ط
مسابقة القصة

هلال..هلال.مسابقة الرواية بقلم / السيد عبد الله عبد الغنى من مصر

رواية (هلال هلال)
مسابقة الرواية
بقلم/ السيد عبد الله عبد الغني
المنوفية – مصر

01223855052

نبذة عن رواية

هلال هلال
اسم المؤلف: السيد عبد الله سالم

تدور أحداث الرواية في الجزيرة العربية في المنطقة الممتدة من المدينة المنورة وحتى بلاد الشام، وبلاد العراق، وذلك في صدر العصر الإسلامي.
تدور الأحداث في إطار اجتماعي تاريخي رومانسي، تحكي قصة هلال بن الأسعر، الذي كان يعمل حمَّالاً، في سوق المدينة، واشتهر بالقوة، والأمانة والشهامة، وكان وسيمًا، عرفته النساء بجمال محياه، وقوة بنيانه، فطمعن فيه ولكن حبه لزوجته وأولاده منعه عن كل النساء وعن الوقوع في الخطيئة.
واشتهر هلال بين رفاقه بولعه الشديد بالمصارعة، والتمكن من فنونها، كما عرف عنه التجار أمانته وقوته.
في هذه الأثناء ذاع في المدينة عن وجود قطيع من الأسود والذئاب يقطعون طريق التجارة بين المدينة وبلاد الشام.
وكلف التجار هلال الحمال أن يقود القافلة المتجهة من المدينة إلى الشام، ورغم ما قد كابده في الطريق إلا أنه استطاع أن ينقذ القافلة ومن فيها، ويحافظ على أموال التجار بفضل شجاعته، وبمعاونة اثنين من أصدقائه.
يعود هلال مصارع الأسود إلى المدينة غانمًا سالمًا، ويستقبلهُ أهلها استقبال الفاتحين المنتصرين، ويجمعون له من الأموال الكثير والكثير استعدادًا لرحلة العراق القادمة، وخاصة بعد أن ينتشر بين الناس أن هلال قد قضى على قطيع الأسود الذي يقطع طريق التجارة إلى الشام.
وفي أثناء رحلة هلال إلى العراق، ومنها إلى بلاد فارس، يواجه محنة صعبة، كادت أن تودي بحياته، وكادت كل أموال القافلة أن تضيع، لولا حكمة هلال وصاحبيه.
وأثناء غيبة هلال الطويلة في العراق يظهر في المدينة عبد أسود جاء مع تجار اليمن، عاث في المدينة فسادًا، وأشاع فيها الفتنة والاضطراب، وحاول الاعتداء على زوجة هلال.
وقد تم الاستعانة بما ورد في كتاب الأغاني في تحقيق بعض الأحداث التي وردت بالرواية،
السيد عبد الله سالم
المنوفية – مصر

من رواية
هلال هلال

بقلم/
د. السيد عبد الله سالم
المنوفية – مصر

01223855052

الفصل الثامن
مرَّ على القافلة شهران، وهي في طريقها من المدينة إلى أرض العراق، والخسائر قليلةٌ لا تُذكر، وعلى أطراف العراق بدأت الأحوال تتغير، فالماء في كل مكان، ومضارب البدو لاحت في كل أفق، وعمرانُ العراق قد امتد إلى ما حولها من البوادي، وشهامة أهل العراق ألقت بروائح الأمان على القافلة و مَنْ فيها، وعند أول عينٍ قابلتهم في أرض العراق، اتفق هلال ومَنْ معه على أن يضربوا الخيام، ويبيتون بأرض النخيل ثلاثة أيامٍ، تستريح الخيل والجمالُ فيها، ويسترد الناس أنفاسهم وعافيتهم.
كان الوقت وقت الظهيرة، في أواخر أيام الشتاء، والسماء قد صفت، فالزرقةُ في كل ركن، وشمس الشتاء الرقيقة أشاعت روحًا من الراحةِ على الجميع، وأشعتها الرقيقة جاءت على الأرض من بين غصون النخيل، لتسبح في عيون الأطفال والعجائز، فبدت القافلة في ثوبٍ أنيقٍ وكأنها لم تجتز بحر الرمال العظيم، ولم تضربها عاصفةً رملية، كادت أن تودي بكل من في القافلة، وانتشر الأطفال بين الخيام يلهون ويلعبون، وفي ماء جدول صغير تدفق من عين الماء صوب النخيل، ألقى الأطفال بأجسادهم، لترتوي خلاياهم وعروقهم من صفاء ماء العراق، و جلست النساء على طرف الجدول تحت ظلال النخيل، وقد مدوا أقدامهم في ماء الجدول، فزاد الجدول حسنًا على حسنٍ، وألقت وجوههم الجميلة على صفحة الجدول بهاءً وسنا، فاجتمعت عصافير العراق من كل حدب وصوب تلقي تحيتها على أهل القافلة، وتغازل نساء القافلة، حتى جاء هاتف النوم، فنام الجميع في أمان وسعادة.
حول الشواء جلس الثلاثة؛ هلال الحمال، وصادق الأعرج، و سعدون الحطاب، ومعهم الأعرابي دليلهم في الرحلة، يتحدثون عن خط سير القافلة في المرحلة القادمة، وأعرب الأعرابي عن تخوفهِ من المرحلة القادمة، حيث ستمر القافلة بمنطقة المستنقعات، التي تفصل بين العراق وبلاد فارس، فعلى بعد مسيرة عدة أيام سيصل الركب إلى داخل أرض العراق، وهناك تحط القافلة عدة أسابيع، يبيعون ويشترون، ويتزودون بالمؤن والماء، ويتجهون إلى بلاد فارس، عبر المستنقعات المائية التي يصعب على الخيل والجمال السير فيها.
ظل صادق الأعرج طوال الرحلة يتتبع الفتى همام، ويتمنى لو أنه فتك به، بعدما تأكد لثلاثتهم أنه الخائن، الذي حاول التخلص من ماء القافلة، ليموت جميع من فيها عطشًا، ولكنه أطاع أوامر هلال، التي لا يفهمها، ولا يعرف لماذا تركه هلال بعد اكتشاف أمره، ولم يأمر بالقبض عليهِ، أو على الأقل طرده من القافلة، ولهذا عندما سنحت الفرصة بحديث منفرد بين هلال وصادق الأعرج، سأله صادق:
– لماذا تركت همام ولم تطرده؟
– لأن جنايته تستوجبُ القتل.
– إذن هو لي، وأنا قاتله!!!
– ليس الآن، ضع عينك عليهِ حتى نعرف لحساب مَنْ هو يعمل؟ ومَنْ يعاونه من حرس القافلة أو رجالها؟
فهم صادق خطة هلال، وعلى أساسها بدأت معاملته مع الفتى همام، تأخذ شكلاً آخر، فراح يتقرب منه، ويجالسه ويسامره، ويخبره عن أخبار القافلة كذبًا، ويصرح له بين الحين والآخر حقده على هلال الحمال الذي أصبح بين يوم وليلة أميرًا للقوافل، وهو لا يملك مقومات هذا المجد الذي وصل إليه، وأن براعة هلال في المصارعة لا توازي براعته، وأنه هو مَنْ علَّمه المصارعة، ولولا ما أصاب ساقه لكان هو الآن في مكان هلال، وأخبره أيضًا أن ما زاده غمًّا هو استعانته بالحطاب سعدون، الذي قضى أكثر من نصف عمره في الجبال، لا يعرف شيئًا غير جمع الحطب وبيعه في سوق المدينة بثمنٍ بخس، وها هو قد صار الآن المساعد الأول لهلال أمير القوافل، وحاميها.
وفاجأه الفتى همام بسؤاله:
– ما دمت تحقد عليهم، لما لا تتركهم وتمضي لحال سبيلك؟
بُهت صادق من هذا السؤال، لكنه تماسك ولم يظهر عليه الارتباك، وأجابه في سرعة:
– إنها الحاجة والفقر يا أخي.!
ظن صادق الأعرج أن بتقربه من الفتى همام، وحديثه عن الحقد الذي في قلبه من هلال و سعدون، سوف يجعل همام، يصادقه ويفشي لهُ أسرار ما في نفسهِ، لكن الفتى همام، وهو الصعلوك الذي تربى في الجبال بين اللصوص وقطاع الطرق قد تعلَّم من سيده ميمون الأصفر؛ أن لا صديق للصعلوك سوى سيفه، حتى وإن كان من أفراد عصابته، فهمام نفسه وإن كان ميمون الأصفر زعيمه إلا أنه لو تمكن من رقبته لقطعها، وكذلك يعلم همام أن ميمون يبادله نفس الشعور، فلا أمان بين اللصوص للصوص ولا لأحد غير السيف، فمثل هؤلاء الرجال، مثل الذئاب ينامون وعيونهم مفتوحة، خشية الغدر الذي طبعوا عليه، ولهذا حرص همام على ألا يبوح بما في نفسه لصادق الأعرج، وفشلت خطة صادق في التقرب إلى الفتى همام.
بذل صادق كل ما في وسعهِ ليعرف أية معلومات عن الفتى همام، وكان هذا الأمر هو الشغل الشاغل له، طوال فترة الإقامة التي قضتها القافلة على مداخل أرض العراق، وبعد أن مرت الأيام الثلاثة دون أي جديد، سارت القافلة بعد ذلك في أرض العراق حتى دخلت مدينة الكوفة، وفي سوق المدينة كان الاستقبال حافلاً لهلال ورجاله، فشهرة هلال قد سبقته إلى أرض العراق، كما أن ألأخبار قد وصلت إلى هناك من قبل تحمل البشرى بحجم القافلة الكبير، وما فيها من بضائع وأموال، فانتظرها التجار والناس بفارغ الصبر.
وكان في استقبال القافلة، أعيان المدينة وتجارها، وقاضي القضاة، ومندوب عن الوالي، وبعد أن سلموا على مَنْ في القافلة، دعا مندوب الوالي هلال ورجاله ليكونوا في ضيافة الوالي، فسروا بذلك كثيرًا، وراحوا يعطون الأوامر لتحط القافلة بضائعها في سوق المدينة، لتبدأ عمليات المساومة من بيع وشراء، وغير ذلك من شؤون التجارة بين التجار وبعضهم البعض.
وتوجه هلال ومعه صادق الأعرج و سعدون الحطاب إلى الخان الذي عيَّنه لهم مندوب الوالي لينزلوا فيه ضيوفًا على الوالي، وقضوا ليلتهم في راحةٍ وأمان.
وفي الصباح الباكر توجه هلال وصديقيهِ إلى كبير التجار ومعه رسائل من الحاج رضوان، سلَّمها إليهِ وسلَّمهُ الأموال التي عيَّنه له الحاج رضوان، واتفقا على أن البضائع التي يطلبها الحاج رضوان ستكون جاهزةً في رحلة عودة القافلة من بلاد فارس إنشاء الله، وكذلك فعل هلال مع الكثير من الرسائل والأموال التي كان يحملها من باقي تجار مدينته.
وفي مساء ذلك اليوم قبل هلال وصديقيه دعوة الوالي لزيارتهِ والسمر معه، وشكره الرجال الثلاثة على الحفاوة التي قابلهم بها الوالي، وعلى ما قدمه من يد العون والمساعدة له ولكل رجال القافلة وتجارها، وسلَّمه رسالة من الحاج رضوان، قرأها الوالي، وسرَّ بما فيها، كما سلَّمه هديةً منه أيضًا، حازت إعجابه، فشكر هلال على شجاعته وأمانته، وعلى مائدة الطعام راح الوالي ينصت لهلال وصديقيه وهم يحكون عما مرَّ بهم في رحلتهم الصعبة.
ليل الشتاء في أرض العراق جميلٌ وطويلٌ، فيعد صلاة المغرب تخف الحركة في الشوارع، وتهدأ الدنيا إلا من بعض المارة هنا أو هناك، حتى صلاة العشاء فلا تجد أحدًا في شوارع المدينة على الإطلاق، ويجتمع الناس في بيوتهم لأحاديث الإنس والسمر، يأكلون ويشربون على أصوات الغناء، ومن كل البيوت سمع القيان ينشدون أحلى أغانيهم على ضوء القناديل، حتى ساعاتٍ متأخرةٍ من الليل.
كان الفتى همام مكلَّفًا بحراسة الخيام التي بها البضائع التي ستتجه إلى بلاد فارس، وكان معه عدد آخر من الحراس، وكان يشرف عليهم صادق الأعرج، الذي لم ينس همام، ولم يغب عن عينه لحظة واحدة، وتحت ظلمة ليل الشتاء خرج همام من خيمتهِ متجهًا خارج سوق المدينة، ومضى بين شوارعها حتى وصل إلى أحد الدور الواقعة في الطرف الشرقي من المدينة، كان باب البيت عاليًا، وعليه نقشٌ من الخشب، على هيئة قافلة من الذئاب، طرق همام الباب وهو يتلفت يمينًا وشمالاً، حتى فتح له أحدهم الباب فدخل مسرعًا، وأغلق باب البيت خلفه.
ظل صادق الأعرج واقفًا في مكانه، متحيرًا، لا يعرف كيف يتصرف، فلابد أن في الأمر شيءٌ هامٌ وعليه أن يعرف ما هو، فهذا همام قد أوشك أمره أن ينكشف، ولكن كيف يعرف ما يدور داخل هذا البيت؟.
دار صادق حول البيت، يحاول أن يسمع أو يرى ماذا يجري في الداخل، فلم يجد إلا نخلةً عاليةً، تطل على فناء البيت، فراح يتسلقها، وينظر إلى داخل البيت، لا يسمع شيئًا، ولكنه وجد عددًا كبيرًا من الرجال، لم يتحقق منهم واحدًا سوى همام، فالظلمة و بعد المسافة قد باعدت عنه الكلام وحجبت عنه الرؤية، ووصل إلى أذنه بضع كلماتٍ قليلة، مثل القافلة، هلال، ولكنه لم يفهم شيئًا، فعاد أدراجه إلى الخان، و أخبر هلال و سعدون بما رأى، وتأكد الثلاثة أن همام ومَنْ معه يدبرون أمرًا خطيرًا ضد القافلة ورجالها، ولكنهم لا يعرفون عن هذا الأمر أي معلومات، فاتفق الثلاثة على الحيطة والحذر، وتعاهدوا على حماية القافلة مهما كلفهم الأمر.
قضت القافلة في الكوفة عدة أسابيع، أنهى فيها التجار معاملاتهم، ووزع هلال ما معه من أموال وبضائع كيفما كلَّفه تجار مدينته، وتوجه إلى والي المدينة يستأذنه في الرحيل إلى بلاد فارس، فأذن له، وسلَّمه رسالة إلى أحد ولاة فارس، فشكره هلال، ومضى إلى الخان، يقضي ليلتهُ على أن تبدأ القافلة في رحلتها من صباح باكر.
في سوق الكوفة، وقف المنادي يحمل دعوة هلال بالرحيل إلى سائر القافلة:
– على بركة الله نسير.
وعلى عادة القوافل يبدأ الطريق من السوق وسط دعاء الناس بسلامة الوصول، وبلوغ المرام لكل مَن بالقافلة، وعند الظهيرة كانت القافلة خارج المدينة، تتجه شرقًا لتعبر أرض العراق إلى بلاد فارس، ومرت الأيام على القافلة بسلامٍ وأمان، وهلال وصديقيه يبذلون كل الجهد في حراسة القافلة، والتسرية عن ركابها، ففي المساء كل ليلة تعقد مجالس السمر والطعام، وتُقامُ حلقة المصارعة التي يحرص عليها الجميع، ويشارك هلال فيها من حين لآخر، واتخذت القافلة دليلاً جديدًا لها، على دراية بأرض العراق وبلاد فارس، يعرف مسالك ودروب منطقة المستنقعات التي بين العراق وأرض فارس.
وبدأت علامات الأرض التي يغطيها الوحل والماء، فأبطأت القافلة من حركتها، فالخيل والجمال لا تستطيع الحركة بخفة ورشاقة في الوحل، وكذلك الرجال، وراح الدليل، يأمر الحرس والخدم، فهذا يتجه من هنا وهذا يتجه إلى هناك، يفرق القافلة في دروبٍ مختلفة حتى لا تغرس أقدامهم في الوحل، فلا يستطيعون السير.
كان تشتيت القافلة لا يعجب هلال، ولكن ما باليد حيلة، فهذا حكم الطريق، وما أشار به الدليل وهو أعلم بمسالك الأرض ودروبها، فأطاعه هلال وأشار على الجميع بطاعتهِ، وأوصى صادق أن يلازم جزءًا من القافلة، وكذا سعدون، ومع كل واحد منهم مجموعة من الحرس، وكان همام من نصيب صادق كالعادة، وظل هلال مع قلب القافلة، الذي سيمر في أصعب منطقة من المستنقعات، يصحبه الدليل، على أن يجتمع شمل القافلة بعد سبعة أيام في بداية سهل بلاد فارس.
واصل هلال الليل بالنهار لا ينام ولا يغمض له جفنٌ خوفًا على القافلة، وقلقًا على صديقيهِ، حتى هدَّه التعب وعصفت به الظنون، فالأرض موحلة ولا مكان للراحة، ولا مكان يصلح لأن تحط القافلة رحالها لتستريح، فكانوا يقضون حوائجهم وهم على ظهور الخيل والجمال، وينامون وهم واقفون على الأرض أو راكبون مطيهم، ونال التعب من كل الناس في القافلة.
مضى على هلال أربعة أيام وهو على هذه الحالة المضنية، وبينما هم في طريقهم، إذ هتف الدليل عليه، فتوجه هلال إليه:
– في الوحل أثر أقدامٍ وخيولٍ ليست منَّا، كانت ها هنا منذ قليل.
وضع هلال كفَّهُ على سيفهِ، ونادى في الحرس بالحيطة والاستعداد، ولم يكد يتم كلامه حتى بدأ الهجوم على القافلة من كل جانب، رجالٌ مقنعون، يلبسون السواد من جلدٍ، وخيولهم بلا سرج، فكانوا خفافًا في عدوهم، وحرس القافلة ثقيل بأسلحتهم ودروعهم وملابسهم، وخيل القافلة لم تتعود الوحل، فانزلقت وكادت تطيح بمن فوقها كلما همَّت بالركض، والجمال مالت بما فوقها، وساد الهرج والمرج بين رجال القافلة وحرَّاسها، فسقط من سقط وقتل من قتل، وهلال كالأسد لا يهاب الموت، يضرب هنا ويطعن هناك، ويشد من أزر الرجال، فيرفع هذا الحارس من على الوحل، ويدافع عن ظهر ذاك الحارس، حتى أصبح وحده في ساحة القتال، فالتف حوله ميمون الأصفر ورجاله، يدورون حوله في حلقات، يضربون حصانه، ويلمزون سرجه، ومن الخلف قفز عليه أحد رجال عصابة وادي الغيلان، فاستدار هلال يدفع عن نفسه، فسقط على الأرض، وفوقه من الصعاليك كثيرون.
وصل صادق و سعدون بعد سبعة أيامٍ إلى المكان المتفق عليهِ، ونزلوا بمَنْ معهم من القافلة في سهل بلاد فارس، ينتظرون باقي القافلة وهلال على رأسها، ولكن لم يصل هلال ولا القافلة، وبانت أي علامات تدل على قرب وصولهم، في اليوم الثامن بدأ القلق يتسلل لإلى نفس صادق و سعدون، في اليوم التاسع تأكدوا أن خطبًا جللاً قد أصاب هلال ومَنْ معه، واجتمع صادق و سعدون بالرجال والحرس الموجودين بالقافلة، يتشاورون في الأمر، في صباح اليوم العاشر، ولاحظ صادق غياب همام فسأل عنه رفاقه من الحرس، فلم يجدوا جوابًا غير أنهم قد رأوه بالأمس يطوف بين الخيام، يحصي ما تبقى في القافلة من أموال وبضائع ورجال وغير ذلك من الأشياء الموجودة بالقافلة.
تأكد صادق و سعدون أن ما كانوا يخشونه قد حدث، والخائن قد رحل كي يلحق بزملائهِ، دار الحديث بين الرجال طويلاً، يتشاورون في الأمر، وأخيرًا اتفقوا على أن يكمل سعدون وحده الرحلة حتى بلاد فارس، وأن يعود صادق الأعرج إلى الطريق الذي مرَّ فيه هلال، وباقي رجال القافلة، علَّه يجد خبرًا عنهم.
عاد صادق الأعرج ممتطيًا حصانه بلا سرج، ولا درعٍ، لا يحمل إلا سيفه في خصره، يغمز جنب حصانه بمهمازهِ، فيصرخ الحصان من الوخز ويركض كوميض البرق، لا يلوي على شيء، وهو لا يعرف إن كان على الطريق الصحيح أم لا، فتتبع الآثار في الوحل، مسألة صعبة تتطلب خبيرًا بالأرض وبتتبع الأثر، تعاقب على صادق الليل والنهار، وعند أول ضوءٍ من ضوء النهار، لمح هلال على الأرض بقايا معركة طاحنة، هلك فيها الكثير من الحراس والخدم والمسافرين، واختفت البضائع كلها والأموال التي كان يحملها هلال.
بحث صادق بين الجثث عن جسد صديقه دون جدوى، أحزنه ما جرى أشد الحزن، ولكن نفسه هدأت بعض الشيء عندما لم يعثر على جسد هلال، وتمني لو أنه لا زال حيًّا، وحتمًا سيعثر عليه.
ورجع صادق إلى الكوفة يحكي لأهلها ما رآه، وما ظنَّ أنه حدث للقافلة ورجالها، وأشاع في المدينة مقتل هلال، ليخدع الرجال الذين هاجموا القافلة واستولوا عليها، وأخبر الجميع بأنه لا مكوث له في أرض العراق بدون صديقيه، وأنه من الغد راحلٌ إلى مدينته، لكي يقضي وقته نحيبًا وبكاءٍ على روح هلال المسكين، هلال مصارع الأسود.
وتحت ستار الظلمة، تسلل هلال إلى الدار التي ذهب إليها الفتى همام من قبل، وصعد إلى النخلة التي تجاوره، وراح ينظر البيت جيدًا، حتى وقت متأخرٍ من الليل.

د. السيد عبد الله سالم
المنوفية – مصر

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى