ط
مسابقة القصة القصيرة

ورود الحرب. مسابقة القصة القصيرة بقلم / بلزرق جمانة من الجزائر

ورود الحرب – مسابقة القصة القصيرة –
بلزرق جمانة
البلد : ولاية بسكرة -الجزائر –
البريد الالكتروني : [email protected]

كم أشتاق لرؤيتكَ ، حتى من بعيد ، كم أشتاق لتلك الأيام الخوالي ، الى أيام السلام و الطمأنينة التي كنا فيها ، لكن الآن ونحن تائهان وسط هذه الحرب لم تتبق لديّ سوى هذه الذكريات ، التي تحييني من جديد وتعيد اليّ الأمل ، الأمل في مستقبل مشرق معك .
تركتني بعد عام من زواجنا ، وانضممت الى الجبهة قائلا : لا يمكنني الاستمرار هكذا ، لا يمكنني أن أشاهد أبناء وطني وهم يٌقتلون وأنا واقف في مكاني ، تركتٌك بعد طول تفكير قائلة : اذهب لا يمكنني منعك ، لكن عدني أنك لن تنساني ، تذكرني حتى بوردة .
الكل لامني لتخلي عنك ،قالوا لي بأنني أدفعك الى هلاكك ، انهم محقون فهم لا يفهمون أنني لم أستطع أن أطلب منك أن تختار بيني وبين حب الوطن ، لأنني أعلم أنك ستختار حبها هي ، وسأظهر أمامك في النهاية امرأة سيئة أنانية ، فهم لم يروا عيناك اللتان كانتا تشعان لمعانا وأنت تتحدث عنها ،و لم يروا قلبي وهو يتمزق من الداخل من شدة خوفي عليك .
كم صليت من أجلك ، وكم دعوت الله أن يحفظك و أن يعينك على العدو كل هذه السنوات التي مضت في غيابك ، لكن وفي يوم ما ، قلت لنفسي لما لا أنظم أنا أيضا اليهم ، لما لا أكون عونا له و لبلادي بدلا من بقائي بين هذه الجدران ، فهناك العديد من النسوة اللواتي انضممن ، وفعلا فعلت ذلك .صرت أبحث عنك في وجه كل رجل أراه ، لكنني لم أتمكن من رؤيتك ، سألت عنك الكثير لكن لا أحد سمع باسمك ، وهنا بدأ الخوف يتسلل الى قلبي ، صعدت الى الجبل من أجلك ، حملت السلاح من أجلك ، وقاتلت من أجلك، لما تركتني في حيرتي ؟ لما رميتني الى المجهول ؟ أعلم أنك ستقول انه الوطن . و أنا الآن سأقول لك وأتمنى أن تسمع ، أنا أيضا أحب وطني ، لكن المرأة غير الرجل ، مهما كانت في قمة انشغالها فإنها لا تنسى ، ظننتك غير كل الرجال ، لكنك نسيتني حتما . رميت نفسي بين النيران وحاربت هذه المرة من أجل الوطن وليس من أجلك ، كان هذا هو الحل الوحيد لكي أتمكن من الاستمرار بدونك . لكن حالة الوطن كانت من سيئة الى أسوأ ، كل محاولاتنا كانت تفشل ، وكان هو المنتصر في الأخير ، استشهد العديد من صفوف الثوار ، وأٌحبطت عزيمة العديد منهم ، فانسحب العديد ، وفرّ العديد من المواطنين الى خارج البلاد ، أما الفئة التي كرهتها فعلا هي التي انقلبت ضدنا وأصبحت لصالح العدو فقط لتنقذ نفسها ، وأنا استمريت رغم هذا لأنني متأكدة من أنك ستستمر ايضا ، وواصلت أملا في الالتقاء بك ، وواصلت سؤالي عنك وحلمت أن أقاتل بجانبك ، أن أحميك تارة وأن تحميني تارة ، أن نعيش سويا ، و أن نموت سويا ، لكن وفي يوم ما تم اكتشاف مقرنا ، وألقوا القبض علينا جميعا ، لكننا لم نتفوه بكلمة و تحملنا التعذيب ، وفجأة توقف الزمن بي ، هل ما أراه حقيقي ؟ لا يمكن ؟ ذلك الرجل ؟ الذي يحمل السوط ؟ . تقدم نحوي ووقف مشلولا أمامي مطأطأ الرأس ، صرخ في وجهه سيده وقال : ماذا تنتظر هيا اضربها بالسوط ؟ .
حمل السوط من غير أن يرفع رأسه وينظر اليّ ، وأخذ يضربني ، وكلما صرخ في وجهه رئيسه كانت تزداد حدة ضربته ، فعلا لم أكن أعلم لما أنا أبكي و أصرخ هكذا ، ألم جسدي لم يكن يقارن أبدا بألم قلبي الذي تم طعنه .
أتعلم كم انتظرتك ؟ أتعلم كم عانيت بفراقك ؟ أتعلم كم اشتقت اليك ؟ أتعلم كم خذلتني ؟ أتعلم كم أشعر بالعار بسببك ؟ كيف تمكنت من فعل هذا ؟ .
أنا تأكدت أنك لم تحبني ولم تحبها أيضا ، كلانا كنا لا شيء بالنسبة لك .
– أنا آسف فعلا ، لقد اضطررت لفعل هذا ، أرجوكِ تفهمي موقفي .
– لا يهمني كل ما ستقوله ، لذا اذهب من هنا .
– أنا لم أنسكِ يوما ، كل يوم يمر عليّ …سأخبرك بكل شيء عندما نلتقي مرة أخرى .
هيا اهربي بسرعة .
– وماذا عن الآخرين ؟ .
– لا يمكنني انقاذ الجميع .
– حسنا .
وبينما نحن خارج أسوار المعتقل قلت له : لم أتصور فعلا أنني سأقول هذا الكلام حقا في يوم ما ، أنا أتمنى من كل قلبي أن لا أراك مرة أخرى لأنني سأستمر في طريقي ولن أتراجع أبدا .

الورود التي حلمت أن تأتيني بها كانت مجرد أحلام تافهة ، لأنها في الحقيقة لم تكن سوى السوط الذي أنهى هذه الأحلام .

النهاية

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى