ط
مسابقة القصة القصيرة

أطلال مناعة.. مسابقة القصة القصيرة بقلم /سعدي صبّاح من الجزائر

الكاتب الجزائري سعدي صبّاح …..رقم الهاتف 21377474128
مشاركة في القصة القصيرة
أطلال مناعة قصة بقلم سعدي صبّاح

رحل الرّبيع باهتا بعد أن شابت زهيراته بين المزارع .. رحلت ليالي المذاكرة وانتهت …آن الرّحيل عن زاوية تجرّعت على عتباتها مرارة الحنظل وشبه روتين إزاء طلبة من كلّ فج …يؤلمني حين أراهم يتحلّقون حول مثارد تآكلت أطرافها ..يلتهمون البربوشة بزيت البرميل ! وهاهو أبو الهجير يناشد بصقل المناجل ! وعدت إلى دشرتي الحبيبة أمتطي طائر الحبور ..لادرس ينتتظرني ولا من يرمي قدراتي بالظنون ! إحتضنتني والدتي بعد غيبة وبيديها الحانيتين لبن عنزتي الحواء وشطير الخبز الأسمر ! وبعد هنيهات جنب التنور ، رحت أتأهب كعادتي لقنص الكروان !.الحرفة التي جبلت عليها من بين أترابي في الدّشرة ! أنا المدلل وقد أبرتني المدينة ! ..أرتدي ساعة وبدلة ميّزتني عن الفتيان !..عانتقتني الدّشرة عناق الأم الرّؤوم ! ..ظباؤها يهمن بي غير مكترثات بأطفال المواشي ! حطّت بمناكب دشرتنا خيم مهلهلة جشعا في حق الله مما جاد به من قمح وشعير ! ، وأنا غير عابئ.. فما يهمّني سواء قنص الكروان ! ..ذلك الأنيق الذي رضعت حبّه مع الحليب وبني عشّه في دمي ..رحت بمساء ماطر أترصّده بشوق ..منشغلا بهبوطه جنب البيدر.. إلى أن تولّهت على قدوم امرأة تحطّ رحالها بدشرتنا !..تركت الفخة في انتظار هبوط الكروان ..وهرعت من باب الفضول ،فإذا بامرأة هيفاء تنزل الّدشرة قادمة من أقاصي وادي القطفة ! ….نزلت كمزنة على الأرض العطشى ! ومن نظرة جنّنت البدو بطولها السّامق وليلها المتهدل !.ولم نر قط امرأة أجمل وجها ولا أسود عينا ولا أحمر وجنة …..خمرية بملامح الغجر ! قيل بأن زوجها توارى بعدأن أدمنته جنّية وطارت به في ظروف غريبة وغامضة ! وراج بأنّها تزوّجت جنيّا جعل الدّنيا في كفّها وصبّ جاذبية على محيّاها الجميل ! ….خونية لها بنات في عمر الزّهور ! ..مرابطة تصنع العجائب ..تأكل النّار ودخّان العرعار ! ..تمارس طقوسا غريبة لسحق السّحر والعين الشّريرة.. ولها حكمة في طرد الجن بجنّها الذي يسكنها ! ..مفتاح العوانس بيدها ! ، هكذا شاع في الدّشرة والبوادي المجاورة، وهذا مما جعلهم يتقاطرون عليها أمواجا عارمة من البشر ! نساء ورجال وبنات !..البيت التي تكرّم به للخونية أحد الأعيان استحال محجّا وزاوية ! وبدأ البيت تكبر بحكمتها وببشاشتها الضّحلة عند النّساء ! ..وبين عشية جلبت لهم ملامح المرح!، وصاروا ينحنون إجلالا ولا يأتمرون إلا بأمرها ! وعلى نيّاتهم واهمين بأنّ الموت بيدها ! ….بابتسامتها السّاحرة خطفت قلوب الرّجال ! ..زهوانية نالت شغف البدو بالرّقص والغناء ! ..براعمها الغضّات فراشات تشتهي الموت على وهج الشّموع ! بقلوبهم ظفرت بتاج الملكة ! لذلك كانت تعتني بنسائهم إلى أن سلبت ألبابهم ! ، ولا ادري لماذا أنا أحسست بشعور طفل أبله بأنّها تميل إليّ كل الميل ؟ فوجدت نفسي أنجذب إليها كحمل وديع !..وقعت آسيرها، فأعلنت إلحادي عن قنص الكروان إلى حين !وبعد فوزها بالعرش، ها هي لالة الخونية بدأت تحسّسهم بماهية الحضرة !..تنازل رجال البوادي عن عوانسهم طاعة لها وإجلالا ! وهي تتمطّى وتستغل سحرها ! وقد جعلتهم على هيئة عبيد !..والزّوار يزدادون بنسائهم وبناتهم في كل ليلة ! ولا يكفّون عن التوافد، ودار في خلدي رغم سذاجتي بأن الخونية متفّتحة في عمقها حد التفسخ وتبيح كل محظور ! ..أعطت للعوانس حرّيتهن المطلقة ! ،وهاهن يتأهّبن عشية كل خميس لاعداد الكسكمس للزوّار ! وبعد العشاء ينجد المراح وترصّع زواياه بلبات الجاز ! كلّفتني لالة بحتمية الدّخول مقابل براءتي ! وأناعلى يقين بأنّها قد أحبّتني ولا أنكر بأنّني ملت حد الانصياع .. ولا أنكر أيضا بأنّها تنحني للشيطان ..! ولحاجة في نفسي ونكاية لم أفصح ولم أبح بسرّها !، الحالة زاهية بكل الألوان ، وهي تتبختر ببرجها، يحفّها حشد من جميلات البوادي ! ، وبغتة أعلنت لالة بداية الحضرة، فاشرأبت الأعناق وتزاوجت الزرنة مع عبق الكتى ! ،..يتضوع مسك البوادي فترى المتزينات ساكرات حد النّشوة ! ، يجلجل البارود تعزفه أنامل الرّجال من خلف الجدران ! ، تفتتحها بالترنم ! والحاضرات يتغنجن حولها بالمباخر.. تهيج جنونها بالجاوي والبخور ! ، النّساء يبدأن الرّقص بأمرها وترى العتبات قد غصّت بفتيات متعدّدات المقاصد بليلة قد ودّعن فيها تسلّط القبيلة إلى أجل غير مسمى ! ، وجاءت دالة الخونية التي ينتظرنها على نار ، تعطّرت بعطرها الآخاذ !..السماشة الذّهبية تتلالأ على صدرها وعلى جبينها شناق من الفضّة النّاصعة! ، إستهلّت الرّحبة برقصة بوسعادي فتعالت الزّغاريد ! ، ولاح خصرها الشبه عاري! والعذارى يتقرّبن منها يضمخنها بالطيب والذّريرة ! وتستمر الغيطة.. تعمل عيطة ..تسايرها البنادير في إيقاع منسجم ! ، تسقط لالة في الحال ! ..تمارس جنونها الغريب ! ..تزدرد حفنة من الجمر المتأجّج وتسكب عطر الزّواي في جوفها ! ..تخرج خنجرا.. تغرزه في بطنها ! وتنادي عمن تريد الزواج ! ، فتتقدّم منها أجمل الحاضرات واجفة !..تزكم منخرتها بالشّمة الأغواطية فتترنح سكرى ! ، فتضع على أعطافها شالا أخضرا ، تنحني الخونية وتمسد خصرها والنّساء يولولن ! ، العجائز يتمتمن في هلع ممزوج بالعجب ..ولا تلبث هذه اللّعبة الشّيطانية أن تنتهي بسلام ، وعلى حين غرّة تقدّمت منّي الخونية ..أمسكتني ورمت بي داخل الحضرة ! وتعالت الزّغاريد من جديد ! ، هرعت إحداهن وزمّلتني بزمالتها المرشوشة بعطر الزّواي ! ..ربّتت على كتفي.. بخّتني بقطرات أسكرتني ! نلت إعجاب الحاضرات و كانت كل واحدة تنوي الظفر بخفّة الرشا !..من هذه أنشق عطرا ومن تلك أراشق ببتلات النّعمان ! حتى عانقت الثرى والعرق يتصبب بكل أنحاء جسدي ! ..مدّدتني الخونية ودنت مني إحداهن ودثرتني بشالها المعطّر ! ..سكبت عليّ قارورة السّنبلة بأكملها.. وراحت أناملها تمسح على جبيني.. تمزّق حبّات العرق، إلى أن أفقت من بليّتي على تحسّس أنفاسها ! وقفزت كالأرنب البريّة وتكرّمت عليّ بلوح من الرّمان ! ثم إنتشلت مني شالها المخضّب ..تشمّمته وقبّلته بلهفة ولملمت به ريش الغراب ! ، تهاديت منبطحا بين النّساء وصاحبة الرّمان وتمنع عنّي فضول المغرمات ! ، ورحت أنا أسرق النّظر من الورد البشري وأتصيّد النّشوة من مزنة البخور التي زادت من بدعة المكان ! وهي تمتزج بأعراف الياسمين المعرّشة ! ،وبعينين زائغتين لم تزل صاحبة الشّال تلاحقني كقدري غير آبهة بطفلتها التي استبد بها الكرى! وأنا أترقّبها ببلاهة ساذج تشغله حبّات النّبق الأرجوانية من شجيرات السّدرة التي حفّت بها المناكب ، غير عابئ بأشواكها الشّرسة ! ،وكانت رائعة الجمال يبتهج كل من تتعلّق عيناه بها ! تمنيت في النّجوى لو تكفّ وتتركني لحالي ..لكنّها راحت تومئ لي مصرّة على غوايتي ! ..دفعتها دودتها وعزمت أن تنال من طفل لا يعرف للحظة الجنون معنى ! ..موجة قد أعمت بصيرتها حالت بينها وبين العارإزاء النّساء ! ، أشارت بأن أدنو منها ! فدنوت مرغما ..جامد الوجه !..لم أفهم !تأجّجت شهوتها الأمّارة بالرّذيلة..مستسلمة لجنون الرّغبة ! فضمّتني إلى صدرها فكدت أختنق من العطور.. وبلهفة غير مبالية أخذت في إثارتي ! وتجاهر أمامهنّ وتتباهى! ،أوقعتني في حرج بأمر لا يعنيني ولم أرغبه ! وكنت في خشية من الحاضرات أن يأبهن وتشاع الفضيحة التي تضربها عرض الحائط !..وتركت العنان لراحة مخضّبة تداعب شعري، وأنا على شفير خصرها مترددا وحائرا ! والزرنة تتمادى في صخبها دون توقف ! ، همست لي بالتسلل إلى حظيرة السّخال النّائية من البيت .. أنتابني شعور غريب ..فالمقلب أكبرمني ! ..وتستمر في تكرار القبل على الخدّ وعلى الجبين !ولا تخشى عن طفلتها المسافرة في الكرى ! ومازحتني هامسة أطعمتك الرّمان وسأطعمك فاكهة اللّيل التي لم تذقها منذ أنجبتك هذه الدّشرة ! .وباتت تراودني لكنني قد أحجمت بخجل .. تركتها في خبلها الذي إعتراها وتسلّلت مندسا بين نساء يوزعن الرّوينة لأتخفّى من قدري ! .خابت ظنونها بعد أن أفلت من نمرتها الجائعة ، تمرّدت تمرّد البلاهة وعزمت بأن لا أبالي بنظرات الكراهية ولا لبغضها الذي أحسسّت بأنّها تكنّه لي ! وأدركت بعد ساعة بأني لم أقرأ سورة النّساء! .وخلسة تخرج الخونية وبصوتها المبحوح أعلنت ختم الدّيوان .تقدّت مني مبتسمة مغتبطة وأمرتني أن أسلّم على جبين الولهانة .. وكأنّها تنبّأت بالحكاية وانتهى السّمر ! واستمرت في حضرتها كل خميس وكان حضوري محتشما إلاّ من مر الكرام، ! .والأيام تمرّ بسرعة رعناء وينثر الخريف أوراقه! .ترحل الخونية تاركة وراءها قصصا من العشق و الغراميات ! وأبارح أنا دشرة الزّهو وقد نادتني مدينة الشّرفة بزاويتها الحرّة معبئا بالذّكريات ! .تسكنني الفاتنة ! إنسلخت عن الطّفل الذي كنته بعدما لا حقتني الأسطوانة تردد على مسمعي كلّ ما سمعته جنب الحضيرة !. يمكن أن أنسى كل أجساد الياسمين التي كانت تتمنّى في صمتها أن تطوّقني ! لكنّني أبدا لن أنسى من هامت بي جنب الحضيرة ! ، أفقت اللحظة على عبثها ! ..كما أيقظت على خنجر النّدم ..تراءت لي ملكة بتاج وحضيرة السّخال قصرا منيفا !..واشتدّبي الحنين لأطير وأرى مغناها وأخمد نيران الأشواق! وفي الغدّ قصدت سوق الماشية علّني أرى من يدلّني ! فقابلني شيخ يرتشف الصّفاي.. أه عرفته هو من دشرتنا ! .. حنوت له فرّحب بي وطلب لي خرجلانا وإزاء فنجانين سألته بجرأة عن المرأة التي كانت لا تتوانى عن الخونية وعن طفلتها ! ..فحدّثني بالتفاصيل غير المملة ، بأنها كانت تسكن بدشرة منّاعة ..لكنّها رحلت ككل الذين قد طاردهم القحط صوب التّلال !نأت عن مرابعنا كمزنة عابرة ! .فامتلكتني رغبة في البكاء متحسّرا في النّجوى عمن منحتني الحب الكبير .. و على يقين بأنّ العثورعلى بيتهافي آخر الدّنيا ضرب من الخيال! ..توارت الجميلة مثلما تواريت أنا عن الأهل والخلاّن ! ، كطالب بالمدرسة الحرة أبيت على الطّوى !، أنستني المذاكرة والكتب ..فلا كروان ولا حضرة ولا حضيرة !أنا غير مستقر.. تسكنني من فضّلت الرّحيل.. هي السّاعة من ضمن دفاتري ! ..أتذكرها لأقتل رتابة المساء ! ..أبحرت في يم التّفكير فيها .. فركنت إلى الخلوة والعزلة ! ،أصبت بوباء السّجارة.. أطيافها تغتصب وحدتي .! ..قابلني وجهها المشرق هذا المساء فأخذت ورقة ورسمتها بقلم الرّصاص! فأدركت بأنّها فجّرتني ورحلت ! .دخل سيدي بغتة فوقف مذهولا لهذا الانجاز ! …شكرني وبارح، تأمّلت الورقة فانبهرت لعينين غارقتين في السّواد ! ..وهاهي تؤلمني وستظل تجرحني ! ..سامحتها على عبثها بالليالي وسامحت نفسي وغفرت لها نزق الطفولة ! ،أدمنت على الرّسم.. جسدت ملامحها بلوحات ..رصّعتها على جدار الغرفة ! وبليلة حالكة حلمت برجل قد زارني من وادي عبقر.. أهداني ريشة تقطر حبرا !ومع إنبلاج الفجر وجدت نفسي أنثر أشعارا.. أتذكّر من خلالها ملهمتي وأتغزّل بمن أختارت أن تفجّرني وتتوارت بين الفجاج !، انطلقت على يدها شاعرا يرسم بالكلمات وهي لا تدري ! وتمرّ السّنون وتنحتني التجربة ملاّحا في بحر السبب والأوتاد ! ..لمع اسمي وبدأت مرحلة السّهو السّلوان..والبريق كفيل بأن أجتثها من حياتي ! دخلت عالم الأمسيات ..قرأت الكتاب الكبير ..لاح شاعري في كل وادي ! ..شهرتي وراء تناسل المعجبات ! قتلت ملهمتي ولحدّتها وشكرتها في منفاها لأنّها وراء هضمي لروائع على محمد طه ونزار!وكنت ممّن طرق أبوب النّجوم.. من طفل ساذج حياته الكروان ! ..وها أنا أجني ثمار المعجبات ..أحصدها مثلما كنت أحصد سنابل القمح السّخية ! وشاء ودخلت قطاع التربية عن جدارة.. يسبقني اسمي وتفرضني قصائدي التي كانت تشبهني ! ، يحبّني سيدي المدير وأسرة الرّسالة السّامية ، إنفتحت أبواب السّماء لشاعر مسرحه الدّنيا! ..أحضر المهرجانات بهامة بسموق النّخلة وأنا وردتها ! يزداد عدد المعجبات في كل يوم بعدد القصائد التي أطرزها من باديتي ومن عبق الشويحات البرّية التي أعطتني أكثر مما أعطتني الاعدادية الحرة ! ..إحترفت تحبيك الزّهور رحت أقطف من كلّ أيكة زهرة ! ، الكثيرات يحلمن بقنص صورا إلى جانبي وأكابر للحفاظ على سمعة الشّاعر الذي يسكنني ! ، أستاذي الخلوة ..أتجنب مخالطة من تربطني بهم ساعات العمل ! ، أعجب بي أحدهم وأحبّني وأنشغل بقصائدي إلى أن انثني بي إلى مقهى المدينة !فتح لي قلبه وفتحت له ..حدثته عن حلي وترحالي وبحت له بما يشبه السّر ! ، ويحدثني بروية عن عدد المعجبات اللواتي يبحن له بذلك الاعجاب ! ، وكان حديثه شائق وبنكهة فنجان القهوة وسجارة الويسطو أسهب يحدّثني عن فتاة بأنّها جاءت من مدينة الورود تشغل معه ! وبعد وصفها الذي نبتت من خلاله أجنحتي ، أنبأني بأنها فاقت كل المعجبات ! ، تقصّ أثري ..تقرأ لي برغبة مختلفة ..تقصّ قصصي وأشعاري وتخبّئها في حافظتها! ، شغفت بي كما شغفت بها اللحظة واهتزت لها أفئدتي قبل أن أراها ! وها أنا أحلم بأن أهدي لها إصداري الجديد ! ، لم ينه الحكاية المشوّقة وراح يحدّثني عن المعجبين بجمالها وثقافتها وحضورها وتغنّجها وعدد الذين حاولوا إسقاطها ..لكن كمن يمخضون في الماء ! ، اقترح بأن يتكرّم عليّ برقم جوّالها، وقبلت مرامه برحابة صدر ، سجّلته وغادر مثل النّسيم إذا سرى ، وبرفقة شاي بالنّعناع طلبتها على أحر من الجمر ! ..كلّمتها بنبرة الشّاعر : مساؤك سيسان ! فردّت مغتبطة وبأدب من؟ ! شاعر البوادي .أعرفك أكثر منك ! ..ألا تعرفني ؟أعرفك لحدما ، واستطردت سائلة عن أحوالي.. وسألتها عن أحوالها مع العمل عرّجت عن جديدي وتنقلي بين المحافل كفراشة الرّبيع ! ، حدثتها بإيجاز عن حضوري المثمر و تتويجاتي ، فأحسسّت بأنّها إزدادت إنبهارا وتعلّقا وكتمت ! ، وقالت بأنّها تابعتني عبر الآثير وأستهوتها الحصّة من بدايتها.. وأنّها من تدخّلت عبر الهواء مع صديقة لها ! ..وأقرّت بأنّها جد مسرورة ..وأن لها الشّرف الكبير أن تتعرّف بي واعتبرت جازمة بأنّ ذلك مكسب قد يضاف إلى رصيدها ولم تكن تحلم به ! .أخجلتني بإحساسها.. .شكرتها وأنهينا الدّردشة ، وفي الغد طلبتني يفضحها شوقها بأنّها إنجذبت وسقطت سقوط العصفورة في حجر الفخة ! ..وقعت معجبتي لا محالة في الشّراك ! ومن خلال حديثها أدركت سمو شموخها وتاجها الذي صنعته بأنامل عفّتها ! .فتنازلت عن كبريائي قربانا لها وجعل منها ربيطة وملهمة مع ما تبقى من العمر ! أقرّبأنّها زلزلتني وأسقطتني مثلما أسقطتها ! .ودون أن أشعر وعدتها بأن أكتب فيها نصّا ! .فاغتبطت وتجرّأت ومنّت بقبلة تحملها النّسمات ممنّية بأخرى! فازددت يقينا بأنها إنقادت كبكرة إلى المناهل في شمس الضّحية ! ، وقد أكدّت لي بأنها سوف تعيدلي طفولتي وما إنقضى من شبابي ! ودّعتها على أمل كتابة النّص …لويت إلى ديري وبصحبتي سجارة الويسطو ! ..وسرحت في السّكون أتصيد سرب المعاني ..وجاء النّص مثمرا ومستشرفا ! فكسته إلى صحيفتي المفضّلة ..وبتّ أترقب بزوغه على صهد الحرمل ! إلى أن أشرق الصباح بنشوة المطر ، كم يسعدني وأنا بين طيّات جريدتي ! نصّ موسوم ب ” شاعر يقطف زهرة ” بخط بديع وبصورة أبدع ! ..أينعت خميلتي المونعة ..حطّت أسراب الفواخت من حولي ! كلّمتها ودقّات قلبي تسبق الرّنين ! طلبتها بقنص الصّحيفة، وبكنف الظّهيرة طلبتني تطير غبطة ! ..وقالت بأنّها قرأته قراءة متأنية ..حلّلته .. وأسقطته على نفسها ! ..قصّت الصّفحة ودسّتها بعد أن أطرتها من تصميمها ! ولمّحت..اتمنى ان أراك وفي الحال ليتلاشى وهم شاعر يسبح مع طّيور السّحر! فأغتبطت في النّجوى لمرامها ! وفي الغد تنفّس صبح الرّبيع على قدومها ! ..يطاردها الشّوق صوب مدينتي طلبتني من شاطئها يحرسها الزّقاق ! ، فرحت تسبقني سعادتي ! ..عثرت على غزال الرّملة ، متأنقة ومتعطّرة !وكانت ضامرة جذّابة تضارع شحوب القمر ! دلفت بخفة الظبية داخل الفراشة وصكت الباب وأنا أرى النور على الجبين والورد على الخدّين !تأملتها مليا وكانت عسلية العينين سوداء الشّعر رقيقة الحاجبين ! فكاد الشاعر أن يترنّم من داخلي فأخرسته إلى حين ! .وبرجاء إقترحت نزهة صوب الشّارف ،وكان الجوّ ربيعا زاخرا تضوعت فيه شويحات برية ..قد إرتوت من مطر ليلة البارحة ! فاغتدينا صوب حمّام الشّارف نعبر الفيافي والفراشة تمشي وئيدة ..، منتشيان كعصفورين جمعهما القدر ! وطلبتني مازحة ..أعطيني هنيهة أرقص فيها رقصة التيه والعربدة ، استوقفتني عند العرقوب .. فأخذنا نصيبنا مما جاد به أيار من الكمأة ! وسرنا متماهيين مع الأحاديث إلى أن طرقنا أبواب العبازيز ! ، رويت لها عن أسطورة سيدي عبد العزيز الحاج الذي زار أم القرى على متن صخرة ! تبرّكت بترابها ولوينا إلى حمام الصّالحين …استهوانا المكان ببساطته وبسكينته التي إفتقدناها في جحيم المدن الصّارت مخنقة ! دخلت إلى بقالة كانت عبارة عن دكان صغير بها شيخ طاعن يبدو على محياه بأنّه أدرى بكلّ مقاصد الورى ! رحّب بنا واكترى لنا غرفة. متواضعة. بداخلها حمام عبارة عن مسبح لاثنين لا أكثر ، ركنت الفراشة في ظل الكرمة ، وولجنا الغرفةعلى بركته.وكانت أحنّ من ملهى ليلي بكناستال فوجدناها معجة بالشّموع وملطّخة بالحنّاء ! …خلعت معطفها البنفسجي ! ..تكرّمت بحنانها وجادت بما تملكه من رقة ،! نهلت عيناي من نعومة ليلها الضّحوك.. أتت إلينا من السّفوح نسمة أسكرتنا بعطر الحرمل والخدّة الخجولة ! تمددنا على الحنبل ..أخذتنا الغفوبة وأفقت على مرافقتي داخل المسبح..تعبث بمياهه الحارة مترنمة بأغنية فيروز ” على جسر اللوزيز ” واغرورق الدّمع في مقلتيها! جففت شعرها وانبطحت إلى جانبي تعبث بأنامل الرّشا ! ورحنا نطرق باب المعارف في الأمور ، فاتضح لي بانها بارعة ..متمكّنة في البلاغة وفي النّحو والعروض إلى جانب علم الكلام ! قرأت من عينيها نيّة التّضحية بجوهرتها ! لكنّ شمائل عنترة الذي كبح جموح فحولته بعفته تناشدني بأن أسموبها ولا أنزلها إلى الحضيض ! وجاءت النّهاية على فنجان قهوة بالشّيح ، وودّعنا الانعتاق على أمل.. مؤكدّة لي بأن أصل بها قبل الغروب ! ومشينا معبئين بالذّكريات ، عرّجنا على مدينتي ..انثنيت بها مع درب منّاعة لأطلعها على ملاعب طفولتي ! توقّفت بها على شفير سد منّاعة الكبير ، لكن لا أدري لماذا تجهم وجهها وفتحت النّافذة بمجاز مختلف ..تأملت.. سرحت بعينيها هناك على مد البصر وكأنها تعرف المكان !..غلبتها الآهات وهي تناجي ما تبقى من أطلال ، فلم أكتم حيرتي ورحت أسألها عن سر المناجاة لبقايا دشرة لا تعرفها ولا تسمع بها قط ! لم تجب لكنها أردفت بمرارة : يا حسراه على مرابعنا القديمة ! جننت ولم أفهم ! وواصلت بكاء الصّمت ..مرابعنا التي رضعت حبّها مع الحليب ! فقاطعتها ما علاقة منّاعة بك وأنت الحضرية التي لا تعرف للبوادي معنى ! ..وخامرني الظنون وسألتها ثانية عن والدتها، فأجهشت بالبكاء..أسبلت عبرات مالحة وبصوتها الشّجي ..هذه أطلال أجدادي وهذه تربتي التي رضعتها وليس لي تربة غيرها ! ، فأعادتني الذّاكرة لتلك الطفلة التي كانت تماشي والدتها …المرأة الجميلة.. التي كانت تريدني بالحظيرة زمن الخونية بالأيام الخوالي ! وبأنّها ترعرعت بين التّلال وكبرت وقرعت أبواب الجامعة ! ، كتمت الرّواية حتى لا أزيد لعينين جميلتين عبرات ! وبارحنا الأطلال ..أطلقت سراحها والشّمس ترسل رداء صفرتها على الشّفق الأحمر ! وعدت لأكتب عن أطلال منّاعة من جديد نصّا مفعما بالشّجى .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى