ط
أخبار متنوعة

الناقد الفني أحمد عبد الصبور : الروائي ” إسماعيل ولي الدين ” الذي عشقت السينما المصرية رواياته وقضى عمره على حالين مختلفين بين الإنتشار والعزلة

كتب / أحمد حمدى

إستضاف برنامج واحة الفنون على قناة النيل الثقافية ، الناقد الفني ” أحمد عبد الصبور ” في حلقة خاصة عن الروائي الكبير ” إسماعيل ولي الدين ” .
برنامج واحة الفنون … من تقديم الإعلامية : رانيا عادل ، وإشراف عام : أسامة بهنسي ، وإشراف فني : أشرف الغزالي ، ومن إعداد كلاً من : محمد أبو بكر ، وإيمان ذكي ، ومخرج منفذ : أحمد فخري ، وإخراج : أشرف السايس .

وقد تحدث الناقد الفني ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
ولو نظرنا إلى تاريخ الإبداع المصري أو الثقافة المصرية ، نجد كل عقد أو كل حقبة زمنية ، يصعد كاتب في جيله يحقق شهرة واسعة .
الكاتب الروائي ” إسماعيل ولي الدين ” الذي أشتهرت أعماله في فترة السبعينات والثمانينات ، وتخطت رواياته أكبر كتاب عصره ، حتى مبيعات ” نجيب محفوظ ” نفسه ، وتحولت الكثير من أعماله إلى أعمال سينمائية وكانت هناك الكثير من الصراعات لإنتاج أفلام مقتبسة من كتاباته ، ومن أشهر رواياته : حمام الملاطيلي ، والباطنية ، والأقمر ، والسلخانة ، ودرب الهوى ، وأسوار المدابغ ، وأبناء وقتلة ، والوحوش الصغيرة ، وحارة برجوان ، وبيت القاضي ،،، وغيرها من الأعمال ، كما تحولت تلك الأعمال إلى أفلام حققت نجاحات كبيرة في عالم السينما ، ثم إعتزل وإبتعد عن مجال الكتابة في التسعينات إلى يوم وفاته .

وأضاف ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
الكاتب ” إسماعيل ولى الدين ” قضى عمره على حالين مختلفين ، الحال الأول الصخب والإنتشار ، حيث تحولت معظم قصصه ورواياته إلى أعمال سينمائية شهيرة في فترتي السبعينيات والثمانينيات ، وكان المنتجون يتنافسون على كل ما يكتبه ، والحال الثاني في عزلة تامة ، حتى ظن الناس أنه مات منذ سنوات ، قبل أن يتصل به أحد الصحفيين من صحيفة الأخبار في سنة 2015 م ، ويوافق على إجراء حوار فيعرف الناس أن مؤلف أفلام : ” حمام الملاطيلي ، والباطنية ، ودرب الهوى ، والسلخانة ، وأبناء وقتلة ” لا يزال على قيد الحياة .

وقد رحل مؤخراً في 21 يوليو 2021 عن عمر يناهز 86 سنة ، في صمت أيضاً ، هذا الصمت الذي إختاره ربما لظروف خارجية ، وربما لتغير ذائقة القراء والمتابعين للسينما ، السبب الحقيقي ليس معروفاً ، لكنه صار مثالاً على الكاتب الذي يملأ الدنيا ثم يختفي كأنه لم يكن … !!!

وأستطرد ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
والمعروف عن ” إسماعيل ولي الدين ” أنه من مواليد 15 ديسمبر 1935م ، وتخرج في قسم العمارة بكلية الهندسة في جامعة القاهرة في عام 1956م ، وإلتحق بعدها بالعمل في القوات المسلحة كضابط مهندس على مدار عشرين عاماً حتى وصل لرتبة عقيد ، وتفرغ بعدها للكتابة الأدبية ، وتحولت العديد من رواياته إلى أفلام سينمائية ، منها : ( حمام الملاطيلي ، الأقمر ، حارة برجوان ، الباطنية ، أبناء وقتلة ) .

كذلك مما عرف عنه أنه كثير من الأعمال السينمائية المستوحاة من رواياته لم تكن تعجبه ، وكان يبدي إعتراضاً على طريقة المعالجة ، حتى أرجع البعض سبب إعتزاله إلى إعتراضه على طريقة معالجة فيلم ” الباطنية ” .

وأشار ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
يعتبر الكاتب ” إسماعيل ولي الدين ” من أهم الكتاب الذين تناولوا مرحلة نكسة 1967 م ، حيث أن أدب ” إسماعيل ولي الدين ” يعكس ذلك ويعبر عن تلك الأزمة ، وحينما بدأت مرحلة السبعينات بالإنفتاح وتحول قيم المجتمع المصري ، كانت كتاباته هي المُعبرة عن تلك المرحلة .

لقد إنشغل الجميع بظاهرته التي بدأت منذ نهايات ستينيات القرن الماضي وأوائل السبعينيات ، حيث كانت رواياته وأعماله تباع في كل الأماكن ، أمام السينمات ، وفي الأكشاك وعلى الأرصفة ، ومنذ ثالث أعماله الأدبية رواية ” حمام الملاطيلي ” والتي تم تجسيدها في فيلم من أشهر أفلام السينما المصرية ، حيث قدم رائد الواقعية في السينما المصرية المخرج ” صلاح أبو سيف ” فيلم ” حمام الملاطيلي ” في عمل فني من بطولة : ” شمس البارودي ” و ” يوسف شعبان ” والوجه الجديد إنذاك ” محمد العربي ، وهو الأمر الذي أغرى ” إسماعيل ولي الدين ” بمغازلة السينما التجارية .

وأكد ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
لقد بدأ ” إسماعيل ولي الدين ” حياته الأدبية كاتباً للقصة القصيرة ، وصدرت له بالفعل أول مجموعة قصصية تحت عنوان ” بقع في الشمس ” عام 1968م ، وبعدها إتجه لكتابة الرواية وظهرت أولى أعماله الروائية تحت عنوان ” الطيور الشاحبة ” ، ولكن وفي نوفمبر من عام 1969 إنتهى ” إسماعيل ولي الدين ” من روايته ” حمام الملاطيلي ” ونشرت لأول مرة في سلسلة ” كتابات معاصرة ” عام 1970م ، وكانت بمقدمة للكاتب الكبير ” يحيى حقي ” .

كتبت رواية ( حمام الملاطيلي ) أواخر عام ١٩٦٩ وصدرت في طبعتها الأولى عام 1970 ، وتدور أحداثها في إحدى الحمامات الشعبية التي تحولت كوكر لتعاطي المخدرات والممارسات الجنسية الشاذة ، كانت الرواية جريئة جداً في تطرقها لموضوع الشذوذ الجنسي .

لكن خارج هذه الأجواء المشحونة بالسقوط القيمي والتأزم الأخلاقي حفلت الرواية بوصف جمالي مسهب للقاهرة القديمة وآثارها … فقد بدا ” إسماعيل ولي الدين ” عاشق العمارة حاضراً في فضاء الرواية بهواجسه وشغفه أيضاً .

لم تستفد الرواية من تحويلها إلى عمل سينمائي في البداية ، فقد تم منع الفيلم من العرض في دور العرض السينمائي لمدة عشرين عاماً حتى سمح بعرضه في مطلع التسعينيات بعد حذف عدد كبير من مشاهده … لكنها بلا شك إستفادت من إطراء الأديب الكبير ” يحيى حقي ” عليها حيث كتب يقول :

” هذا العمل وليد مهارة حرفية فذة ، عن فكر أزرق الناب خرج تصميم الهيكل العام جنيناً يتكلم في بطن أمه ، منتظماً متناسقاً متزناً سوياً ليس فيه عوج ، التفاصيل ملفوفة في الكل مندسة فيه ، والصقل مرة بعد مرة حتى يبلغ عين المطلوب منه ، والقمة التي تؤول عندها آخر خطوة للصعود إلى آخر خطوة للإنزلاق على الجانب الآخر ، إنتفع بدروس كل الأساتذة السابقين وتطلع أيضاً إلى بشائر أعراف الغد وأذواقه … أو أقول لأنه كشف لنا خبايا كنا نجهلها وخالطنا بأشجان الإنسان وأشواقه – منذ كان – وحيداً أمام القدر ، أو أقول لأنه جهر بما نجمجم به ، صارحنا بجرأة تأنف من النفاق والرياء والمجاملة ، يقظة قد تكون قاسية مؤلمة ولكنها علة الشفاء ” .

وأستطرد ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :

لقد أفلح ” إسماعيل ولي الدين ” في رؤيته إذ تم تقديم العديد من أعماله بعد ذلك سينمائياً ، ومنها رواية ” الأقمر ” التي أخرجها ” هشام أبو النصر ” ، وتلقف ” مصطفى محرم ” رواية ” الباطنية ” ليقدم منها عملاً فنياً على غرار فيلم الأب الروحي ، وفي عام 1976 نشر ” إسماعيل ولي الدين ” روايته ” السلخانة ” ليتلقفها ” سمير صبري ” لينتجها ويقوم ببطولتها وتولى ” أحمد السبعاوي ” إخراجها ، وذكر ” عاطف فتحي ” في مقال له بمجلة أدب ونقد أن ” عصام الجنبلاطي ” قام بتحويل القصة القصيرة ” أسوار المدابغ ” والتي طرحت ضمن قصص المجموعة القصصية ” الكلاب والبحر ” لسيناريو فيلم سينمائي أخرجه الشاب ” شريف يحيى ” في أول تجربة إخراج له لفيلم روائي .

وأضاف ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
في عام 1980 م تحولت قصة طويلة من قصص ” إسماعيل ولي الدين ” إلى فيلم سينمائي هي ” الباطنية ” الإسم الذي جمع بين عنوان القصة وعنوان الفيلم وإسم الحي الشعبي الذي تدور فيه أحداث الرواية .

كتب سيناريو وحوار الفيلم السيناريست ” مصطفى محرم ” ، وشارك في كتابة الحوار ” شريف المنباوي ” ، وقام بإخراج الفيلم ” حسام الدين مصطفى ” ، حيث إستطاعت ” نادية الجندي ” أن تكرس حضورها الفني كنجمة أولى إلى جانب ” عماد حمدي ” ، و ” فريد شوقي ” ، و ” محمود ياسين ” ، و ” فاروق الفيشاوي ” ، و ” أحمد ذكي ” .

تدور أحداث هذه القصة الطويلة ، حول « وردة » صاحبة المقهى في حي الباطنية الشعبي ، والتي تتورط مع « فتحي » وتحمل منه ، ليتخلى عنها بضغط من والده تاجر المخدرات « إبراهيم العقاد » الذي يتستر خلف تجارة الأخشاب ، وحينما تلد مولودها يقوم رجال « العقاد » بخطفه لقطع كل صلة نسب مستقبلية معها ، ويدعي أحدهم أنه مات ، لكن « وردة » ، الساعية للإنتقام ينتهي بها الأمر إلى قتل إبنها .

كانت هذه الرواية من أولى الأعمال الأدبية التي تناولت إنتشار المخدرات في الأحياء الشعبية في مصر ، والتي صورت حالة الدمار التي تحيق بفئة إجتماعية تمتهن تجارة الممنوع ، وتغرق في عالم الجريمة التي تطالها ذاتياً في النهاية .

تحولت القصة بعد حوالي ثلاثة عقود على ظهور الفيلم الذي غدا أحد كلاسيكيات السينما المصرية ، إلى مسلسل أيضاً ، كتب سيناريست الفيلم نفسه ” مصطفى محرم ” ، وأخرجه ” محمد النقلي ” وعرض عام 2009 ببطولة لكلاً من : ” غادة عبد الرازق ” ، و ” صلاح السعدني ” ، و ” أحمد فلوكس ” ، و ” ميمي جمال ” .

ثم أستطرد ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
وفي عام 1983 م تم تقديم أحد أشهر الأفلام المأخوذة عن روايات الأديب ” إسماعيل ولي الدين ” ، وهو فيلم « درب الهوى » ، والذي كان التعاون الثاني له مع المخرج ” حسام الدين مصطفى ” والسيناريست ” مصطفى محرم ” ، وجاء الفيلم من بطولة كلاً من : ” يسرا ” ، و ” محمود عبد العزيز ” ، و ” مديحة كامل ” ، و ” أحمد ذكي ” ، و ” فاروق الفيشاوي ” .

ولم يكن حال هذا الفيلم بأحسن حالاً من ( حمام الملاطيلي ) فبعد عرض الفيلم بستة أسابيع ، صدر قرار من الرقابة التابعة لوزارة الثقافة المصرية ، بسحب ترخيص عرضه من دور العرض في مصر بحجة إثارته لإستياء المشاهدين والإساءة لسمعة مصر ، ولم يتم تجديد التصريح بعرض الفيلم سوى بعد ثماني سنوات من منعه من العرض ، أي في عام 1991م .

تدور أحداث الرواية في أربعينات القرن العشرين ، حيث يقوم بطلها الوزير ورئيس حزب إسمه ” الفضيلة والشرف ” بإطلاق حملة تستهدف غلق بيوت الدعارة ، في الوقت الذي يكون فيه هذا السياسي نفسه ، كثير التردد على بيوت الدعارة ، يعاني من ميول مازوشية شاذة تهوى أن يمارس العنف عليها .

وأضاف ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
وفي عام 1987 م ، تحولت رواية ( أبناء وقتلة ) لفيلم سينمائي أيضاً بالعنوان ذاته ، أخرجه المخرج الراحل ” عاطف الطيب ” ، وكتب له السيناريو والحوار ” مصطفى محرم ” ، وكان يرى « إسماعيل ولي الدين » ، متناولاً التغييرات التي حدثت في المجتمع المصري منذ قيام ثورة 1952 وحتى تسعينات القرن العشرين … ميلودراما عنيفة من الأحداث والتحولات والمشاعر والجريمة … التي جسدت عالم هذا الأديب الذي كثيراً ما إلتقط النماذج الشاذة والمأزومة من سياقها الإجتماعي ، ليجعل منها عنوان متغيرات تعصف ببنى إجتماعية تتبدل وتنهار في المجتمع المصري .

وأشار ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
لقد رحل ” إسماعيل ولي الدين ” الروائي الذي عشقت السينما المصرية رواياته ونماذجها الشاذة ! رحل عن عمر ناهز الـ 86 عاماً ، وهو يعد أحد الروائيين البارزين الذين شغلت رواياتهم المجتمع المصري في سبعينات وثمانينات القرن العشرين ، وخصوصاً حين حولت إلى أعمال سينمائية صادمة ومثيرة للجدل ، تعرّض العديد منها للمنع بحجة الإساءة لسمعة مصر … وبرحيل ” إسماعيل ولي الدين ” يستعيد الكثير ممن عاصروا أدبه صورته الحياتية المتبدلة خلال مشواره الثمانيني المديد ، ليروا كيف تقلب هذا الأديب المتمرس في كشف أمراض المجتمع وعوالمه السفلية على نقيضين :

في الأول عاش حياة الصخب والإنتشار والشهرة ، حيث تحولت معظم قصصه ورواياته إلى أعمال سينمائية شهيرة وكان منتجوا السينما يتنافسون على شراء حقوق كل ما يكتبه ، وفي الثاني إنزوى في عزلة تامة ، وهو على أبواب الستين من العمر ، أي إبتداء من عام 1992 حتى ظن الناس أنه مات منذ سنوات … قبل أن يفاجئهم حوار صحفي معه نشر قبل سنوات قليلة .

وأكد ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
إعتزل ” إسماعيل ولي الدين ” الكتابة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي إذ لم يكن يغادر منزله في منطقة الحسين الشعبية بالقاهرة منذ منتصف التسعينيات … ومنذ إعتزاله وحتى وفاته ثاني أيام عيد الأضحى المبارك ، إلتزم ” إسماعيل ولي الدين ” عادات يومية نظمت إيقاع حياته ورسمت نهايتها : يصلي الفجر، ينام ، ثم يستيقظ ظهراً ليقرأ الجرائد ، وفي المساء يذهب إلى المقهى المجاور ، ليجلس على مقعده المفضل ويستمع إلى الراديو … ثم يرحل بصمت في زمن صاخب لم يُبدِ فيه أي رأي سياسي يذكر .

ثمة من يرى أن صمت ” إسماعيل ولي الدين ” ، كان بسبب إهمال النقاد لأدبه .. وثمة من يذهب إلى أن أدبه أهمل لأنه إقترب من عالم ” نجيب محفوظ ” ، وتقاطعت هواجس الروائية معه ، ما جعله يبدو متأثراً أو مزاحماً في ملعب ” نجيب محفوظ ” الفسيح .
لكن أياً يكن الأمر ، فإن إنتشار روايات ” إسماعيل ولي الدين ” عبر السينما ، كان ظاهرة لافتة ومحيرة … قلما حظي بها روائي آخر بمثل هذه الغزارة بإستثناء : ” نجيب محفوظ ” و ” إحسان عبد القدوس ” … وبقي السؤال : كيف كان أدبه نجماً في السينما ، ولم يكن كذلك في عالم النقد الأدبي ؟؟؟!!!

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى