ط
أخبار النجوم

ماساة عبد الفتاح القصرى القصة الحقيقة المبكية لرجل عاش ملكا ومات صعلوكا

 

بالتواريخ والأسماء تقرير همسة

لو أن عتاة التراجيديا والميلودراما اجتمعوا على صياغة سيرة حياة رجل تقلبت به الحياة ما استطاعوا الوصول الى نصف ما لقيه عبد الفتاح القصرى فى حياته لو أنهم أرادوابرهانا على ان المرء ليس أكثر من مجرد ريشة فى مهب الريح فلن يجدوا أفضل من سيرة القصرى دليلا على ذلك ولو أنهم أحبوا استحضار نموذج لرجل رفعته الايام الى السماء السابعه وفجأة القت به دون أية مقدمات الى ماهو اسفل من الارض السابعة لما احتاجوا الا لتذكر مشوار هذا الفنان ولو أنهم شاؤوا التأكيد على أن عذر الناس أقوى وأقسى من غدر الايام والسنين فما عليهم الااسترجاع الأشهر الأخيرة من عمر ذلك الرجل

لقد كانت سيرة هذا الكوميديان اقرب الى سيرة بطل تراجيدى أوقعه قدره وربما سوء تصرفه فى الخطأ المحتوم الذى لا فكاك منه فكان عليه ان يدفع الثمن باهظا وان يصبح الانهيار دراماتيكا وواصلا الى القاع الذى ليس من بعده قاع

 هكذا شاءت الاقدار لعبد الفتاح القصرى …..أن يفنى عمره فى أضحاك الملايين ثم يبكى أيامه الأخيرة وحده خلف قضبان من الحديد أن يمضى حياته بين الناس الذين أحبهم وأخلص لهم ثم يرحل عن الدنيا وحيدا دون ان يودعه أحد تقريبا …..أنها سيرة كوميديان بدأت بضحكات عالية ثم انتهت بأنات مكتومة

ربما لم يسمعها صاحبها أو على الأقل لم يعيها

 عبد الفتاح القصرى من مواليد حى الجمالية بالقاهرة لأب كان يعمل فى زخرفة الذهب ولديه محله الخاص بمنطقة الصاغه القريبة من بيته ويقول خيرى شلبى بمجلة الاذاعة والتلفيزيون فى 22/11/1997 أن جذور عائلة هذا الفنان تمتد الى العصر الفاطمى استناداً الى ان لقب (القصرى) كان يطلق فى ذلك اوقت على كل من يعمل فى بلاط وقصور الحكماء والأمراء مما يعنى أن هناك أكثر من قصرى بتعدد العاملين فى تلك القصور وتعدد القصور أيضا لأن اسم المهنه انتقل الى لقب العائله تماما مثل الترزى والحدادوالطرابيشى وهكذا وان كان هناك هناك رأى أخر يقول أن أصول عبد الفتاح القصرى  من صعيد مصر وبالتحديد من مدينه الاقصر وان لقب العائلة أشتق من نسبها الى المدينة ( الاقصرى)    وان المصريين هم الذين حولوه مع الزمن الى القصرى على سبيل التخفيف كما هى العادة وهنا تجدر الاشارة الى أن الفنان الراحل لم يتطرق مطلقا  فى أحاديثه المنشورة الى أصول عائلتة أو الى أية جذور غير قاهرية له

 وكغيره من نجوم عصره لا أحد يعرف على وجه اليقين تاريخ ميلاد عبد الفتاح القصرى تقول كل المصادر المتاحة أنه من مواليد عام 1906 الوحيد الذى خالف هذا الرأى كان جاك باسكال فى كتابه المهم (الدليل السينمائى للشرق الاوسط وشمال افريقيا ) حيث أشار الى أن القصرى من مواليد 1905 ولى 1906 ولا أميل الى هذين التاريخين لأن هناك ايضا حقائق تاريخيه مرتبطة بحياته تؤكد ان مولده كان أسبق من عام 1905 بأعوام فالاديب والصحفى صالح جودت يذكر بمجلة الكواكب فى 3/11/1953 كان القصرى على قيد الحياة أن اول فرقة مسرحية عمل بها الفنان الكبير كانت فرقه المحامى عبد الرحمن رشدى وهذا ما يؤكده القصرى بنفسه فى كلامه للصحفى حسين عثمان الذى نشره فى الكواكب فى 5/5/1970 حين قال انه عمل فى أول فرقه اسسها عبد الرحمن رشدى ليس هذا فقط بل انه حكى انه قبل استشغاله بالتمثيل كان يهوى متابعة الفرق المسرحية ومن بينها فرقه فوزى الجزايرلى التى كانت تقدم عروضها على أحد مسارح الحسين وهناك استمع الى صبى صغير اسمه ( محمد البغدادى) يغنى أغنيه مطلعها ( أنا صوتى كمنجة وأحب المنجة) ولم يكن هذا الصبى سوى الموسيقار محمد عبد الوهاب

والذى يهمنا هنا ان القصرى شأنه شأن معظم كوميديانات عصره حققت نقلة نوعيه مهمة بالتحاقه بفرقه الريحانى يكفى ان الريحانى هو الذى دفعه الى الاحتراف الكامل حين طلب منه ترك مهنه صناعة الذهب والتفرغ تماما للفن وعوضه فى سبيل ذلك بمرتب مغر وثابت صمن له استقرار حياته ثم أن الريحانى هو الذى وضع يده على شخصيه المعلم أبن البلد التى صنعت شهرة القصرى حتى اليوم وهو الذى ظل يدعمها ويضمها من مسرحيه الى اخرى بل وانتقل بها صاحبها الى شاشه السينما محققا من خلالها أقصى درجات النجاح الجماهيرى ومن هنا كان طبيعيا ان يستمر القصرى فى مدرسه الريحانى حتى وفاة ناظرها سنة 1949 ثم يحاول التكييف مع الناظر الجديد بديع خيرى لكنه لم يستطيع فأنضم بعد سنوات الى فرقه اسماعيل ياسين عند انشائها سنه 1954 واستمر بها حتى اخر دقيقه له على خشبه المسرح حيث بأت مأساة أشهر حياته الأخيرة قبل وفاته سنه 1964

نعم لقد كانت مأساة انسانية بكل المقاييس لرجل كان كل همه اسعاد الناس فذاق من بعضهم اقصى ما يمكن أن يتحمله بشر رجل جعله القدر, سببا فى رسم البسمة على الوجوه ثم كال له هذا القدر من صندوق العذاب والهوان مالا يطيقه انسان وكانت بداية النهاية فى صيف 1962  حينما وقف القصرى على المسرح يؤدى أمام اسماعيل  ياسين مشهدا معتادا وعندما هم بالخروج من الديكور الجانبى اظلمت الدنيا فى وجهه فجأة واكتشف الرجل انه فقد بصره أخذ يتحسس قطع الديكور وهو يصرخ ( مش شايف) وظن جمهور الصاله أنه جزء من المسرحية فزاد ضحكهم وتصفيقهم للرجل الذى كان يعتصر من الالم وادرك اسماعيل ياسين أخيرا هول المأساة فأخذ بيده الى الكواليس

لينفجر القصرى فى البكاء وهو يصيح ((مش شايف))((نظرى راح ياناس)) وعلى الفور تم نقله الى المستشفى حيث تبين أن ارتفاع نسبة السكر هو المسؤول عن فقدانه البصر

وبعد ثلاثة أشهر عاد اليه بعض من بصره لكنه كان دخل فى دوامة أخرى أشد وطأة فقد أجبرته زوجته الشابه على تطليقها بل وأجبرته على أن يكون شاهد على زواجها من صبى  البقال الذى ظل القصرى يرعاه لمده خمسة عشر عاما حيثما ذكرت عائشه صالح فى الكواكب بتاريخ 17/3/1964 واقام الزوجان فى شقة الرجل وأمام عينيه دون ان يستطيع أن يحرك ساكنا بعدان كانت الصدمة قد افقدته عقله ودخل دوامة الهزيان وفى 24/1/1963 نشر محمد دواره بصحيفه الجمهورية صورة مؤثرة للقصرى وهو يمسك باسياخ حديد شباك شقته الواقعة بالدور الارضى فى حارة جانبيه من حارات شارع النزهة المتفرع من شارع السكاكينى

 ومن بين ماكتب بجوار الصورة وبدأ الضوء والحياة يفارقان عينى القصرى تدريجيا …..خشيت مطلقته أن يشكوها لآحد فأغلقت دونه الباب وأغلقت عيونه الذابلة العالم كله فى وجهه القصرى يصرخ كل يوم من وراء النافذة يطلب من السكان سيجارة وصغار الصبيه يضحكون منه اليوم

بينما اباؤهم الذين ضحكوا منه الامس يبكون

والزوجه السابقه وزوجها الجديد يخرجان كل يوم للتنزه باموال القصرى ولا ينسى احدهما ان يغلق الباب وراء المأساه التى أسمها عبد الفتاح القصرى.

وحينما حركت المأساه قلب الفنانه مارى منيب اصطحبت معها زميلتها الفنانه نجوى سالم وراحتا تزوران صديق العمر فى شقته المتواضعة ونشرت الجمهوريه تفاصيل الزيارة المثيرة فى 31/1/1964 حيث ادعت احدى صديقات مطلقته ان القصرى غير موجود فى الشقه فلم تسمح لهما السيدة بالدخول الا بعد معاناة وبعد أن أخفت مطلقه القصرى نفسها ظهرت لتقابل مارى منيب مدعيه أنها تعامل مطلقها احسن معامله وبعد الحاح وافقت السيدة على ان تأتى بالقصرى للقاء زائريه وعادت بعد ربع ساعة كاملة وهى تقود القصرى لتكشف مارى ونجوى سالم ومعها محمد دواره فداحة المأساة …..لقد فقد القصرى ذاكرته أو جزءا كبيرا منها , وفقد ايضا البصر وان كان يتضح انه يرى وعلى الفور قررت مارى منيب ادخال زميلها المستشفى على حسابها واسرعت بالاتصال بمستشفى الدمرداش حتى تحجز له سريرا هناك لكن المأساة لم تنته عند هذا الحد فقد عاد الرجل بعد أسابيع الى بيته ليكشف ان مطلقته باعت اثاث المنزل وتركته على البلاط وبعد ايام  كان قد دخل من جديد الى مشفى القصر العينى حيث تأكد طبيبه المعالج د.ذكى سويدان من اصابته بتصلب الشرايين أثرت على اجزاء كبيره من المخ مما ادى الى فقدانه للذاكرة واصابته بالهزيان وعلى الجانب الأخر كانت البلديه قد وضعت الشمع الأحمر على البيت الذى يسكن فيه تمهيدا لازالته فأصبح الرجل ليس فقط أسير محنه المرض وانما بلا مأوى ايضا.

 وضربت نجوى سالم مثلا رائعا فى الوفاء حيث سارعت على الفور بمخاطبه كل الجهات لانقاذ القصرى فقررت نقابه الممثلين صرف اعانه عاجله قدرها عشرون جنيها ولم تنسى النقابه المشكوره أن تخصم منها مبلغ سبعه جنيهات قيمه اشتراكات متأخرة على القصرى كما قررت النقابة أن تصرف له معاشا شهريا قدره عشر جنيهات وسعت نجوى سالم ايضا لدى صلاح الدسوقى محافظ القاهرة وقتها فحصلت للقصرى على شقة بالمساكن الشعبية فى منتطقه الشرابية ايجار 280 قرشا فى الشهر ودفع يوسف السباعى من جيبه خمسين جنيها لشراء غرفة نوم حتى يجد القصرى سريرا ينام عليه كما وفرت له نجوى سالم جهاز تليفزيون 14 بوصه عن طريق صلاح عامر رئيس مؤسسة السينما والمسرح والتليفزيون

غير أن هذا كله لم يكن كافيا اذا كان علاج القصرى يحتاج الى نفقات دائمة فقادت الفنانة هند رستم حملة بين الفنانين للتبرع لعلاج زميلهم

ونشرت الجمهورية فى 14/3/1963 قائمة بأسماء المتبرعين لابأس من ذكر ما جاء بها من أسماء فريد الاطرش (100 جنية ) عبد الحليم حافظ (50 جنيها ) كل من شركة دولار فيلم وشركة الشرق ( 30 جنيها ) وكل من جمال الليثى وجبرئيل تلحمى (25)

وكل من شادية وعباس حلمى (20) وحلمى رقلة (15) ومارى كوينى(10) وخمسة جنيهات كل من مريم فخر الدين أحمد مظهر وحسن رضا وكامل حقناوى وحلمى عزب

وقد يرى بعضهم الان أننى أفضت فى تفاصيل مأساة القصرى ولكننى فى واقع الحال وجدتها فرصة لأقدم – أولا – كارثة لرجل لم يربح من فنه ولم يجن ثروات أو يقم مشروعات

ثانيا . دور كل من أحاط بهذا الرجل فى مأساته ومن كان وفيا لزميل العمر ومن هم محترفوا البحث عن ادوار وبطولات

يكفى الاشارة هنا الى ان عبد الحليم حافظ ( لم يعمل مع القصرى قط) ومحمد الكحلاوى هما فقط اللذان زاراه فى غرفته المتواضعة بمشفى الدمرداش بالاضافه طبعا الى نجوى سالم التى كانت لا تفارقه وتقسم معه لقمة عيشها وحينما وضع القدر نهاية لتلك المأساة واعلنت مستشفى المنيرة فى التاسعة من صباح الاحد الثامن من مارس 1964 وفاة عبد الفتاح القصرى بعد أيام من دخوله اليها لم تجد شقيقتة ( بهية ) بجوارها فى جنازته سوى نجوى سالم وصديقين له هما قدرى المنجد وسعيد عسكرى الشرطة وفى الطريق الى مدافن باب النصر توقفت السيارة لتلتقط رجلين أخريين ( حلاق وترزى ) ليحمل الرجال الاربعة على جثمان القصرى ويشيعوه الى مشواره الأخير

والشئ المضحك حد البكاء ان مصلحة الضرائب بحثت بعد عام 1971 عن شقيقة القصرى بعد سبع  سنوات من رحيله المفجع لتطالبها بمبلغ ( 1482 جنيه و 220 مليما )

قيمة الضرائب متأخرة على الرجل الذى افنى عمره فى خدمة الفن وعاش أشهره الاخيرة معدما من كل شئ

الصحة والمال ووفاء الزوجة والاصدقاء

رحيل القصرى بعد ان قضى عليه الأكتئاب النفسي

رحل ابن البلد الذى يحمل بين طياته شفافيه وتقاء وخفة دم ومرح اولاد الحارة

رحل بعد اصابته بالاكتئاب فى نهاية حياته ولم تقف جواره سوى الراحلة مارى منيب ونجوى سالم

بينما تخلى الجميع عنه فى المحنه التى عرض لها مما جعله صريع الاكتئاب وانتهت مسيرة بالموت.

images 268px-abdel-fatah 20140325_120504_1085





admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى