة، الذي يرفع رحَى الطاحونة  بمفرده، ويقتلع باب زنزانته وحده ..!
يحارب الإنجليز الغاصبين، وأصحاب الإقطاعيات المتجبرين .. يثأر لمقتل عمه، وينتصر للفلاحين الضعفاء .. يسرق الأغنياء، ويبتزهم .. بالحيلة تارة، وبالقوة أخرى ليعطي الفقراء والمحتاجين  ..
(متهكمًا) ياله من نبيل .. “روبين هود” آخر .. كما ياسين
إنها الأسطورة يصنعها البسطاء ويحبونها .. ويضيقون بأنوار الحقيقة ..
فما هي حقيقة هذا الأدهم ياسادة .. سأدع الوثائق تقول لكم ..
الاسم: أدهم عبد الحليم عبد الرحمن الشرقاوي .. وُلد بقرية ” زبيدة ” ـ مركز إيتاي البارود ، من أعمال مديرية البحيرة سنة 1898، ولقي حتفه في أكتوبر سنة 1921
ثلاثة وعشرون عامًا هي كل عمر هذا الفتى الذي ألبسوه ثوب المناضل الأسطوري .. ملاذ الفقراء، وسند الضعفاء ..
(يستدير نحو الشاشة الخلفية، وهي تعرض الوثائق بالتوازي مع مايقول)
ها هي الوثائق .. فماذا تقول، وبماذا تبوح ؟ ( مواجهًا الجمهور) .. تقول: (متهكمًا) أن هذا الأسطوري المناضل؛ لم يكن سوى قاتل أجير..( قد تستخدم مؤثرات صوتية) .. يرتكب الجرائم لحساب الغير، يهدد العُمَد والأعيان ليبتزَّ أموالهم مقابل أرواحهم، وما يملكون .. ( يشير نحو الشاشة دون أن يلتفت لها) ..
فهذه جريدة الأهرام تنشر في 13 أكتوبر 1921 خبر مصرعه ، تحت عنوان:[ عاقبة البغي .. مقتل شقي كبير] .. وفي اليوم التالي تنشر تفاصيل مقتله برصاصات الجاويش محمد خليل؛ تحت عنوان: [ سلطان الأشقياء، ومصرعة] وهاهي مجلة ” اللطائف المصورة” ( تعرض الشاشة صورة المجلة وما ورد بها مصاحبة الحديث)  يتصدر صفحتها الأولى هذا العنوان:[ مصرع الشقي الشرقاوي الشهير، وحكاياته الكثيرة] .. وأسفله تفيض بتفاصيل حياته، وجرائمه معززة بالصور .. وشهادة الشهود
( يقطع الحجرة وهو يحدث نفسه بصوت مسموع) أساطير، تماثيل .. تماثيل، أساطير، ..(يكرر، ثم يتوقف عن الحركة ، ويخاطب الجمهور) :
هل أزيدكم  .. أم هذا يكفي ؟ .. هل أحكي لكم عن ” علي الزيبق” وسيرته التي فتننا بها الكتاب والفنانون؟ ( يمكن الاستعانة بمقتطفات من الأعمال الفنية التي تناولت قصته أثناء الحديث) .. ذاك المراوغ الذي لم يكن سوى لص بارع .. سحر بألاعيبه البسطاء من الناس، وهم لايدرون حقيقته .. فاستحسنوا فِعاله، وتجاوبوا مع حيله المبتكرة، وهو يسرق لصوص المماليك .. مماليك تسطو على الناس؛ تبتز، وتنهب، وتفرض الإتاوات بالقوة  .. ولص أُلعُوبان يسرقهم، يدَّعي أنه يعيد الحقوق المنهوبة إلى أصحابها من البسطاء والحرافيش  ..(معلقًا) لص شريف حقًا .. نسخة مصرية ( متهكمًا) من ذاك النبيل ” روبين هود” .. تمثال آخر من الزيف ..
( وكأنما يستشير مشاهديه) .. أم أحكي لكم عن ذاك الحطَّاب الفقير .. ذاك الذي اعتلى عرش الأثرياء بين عشية وضحاها .. تلك الحكاية التي تناولتها الإذاعة، وعالجتها السينما  ..( تنساب من المسجل التيمة الغنائية المشهورة: إيه على بابا ..إيه على بابا .. على بابا .. على بابا .. على بابا ـ ثم يتلوها صوت الراوي وهو يقول: على بابا بعد الضنى لابس حرير في حرير.. والست مرجانة في العز نشوانة .. بينما قد تعرض الشاشة  صورًا لملصق الفيلم وأبطاله، وربما بضع لقطات قصيرة منه)
من أين ياعلى بابا؟! .. هل مرَّ على أذهانكم هذا السؤال؟ .. من أين ياعلى بابا ؟ .. أيها البائس الفقير..
من أين القصور؟ .. من أين الحرير؟ .. من أين الجواري والقيان؟ !.. (يصمت لحظة)
كان اللصوص أربعين حرامي، فصاروا واحدًا وأربعين .. ما كان هذا الواحد فوق الأربعين؛ إلا هذا ال”علي بابا”  .. لص يسرق اللصوص  ..!! .. أليست هذه هي الحقيقة المُرَّة ؟
كان يتسلل إلى مغارة اللصوص؛ بعدما عرف سرهم، فيسرق ماسرقوا .. ( يضحك مقهقها، ثم يتوقف ويخاطب مشاهديه)
هل أُزيد؟ .. فمازال الجراب عامرًا  .. (بإعياء) ولكن .. ولكن هذا يكفي .. فلاعذر لكم بعد اليوم ..
أليس إعمال العقل فريضة ياسادة ؟.. آن لنا أن نسمي الأشياء بحقيقة أسمائها ..
( مودعًا) .. عُذرًا ياسادة .. دعوني أستريح ..( يُسمع من مكان بعيد صوت أشياء تتحطم ، بينما يردد وهو يمشي الهوينى مغادرًا )
تماثيل، أساطير ..أساطير تماثيل
تماثيل أساطير.. أساطير تماثيل
( يستمريردد حتى بعدما يختفي، يصاحبه إسدال بطئ للستار، وإظلام تدريجي؛ إلا من بقعة ضوء بيضاء في منتصف الخلفية تماما، تزداد وضوحًا مع تقدم الإظلام)

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى