ط
تحقيقات

همسة فى حوار مع القاص الجزائري سعدي صبّاح.أجراه / لخضر أم الريش

ستبقى المرأة في قصصي إلى الابد .

 

يعتبر الأديب ” سعدي صبّاح ” من أهم الأصوات الأدبية الجزائرية منذ التسعينات ، وهذا يعود لحضوره المستمر في المحافل الأدبية داخل الوطن وخارجه ، وغزارة إنتاجه في الصحف والمجلات الجزائرية والعربية وكذا ما يميز أعماله الأدبية .
اجرى الحوار : لخضر ام الريش.
بداية نترك الكاتب سعدي صبّاح يتكلم عن نفسه لمتتبعي محلة همسة :
سعدي صبّاح من مواليد عين وسارة الجلفة الجمهورية الجزائرية ، من طلعة الابداع القصصي التي تزخر به المدينة الجزائرية الجلفة ” عين وسارة “يتطلع هذا الوجه الأدبي يلملم ماجادت به الطبيعة من نقاء الرومنسية المتنافية وواقعية المجتمع ، يعايش الطفولة ..يحمل ولعا كبيرا لمرابع تسمى “الحبيل “..تعلمت في المدرسة الريفية والجزائر يومئذ تعيش فرحة الاستقلال وترمم ما هدمه الاستعمار لسرح اللغة العربية بعد حصار دام أكثر من قرن .. تأخذني رحابة الكتابة الابداعية أنهل من البرية الخلابة وما تحمله من جمال أقتنص من مغامرات البدو أبطالا أستغل تمردهم على الأعراف البالية كي أخلق آثرا معينا من خلال وسائل فنية يكون فيها الخيال ملح النص وجمالياته ..الطبيعة العذراء بمراتع طفولتي أبدعت في وأبدعت فيها بفضلها أوظفها إيمانا مني بأن اللجوء إليها وإلى ما عايشته وعشته في البوادي زمن الصبا هي عودة إلى الفطرة وإعادة الاعتبار إلى العفوية والحرية هي تجاوز للتقاليد .بطبيعتها الاجتماعية والفنية وكان ولوجي إلى المدينة جناية على طفل رضع حب البوادي بطيورها وعصافيرها والجميلات من بناتها واعتبرت المدينة وزعيقها فضاء منفصلا بالنسبة لي ، ومكان الطفولة قيمة جوهرية مركبة فينا لتحركنا ..ولما إحتضنتني المدينة من أجل الدراسة بالاعدادية فشلت في إستهوائي واستقطابي بما فيها من شوارع وأزقة ومقاهي عامرة وبنات عصريات يتوجهن كل صباح إلى الثانوية ، وظلت البوادي تسكنني ببساطتها وهدوئها …تسكنني الرحل وإبلها وقطيعها وهوادجها وما تحمله من بنات رضعن العفة مع الحليب ،لم أتخذ من أشياء المدينة ما أطعم به قصصي لكنني بقيت وفيا وسأظل أتخذ من نباتات الطبيعة مادة كتوابل أزيين بها طبقي الأدبي لأقدمه إلى من له رغبة في ذلك ، وهذا إيمانا مني بأن النبات من أروع آيات الله على البسيطة ..كتبت الشعر الشعبي منذ طفولتي ثم بعض الخواطر القصصية إنطلاقا من الذاتية عن علاقة حب بين دشرتي وما وفرته لي من سعادة حتى خرجت منها للولوج في عالم القصة القصيرة من أول محولة بطلتها فتاة حضرية كانت تزورنا رفقة والدها كل ربيع وتعلقتها تعلق الطفولة يوم كنت لا أعرف للحب معنى ..نشرت لي المحاولة الأولى بجريدة الجمهورية التي كانت تصدر في الغرب الجزائري وهذا ما شجعني لمواصلة طريق الابداع والاستمرارية
ماذا أضافت الجوائز لك والحضور المستمر للملتقيات وبعض التكريمات التي ربما قد حفزتك وشجعتك للمزيد من الكتابة ؟
منذ التسعينات وأنا أحضر إلى الملتقيات الوطنية ونشطت بجل ولايات الوطن ، في إطار الملتقيات الأدبية ومن خلال الأسابيع الثقافية التي اعطتني فرصة ذهبية فلولاها لم أتعرف على الجزائر العميقة وآخر ملتقى كان في تونس الشقيقة وتحديدا في سيدي بوزيد ” معقل الثوار ” حضرت هناك بمهرجان شعر الحرية مع شعراء وكتاب عرب من اليمن وليبيا ومصروتونس طبعا ، واطلعت على الابداع العربي شعرا ونثرا أما بالنسبة للتكريمات دعني أحدثك عن مدينتي أعتقد أنا كغيري من كتابها وشعرائها من كرمناها في المحافل الوطنية وكتبنا اسمها من خلال نصوصنا التي طرقت أبواب النجوم وطنيا ودوليا ، أما المدينة فأعتقد هي التي تنتظر التكريم مني فهي لم تفكر قط في تكريم المبدعين إلا ان مرة فكر أحد المهتمين بالثقافة من المجلس البلدي الأول وربما على حسابه الخاص ، اما الولاية فقد كرمتني على جوائزي مرات تحت الرعاية السامية للسيد الوالي ثم تكريم آخر مع طغمة من شعراء الجلفة وكتابها مقابل تتويجنا بجوائز على هامش ملتقيات دولية وكرمت من قبل مديرية الثقافة ودارها حين فازت مجموعتي القصصية ” عرس الشيطان “تكريم آخر بالبرج وآخر بوهران وآخر بجريدة الشروق في العاصمة في إطار الفوز ..تكريم آخر بجريدة السفير مقابل جائزة وطنية أما مدينتي فاعتقد بأنها لم تسمع بهذه التكريمات في الولاية أو في الوطن ، عذرها معها لأنها لا تهتم ربما بالجانب الأدبي أو لها مجالات أهم وأسمى وأكيد أنها لم تسمع بأعمالي التي ترجمت مع بعض من أبنائها إلى ثلاث لغات من قبل المترجم منير مزيد برومانيا جزاه الله خيرا وأكيد أنها لم تسمع قط بفوزي بجايزة وطنية في المسابقة الكبرى للقصة القصيرة التي تزامنت مع تكريمي على فوز المجموعة بشهر رمضان ولم تعلم بفوزي بجائزة على هامش الملتقى المغاربي بكونين بوادي سوف كما لا تعلم بجائزة عبد الحميد بن هدوقة با لبرج على هامش ملتقى عربي وجائزة شموع لا تنطفئ الوطنية بالباهية وهران وجائزة القلم الذهبي بجريدة الشروق وجائزة من أفضل الكتاب من قبل الصحافة العالمية حتى وأن هذه الآخيرة لحد الآن لم أعرف تفاصيلها لذلك أنوي حذفها من سيرتي وآخرها جائزة ناجي نعمان الاستحقاقية في لبنان ونالت بعض نصوصي نصيبها من الكتاب الورقي الثاني الذي يشرف على طبعه الأديب السعودي جبير المليحان ، ادرج اسمي ضمن كتاب من الجلفة وضمن كتاب المدينة والابداع لعين وسارة الذي أشرف على طبعه الشاعر المميز عقيل بن عزوز .عضو إتحاد الكتاب الجزائرين ..الجوائز أضافت لي لكنها لم تصنع مني كاتبا ..ربما تلفت إنتباه القارئ والناقد والمتتبع ..ربما تلمع الاسم لكنها بعيدة كل البعد عن الزيادة أو النقصان في جودة النص ..فهناك من هو مغمور ولكنه على سيجيته يكتب الأجود مني ومن غيري ،
ولا أنكر نكهة الفوز ونشوته إذ تتركك قد أيقنت بأن إبداعك لم يكن هباء منثورا وأيضا التكريمات تشعرك بأنك قد قدمت للساحة الأدبية بغض النظر عن المعايير التي كرمت من خلالها ..فأشكر الذين زرعو الغبطة والسرور من خلال تكريمنا والاحتفاء بنصوصنا التي خرجت من نجيعنا والشكر الكبير لمدينتي التي علمتني بأن المدن تتنكر بكيفية أو بأخرى لكتابها وشعرائها هي المدينة التي من خلالها شطبت على المثل الشعبي ” البطيخ يكبر في بحيرتو ” من قا موسي وأدركت بأن المدن الأخرى هي التي تشجعك وتتقبلك بأخطائك وهذا ربما يبدو أنه محرج لكنها الحقيقة وكلامي عن نفسي وسيرتي كذلك فيه ما يشبه الحرج لكنه الواقع .
هل بإمكانك أن تعرج على بعض العوامل التي كانت وراء الولع بالكتابة وحبها ؟ المطالعة أم السفر من أضاف إلى رصيدك اللغوي ..خاصة وأنا أقرأ بعض قصصك أجد فيها لغة أنيقة سلسة وجذابة

في هذا الشأن يقول الرافعي : المبدع أو الكاتب لا تلد أمه منه إلا الجزء الأرضي التي من المادة ليبقى في المادة أما الأجزاء الروحية التي هي زيادة فيه على الناس ليكون أكبرمن الناس فهي الحبيبات والمصائب والحديث قياس ، وقيل أن الموهبة تلد مع الانسان فتأتي الصدمة وتفجرها وقد أبدعت نصا قصصيا في هذا الصدد فحبي لذلك الطيف القديم هو من كن وراء تفجير موهبتي وأول مصيبة هي تركي مكرها لمرابع طفولتي وابتلعتني مقبرة البشر على حد قول ” جان جاك روسو ” جنتي السرمدية تركتها بين المروج وأسراب القطا والكروان العسلي وقيل لي كما قال لجدي آدم أهبط منها ..عشت مصائب الضوضاء في المدينة ، أبيت على الطوى يوم كنت أدرس بالاعدادية الحرة ، أحببت الورى ولكن براءة البدوي التي تميزني كانت وراء طعني في الظهر أطعن..اطعن ككل مرة وسأظل أحب …أحب أكثر المرأة لأنها وإلى اليوم لم أجد حرة من الحرائر أساءت لشخصي أو خانتني بل ربما أنا الذي أسأت لها ستسامحني وستظل بطلة لقصصي أينعت أيكة موهبتي من خلال السفر الذي أعتبره كتابا كبيرا اتمنى أن يقرأه كل شاعر أو كاتب على الطريق ، زرت الصحاري والشطآن الجزائرية ..زاوجت بين حب البحر وحب الصحراء التي تزيدك لهفة على حب الكتابة والمطالعة ، زرت تونس الشقيقة وأنا في عز الشباب ..زرت أم الدنيا مصر ومكثت بالقاهرة اكثر من شهر ..عشقت فيها حرم الحسين ..تجولت في العتبة والسيدة زينب وأدمنت على السهر والرنقيلة مع الأحرار المصريين ..وكتبت فيها نصوصا معبقة بعطر الحارة ، زرت المغرب الشقيق يوم أن كانت الحدود مفتوحة على البر ..عشقت فاس ومكناس ووجدة والناظور كتبت نصا هناك ” عرس الشيطان .. الذي يكشف عن كواليس العام الجديد بالمغرب ..عشقت الجمال بكل ما يحمله إيمانا مني بأن “فمن عشق فعف ومات فهو شهيد “كتبت في أدب الرحلة في المغرب وتونس والقاهرة وأعتقد بأن المطالعة وحدها لا تثري الابداع ..صحيح من لا يطالع لا يكتب لكن صحيح أيضا من لا يسافر فستكون كتاباته ضحلة وواهية وهذا رأي وسأحتفظ به ..النصوص التي كتبتها عن موضوعات عايشستها أو عشتها هي القريبة مني ام النصوص التي أتخيلها فأجد نفسي كأنني تكلفتها أو صنعتها أو أقحمتها في أسلوبي المميز والخاص بي ..كما المطالعة ضرورية كما السفر كما الحب الذي أعتبره مادة خصبة للإبداع ..فجل قصصي أستلهمتها من الواقع المعيش وفيها شيئ من المرأة وشيئ من الشغف بها وكتب العاشقين العرب خير دليل من قيس إلى جميل إلى توبة إلى….إلى …وأقول لك بصدق بأني لا أميل إلى القراءة لمن يكتب دون تجارب فالمتزمت لا ينبغي أن يبدع بحرية فالحرية أصل الابداع فالكاتب مطالب بأن يخالط المجانين وأبناء الليل ليقتنص قصة صادقة ..عليه أن يركب الطائرة ويعيش لحظة الاقلاع ..عليه أن يحب ويصبر على خيانة الحبيبة لأن ذلك يستفزه للكتابة ..عليه أن يدخل المراقص إذا لزم الأمر ليتعلم من روادها مالم يجده في الثقافة وأنا هنا لست أروج للمجون لكن هي ضرورة الكاتب أو الشاعر وحتى رجل الدين ..فحسن البنة كان يدخل الحانة ليرى أحوال السواد الأعظم من الناس إيمانا منه بأن المساجد لا يدخلونها إلا التائبين الصالحين.
آخر رحلة سفر للكاتب سعدي صبّاح وآخر كتاب قرأه ؟
آخر رحلة كانت عبر كوينين بصحراء الجزائر على متن سيارتي رفقة الصديقين العزيزين الشاعرين ” عقيل بن عزوز وعيسى ماروك لحضور الندوة الفكرية ومع إختتامها واصلنا المشوار إلى تونس الشقيقة لحضور مهرجان شعر الحرية وكانت ليالي جميلة ورائعة وفي عز الربيع شعر وحميميات ومرح بسبيطلة مدينة الآثار وكتبت نصا أتكلم فيه عن الرحلة بعنوان ” الربيع في الصحراء …..زهر وشعر وغناء .وقد نال نصيبه من النشر بكل المواقع الهامة ..الجزائرية والعربية أما آخر كتاب قرأته فهو رواية قصيرة “لبار لا جير كفيست” ، كان قد ترجمها الصديق ،/الأديب والمترجم محمد بو طغان .شدتني لغتها العذبة الجميلة ..السلسة رحت أقص وصال البطلين ..وهما شاب وفتاة ، يلتقيان في الأماكن التي ينعدم فيها البشر .. وتارة في خلجان بكر لا تقطنها إلا الجنيات ..هكذا حسب قراءتي جمعهما حب يبدو غريبا لكنها الحقيقة التي يجلها جل المحبين في الحياة الفانية والعادية والكاذبة ..حب من نوع آخر ليس كالحب الذي نعيشه أو قاد عاشوه الأولون وألفو فيه كتبا شاهدة على ..رغم العفة لكن يبقى الوصال وارد ولقاء الجوارح فيه ..وفيه ..صحيح ومِؤكد أن الجنس محظور عند كل العاشقين العرب ن من جميل بوثينة ‘لى توبة بن الحمير إلى ابن الملوح إلى عروة إلى …إلى.. لكن الحميميات واللحظات الغرامية ملموسة .لكن بطل رواية ” أقنعة الروح ” لبار لا جير كفيست نبهتني إلى وصل وحب وجنس لكن بطرق مختلفة ..البطلان أنجبا من حبهما طفلا لكنه لا يلبث أن مات وسكن دار الخلود ، ويصلان العاشقان المحبان مسيرة حب طاهرة ..خرجت مستمتعا ومنبهرا في آن من اهذا الانجاز الفني المبدع الذي لا تشم فيه رائحة الترجمة التي إعتبرها البعض خيانة للعمل الأدبي ، ووقفت مذهولا في النهاية لما إكتشفت بأن الحبيبين لم يلتقي بالأجساد لكنهما يعيشان معا بالأرواح ..فجسد الطين عند بار لا جير كفيست لا معنى له ، طارت بي الرواية كقارئ إلى أمكنة أخرى تقيم فيها الأرواح ..حيث كل شيئ كامل جميل ..سام على غير الحضيض الذي يعيشونه بعض المحبين بقاعات الشاي والنزهة والشواطيئ والكباريات و……و…..يدمرها ويتنكر لها ومعه القانون لأن الحمض النووي محظور في بعض الدول ،وانبهرت لكائنات ما وراء المادة شق علي تمثيلها ولا نملك حقيقتها إلا حدسا ضئيلا ..فشتان بين الحياة عندهم بجناتها وانهارها وطهارة حبها وقداسته وبين الحياة التي نعتقدها هي الحقيقة
وما وقع في موسم الهجرة والخبز الحافي خير دليل ..فالحياة في” أقنعة الروح “تآسرك ..فأينما إتجهت تنبهر عيناك …هكذا عشت سويعة في مرابع الأرواح ..بلادها الحقيقة الخالدة من خلال رواية قصيرة ترجمها الصديق محمد بو طغان لم أناقشه فيها لكنني متأكد بأنها قد أعجبته لذلك قام بترجمة تليق بها .حضرت بروحي عرسا سرمديا وأعراسا مستمرة ، فشكرا لبار لا جير كفيست على الرواية التحفة التي تسمو بالقاري ولا تنزله إلى الحضيض والشكرا الكبير للصديق محمد بو طغان الذي أتقن ترجمتها ..فلولاه ما حلقت في أقنعة الرّوح .

الكتابة حالة لا وعي وهذا لا يختلف فيه إثنان .في حالة الكتابة هل تحاصرك المدينة بأضوائها وأزقتها أم تفتح لك البوادي ذراعيها وتنتشلك من رتابتها وبهرجتها التي ربما قد تكفهر لها وأنت في حالة جنون الكتابة إذا كانت الكتابة حالة جنون طبعا ؟
قيل إذا كانت الحياة روايات أبدعها رب الورى فرواية الطفولة الأولى خير وأبقى فرواية الطفولة هي الكفيلة بتكوين شخصية الفرد وللعلم فإن جل الكتاب والشعراء ينحدرون من الريف ..فهو المادة الشهية للإبداع ..لكل شيئ نكهته الخاصة ..نسمات الصباح ..الطيور المسافرة ..القطيع على السفح …تخيل المروج التي زانها رب الناس بالسخال ..حقول القمح المعجة بالشحارير والمغانين ..الربوة ..الوادي وما بباطنه …الغدران ..الخيول كل ماذكرته يحف بي لحظة الولادة فأزداد كفرا بالمدينة وسجنها ..فروعة المكان المفتوح هو ان تعيش مرحلة الطفولة فلمكان الطفولة قيمة جوهرية مركبة فينا وتحركنا فالبوادي دوما أعشقها تهيمن علي لأنها أمي الأولى فالطفل يحملق في كل النساء لكن لا تعجبه إلا أمه سواء كانت حسناء أم شوهاء وللكلام أبعاد .ففي الريف إمتصيت الطين وفيه أصخت للأطيار وفيه لعبت مع الأتراب جنب البيدر وفيه كانت تحدثنا جدتي عن أبي زيد الهلالي وفيه تسامرنا على ضوء القمر وفيه أحببت وأنا الطفل المشاكس الذي لا يعرف للحب معنى وفيه تعلمت في مدرسة الطبيعة الطروب التي أعطتني أكثر مما يعطيه لي ذلك المعلم الذي كان يأتينا على متن جرار قديم .ولو سكنت عاصمة الجن فسأبقى وفيا للحب الأول ولا يمكن أن تخلو كتاباتي من ملامح الريف سواء وصلت أم لم أصل ..مازالت تسكنني البوادي بغزلانها الجميلات وسأبقى وفيا وحريصا على المكان فكل كتاباتي نسجت من خيوط البوادي وبنات الرحل ومطر الخريف الذي يسمونه ” غسالة النوادر ” والرذاذ الذي يعطينا فرصة اللعب مع صبايا الدشرة والمطر الخفيف يأتي برومنسية عجيبة ونسميه ” عرس الذئب “فلو قدر الله وطردني الريف ورحلت مني أيامه الخوالي فسأتوقف عن الكتابة إلى أجل غير مسمى

منذ الأمد والكاتب سعدي صبّاح يتابع الأدب الجزائري فبماذا يعلق عن راهن الأدب الجزائري ؟
إذا أردنا الحديث عن راهن الأدب الجزائري لابد وأن نعرج على ماضيه ، لأن الأدب الجزائري في رأيي هو ثمرة الثورات من ثورة التحرير التي فجرت كوامن الإبداع إلى الثورة الزراعية التي مهد لها بعض الكتاب .. إلى هزت أكتوبر ، إذن القصة والرواية فقد ميزتهما صورة الثورة ورواية ريح الجنوب خير دليل ، أما العشرية السوداء فقد فعلت فعلتها وليس في جنس معين بل في الثقافة عموما لأن الواقع الثقافي في الجزائر مع بداية سنين الخراب ينبغي أن يتغير ،لأن الجزائر في تلك الفترة قد تغيرت لأنها شهدت تقلبات كبرى وأنجبت الهزة أدبا سوداويا كتب بلغة الشخصية لا بلغة الكاتب وقد بوبه النقاد وأطلقوا عليه اسما”….” وهذه النصوص التي كتبت عن وطن يتمزق أعتبرتها نتاجا ثالثا من علاقة بين كاتب ككائن عاش الأحداث يشاهد اغتيالات في الشوارع، فماتت الرومانسية في تلك الفترة وصار الكاتب المهوس بحب الوطن رجلا سياسيا يبحث عن جذور المحنة من خلال أبطال على الورق ، أذكر على سبيل المثال الكاتب “حميد عبد القادر” الذي جعل بطل روايته شابا صحفيا يتلقى تهديدات من طرف تيار معين لأنه التزم بمشروع الحداثة والديمقراطية فوجد نفسه في وضعية خطيرة رواية الشمعة والدهاليز الاستشرافية لطاهر وطار والمشاهد العارية لعمراني الجيلالي ، وببساطة قالو هواجسهم التي لم يقلها أحد وكتاب الأزمة قد ساهموا في مناقشة أخطاء تاريخية بوسيلة الفعل الثقافي وشفعت لهم كتابتهم في الراهن وكان لهم دور فعال في الخروج من المعمعة من خلال ابداعتهم التي احتوت ثقافة السلم وكرسوا لثقافة الصلح والتصالح وتنبأوا بانبلاج فجر الجزائر وتلتها مرحلة أثمرت قصصا مبدعة وأشعارا ممطرة أثرت راهن الأدب الجزائري ولقيت صداها عند القارىء الوطني والعربي وعند النقاد والمتكلمين.. وهناك أصوات تميزت في كتابة الرواية الجزائرية و عرجت نحو منعرج الحداثة واستشرفت وتنبأت بمستقبل ما .. ولاحت عبقرية الأديب الجزائري في الوقت الراهن اذصقل تجاربه من المأسي ومن التراث الوطني والعربي والعالمي من أجل تأثيث لتجربة إبداعية نابعة من الحياة بأفراحها وأحزانها داخل هذا الوطن العزيز وتناسلت قصصا وروايات وشعر لأسماء لا يتسع المقام لذكرها.. أثرت الساحة الأدبية وحققت حضورا وطنيا وعربيا وعالميا.. تشهد لهم كتبهم التي طبعت في إطار الجزائر عاصمة الثقافة العربية وغيرها.. ومنهم من افتك جائزة الشيخ زايد للكتاب ومنهم من افتك جائزة سعاد الصباح في الشعر وجائزة البابطين وكلها استحقاقات تبرز ازدهار الأدب الجزائري الراهن المتميز ثم لاننسى جوائز ابن هدوقة وجائزة رئيس الجمهورية والجوائز العربية والدولية في مختلف مجالات الأدب، وفي النهاية أشير إلى بعض الكتاب أو الكاتبات اللواتي هن بفرنسا أو في قطر عربي أخر أعتقد أنهم وجدوا الرعاية المفقودة في وطنهم والاحتفاء بإبدعاهم وأقولها بمرارة فإننا لم نصل بعد إلى مكانة المبدعين العرب وغير العرب الذين يكتبون بحرية ولايعرفون للتهميش معنى ولا للجهوية التي ربما دفعت للبعض من كتابنا إلى تلحيد كتبهم إلى أجل غير مسمى .

بماذا يعلق القاص سعدي صبّاح عن بعض الشعراء الذين تحولو ا من الشعر إلى الرواية ؟
الأدب فن متداخل وإن لم يكن متطابقا فإنه لامحالة سيكون متقاطعا هو من الفنون الجميلة كالرسم والنحت والتصوير ويشمل عدة فروع وفن القصة القصيرة والطويلة وفن المقال الأدبي وفن المسرحية والرواية والتمثيل وفن التراجم وفن التعريف بالكاتب وفن الشعر إلى ماهناك من الفنون الأدبية والذي يهمنا هو الإبداع في الأدب .. ولايهمنا في الحقيقة أن يتحول الشاعر إلى روائي لأن الروائي شاعر يكتب بطريقته ولاغرابة أن يكتب الشاعر رواية أو قصة مبدعة أو يكتب الناثر قصيدة نثرية عمودية أو حرة ، فأعتقد أن الإبداع هو الأهم ولا يهم إن كان نثرا أم شعرا والموهبة أم الفنون كيفما كانت أما من جهة المتلقي فذاك كلام أخر لأن الشعر أحيانا قد يتوارى أمام دولة القصة والرواية وهذا ما يبرر تحول الشاعر الجزائري إلى كتابة القصة أو الرواية بحثا عن وجود لإبداعه تربة حمراء تحتضن مشاعره وأفكاره الأدبية واعتقد أن هذا ماوراء من تحولوا للكتابة السردية التي أصبحت أكثر رواجا عند المتلقي على المستوى الوطني والعربي .. الأمر الذي ربما قد شجع على الميول إلى القصة أو الرواية أما الشعر “……..” ” أحلام مستغانمي ” بدأت شاعرة واشتهرت في الرواية التي تحولت إلى مسلسلات وعلى ذكر أحلام مستغانمي أريد أن أطرح سؤال : لو بقيت أحلام مستغانمي داخل الجزائر هل تصل إلى ما وصلت إليه من شهرة في الأدب ؟ وأعرف الكثيرات منهن خارج الجزائر ونجحن لحد لا بأس به في كتابة القصة رغم حبهن للقصيدة ، ومن جهة أن الشعر غير متناول لدى التلاميذ والطلاب من الإبتدائي إلى الجامعة وأنا كنت معلما وأقدم في حصة المطالعة للتلاميذ حتما المجموعات القصصية لا الشعرية فالقصة في الجزائر وغير الجزائر لها وجودها في المكتبات والمعاهد و البيوت كما أن الرواية أصبحت محل بحث الطلاب والجامعيين، والأديب الجزائري من حقه أن يبحث عن مهتمين وقراء ليبرز من خلال أدبه، بين هذا وذاك لكن كتابة الشعر أصعب بكثير من كتابة القصة والرواية وهذا جانب أخر.
كيف ينظر القاص سعدي صبّاح إلى الشبكة العنكبوتية في المجال الأدبي وكذا التفاعل مع النصوص والقارئ الافتراضي
من لم يعرف كيف يتصرف في العالم الافتراضي فيعيش حياة كلها سراب في سراب أولا الشبكة العنكبوتية وسيلة رائعة وسريعة فيما يتعلق بالبحث هي وسيلة إن عرف المبدع كيف يستغلها سوف تسافر به إلى العالمية من خلال المسابقات والترجمة الخ , لكن من يبالغ في هدر الوقت في الدردشة والتعليقات والردود حرفيا عن المدح والمجاملات فتفرغه من محتواه لا محالة ،النت ربما تساهم في صنع بعض الأسماء المصنوعة أصلا لكنها قاتلة للإبداع وللمطالعة فبمجرد قراءتك للنص ينسكب من رأسك كالماء وتشربه الأرض ، أنا كنت قبل النت أكتب نصا كل أسبوع وأنشره للقراء على صحيفة الآن أكتب نصا وأنشره بمنتدى وسأبقى في عراك مع الردود على التعليقات معتقدا بأنني أبدع فإذا به أنا أدور من شهور أو سنة مع نص واحد أقص التعليقات والمجاملات التي قد تكون صادقة وقد تكون معطلة وقاتلة للوقت وللصحة ..كما ألاحظ بأن جل الأسماء المعروفة لا هم لهم في التعليقات ولا تنتظر أعجبني من أحد إفتراضي هذا بالنسبة للفيسبوك فهو في رأي وسيلة تواصل وفي محدودية فالذي يحب الأدب من قلبه فعليه بالعودة إلى خير جليس …تقرأرواية مبدعة على الورق ستمتعك لا محالة وتضيف لك وتحفزك للكتابة لكن أن تقرأ رواية كاملة على الحاسوب فذلك أعتبره نوعا من التهور لأن النص وحتى المعلومة لا ترسخ تنسحب من الحاسوب وكأنك لم تقرأ شيئا ودون أن أتكلم عن الأصدقاء الذين هم بأسماء مستعارة ويشغلونك بلا معني ..ربما نسبة قليلة من الأصدقاء يتفاعلون مع النصوص بجدية سواء جعل أعجبني أو لم يجعلها أم البقية فجلها أسماء مستعارة ولا اعمم لأن التعميم هنا جناية ولا أريد الكلام اكثر في عالم الفيسبوك أو حتي بعض المنتديات فالكل يعرف جيدا جوانب التوتر التي ينالها المبدع الحقيقي في هذا العالم فأناشد الصادقين الطييبين في حسن إستعمال الشبكة العنكبونية في أيكة لا حدود لها ثلثها أزهار وحمام والجزء الباقي”……” : المثقف الحقيقي الفطن يعرف ما يتضمنه الجزء الأكبر لذلك ستجده لا يدخل إلا نادرا حريص كل الحرص على تنظيم وقته واقتناص ما يفيد وطبعة إذا لزم الأمر ضاربا الحديث الزائد عرض الحائط فلا يشغل باله بالسراب الذي يحسبه الضمآن ماء
هل حقق القاص سعدي صبّاح شيئا من الشهرة ..وماذا أضافت له الجوائز الوطنية والدولية ؟
من منا لا يريد الشهرة ، لكن الشهرة كالمال..فيها الحلال وفيها المزيف ، والشهرة العامة هي الدمار العام ..أحب الأضواء لكن ليس على حساب كرامتي ..فكرامتي فوق الابداع وفوق الشهرة، أنا لا أثق كثيرا في الأضواء المغشوشة إن صح هذا التعبير ، فيه مبدعون قتلتهم الشهرة الواهية وقتلتهم الأضواء احيانا يسلط الاعلام الأضواء على مبدع فربما يعطيه أكثر من حقه ..يتحدثون عنه النقاد والمتكلمون في كل الأعمدة …يساهمون بقسط كبير في شهرته وعندما يظن نفسه قد وصل يتخلون عنه فيجد نفسه شبه نكرة ولم يعد ذلك القلم الذي صنعوا منه نجما واهيا وفي وقت وجيز أما الشهرة التي تصنعها النصوص وعلى مدى طويل فهي الشهرة التي اتمناها لي ولغيري من الذين يكتبون في الظل ولا تهمهم الشهرة بقدر ما تهمهم جودة النصوص وما بني على باطل فهو باطل ..وحتى الجريرة تجلب الشهرة وفضيحة مونيكا الويسكي خير دليل فالشهرة التي تجلب لي المتاعب وتقلل من حريتي أنا أكفرها ولا أريدها بالمرة ولا أرضى بها لمن أحبه ..الشهرة التي أريدها هي محبة الأخرين ..الشهرة التي أتمناها هي إنطباع المبدعين الطيبين الذي أتركه حين أغادرهم مع نهاية ملتقى ويثلجون صدري بمكالماتهم والاطمئنان علي ..الشهرة التي يدور في خلدي أن أحققها بإذن الله هي أنني لا أسيئ لأحد ولا أعامل بالمثل لمن أساء إلي لقدر الله انا صراحة عندي حب الرجال أفضل بكثير من حب الشهرة مهما كانت وأفضل حتي من النصوص فالنصوص شعرية كانت أم نثرية ما هي إلا كلاما غير رسمي قاله شاعر أو كاتب في حالة جنون ورحل لا يمكن أن نتوقف عنده كثيرا ولا يمكن أن ننتظر منه أن يوحدنا فتوحدنا المحبة التي هي فوق كل شيئ ويوحدنا الدستور الرباني وهو الكفيل بأن ينزع منا أشواك الحقد والضغينة فالشهرة ليس لها القدرة لأن تنسي سخط الأخرين إذا كانوا غاضبين منك وقد أمرتك نفسك اللوامة بأن تسخر منهم وتستخف بهم وأنت في برجك الذي شيدته الرياح أما الجوائز فهي ربما تلفت إنتباه القاريء والناقد معا لكنها لا تصنع النصوص الجيدة وحتى النصوص الفائزة ليس بالضرورة أنها جيدة فبعض النصوص التي لا تفوز تجدها أكثر جودة وإبداعا فالمسؤلية هنا تبقى على عاتق اللجنة المشرفة على المسابقة ..فهذا النص يمكن أن يكون عند هذا جميلا وعند ذاك رديئا فالأذواق تختلف والحظوظ لها دور أيضا وهذا رأي ولا ألزم به أحد

بما تأثر الكاتب سعدي صبّاح من الأدباء؟
قرأت للكثير لكنني لم أتأثر بأديب معين وأفضل القراءة للذين شغفت بنصوصهم وعرفتهم أيام زمان من خلال المقرر وإلى اليوم أبحث عن كتبهم في المعارض الدولية ..قرأت لجبران وللمنفلوطي ولتيمور وفي الآونة الأخيرة قرأت شارع إبليس للدكتور أمين الزاوي وكان قد طرح من خلال هذا الشارع الشيطاني إشكالية عميقة حول الثورة الجزائرية وما بعدها ووجدت فيها بأن الانتقام من الخونة جاء من خلال الممارسة الجنسية وبقوة إلى أن تنتهي بالتجارة بالأعضاء البشرية في لبنان وهذه الرواية حفزتني للرجوع إلى موسم الهجرة إلى الشمال وإعادة قراءتها فهي الأخرى كانت في خلف الثأر من خلال الجنس ولا أقوى من الجنس في الانتقام .فالروايتين بالنسبة إلي تحفتين في المكتبة العربية فأدعو بالرحمة للروائي السوداني ” محمد الطيب صالح ” وأتمنى طول العمر للجزائري الدكتور والأديب أمين الزاوي ،قرأت كل روايات الكاتبة السورية هيفاء بيطار وهي طبيبة عيون وتطرح في بعضها كل المطبات والدسائس بكواليس المستشفيات واندهشت في تقنية الكتابة عندها وروايات أخرى لها تبرز فيه تشيطن المرأة وعالم المسكوت عنه بطريقة جد ذكية ولا تقحم مشهدا جنسيا من أجل ذلك ولكنها لا تمر عليه مر الكرام إيمانا من ثقافتها وتجاربها في الحياة وترفض التهرب من شيئ نمارسه ونتجنب الحديث عنه وأيقنت بأن الجنس عند الروائية المتمرسة فن وثقافة ولا يمكن للحياة أن تستمر إلا به مثل الماء والطعام والولع بالورد في الربيع والهواء الذي نستنشقه لذلك لماذا ننظر إليه بأنه ساقط وتافه وجريمة لا تغتفر ..قرات منذ سنين نصا قصصيا للكاتبة التونسية ” ربيعة الفرشيشي ” بعنون ” في تلك الليلة ” ومازلت أعيد قراءته ككل مرة ولم أتركه ولم أكله ..فكلما قرأته أخرج منه بمتعة ويترك في نفسي شهوة الكتابة
أين تلتقي قصيدة الملحون التي يكنبها سعدي إلى جانب القصة ..أم هما خطان متوازيان ؟
الفنون كلها متداخلة ..الفنان التشكيلي يكتب بطريقته يوجه رسالة مشفرة لكنها لا تخلو من متعة ، الغناء فن له رسالته وله البهجة التي يوفرها للجمهور ولا أقصد هنا الغناء الهابط فهو عندي ليس بفن بماذا تشعر وأنت تسمع ” بلادي أحبك ” لوردة الجزائرية وما هو الشيئ الذي يتحرك بداخلك وأنت تسمع زهرة المدائن لفيروز أو قلبي عليه وقلبه حجر لدلال الشمالي ولماذا يقشعر بدنك حين تسمع ” أخي جاوز الظالمون المدى “أو رمت الفؤاد لهيام يونس أو كيف تخرج حين تنتهي من قراءة الأسود يليق بك لأحلام مستغانمي وهل تبقى على حالتك حين تسافر مع العود بأنامل طلال مداح على سبيل المثال ..فطلال كان يكتب بطريقته وشغل الورى مثلما شغلته بعض الروايات كذاكرة الجسد على سبيل المثال لا الحصر حتى للرقص لغة وفيه علم قائم بذاته يسمى لغة الجسد ..أعود بك للشعر الشعبي هل قرأت أو أستمعت لقصيدة ” فط القلب من الفريسة يا سعد ” للشاعر الشعبي ” بلخيري محفوظ ” وهي طلالية سال عن محتواها الكثير من الحبر وناقش من خلالها الكثير رسالة تخرج وأظن بأن رسالتي لك قد وصلت أنا لا فرق عندي بين الملحون ولا بين الفصيح ولا بين القصة القصيرة فكل فن يصنع المتعة ويؤدي الرسالة بطريقته مرة كنت بملتقى وطني بعنابة ورأيت أن الجمهور يناسبه الشعر فقرأت قصيدة شعرية بالملحون وسافر معها الجمهور ولا أغالي فالقصة القصيرة هي الأصعب عندي لا في كتابتها ولا في إلقائها على المنصة فاطمئن بأن الجمهور لا يتبعك
لم يخلو نص يكتبه القاص سعدي صبّاح إلا وفيه المرأة حاضرة بقوة فهل من بوح لهذا السر ؟
أحدثك عن المرأة كبطلة في قصصي، وفي قصص العالم، وأجزم دون مؤيدات بأن أية موهبة تلد مع الإنسان غالبا ما تفجرها المرأة، فأول محاولة كتبتها كانت تأثرا بفتاة كانت تزور دشرتنا كل ربيع، لتتمتع بجمال البوادي وقنص نواويرها، واختفت فجأة فتركت في نفسي أثرا بالغا، فتفجرت الموهبة، وكانت الطفلة وراء تفجيرها. كتبت عنها حالة، ونشرتها بجريدة الجمهورية، فنشرتها في صفحة الإبداع، ولم أكن أعتقدها قصة. من يومها تأكدت من وجود موهبة، فجرتها راحلة، إذا ستبقى المرأة حاضرة في قصصي وإلى الأبد، وجل الكتاب والشعراء وراء محنة إبداعهم امرأة من عهد قيس إلى نزار، وقال أحدهم: “لكل رجل امرأتان: واحدة يصنعها بخياله، وأخرى لم تلد بعد”. وهذه الأخيرة تكون بفتنتها وسحرها هي هاجس الكاتب ومعبده الذي يسكن فيه ليبحث عن متعته المجهولة، وقد تكون المرأة هي الوطن، والوطن هو المرأة التي تأسر وتأخذ بالألباب، فتغدو المغامرة صعبة الرموز متعسرة التأويل، وهذا ما يحسه القارئ لي ولغيري، وكما قد أشرت سابقا فقد نشأت في طفولتي بدشرة، الفتاة فيها عملة نادرة، لذلك كانت شبه مقدسة، ولم تخذلني صبية يوم كنت لا أعرف للحب معنى، ولم تطعنني امرأة في ظهري، فبقيت أذكرها بخير ولو على الورق. والمرأة في قصصي معناها وجود حب وحياة وعشق يتجدد، ونشوة لربيع لا ينضب، وتلك هي قمة الإبداع، ولا أنكر خيرهن لأنهن وراء حصد الجوائز، ولا يمكن لقصة دون حب أن تمتع الورى.. أحيانا تكون المرأة حاضرة في قصصي حضورا واقعيا، تتشكل من جميلات يتقاطرن حبا وعشقا وبراءة، والمرأة مهما بقيت في سجن الرجل لكنها ستظل وفية له ومطيعة، أو ما قال خير الورى رفقا بالقوارير”، أليست هي اللوحة التي أعدتها أنامل الرحمان؟ وبفضل بطلات قصصي كنت والحمد لله.
ماهي طقوس الكتابة عند سعدي صبّاح ؟
الكتابة كما تعلم حالة توتر ومعاناة وطقوسي في الكتابة لا أرى بأنها ثابتة فهي مختلفة من حالة إلى حالة ..بعض النصوص أكتبها منتشيا إذا إعتمدت فيها على الذاكرة وأتيت بها من أيام العنفوان ..قصة حب فيها لحظات من السعادة ..عشتها بأفراحها وأحزانها واعتبرتها تجار با لا خطايا ، لكن إذا كانت الفكرة إستلهمتها من أحد المطعونين في الصميم سأنسجها معتمدا على الخيال وأكون لحظة الكتابة كئيبا حزينا ميالا إلى الخلوة ولا أحب الكلام مع أعز الناس إلي حتى أنتهي منها وأنشرها فأعود إلى طبيعتي المرحة التي جبلت عليها
هل من كلمة لأقلام على الطريق؟
الطريق إلى لابداع يعج بالورد كما هو بالأشواك ، فمن أراد أن يفتح جبهات على نفسه ويعيش الوساوس يقتحم الساحة بنصوصه وبنات قريحته وتأكد مسبقا بأن موهبتك أحيانا ستكون وراء إنهيارك وانكسارك وإحباطك وافهم هذا ..من يكتب ترفضه المدينة وحتى عائلته ، ومن يدنو من النجوم يتضايق منه الأقربون وحتى الزوجة ترى ضرتها في الابداع وتتهمك بالعشق بل بالخيانة وأجزم دون مؤيدات بأن معظم الزوجات يبدو لهن بأن زوجها الشاعر يمارس الخيانة على الورق وفي كواليس الملتقيات فيحدث النشوز والكراهية التي وراءها الأبداع ولا غيره فاعلم يا من على الطريق إلى هم الكتابة بأن أعداد الأعداء يزداد بعدد الكتب والجوائز التي ستنالها والكاتب مثل رجل ناشد بسحق الباطل فأتهم بالإرهاب ..الكاتب عند بعضهم من أهل الشكارة متطفل ومتسول وجشع ومن سفافس الناس إن نجحت فأنت مناور ومغرور وإن لم تنجح فأنت كتلة من رداءة ..يمقتك رجال السياسة رغم أنهم يخافونك في نجواهم ..يعلنون تهميشك جهرا كتهميشهم للفقراء والمتشردين يتكلمون في غيبتك بأنك تافه وفاشل رفضتك الحياة وعند اللقاء بك ينادونك : اهلا شاعرنا يا مفخرة المدينة والوطن وافهم لماذا ؟وربما يتنكر لك الأصدقاء وينسجون عنك شائعات تعجز عن فبركتها الشياطين لا لشيئ إلا لهيمنة الغيرة على النفس الأمارة بالسوء سمعت مرة الأديب المغربي الكبير الطاهر بن جلون وقد صرح بمرارة بأن أول من تآمروا على تحطيمه هم الأصدقاء ولا غيرهم ولو لم تجعل من البداية واقيا ” بار شوك ” سوف تجد نفسك في يوم من الأيام منكسرا منبوذا مخبولا نتيجة شهرتك ونجاحك يخططون لك حتى تكره كتابك وتكفر بهذا الابداع ، تفكر في الاقلاع والاعتزال بحثا على صحتك وشؤون بيتك لكن يشق عليك ذلك لأنك تجد نفسك قد إلتزمت مكرها ولا أحد أراد لك هذا الاختيار وحينما تفوز يصلك كلام من الأصقاء إذا كنت بلا بارشوك سيجعلك تندم على هذا الفوز عوضا أن تفرح وتسعد به واعلم بأن الأديب لا يكرمه إلا الأديب النزيه الموضوعي الكبير الذي تكون إفراحك أفراحه ومواجعك مواجعه وهذا موجود ” الخير في وفي أمتي إلى يوم الدين “من يا ترى يقدر فيك سهر الليالي وأنت تذوب كالشمعة من أجل نص تصنع به المتعة والفرح إلا من هو في محنة الكلمة مثلك بشرط أن يكون مبدعا حقيقيا وناجحا ليس في الأدب فقط وإنما على جميع الأصعدة ، أنت تتنقل إلى الملتقيات على حسابك ومنهم من يظن بأنك حصدت من أدبك ما يبني القصور والسيارات الفخمة وبمجرد ما ترتدي بدلتك الأنيقة وتحمل محفظتك الخالية إلا من أشعارك وخاصة إذا كانت مدينك طاعنة في ” التقرعيج” يبادرون أصدقاء الغيرة يتتبعون زلاتك متعمدون نسيان كل مواقفك الرجولية التي لا تشفع لك عندهم شيئ واحد كفيل بأن يحميك أخي على الطريق هو المثل الشعبي إذا كنت شجاعا وطبقته :” القافلة تسير والكلاب تنبح “إّذن كن شجاعا وعسكريا يطلق الرصاص على نباح كلاب من بعيد والكثير من عرفناهم ماتوا وقتلتهم الكلاب ..أحرقو ا كتبهم بعد تدهور حالاتهم الصحية والكثير عرفناهم يكتبون …يكابرون ويقطعون الطريق بخيوط حمراء بينهم وبين أهل الغيرة والحقد والحسد جاعلين القطن في آذانهم فوصلو ا سالمين وطرقواأبواب المجد والسلام

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى